غزوة أحد
وفيها كانت وقعة أحد في شوال.وذلك: أن الله تبارك وتعالى لما أوقع بقريش يوم بدر, وترأس فيهم أبو سفيان, ذهاب أكابرهم, أخذ يؤلب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين. ويجمع الجموع. فجمع قريباً من ثلاثة آلاف من قريش, والخلفاء والأحابيش. وجاءوا بنسائهم لئلا يفروا. ثم أقبل بهم نحو المدينة. فنزل قريباُ من جبل أحد فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في الخروج إليهم . وكان رأيه أن لا يخرجوا. فإن دخلوها قاتلهم المسلمين على أفواه السكك, والنساء من فوق البيوت, ووافقه عبد الله بن أبي- رأس المنافقين- على هذا الرأي. فبادر جماعة من فضلاء الصحابة- ممن فاته بدر- وأشاروا على رسول الله بالخروج. وألحوا عليه. فنهض ودخل بيته, ولبس لامته, وخرج عليهم, فقالوا: استكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخروج. ثم قالوا: إن أحببت أن تمكث بالمدينة فافعل, فقال: (( ما ينبغي لنبي إذا لبس لامته: أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه)).
فخرج في الف من أصحابه, واستعمل على المدينة عبد الله بن أم مكتوم.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رؤيا: رأى (( أن في سيفه ثلمة, وأن بقراً تذبح. وأنه يدخل يده في درع حصينة. فتأول الثلمة: برجل يصاب من أهل بيته, والبقر: بنفر من أصحابه يقتلون, والدرع بالمدينة)) فخرج, وقال لأصحابه : (( عليكم بتقوى الله, والصبر عند البأس إذا لقيتم العدو. وانظروا ماذا أمركم الله به فافعلوا)).
فلما كان بالشوط- بين المدينة وأحد- انخزل عبد الله بن أبي بنحو ثلث العسكر, وقال: عصاني. وسمع من غيري. ما ندري: علام نقل أنفسنا ههنا. أيها الناس؟ فرجع. وتبعهم عبد الله بن عمرو – والد جابر- يحرضهم على الرجوع. ويقول: (( قاتلوا في سبيل الله, أو ادفعوا, قالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون لم نرجع)) فرجع عنه وسبهم.
وسأل نفر من الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يستعينوا بحلفائهم من يهود. فأبى. وقال: (( من يخرج بنا على القوم من كثب؟)) فخرج به بعض الأنصار, حتى سلك في حائط لمربع بن قيظي من المنافقين – وكان أعمي- فقام يحثو التراب في وجوه المسلمين, ويقول: لا أحل لك أن تدخل في حائطي, إن كنت رسول الله, فابتدروه ليقتلوه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لا تقتلوه, فهذا أعمى القلب أعمى البصر)).
ونفذ حتى نزل الشعب من أحد, في عدوة الوادي الدنيا. وجعل ظهره إلى أحد. ونهى الناس عن القتال حتى يأمرهم.
فلما أصبح يوم السبت تعبأ للقتال. وهو في سبعمائة , منهم خمسون فارساً واستعمل على الرماة- وكانوا خمسين- عبد الله بن جبير. وأمرهم:أن لا يفارقوا مركزهم, ولو رأوا الطير تختطف العسكر. وأمرهم: أن ينضحوا المشركين بالنبل, لئلا يأتوا المسلمين من ورائهم.
وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين.
وأعطي اللواء مصعب بن عمير, وجعل على أحدى المجنبتين الزبير بن العوام وعلى الأخرى: المنذر بن عمرو. واستعرض الشباب يومئذ. فرد من استصغر عن القتال – كابن عمر, وأسامة بن زيد, والبراء, وزيد بن أرقم, وزيد بن ثابت, وعرابة الأوسي- وأجاز من رآه مطيقاً.
وتعبأت قريش, وهم ثلاثة آلاف. وفيهم مائتا فارس. فجعلوا على ميمنتهم: خالد بن الوليد. وعلى الميسرة: عكرمة بن أبي جهل.
ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه إلى أبي دجانة.
