اهلين وسهلين
Well-Known Member
الكنيسة قنطرة للتنصير
منقول من صيد الفوائد
محمد بن شاكر الشريفتجتاح العالم الإسلامي هذه الأيام موجة متصاعدة من التخاذل أمام النصارى سواء في بناء الكنائس على أرض المسلمين أو الطلب من بابا الفاتيكان لبعض الدول الإسلامية بالسماح ببناء الكنيسة مع ذكر المسوغات لهذا الطلب الذي يحاولون أن يصوروه بأنه طلب له ما يسوغه من الأمور التي تجعله منسجما مع حقوق الإنسان، وقبل التعرض لبيان الحكم الشرعي من بناء الكنائس وكذا المعابد الشركية في أرض المسلمين فإنه من المستحسن الإشارة إلى بعض الحقائق المتعلقة بتمسك النصارى بدينهم وبمدى حرصهم على ارتياد الكنيسة.
من المعلوم أن النصارى لا يذهبون-في عاداتهم المتبعة-إلى الكنيسة إلا يوم الأحد من كل أسبوع وبقية أيام الأسبوع الستة لا علاقة للنصارى بالكنيسة إلا نادرا، وذلك بعكس ما عليه المسلمون حيث يرتبطون بالمسجد في اليوم الواحد خمس مرات، ورغم ضآلة الفترة الزمنية التي يرتبط فيها النصراني بالكنيسة مما يمكنه من الوفاء بهذا الارتباط لو أراد من غير أن يؤثر على مصالحة وارتباطاته الدنيوية، فإننا نجد أن الإحصاءات المتعددة تبين انحسار إيمان النصراني بالنصرانية وغلبة الإلحاد على الكثيرين منهم، وأن من بقي منهم على نصرانيته فلا يكاد يذهب إلى الكنيسة منهم إلا أقل القليل حيث يقدِّر الباحثون أن أعداد المسلمين التي تذهب إلى المساجد يوم الجمعة في لندن أكثر من أعداد النصارى الذين يذهبون للكنائس يوم الأحد، على الرغم من أن أعداد النصارى في لندن تفوق أعداد المسلمين سبع مرات، وقد ذكرت شبكة محيط الإخبارية وموقع رسالة الإسلام وغيرهما من المواقع نقلا عن أحد الباحثين قوله: "إن الذين يؤمنون في أوروبا بوجود إله أقل من 14% من السكان، والذين يذهبون في القداس مرة في الأسبوع في فرنسا "بنت الكاثوليكية وأكبر بلادها"، أقل من 5% من السكان أي أقل من 3 ملايين أي أقل من نصف عدد المسلمين الفرنسيين".
وجاء في المصدر نفسه "أن10% من كنائس إنجلترا معروضة للبيع، وفي ألمانيا توقف القداس في 100 كنيسة أي 30% من كنائس إبراشية آيسين وحدها، وفي إيطاليا بلد الفاتيكان غنت مادونا في إحدى الكنائس التاريخية بعد أن تحولت إلي مطعم وملهي ليلي، مضيفا: "إن تلك المؤشرات تدل علي إفلاس الكنائس الغربية في عقر دارها"أهـ، وليس من شك أن لا عقلانية دين النصارى القائم على تخيلات مريضة لا يقرها عقل صحيح، إلى جانب وقوع القساوسة في حمئة الرذيلة والشذوذ والتحرش الجنسي، الذي بات أمرا معلوما مشهودا للناس من أسباب كفر كثير من النصارى بدينهم أو ابتعادهم عن الكنيسة، التي صارت تمثل في أحيان كثيرة ملاذا آمنا للقساوسة يمارسون فيه الفاحشة مع الأطفال أو النساء، في صورة يندى لها كل جبين.
إن الإلحاح النصراني ببناء الكنائس في أرض المسلمين في حين لا يذهب الكثيرون منهم إلى تلك الكنائس في بلاد الغرب، حتى توشك كثير من الكنائس على إقفال أبوابها لعدم أو قلة من يرتادها من النصارى ليضع علامات استفهام كثيرة إمام هذا الإلحاح الذي لا يفسره إلا الرغبة في استخدام هذه الكنائس لتكون قاعدة الانطلاق للتنصير لتعويض النقص الكبير في أعداد النصارى بمرور الزمن.
