مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ( غزوة بدر الكبرى) ...31

Alhashemiah

مشرفة بالمنتدى ملكة كتاب العرب
طاقم الإدارة
وقعة بدر الكبرى ( يوم الفرقان)

فلما كان في رمضان: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر العير المقبلة من الشام مع أبي سفيان, فيها أموال قريش. فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم للخروج إليها. فخرج مسرعاً في ثلاثمائة وبضع عشرة رجلا. ولم يكن معهم من الخيل إلا فرسان: فرس للزبير, وفرس للمقداد بن الأسود. وكان معهم سبعون بعيراً, يعتقب الرجلان والثلاثة على بعير. واستخلف على المدينة عبد الله بن مكتوم.
فلما كان بالروحاء: رد أبا لبابة, واستعمله على المدينة.
و دفع اللواء إلى مصعب بن عمير, و الراية إلى علي, و راية الأنصار إلى سعد بن معاذ.
ولما قرب من الصفراء: بعث بسبس بن عمرو وعدي بن أبي الزغباء يتحسسان أخبار العير.
وبلغ أبا سفيان مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم. فاستأجر ضمضم ابن عمرو الغفاري. وبعثه حثيثاً إلى مكة, مستصرخاً قريشاً بالنفير إلى عيرهم. فنهضوا مسرعين. ولم يتخلف من أشرافهم سوى أبي لهب.فإنه عوض عنه رجل بجعل. وحشدوا فيمن حولهم من قبائل العرب. ولم يتخلف عنهم من بطون قريش إلا بني عدي فلم يشهدها منهم أحد. وخرجوا من ديارهم, كما قال تعالى: ( بطرا ورئاء الناس. ويصدون عن سبيل الله) فجمعهم على غير ميعاد, كما قال تعالى: ( ولو تواعدتم لاختلفتم في المعياد). و لما بلغ رسول الله خروج قريش: استشار أصحابه. فتكلم المهاجرون فأحسنوا, ثم استشارهم ثانياً. فتكلم المهاجرون. ثم ثالثاً. فعلمت الأنصار: أن رسول الله إنما يعينهم. فقال سعد بن معاذ: كأنك تعرض بنا يا رسول الله- وكان إنما يعينهم. لأنهم بايعوه على أن يمنعوه في ديارهم- وكأنك تخشى أن تكون الأنصار ترى عليهم: أن لا ينصروك إلا في ديارهم. وإني أقول عن الأنصار, وأجيب عنهم. فامض بنا حيث شئت, وصل حبل من شئت, واقطع حبل من شئت, وخذ من أموالنا ما شئت. وأعطنا ما شئت وما أخذت منها كان أحب إلينا مما تركت.فو الله لئن سرت بنا حتى تبلغ البرك من غمدان لنسيرن معك, ووالله لئن استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك.
وقال المقداد بن الأسود: إذن لا نقول كما قال قوم موسى لموسى:
اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك.
فأشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بما سمع منهم. وقال: (( سيروا وأبشروا. فإن الله وعدني أحدى الطائفتين. وإني قد رأيت مصارع القوم)).
وكره بعض الصحابة لقاء النفير, وقالوا: لم نستعد لهم, فهو قوله تعالى: (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق, وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعد ما تبين – إلى قوله- لو كره المجرمون).
وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر.وخفض أبو سفيان فلحق بساحل البحر. وكتب إلى قريش: أن أرجعوا فإنكم إنما خرجتم لتحرزوا عيركم. فأتاهم الخبر. فهموا بالرجوع. فقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نقدم بدراً, فنقيم بها, نطعم من حضرنا ونسقي الخمر, وتعزف علينا القيان. وتسمع بنا العرب. فلا تزال تهابنا أبداً وتخافنا.
فأشار الأخنس بن شريق عليهم بالرجوع, فلم يفعلوا. فرجع هو وبنو زهرة. فلم يزل الأخنس في بني زهرة مطاعاً بعدها.
وأراد بنو هشام الرجوع. فقال أبو جهل: لا تفارقنا هذه العصابة حتى نرجع, فساروا, إلا طالب بن أبي طالب. فرجع.
وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل على ماء أدنى مياه بدر. فقال الحباب بن المنذر: إن رأيت أن تسير إلى قلب- قد عرفناها- كثيرة الماء عذبة, فننزل عليها. ونغور ما سواها من المياه؟ وأنزل الله تلك الليلة مطراً واحداً, صلب الرمل. وثبت الأقدام. وربط على قلوبهم.
