ماجدة صبّاح
عضو فعال
طأطأت رأسها وأقبلت تقبل يديه، وهي الدرة المكنونة والنديم النهدة، قالت ولم يَعْدُ نَظرها عنه: أبا محمد، صريعة أنا على يديك، أستحلفك أن تَصْدقني القول، هل تراني مجافية لأحد الواجبين؟
رفع رأسه واستقام، وبعد أن تنهّد قال:
أي عِرسي، إني والله لأرى الحق أنك لا تزايلي بينهما.
فأما الأول، فإني أشهد أمام الله أنك قد أديتيه، وأنه لا يُهجّنُ أبداً. ثم أنزل رأسه وقد خيم السكوت على وجهه.
ومضى من الوقت زمناً وهما لا ينطقان بغير النظرات. ثم قال لما تراءت أمامه المنى: فأما الثاني، إني واللهِ أراكِ قد فضّلتيه..وإنّ عيني لترنو لرؤيتك وقد أخلصتِ فيه..
حارت هي بخطاها، فطوراً تنظر إليه وتارة تسرح وتشرد..
ثم قالت: والله يا ابن العمّ، إني أرنو إليه حقاً، ولكن ائذن لي..
نظر إلى عينيها، فإذ بهما كوكبين يلمعان بالضحى، يعُبّان من معين شوقها وحزنها.
ربّت على كتفها وقال: صرتنّ تبارين الرجال مكانة ودينا !
ابتسمت وقالت: دعك من هذا لوقت هيجان النقع.
انصرفت هي تحضّن طفلها وتداعبه، أما هو، أمسك بدلاء أيامه وألقى بها في منهل ذكرياته، وبدأ يحاول استحضار تلك الصور ويعمل جاهداً على تركبيها في سطور..
يقول: أذكــــــــــر
حين البرد كان قاسياً، والليل قد جن، أذكر أنني رأيتها لا تزال في إيوانها تتضرع لله وتدعوه، وقد مارت عيناها ألماً على حالي، حتى صار وجهها غرابي، وقد ظننت أنها هي من تواجه الحتف. حين مسّني الضنى، كان جسمها قد بُريَ ألماً، حتى أن من كان يراها يظن أنها مجرد أعظم تتحرك.
وأذكر مرةً، بينما كانت أمي تسقيها الهجاء بلسانها وتكويها بحرّ ملاحظاتها..أذكر أنّ لسانها ما كاد يفتأ أن يصمت عن القبول والرد الحسن.
أي واللهِ، وكأنها عاهدت ربها بين الركوع والسجود، أن لا يخرج من فيها سهام حيف أو قول زور.
حين أخرج للعمل، كأنها بطفل لم تنجبه ولكن، احتارت فيه، ولكثرة خوفها عليه وولهها به كانت لا تملك له سوى الدعاء بالذهاب والرجوع وعين الله تحرسه.
وأذكـــــــــــــــر..
- آه، تباً لهذا المتصل، لم يجد أحلى من هذا الوقت للاتصال؟
رفع سماعة الهاتف وما أن ردّ عليه المتصل، بدأ قلبه بالخفقان.
كانت الرسالة: ( يا صاحب المروءة، ما تقول في أمانةٍ لقوم طلبوها؟)
أجاب على الفور: حلالهم، ترد لهم.
رد المتصل: إذن، فلا تهن، ولا تحزن، ولكن، احتسب..
يقول أبو محمد: لستُ أدري كيف صرت أمامها؟ ولم أكن أعلم لِمَ الزغاريد كانت تدوي، غير أنني -وكل الذي أذكره- أن جسدي خرّ محنياً أمام كتلة الزهر تلك، وخدي قد خط بأطراف الدموع.
لا ، لا أشهد أنوار البدر عليها، ولا ذاك الجسد المخرّق بزهور الندى، وإني واللهِ لأحسدها، فقد كانت محمودة وعن الشتم واللعن وانيةً، وقد كانت صبّارة على المُشتكى، إنّي والله يا ريم أُشهد مليك هذا القضاءِ، أنّك الآن قد أتممتِ كلا الواجبين..
