وسوسة وسن

بعد أن أتعبه السير ، وشط به التيه بين كثبان رمال هذه الفيافي ، وشق أستار السراب سترا غب ستر ؛ أخيرا لاح طيف شجرة ، أو هكذا زعم ، حث الخطى ، وجد في السير ، رغم أن الغلوب والنصب تمكنا منه غاية التمكن .
أخيرا وجد شجرة نسيتها عوادي الزمن ، أو تجلدت وقاومت حتى ضمنت لظلها هذا الوجود اللامألوف ، لم يصدق عينيه ، فركهما ، ولم يضن عليهما بالفرك ، مرات بعد مرات ، قرص وجنته الشاحبة ، وشفته المتشققة من كثرة ما أصابها من العطش الصدي ؛ وجد أن كل شيء واقعا ، وليس وهما كما زعم ، أوطيف سراب ، وأن الشجرة فعلا ظلا ظليلا ؛ نزل به مكدودا متعبا منهوكا ، كأنه كأس بلور تكسر حين لاعبته وليدة ؛ تذكر طفلته التي لم تتجاوز سنتها ، وكيف كان يحلو له أن يدغدغها وينغنغها قبل أن تستسلم للوسن والأحلام .
ترى هل هي الآن ما تزال تحلم كما كانت من قبل ؟ ، أم أن كل حلمها أن تسمع حكايته ودغدغته تلك ؟ ؛ من يدغدغها الآن ؟ ــ قال في سريرة نفسه بصوت متقطع لايكاد يبين ــ وهي تفتقد دفء ذراعيه ، أمها ، جدتها ، جارتها العاقر التي رفضها أزواج كثيرون ؛ واستسلم لهبة نسمة دغدغته فنام قبل أن يرد على سؤاله .
حين استفاق بعد حلم ، وحلم ، وحلم ، وجد أن ما مر به ليس إلا وسوسة وسن ، ألمت به بعد يوم شاق لم يفلح فيه إلا بهذه النعسة المبتسرة من حياته ، وأحس كأنه ربح اليانصيب الذي طالما فشل في الحصول عليه .
ابتسم وقهقه في قرارة نفسه قبل أن يستسلم للنعاس من جديد .
 


جميلة هذه القصة القصيرة
فهى وسوسة وَسَن ( أى نوم ) حقيقية

وقد قال شاعر طيب :
رأي الناس فيما يري النائمون ... وقد يأخذ النوم حكم الجنون !

حييت أخى
 
عودة
أعلى