"ففي دراسة مسيحية بريطانية تعلن هذه الدراسة أنه بعد عقدين من الزمن سوف تقفل ما يقابل العشرين بالمائة (20%) من الكنائس الموجودة هناك وذلك بسبب ارتفاع تكلفة إصلاحاتها وهجر الكثيرين لها وأشارت الدراسة إلى أن كنيستين يتم إغلاقهما أسبوعيًّا وأظهرت الدراسة تراجعا ملحوظا في عدد الحضور بالكنائس، بينما ذكرت بعض الصحف عن قساوسة قولهم: “إن هناك مئات الكنائس لا يدخلها سوى العشرات كل يوم أحد“، في حين يندر التردد عليها في باقي أيام الأسبوع" ، حتى إن هناك بعض البلديات في دولة مثل بلجيكا لا تمانع في تحويل بعض الكنائس التي لم يعد يدخلها أحد إلى مساجد، كما يذكر أن الكنائس في ألمانيا تواجه خطر البيع والاستفادة منها في أمور أخرى في ظل التناقص الشديد والتراجع المذهل في عدد من يرتادون الكنائس حيث تشير بعض الدراسات إلى أن نحو 30 % من كنائسها ربما يتعين بيعها لأغراض تجارية، وقد سبق أن تحولت إحدى الكنائس الكبيرة في ألمانيا إلى مطعم تقدم فيه الخمور نتيجة عدم إمكانية توفير المال لاستمرار عمل الكنيسة رغم أنها حاولت عن طريق السماح بعمل حفلات زواج ديسكو ماجنة من أجل جمع المال للبقاء بلا طائل، حتى أصبح من الأمور المعتادة تحويل كنائس إلى بنوك ومحلات بيع أثاث الحدائق وأسواق ضخمة (سوبر ماركت)، والأمر في الدنمارك لا يختلف عن ذلك بل ربما كان أسوأ من ذلك بكثير حيث تم عرض العديد من الكنائس للبيع بعد أن أصبحت فارغة لا يدخلها إلا الأشباح فالناس هناك قد أداروا ظهورهم للكنيسة، وقد دعا إحجام النصارى الشديد عن الذهاب للكنيسة بعض المتحمسين للكنيسة بصناعة ما يسمونه كنيسة متنقلة وذلك أشبه ما يكون بالخيام الكبيرة حتى تذهب الكنيسة نفسها إلى النصارى في أماكنهم ومنتدباتهم، وشعارهم في ذلك "إذا لم يذهب الناس إلى الكنيسة، فالكنيسة يجب أن تذهب إلى الناس" ورغم كل هذا التهاوي في النصرانية وفي كنائسهم نجدهم يجتهدون في فتح وبناء الكنائس في بلاد المسلمين أملا في الوصول من وراء ذلك إلى تنصير المسلمين، وخاصة في ظل التدهور الاقتصادي التي تعيشه كثير من بلاد المسلمين مما يدفع بعض ضعيفي الإيمان إلى القبول بذلك مما يؤمن لهم مستوى اقتصادي مناسب أو يساعدهم في الزواج أو يفتح لهم طريق الهجرة إلى بلاد الغرب حيث الرفاهية والثراء والعيش الرغيد.
لقد بلغت بالكفار الجرأة مبلغا عظيما حتى إن رأس الكفر في العالم بابا الفاتيكان الذي قدح في الإسلام ورسول رب العالمين في محاضرته الخسيسة ليطالب بافتتاح كنائس في بلاد الحرمين للعمالة المسيحية الأجنبية المقيمة على أراضيها، وهذا أمر تطير فيه الرءوس ولا يكون، وقد عصم الله تعالى هذه البلاد من أن يكون فيها دينان.