ومشي رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضع المعركة.وجعل يشير بيده, ويقول (( هذا مصرع فلان. وهذا مصرع فلان إن شاء الله)) فما تعدى أحد منهم موضع إشارته صلى الله عليه وسلم.
فلما طلع المشركون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( اللهم هذه قريش جاءت بخيلائها وفخرها, جاءت تحادك, وتكذب رسولك. اللهم فنصرك الذي وعدتني. اللهم أحنهم الغداة)) وقام ورفع يديه, واستنصر ربه, وبالغ في التضرع ورفع يديه حتى سقط رداؤه. وقال (( اللهم أنجز لي ما وعتني, اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك. اللهم إن تهلك هذه العصابة لن تعبد في الأرض بعد)).
فالتزمه أبو بكر الصديق من ورائه, وقال: حسبك مناشدتك ربك, يا رسول الله. أبشر, فوالذي نفسي بيده لينجزن الله لك ما وعدك.
واستنصر المسلمون الله واستغاثوه. فأوحي الله إلى الملائكة : ( إني معكم. فثبتوا الذين آمنوا. سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب. فاضربوا فوق الأعناق, واضربوا منهم كل بنان) وأوحى الله إلى رسوله: ( إني ممدكم بألف من الملائكة مردفين) بكسر الدال وفتحها . قيل : إردافاً لكم. وقيل : يردف بعضهم بعضاً, لم يجيئوا دفعة واحدة. فلما أصبحوا أقبلت قريش في كتائبها. وقلل الله المسلمين في أعينهم, حتى قال أبو جهل- لما أشار عتبة بن ربيعة بالرجوع, خوفاً على قريش من التفرق والقطيعة, إذا قتلوا أقاربهم- أن ذلك ليس به. ولكنه- يعني عتبة- عرف أن محمداً وأصحابه أكلة جزور , وفيهم ابنه, فقد تخوفكم عليه.
وقلل الله المشركين أيضاً في أعين المسلمين, ليقضي الله أمراً كان مفعولاً. وأمر أبو جهل عامر بن الحضرمي- أخا عمرو بن الحضرمي- أن يطلب دم أخيه. فصاح. وكشف عن استه يصرخ: واعمراه, واعمراه فحمى القوم. ونشبت الحرب.
وعدل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف. ثم انصرف وغفا غفوة. وأخذ المسلمين النعاس, وأبو بكر الصديق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرسه. وعنده سعد بن معاذ, وجماعة من الأنصار على باب العريش. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع. ويتلو هذه الآية: ( سيهزم الجمع, ويولون الدبر).ومنح الله المسلمين أكتاف المشركين. فتناولوهم قتلاً وأسراً. فتقلوا سبعين, وأسروا سبعين. وخرج عتبة وشيبة ابنا ربيعة, والوليد بن عتبة: يطلبون المبارزة فخرج إليهم ثلاثة من الأنصار, فقالوا: أكفاء كرام. ما لنا بكم من حاجة إنما نريد من بني عمنا. فبرز إليهم حمزة وعبيدة بن الحرث بن المطلب, وعلي بن أبي طالب. فقتل علي قرنه الوليد, وقتل حمزة قرنه شيبة. واختلف عبيدة وعتبة ضربتين, كلاهما أثبت صاحبه. فكر حمزة وعلي على قرن عبيدة فقتلاه. واحتملا عبيدة, قد قطعت رجله. فقال: لو كان أبو طالب حياً لعلم أنا أولي منه بقوله:
ونسلمه حتى نصرع حوله..... ونذهل عن أبنائنا والحلائل
ومات بالصفراء. وفيهم نزلت: ( هذان خصمان اختصموا في ربهم- الآية) فكان علي رضي الله عنه يقول: (( أنا أول من يجثو للخصومة بين يدي الله عز وجل يوم القيامة)).ولما عزمت قريش على الخروج: ذكروا ما بينهم وبين بني كنانة من الحرب. فتبدي لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك. فقال: ( لا غالب لكم اليوم من الناس. وإني جار لكل( فلما تعبأوا للقتال, ورأي الملائكة: فر ونكص على عقبيه, فقالوا : إلى أين يا سراقة؟ فقال: ( إني اري ما لا ترون. إني أخاف الله. والله شديد العقاب). وظن المنافقون: ومن في قلبه مرض: أن الغلبة بالكثرة, فقالوا: ( غر هؤلاء دينهم) فأخبر الله سبحانه: أن النصر إنما هو بالتوكل على الله وحده. ولما دنا العدو: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم, فوعظ الناس. وذكرهم بما لهم في الصبر والثبات من النصر. وأن الله قد أوجب الجنة لمن يستشهد في سبيله. فأخرج عمير بن الحمام بن الجموح تمرات قمن قرنه يأكلهن. ثم قال: ( لئن حييت حتى آكل تمراتي هذه, إنها لحياة طويلة) فرمى بهن, وقاتل حتى قتل فكان أول قتيل.وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ملء كفه تراباً, فرمى به في وجوه القوم. فلم تترك رجلا منهم إلا ملأت عينيه. فهو قوله تعالى: ( وما رميت إذ رميت, ولكن الله رمى).
