( مدخل إلى الأدب الإسلامي ) دراسة منهجية هادفة (12) ..

أبو قصي

ضيف شرف
طاقم الإدارة
الأدب الإسلامي والمجتمع (1)
----------------------------------------

يتوهم بعضهم أن الأدب الإسلامي يتقوقع في أحضان الماضي ، وينجذب إلى الموضوعات التاريخية ، وقد يرتبط شكلاً بها ، سواء في مجال القصة أو الشعر أو المسرحية وغير ذلك ، وآخرون يظنون أن الأدب الإسلامي لا يستطيع أن ينطلق إلى آفاق الإبداع الواسع ، ويجوب تصور المستقبل ، لالتزامه بقيم ثابتة لها من القداسة ما يجعل الخروج عليها أمراً مستعصياً ، وترتب على هذه الأوهام والظنون نظرة ظالمة إلى الأدب الإسلامي ودوره وطبيعته وتأثيره وقيمه الجمالية ، فعزلوا هذا الأدب ( جهلاً ) عن واقع الحياة والمجتمع ، وعن قضايا العصر ومشاكله ، وعن أشواق الإنسان الجديد وأحلامه وآماله وآلامه ..

وهناك فئة حسنة النية من الكتاب الإسلاميين حسبوا أن الأدب الإسلامي لا يكون بهذه الصفة إلا إذا ترددت كلمة ( إسلام وإسلامي ) صراحة في ثناياه ، وإلا إذا كانت نبرة الكاتب بالتوجيه عالية واضحة صاخبة ، متناسين أن ذلك قد يضر بالأدب ضرراً بليغاً ، ويمحو الفواصل بين ألوان الأدب المتعارف عليها ، وبين فنون أخرى تتعلق بالخطبة والحديث والوعظ ، والأخطر من ذلك أن إخوة لنا قد فرضوا حظراً تاماً على بعض الموضوعات كالمرأة وعواطفها والعلاقات الجنسية وغير ذلك من الأمور التي تشكل حرجاً ، بالإضافة إلى الحظر المفروض على بعض العبارات أو الكلمات البذيئة التي يأباها الدين ، وتنبو عن الذوق السليم ، واتسع نطاق الحظر عند بعض العلماء حتى كاد يعطل وظيفة أدبية بنوعيتها وتصنيفها إلى جانب الشر والرذيلة والمروق ، ولعله من الواضح فيما أسلفنا من قول أن الأدب من خلال التصور الإسلامي يرتبط أشد الإرتباط بالمجتمع ، وبالإنسان ومشاكله وعلاقاته المتطورة والمتجددة ، وبطبيعة الحياة التي تخضع دائماً للكثير من المستحدثات وخاصة في هذا العصر الذي نعيش فيه ، وبالعصور التالية قياساً على ما نراه ..

ولا شك أن العديد من الأسئلة الحائرة التي تضطرم في قلب الحياة ، هذه الأسئلة لها علاقة وثيقة بتغير وسائل وأدوات الإنتاج والنمو الصناعي ، وبتغير توزيع الثروة ، وبميزان القوى الإجتماعية في كل دولة ، وموازين القوى العالمية ، وبالفلسفات التي انبثقت في القرون الثلاثة الأخيرة ، وما قبلها من فلسفات ، وبالقيم التي تغيرت تحت إلحاح الدعوات الجديدة المارقة تحت شعار ( الحرية ) القوية الجذابة ، وبضعف الوازع الديني في أنحاء كثيرة من المعمورة ، كما أن تخلي المرأة عن أوضاعها التقليدية ، ومزاحمتها للرجل ومنافستها له ، وتخلصها من القيود والأعراف التي عاشت في رحابها قروناً عديدة ، وتضخم ظاهرة ما يسمى ( بحقوق المرأة ) ، وخروج هذه الحقوق من دائرة الأمومة المقدسة ، والرسالة المنزلية والأسرية ، إلى مجالات السياسة والإنتاج الصناعي والحرية الجنسية ، وأندية الفن واللهو والتبرج ، كل هذا وذاك أوجد واقعاً جديداً أكثر حدة وشراسة ، وبالتالي أكثر تعقيداً ومشاكل ، فكان لا بد أن تضج في مختلف الأنحاء تساؤلات ملحاحة شغلت رجال الدراسات الإجتماعية والنفسية والتربوية والدينية والسياسية والأدبية أيضاً ..

فهل في الإمكان أن يسد الأديب المسلم أذنيه عن هذه التساؤلات الصاخبة ?؟ إنها ظواهر لا نستطيع تجاهلها ، وهي تشكل تعقيدات تحتاج إلى دراسة ونظر وتحليل ، والأديب المسلم صاحب موقف ، ولن يستطيع أن يؤدي رسالته على وجهها الصحيحح إلا إذا واجه تلك المآسي ( أعني الظواهر ) بشجاعة ووعي وتصور سليم ..