رفع رأسه واستقام، وبعد أن تنهّد قال:
أي عِرسي، إني والله لأرى الحق أنك لا تزايلي بينهما.
فأما الأول، فإني أشهد أمام الله أنك قد أديتيه، وأنه لا يُهجّنُ أبداً. ثم أنزل رأسه وقد خيم السكوت على وجهه.
ومضى من الوقت زمناً وهما لا ينطقان بغير النظرات. ثم قال لما تراءت أمامه المنى: فأما الثاني، إني واللهِ أراكِ قد فضّلتيه..وإنّ عيني لترنو لرؤيتك وقد أخلصتِ فيه..
حارت هي بخطاها، فطوراً تنظر إليه وتارة تسرح وتشرد..
ثم قالت: والله يا ابن العمّ، إني أرنو إليه حقاً، ولكن ائذن لي..
نظر إلى عينيها، فإذ بهما كوكبين يلمعان بالضحى، يعُبّان من معين شوقها وحزنها.
ربّت على كتفها وقال: صرتنّ تبارين الرجال مكانة ودينا !
ابتسمت وقالت: دعك من هذا لوقت هيجان النقع.
انصرفت هي تحضّن طفلها وتداعبه، أما هو، أمسك بدلاء أيامه وألقى بها في منهل ذكرياته، وبدأ يحاول استحضار تلك الصور ويعمل جاهداً على تركبيها في سطور..
يقول: أذكــــــــــر
حين البرد كان قاسياً، والليل قد جن، أذكر أنني رأيتها لا تزال في إيوانها تتضرع لله وتدعوه، وقد مارت عيناها ألماً على حالي، حتى صار وجهها غرابي، وقد ظننت أنها هي من تواجه الحتف. حين مسّني الضنى، كان جسمها قد بُريَ ألماً، حتى أن من كان يراها يظن أنها مجرد أعظم تتحرك.
وأذكر مرةً، بينما كانت أمي تسقيها الهجاء بلسانها وتكويها بحرّ ملاحظاتها..أذكر أنّ لسانها ما كاد يفتأ أن يصمت عن القبول والرد الحسن.
أي واللهِ، وكأنها عاهدت ربها بين الركوع والسجود، أن لا يخرج من فيها سهام حيف أو قول زور.
حين أخرج للعمل، كأنها بطفل لم تنجبه ولكن، احتارت فيه، ولكثرة خوفها عليه وولهها به كانت لا تملك له سوى الدعاء بالذهاب والرجوع وعين الله تحرسه.
وأذكـــــــــــــــر..
- آه، تباً لهذا المتصل، لم يجد أحلى من هذا الوقت للاتصال؟
رفع سماعة الهاتف وما أن ردّ عليه المتصل، بدأ قلبه بالخفقان.
كانت الرسالة: ( يا صاحب المروءة، ما تقول في أمانةٍ لقوم طلبوها؟)
أجاب على الفور: حلالهم، ترد لهم.
رد المتصل: إذن، فلا تهن، ولا تحزن، ولكن، احتسب..
يقول أبو محمد: لستُ أدري كيف صرت أمامها؟ ولم أكن أعلم لِمَ الزغاريد كانت تدوي، غير أنني -وكل الذي أذكره- أن جسدي خرّ محنياً أمام كتلة الزهر تلك، وخدي قد خط بأطراف الدموع.
لا ، لا أشهد أنوار البدر عليها، ولا ذاك الجسد المخرّق بزهور الندى، وإني واللهِ لأحسدها، فقد كانت محمودة وعن الشتم واللعن وانيةً، وقد كانت صبّارة على المُشتكى، إنّي والله يا ريم أُشهد مليك هذا القضاءِ، أنّك الآن قد أتممتِ كلا الواجبين..