مع أن هؤلاء النصارى لا يكادون يدخلون الكنائس في بلدانهم التي أتوا منها ولعل الدراسات الحديثة والتقارير الصادرة عن مؤسسات بحثية بخصوص تناقص عدد النصارى في مقابل زيادة أعداد المسلمين حتى إن بعضها يذهب إلى أن القارة الأوربية النصرانية سوف تتحول عما قريب إلى قارة إسلامية، وهو ما يقض مضجع الصليبيين ويمثل كارثة كبرى بالنسبة لسدنة الصليب، وهو ما يدعو سدنة الصليب إلى الرغبة في الإكثار من عدد الكنائس وخاصة في بلاد المسلمين لتكون سدا أمام تحول النصارى إلى دين الإسلام ولتكون من جانب آخر بوابة خلفية يحاولون من خلالها القيام بعمليات التنصير لقد اتخذت استراتيجية التنصير في الآونة الأخيرة عدة مسارات متنوعة وبخطوات متسرعة، فمن خدعة الحوار بين الإسلام والكاثوليكية، إلى اتهام الإسلام أنه دين إرهابي قائم على العنف والقسوة، إلى شن حرب عسكرية على بلدان إسلامية بزعم القضاء على الإرهاب المتوقع من تلك الدول، إلى محاربة المؤسسات الخيرية التي تعني بفقراء المسلمين والتي تنشط بالدعوة بين صفوف غير المسلمين، والتدخل في منعها وإغلاقها بزعم أن أموالها تستخدم في تمويل الإرهاب، إلى الطعن في رسول رب العالمين خير من وطئ الثرى-صلى الله عليه وسلم-والاستهزاء به، إلى تمزيق المصحف وإهانته، كل ذلك بهدف إماتة الغيرة في نفوس المسلمين والحمية لدينهم، حتى يسمع المسلم سب الله تعالى وسب رسوله صلى الله عليه وسلم ودينه ويهان كتابه، من غير أن يحرك ساكنا أو تتحرك نفسه للدفاع عن دينه، وآخر وليس أخيرا السعي في بناء الكنائس في بلاد المسلمين، وكل ذلك يجري في منظومة واحدة وإن تنوعت صورها، حتى يحقق هؤلاء المشركون الذين يعبدون مع الله إلها آخر ما يوسوس إليهم شياطينهم به، من تحويل العالم كله إلى النصرانية ويرون أن ذلك العمل حق لهم، كما ذكر ذلك بابا الفاتيكان في خطاب له ودافع عما عده حق الكنيسة الكاثوليكية في نشر رسالتها التنصيرية" بين غير المسيحيين (ومنهم بالدرجة الأولى المسلمون) وأصحاب المذاهب المسيحية الأخرى، ودعا لبذل الجهد في سبيلها حتى الموت. كما ذكرت وثيقة أطلقها الفاتيكان مؤخرا أن: "التنصير بالإنجيل حق وواجب وتعبير عن حرية الأديان".ويؤكد البابا على التلاحم بين المسيحية والتنصير فيقول: "المسيحية دائمًا متداخلة مع تنصير غير المسيحيين حتى لو كان الثمن هو الشهادة"، والشيء الغريب الذي يدعو إلى السخرية من هؤلاء ومن أحلامهم الطائشة أنهم لم يتمكنوا من الحفاظ على النصرانية في بلادهم، ولم يستطيعوا أن يضمنوا ولاء النصراني لدينه وعقيدته فكيف يأملون ويسعون في تحويل العالم كله إلى النصرانية! وكيف يطالبون ببناء الكنائس في بلاد المسلمين وهم يهجرون كنائسهم في بلادهم، وهؤلاء ممن ينطبق عليهم قول الله تعالى: إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون.
وبعد هذه المقدمة التي تتناول حال النصرانية في العالم وموقف أتباعها منها ومن ارتياد الكنائس نعود إلى الحديث عن الأحكام الشرعية التي تتناول ذلك الأمر .
الكنيسة تجمع على كنائس وهي مكان تَعبُّد أهل الكتاب اليهود والنصارى، وقد قسم أهل العلم البلاد بالنسبة لديانة من يسكنها إلى ثلاثة أقسام: حرم وحجاز وما عداهما.
فأما الحرم فهو مكة وما طاف بها من جوانبها، وحده من طريق المدينة دون التنعيم على ثلاثة أميال، ومن طريق العراق على سبعة أميال ومن طريق الجعرانة على تسعة أميال ومن طريق الطائف على عرفة من بطن نمرة على سبعة أميال ومن طريق جدة على عشرة أميال، فهذا حد ما جعله الله تعالى حرما لما اختص به من التحريم وباين بحكمه سائر البلاد ، ويختص الحرم بعدة أحكام باين فيها سائر البلدان والذي يتعلق بموضوعنا من ذلك منع من خالف دين الإسلام من معاهد وذمي من دخوله لا مقيما فيه ولا مارا به وهذا قول جمهور أهل العلم ويدل له قوله تعالى: "إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا" وجوز أبو حنيفة دخولهم إليه إذا لم يستوطنوه، والآية دالة على عكس ذلك إذ هي منعت قربانهم من المسجد وليس من استيطانه فقط .