ومفتاح حل المعضلة يرتكز على نقطتين :
ـ الأولى : توصيف الظاهرة ، ومعرفة أبعادها وأسبابها ودوافعها ، والخط المتوقع لمسيرتها ونهايتها أو تطورها إلى ما هو أخطر وأعقد ، وإدراك أبعادها الداخلية والخارجية ( النفسية والمجتمعية ) ..
ـ الثانية : التصور الفكري ، أو المنهج المناسب ، أو العقيدة الراسخة التي يمكن استخدامها في التقويم ، وفي معالجة هذه الظاهرة ، حتى تستقيم الحياة ، وتكون أكثر بهجة وسعادة ..

وإذا كان ذلك هو أسلوب عام في تشخيص الظواهر والتعامل معها ، إلا أن طريقة الباحث الإجتماعي ، أو العالم النفسي ، أو العالم الديني ، تختلف عن طريقة الأديب أو الفنان ، الذي يتميز بخصوصية في العرض والتصوير والأداء ، كما يتميز بالتركيز على جانب معين ينفذ من خلاله إلى هدفه حتى يحقق قيمة الجمال الأساسية في الفن إلى جوار قيمة النفع ( المتعة والمنفعة للمتلقي ) ..

إن تضحية الأديب المسلم بقيم الصورة الفنية ( القيم الجمالية ) من أجل المضمون خطر كبير ، فإلى جانب إهدار مواصفات الفن ، وخروجه الصارخ عن نسقه ، تأتي مشكلة أخرى أعمق أثراً وهي عدم قدرته على إيصال رسالته بالطريقة الصحيحة ، وخروجه من دائرة الفن إلى دائرة أخرى قد تكون الأبحاث ، أو الموعظة المجردة ، وهذه وتلك ساحات يشغلها غير الأديب ، ويقوم بدوره فيها خير قيام ..

والأديب الإسلامي لا يستطيع أن يخاصم العصر أو يهرب منه إلى عصور قديمة ، والأدب الإسلامي حينما يتناول موضوعاً تاريخياً ( قديماً ) لا يهرب في الواقع من مجابهة المجتمع أو الحياة الحديثة ، إنه يتناول التاريخ وعينه على الحاضر ، ففي التاريخ كنوز ثمينة من التجارب الإنسانية العامة الشاملة التي لا تموت بمرور السنين إنها قضايا الماضي والحاضر والمستقبل ، فإذا قدم الأديب المسلم أنموذجاً أو مثلاً نابضاً عريقاً ، يرمز إلى قيمة من قيم الخير أو الفضيلة وغيرها ، أو صور صراعاً بين خير وشر ، وعدل وظلم ، وإيثار وأثرة ، كان لمثل هذا العمل الأدبي تأثيراً إيجابياً لما يتضمنه وفائدة ، والتاريخ واقع الأمس ، وفيه قضايا متجددة هي قضايا كل عصر ، ومن قال أن الحرب والسلام ، والخير والشر ، والحب والكره قضايا بعينها ؟؟ إن المضمون لا يختلف ، وإن اختلف أسلوب التناول ، بل قد يختلف أو يتحور المضمون أيضاً من منظور آني ، دون إخلال بقواعد التطور والثبات في الإسلام ..

وليس الأديب المسلم بدعاً في تعريجه على التاريخ ، فكتاب أوروبا وأمريكا قد تناولوا الأساطير الإغريقية عشرات المرات ، كل بأسلوبه الخاص ، وفلسفته التي آمن بها ، وفعل كُتاب العالم الإسلامي المعاصرون الشيء نفسه ، حتى سارتر تناول أسطورة أوديب ( الذباب أو الندم ) ، كما تناولها توفيق الحكيم وعلي أحمد باكثير وغيرهم ، وتناول غيرهم أحداث التاريخ تناولاً أدبياً أو فنيَّـاً مثيراً ، بل إن رواية تاريخية لكاتبة أوروبية ( في أربعة أجزاء ) حققت أعلى أرقام توزيع في العام الماضي .. ما نريد أن نقوله : إن تناول المادة التاريخية بعرض جديد أو أسلوب مبتكر لا يشكل اتهاماً ذا قيمة بالنسبة للأدب الإسلامي ، لكن استلهام التاريخ لا يعني تجاهل الفترة الزمنية التي يعاصرها الأديب ، فالأحداث الجارية ، والتفاعلات العنيفة التي تهز المجتمع المعاصر جديرة دائماً بالإلتفات والنظر ، وهي تعني أن الأديب الإسلامي يعايش واقعه ، ويحمل هموم مجتمعه فتؤرق نومه ، وتهز وجدانه ، وتحرك فكره ، وتثير الحيوية والحرارة في قلمه ، فيعبر عنها التعبير الفني الجميل ، فإذا ما تحدث استمع إليه الناس ، وشعروا أنه معهم ، وأنه يشاركهم العناء ، وأنه يترجم عن قلقهم وآلامهم وآمالهم بأسلوب يجذبهم إليه ، فتتأكد تلك العلاقة الفكرية والروحية بين المبدع والمتلقي ، ويحدث التجاوب الخلاق الذي يساهم في حفز الهمم ، واتخاذ المواقف ، وصنع التغيير إلى الأفضل ، أما الزعم بأن الأدب الإسلامي ينطلق من مقولات ثابتة لا جديد فيها ، وإن الإنسان ( القارىء أو المشاهد ) يحتاج إلى الجديد والجديد دائماً ، وهذه طبيعة الحياة ، هذه المقولة في الواقع تنبىء عن سوء فهم أو سوء نية ، فالأديب مهما كان مضمونه ( إذاً أراد النجاح ) لا بد أن يقدم رؤية جديدة ..