واستفتح أبو جهل. فقال: اللهم أقطعنا للرحم, وأتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة.ولما وضع المسلمون أيديهم في العدو- يقتلون ويأسرون- وسعد بن معاذ واقف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجال من الأنصار في العريش- رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه سعد الكراهية. فقال: (( كأنك تكره ما يصنع الناس؟)) قال: أجل, والله يا رسول الله, كانت أول وقعة أوقعها الله في المشركين. وكان الإثخان في القتل: أحب إلى من استبقاء الرجال.
ولما بردت الحرب, وانهزم العدو, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( من ينظر لنا ما صنع أبو جهل؟)) فانطلق ابن مسعود, فوجده قد ضربه معوذ وعرف- ابناء عفراء- حتى برد. فأخذ بلحتيه, فقال: أنت أبو جهل؟ فقال: لمن الدائرة اليوم؟ قال: لله ورسوله.ثم قال له أخزاك الله يا عدو الله؟ قال: وهل فوق رجل قتله قومه؟ فاحَْتز رأسه عبد الله بن مسعود. ثم أتي النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: قتلته, فقال: (( والله الذي لا إله إلا هو؟ – ثلاثاً- ثم قال: الحمد لله الذي صدق وعده. ونصر عبده. وهزم الأحزاب وحده. انطلق فأرنيه. فانطلقنا, فأريته إياه. فلما وقف عليه, قال: هذا فرعون هذه الأمة)).
وأسر عبد الرحمن بن عوف أمية بن خلف, وابنه علياً, فأبصره بلال- وكان يعذبه بمكة- فقال: رأس الكفر أمية؟ لا نجوت إن نجا. ثم استحمى جماعة من الأنصار. واشتد عبد الرحمن بهما, يحجزهما منهم, فأدركوهم. فشغلهم عن أمية بابنه على, ففرغوا منه, ثم لحقوهما, فقال له عبد الرحمن: ابرك, فبرك, وألقي عليه عبد الرحمن بنفسه. فضربوه بالسيوف من تحته حتى قتلوه. وأصاب بعض السيوف رجل عبد الرحمن.
وكان أمية قد قال له قبل ذاك: من المعلم في صدره بريش النعام؟ فقال له: ذاك حمزة بن عبد المطلب. قال: ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل.
وانقطع يؤمئذ سيف عكاشة بن محصن. فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم جذلاً من حطب, فلما أخذه وهزه: عاد في يده سيفاً طويلاً, فلم يزل يقاتل به حتى قتل يوم الردة.
ولما انقضت الحرب: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم, حتى وقف على القتلي. فقال: (( بئس عشيرة النبي كنتم. كذبتموني. وصدقني الناس. وخذلتموني. ونصرني الناس وأخرجتموني. وآواني الناس)).
ثم أمر بهم فسحبوا حتى ألقوا في القليب- قليب بدر- ثم وقف عليهم, فقال: (( يا عتبة بن ربيعة, ويا فلان , ويا فلان هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً)) فقال عمر: يا رسول الله, ما تخاطب من أقوام قد جيفوا؟ فقال ما أنت بأسمع لما أقول منهم)).
ثم ارتحل مؤيداً منصوراً, قرير العين, معه الأسرى والمغانم.
فلما كان بالصفراء: قسم الغنائم وضرب عنق النضر بن الحارث. ثم لما نزل بعرق الظبية: ضرب عنق عقبة بن أبي معيط.
ثم دخل المدينة مؤيداً منصوراً. قد خافه كل عدو له بالمدينة. فأسلم بشر كثير من أهل المدينة, ودخل عبد الله بن أبي رأس المنافقين وأصحابه في الإسلام.
وجملة من حضر بدراً: ثلاثمائة وبضع عشرة رجلا. واستشهد منهم أربعة عشر رجلا.
قال ابن إسحق : كان أناس قد أسلموا. فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حبسهم أهلهم بمكة, وفتنوهم فافتتنوا. ثم ساروا مع قومهم إلى بدر. فأصيبوا فأنزل الله فيهم: ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم – الآية).