وأما الحجاز: فقد قال الأصمعي سمي حجازا لأنه حجز بين نجد وتهامة، وما سوى الحرم منه يختص بعدة أحكام، والذي يتعلق بموضوعنا منه أنه لا يستوطنه مشرك من ذمي ولا معاهد، وأجازه أبو حنيفة وهو محجوج بما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلما" وقال صلى الله عليه وسلم في المرض الذي مات فيه: " أخرجوا المشركين من جزيرة العرب"
وقال: "قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، لا يبقين دينان بأرض العرب" وكان هذا آخر ما تكلم به، وأخرج البخاري في صحيحه: "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز" قال مالك في الموطأ: " قال ابن شهاب ففحص عن ذلك عمر بن الخطاب حتى أتاه الثلج واليقين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يجتمع دينان في جزيرة العرب، فأجلى يهود خيبر" وضرب لمن قدم من أهل الذمة تاجرا أو صانعا مقام ثلاثة أيام ويخرجون بعد انقضائها فجرى به العمل واستقر عليه الحكم فمنع أهل الذمة من استيطان الحجاز ولا يمكنون من دخوله ولا يقيم الواحد منهم في موضع منه أكثر من ثلاثة أيام قال القرطبي: "وأما جزيرة العرب، وهي مكة والمدينة واليمامة واليمن ومخاليفها، فقال مالك: يخرج من هذه المواضع كل من كان على غير الإسلام، ولا يمنعون من التردد بها مسافرين، وكذلك قال الشافعي رحمه الله، غير أنه استثنى من ذلك اليمن، ويضرب لهم أجل ثلاثة أيام كما ضربه لهم عمر رضي الله عنه حين أجلاهم" قال النووي في شرح حديث أخرجوا المشركين من جزيرة العرب: "وأخذ بهذا الحديث مالك والشافعي وغيرهما من العلماء، فأوجبوا إخراج الكفار من جزيرة العرب، وقالوا: لا يجوز تمكينهم من سكناها، ولكن الشافعي خص هذا الحكم ببعض جزيرة العرب وهو الحجاز ، وهو عنده مكة والمدينة واليمامة وأعمالها دون اليمن وغيره مما هو من جزيرة العرب بدليل آخر مشهور في كتبه وكتب أصحابه . قال العلماء: ولا يمنع الكفار من التردد مسافرين في الحجاز، ولا يمكنون من الإقامة فيه أكثر من ثلاثة أيام، قال الشافعي وموافقوه: إلا مكة وحرمها فلا يجوز تمكين كافر من دخوله بحال، فإن دخله في خفية وجب إخراجه، فإن مات ودفن فيه نبش وأخرج ما لم يتغير، هذا مذهب الشافعي وجماهير الفقهاء" قال ابن حجر: "الذي يمنع المشركون من سكناه منها (أي جزيرة العرب) الحجاز خاصة: وهو مكة والمدينة واليمامة وما والاها، لا فيما سوى ذلك مما يطلق عليه اسم جزيرة العرب، لاتفاق الجميع على أن اليمن لا يمنعون منها مع أنها من جملة جزيرة العرب، هذا مذهب الجمهور"
والمراد من ذلك بيان اتفاق أهل العلم من سائر المذاهب على منع أهل الذمة من سكنى الحرم والحجاز وإذا كان أهل الذمة من اليهود والنصارى ممنوعون من دخول الحرم مطلقا، ومن البقاء في الحجاز أكثر من ثلاثة أيام، فغيرهم من المشركين من غير أهل الكتاب ممنوعون من باب أولى، وإذا كان المشركون كلهم ممنوعين من البقاء في جزيرة العرب على الوجه المتقدم تفصيله، فمنعهم من بناء كنيسة أو معبد من معابد المشركين في هذه البقعة من الأرض أولى وأولى، إذ ليس كل ما جازت سكناه لأهل الذمة جاز لهم بناء كنيسة فيه، والمنع من بناء كنيسة أو معبد للمشركين في جزيرة العرب مما اتفق عليه أهل العلم وأما ما عدا الحرم والحجاز: فهو يشمل بالنسبة للمشركين أقساما ثلاثة: قسم أحياه المسلمون، وقسم ملكه الغانمون عنوة، وقسم صولح عليه أهله.