-------------------------------------------
المصدر : كتاب ( مدخل إلى الأدب الإسلامي )
للدكتور / نجيب الكيلاني




 


بارك الله فيك

وأنت بارك الله فيك وعليك (الأخ الكريم ـ الأخت الكريمة ) دانه ...
كل الشكر لك على مرورك الكريم وعلى تشريفك العطر ...
رزقك الله الجنة ونعيمها ...
دمت بكل خير !!..
 


بارك الله فيك


15098.imgcache.gif
 


بارك الله فيك
وأنت بارك الله فيك وعليك أخي الكريم chemistry ...
أشكرك جزيلاً على مرورك الكريم وعلى تشريفك العطر ..
رزقك الله من كل خير ...
تحياتي وتقديري !!..
 
يتوهم بعضهم أن الأدب الإسلامي يتقوقع في أحضان الماضي ، وينجذب إلى الموضوعات التاريخية ، وقد يرتبط شكلاً بها ، سواء في مجال القصة أو الشعر أو المسرحية وغير ذلك ، وآخرون يظنون أن الأدب الإسلامي لا يستطيع أن ينطلق إلى آفاق الإبداع الواسع ، ويجوب تصور المستقبل ، لالتزامه بقيم ثابتة لها من القداسة ما يجعل الخروج عليها أمراً مستعصياً ، وترتب على هذه الأوهام والظنون نظرة ظالمة إلى الأدب الإسلامي ودوره وطبيعته وتأثيره وقيمه الجمالية ، فعزلوا هذا الأدب ( جهلاً ) عن واقع الحياة والمجتمع ، وعن قضايا العصر ومشاكله ، وعن أشواق الإنسان الجديد وأحلامه وآماله وآلامه ..

الكلام الرائع يتسلسل ويتواصل كالمعتاد
أما عن التاريخ فقد نعذر البعض إن هام حبا بتاريخنا الإسلامي العظيم لأنه تاريخ لا مثيل له على الإطلاق بين الأمم
لأنه تاريخ خير أمة أُخرجت للناس , جيل الصاحبة وتابعيهم , والأجيال الفريدة من بعدهم
فأرى أن لا ضير من استلهام التاريخ فى أثناء الإبدعات الأدبية الإسلامية ولكن بقدر بحيث لا يتحول الأدب إلى وثيقة تاريخية مملة ..
بل إن قراءة التاريخ من خلال الأدب هى أمتع من قراءته من كتبه لما تُضيفه اللغة ونفسية الأديب من ظلال مسرحية وخلفيات فنية تضفى على العمل الأدبى التاريخى لذة لا تنقضى ..

بارك الله فيك
 


الكلام الرائع يتسلسل ويتواصل كالمعتاد
أما عن التاريخ فقد نعذر البعض إن هام حبا بتاريخنا الإسلامي العظيم لأنه تاريخ لا مثيل له على الإطلاق بين الأمم
لأنه تاريخ خير أمة أُخرجت للناس , جيل الصاحبة وتابعيهم , والأجيال الفريدة من بعدهم
فأرى أن لا ضير من استلهام التاريخ فى أثناء الإبدعات الأدبية الإسلامية ولكن بقدر بحيث لا يتحول الأدب إلى وثيقة تاريخية مملة ..
بل إن قراءة التاريخ من خلال الأدب هى أمتع من قراءته من كتبه لما تُضيفه اللغة ونفسية الأديب من ظلال مسرحية وخلفيات فنية تضفى على العمل الأدبى التاريخى لذة لا تنقضى ..

بارك الله فيك
وأنت بارك الله فيك وعليك أخي الحبيب محمد شتيوي ...
كل الشكر لك أخي الغالي على مرورك العطر وعلى حضورك المتألق ...
كما أشكرك جزيلاً على إضافاتك الرائعة والمثرية ...
لا تطل غيابك علينا أخي الحبيب ...
كل عام وأنت بخير بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك ...
تقبل أرق تحياتي وبالغ تقديري واحترامي !!..
 
عودة
أعلى