وكان أول من بدر من المشركين أبو عامر- عبد عمرو بن صيفي- الفاسق. وكان يسمى الراهب. وهو رأس الأوس في الجاهلية. فلما جاء الإسلام شرق به, وجاهر بالعداوة. فذهب إلى قريش يؤلبهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعدهم : بأن قومه إذا رأوه أطاعوه. فلما ناداهم, وتعرف إليهم, قالوا: لا أنعم الله بك عيناً يا فاسق. فقال: لقد أصاب قومي بعدي شر. ثم قاتل المسلمين قتالاً شديداً. ثم أرضخهم بالحجارة.
وأبلى يومئذ أبو دجانة, وطلحة, وحمزة, وعلي, والنضر بن أنس, وسعد ابن الربيع بلاءً حسناً.
وكانت الدولة أول النهار: للمسلمين, فانهزم أعداء الله, وولوا مدبرين. حتى انتهوا إلى نسائهم. فلما رأى ذلك الرماة, قالوا: االغنيمة, الغنيمة. فذكرهم أميرهم عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلم يسمعوا. فأخلوا الثغر, وكر فرسان المشركين عليه, فوجدوه خالياً. فجاؤوا منه. وأقبل آخرهم حتى أحاطوا بالمسلمين فأكرم الله من أكرم منهم بالشهادة- وهم سبعون – وولى الصحابة.
وخلص المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فجرحوه جراحات, وكسروا رباعيته, وقتل مصب بن عمير بين يديه. فدفع اللواء إلى علي بن أبي طالب.
وأدركه المشركون يريدون قتله. فحال دونه نحو عشرة حتى قتلوا. ثم جالدهم طلحة بن عبيد الله حتى أجهضهم عنه. وترس أبو دجانة عليه بظهره, والنبل يقع فيه وهو لا يتحرك.
وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان. فأتي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فردها بيده. فكانت أحسن عينيه.
وصرخ الشيطان: إن محمداً قد قتل, فوقع ذلك في قلوب كثير من المسلمين.
فمر أنس بن النضر بقوم من المسلمين قد ألقوا بأيديهم, فقالوا: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه. ثم استقبل الناس, ولقي سعد بن معاذ, فقال: يا سعد, إني لأجد ريح الجنة من دون أحد . فقاتل حتى قتل. ووجد به سبعون جراحة.
وقتل وحشيي الحبشي بن عبد المطلب رضي الله عنه. رماه بحربة على طريقة الحبشة.
وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو المسلمين. فكان أول من عرفه تحت المغفر: كعب بن مالك, فصاح بأعلى صوته: يا معشر المسلمين, هذا رسول الله , فأشار إليه: أن اسكت . فاجتمع إليه المسلمون. ونهضوا معه إلى الشعب الذي نزل فيه.
فلما أسندوا إلى الجبل أدركه أبي بن خلف على فرس له, كان يزعم بمكة: أنه يقتل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما اقترب منه طعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ترقوته. فكر منهزماً. فقال له المشركون: ما بك من بأس. فقال: والله لو كان ما بي بأهل ذي المحاز لماتوا أجمعين. فمات بسرف.
وحانت الصلاة, فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً.
وشد حنظلة بن أبي عامر على أبي سفيان. فلما تمكن منه حمل عليه شداد بن الأسود فقتله, وكان حنظلة جنباً. فإنه حين سمع الصيحة وهو يأتي امرأته- قام من فوره إلى الجهاد, فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الملائكة تغسله.
وكان الأصيرم- عمرو بن ثابت بن وقش- يأبي الإسلام. وهو من بني عبد الأشهل. فلما كان يوم أحد, قذف الله الإسلام في قلبه, للحسنى التي سبقت له. فأسلم وأخذ سيفه. فقاتل , حتى أثبتته الجراح, ولم يعلم أحد بأمره. فلما طاف بنوا عبد الأشهل يلتمسون قتلاهم وجدوا الأصيرم- وبه رمق يسير- فقالوا: والله إن هذا الأصيرم. ثم سألوه: ما الذي جاء بك؟ أحدب على قومك, أم رغبة في الإسلام؟ فقال: بل رغبة في الإسلام, آمنت بالله وبرسوله وأسلمت. ومات من وقته. فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: ( هو من أهل الجنة) ولم يصل لله سجدة قط.
مختصرسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم للشيخ محمد بن عبدالوهاب
لمن فاته القراءه :
مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم (تقسيم الغنائم وأسر بدر)...32
يتبع ...
مابعد غزوة أحد