القسم الأول: فأما القسم الذي أحياه أو مصَّره المسلمون مثل البصرة والكوفة وبغداد والقاهرة ونحو ذلك مما أنشأه المسلمون في القديم أو الحديث، فهذه البلاد صافية للإمام إن أراد أن يقر أهل الذمة بالسكنى فيها جاز، فلو أقرهم على أن يحدثوا فيها بيعة أو كنيسة أو يظهروا فيها خمرا أو خنزيرا أو ناقوسا لم يجز، وإن شرط ذلك وعقد عليه الذمة كان العهد والشرط فاسدا، وهو اتفاق من الأمة لا يعلم بينهم فيه نزاع ، وحقوق أهل الذمة عند المسلمين أولى وآكد من المعاهدين والمستأمنين لأن أهل الذمة من رعايا دار الإسلام ومواطنيها، فإذا لم يجز لأهل الذمة مع ذلك إحداث كنيسة أو بيعة في المدن التي أنشأها المسلمون، فهو من باب أولى لا يجوز للمعاهدين أو المستأمنين.
وقد نقل ابن القيم كثيرا من أقوال أهل العلم التي تدل على ما تقدم ثم علق عليها بقوله: "وهذا الذي جاءت به النصوص والآثار هو مقتضى أصول الشرع وقواعده: فإن إحداث هذه الأمور إحداث شعار الكفر، وهو أغلظ من إحداث الخمارات والمواخير، فإن تلك شعار الكفر، وهذه شعار الفسق، ولا يجوز للإمام أن يصالحهم في دار الإسلام على إحداث شعائر المعاصي والفسوق، فكيف إحداث موضع الكفر والشرك؟"
وذلك أن الإسلام هو دين الحق وكل ما عداه من الدين باطل، والإسلام يعلو ولا يعلى عليه، واليهود والنصارى بعد مجيء الإسلام يكفرون ببقائهم على دينهم وترك الدخول في الإسلام، لا ينكر هذا أو يجادل فيه إلا من رضي بترك الإسلام وراءه ظهريا.
والنصارى لا يوحدون الله في كنائسهم ولا يعبدونه بل يشركون به، ويعبدون معه غيره، والمسلمون مأمورون بعبادة الله والدعوة إلى ذلك ومنع الشرك بالله في الأرض حسب طاقتهم واستطاعتهم، فالإسلام في دعوته لغير المسلمين إنما يريد لهم الخير والسعادة الأبدية، فمن كان هذا توجهه وله قدرة واستطاعة على تحقيق ذلك فكيف يلام عليه ويطلب منه التقاعس عن أداء هذا الأمر، وأقل ما يمكن عمله في هذا الجانب هو عدم مساعدتهم على شركهم والتي منها عدم السماح ببناء كنائس ومعابد في أمصار المسلمين يشركون فيها بالله تعالى ويسبونه.
وقد أورد ابن القيم سؤالا فقال:" فإن قيل: فما حكم هذه الكنائس التي في البلاد التي مصَّرها المسلمون؟.
قيل: هي على نوعين: أحدهما: أن تحْدَث الكنائس بعد تمصير المسلمين لمصر فهذه تُزال اتفاقاً.
والثاني: أن تكون موجودة بفلاة من الأرض، ثم يمصر المسلمون حولها المصر، فهذه لا تُزال، واللّه أعلم" .