70769_1219406474.jpg


مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم للشيخ محمد بن عبد الوهاب


70769_1219406474.jpg




يتبع...
تقسيم غنائم بدر واسرى بدر


ملخص الغزوة "غزوة بدر الكبرى" جديد

 


جزاكِ الله خيراً أختي الفاضلة زين الشرف على هذا الموضوع القيم والمتميز ...
بارك الله فيكِ وعليكِ وبارك لكِ في علمكِ وفي عمركِ ...
مازلتِ تواصلين التألق والإبداع مع سلسلتكِ الميمونة والمباركة ...
التنسيق أيضاً من أروع ما يكون وها أنت تبدعين فيه حلقة بعد حلقة ...
اسمحي لي بتقييم هذا الموضوع الرائع بـ +2 ...
بوركتِ زين ، وسلمكِ الله من كل مكروه !!..
 


جزاك الله خيرا اخي ابو قصي على التشجيع المستمر والدعم الطيب منك اخي فلاش كتاب العرب
لاعدمناك اخا

70769_1219413535.gif

 


ما شاء الله عليك ..انهيتي تقريبا 50% من السيرة النبوية وباقي النصف فشمري عن ساعد الجد..همة عالية اختي..
 


بارك الله فيك اخي محمد الحضرمي على التشجيعك الدائم
 
وكان أمية قد قال له قبل ذاك: من المعلم في صدره بريش النعام؟ فقال له: ذاك حمزة بن عبد المطلب. قال: ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل.

وذكر أسد الله حمزة فى هذا الموضع يُذكرنى بقول وحشى - قاتل حمزة - عنه فى موضع آخر :
( ـ فلما التقي الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصره، حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأوْرَق، يهُدُّ الناس هدّا ما يقوم له شيء )

بارك الله فيك
 


جعلكىالله فى جوار النبى صلى الله عليه وسلم فى الجنه
 




وذكر أسد الله حمزة فى هذا الموضع يُذكرنى بقول وحشى - قاتل حمزة - عنه فى موضع آخر :
( ـ فلما التقي الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصره، حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأوْرَق، يهُدُّ الناس هدّا ما يقوم له شيء )

بارك الله فيك
اثراء في محله ... بوركت اخي محمد لا عدمناك لنا اخا
 


شكرا اختي الفاضلة على هذا الموضوع
وان شاء الله مزيدا من المواضيع المميزة
رمضان كريم..............
 
عودة
أعلى