وقال ابن قدامة: "وما وجد في هذه البلاد (التي مصَّرها المسلمون) من البيع والكنائس , مثل كنيسة الروم في بغداد , فهذه كانت في قرى أهل الذمة (قبل التمصير) , فأقرت على ما كانت عليه" ، وأما البلدان التي أسلم أهلها عليها فحكمها حكم ما مصره المسلمون قال أبو عبيد القاسم بن سلام في تفسير التمصير: "يكون التمصير على وجوه : فمنها البلاد التي يسلم عليها أهلها ، مثل المدينة والطائف ، واليمن ، ومنها كل أرض لم يكن لها أهل فاختطها المسلمون اختطاطا ثم نزلوها ، مثل الكوفة والبصرة ، وكذلك الثغور ، ومنها كل قرية افتتحت عنوة ، فلم ير الإمام أن يردها إلى الذين أخذت منهم ، ولكنه قسمها بين الذين افتتحوها كفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل خيبر ، فهذه أمصار المسلمين ، التي لا حظ لأهل الذمة فيها ، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أعطى خيبر اليهود معاملة لحاجة المسلمين كانت إليهم ، فلما استغني عنهم أجلاهم عمر ، وعادت كسائر بلاد الإسلام ، فهذا حكم أمصار العرب ، وإنما نرى أصل هذا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب"
القسم الثاني: وأما القسم الذي ملكه أو فتحه المسلمون من أرض الكفار عنوة أي بالقوة، فقد اختلف أهل العلم في جواز عقد الإمام الذمة لهم مع إبقاء معابدهم التي وجدت قبل الفتح بأيديهم ، "فمنهم من قال: لا يجوز تركها بأيديهم بل يملكها المسلمون يتصرفون فيها تصرف المالك في ملكه، ومنهم من قال: يجوز إقرارهم فيها إذا اقتضت المصلحة ذلك، كما أقر النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر فيها، وكما أقر الخلفاء الراشدون الكفار على المساكن والمعابد التي كانت بأيديهم.
ومنهم من قال: يخير الإمام بين الأمرين بحسب المصلحة، قال ابن تيمية: "وهذا قول الأكثرين، وهو مذهب أبي حنيفة، وأحمد في المشهور عنه، وعليه دلت سنه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حيث قسم نصف خيبر وترك نصفها لمصالح المسلمين"
القسم الثالث: وأما القسم الذي صولح عليه أهله فهو على ما صولحوا عليه، فإن صولحوا على إبقاء معابدهم المتقدم بناؤها بأيديهم بقيت بأيديهم ولا يجوز انتزاعها منهم بعد ذلك من غير سبب يوجبه كنقضهم للعقد، وإن صولحوا على جواز أن يحدثوا كنيسة إذا احتاجوا إليها فينبغي الوفاء لهم بما صولحوا عليه "وما فتح صلحا نوعان: أحدهما أن يصالحهم على أن الأرض لهم ولنا الخراج عنها فلهم إحداث ما يحتاجون فيها لأن الدار لهم، والثاني: أن يصالحهم على أن الدار للمسلمين ويؤدون الجزية إلينا فالحكم في البيع والكنائس على ما يقع عليه الصلح معهم من إحداث ذلك وعمارته" .
وفي جميع الأحوال المتقدمة فإنه لا يجوز إحداث كنيسة أو بيعة أو معبد من معابد المشركين في أرض المسلمين، إلا أن يكونوا في قرية يسكنونها منفردين وصولحوا على جواز إحداث كنيسة أو بيعة، أو أن الصلح بين المسلمين والمشركين تم على أن تكون ملكية بلادهم باقية في أيديهم وللمسلمين خراجها، أو يصالحهم على مال يبذلونه-وهي الهدنة-فحينئذ يمكنهم إحداث ما أرادوه واحتاجوا إليه، ولا يمنعون منه لأن الدار دارهم، وأقوال أهل العلم من المذاهب المتعددة تكاد تتطابق في أحكام هذا الباب ولا يوجد خلاف بينهم إلا في بعض التفاصيل التي لا علاقة لها بأصول الأحكام في هذا الباب وقد نقل بعض الناس عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى فأطلق عنه القول بجواز بناء كنيسة في بلاد المسلمين ولم يبين ما الذي أجازه أبو حنيفة، وهو بذلك يروم إلى جعل المسألة خلافية، وكأنه يقول: قد اختلف أهل العلم في ذلك ومن حقي أن أختار من كلام أهل العلم ما أراه محققا لمقاصد الشرع ونحو ذلك من الكلام، لكن بالرجوع إلى كتب الحنيفة يتبين وجه الحق في ذلك، ويظهر أنه لا خلاف بينهم وبين الجمهور في عدم جواز إحداث معابد المشركين في أمصار المسلمين، ففي فتح القدير للكمال ابن الهمام شرح الهداية للمرغيناني (مع مراعاة الاختصار لما لا نحتاج إليه في ذلك): "ولا يجوز إحداث بيعة ولا كنيسة في دار الإسلام ... وهذا في الأمصار دون القرى؛ لأن الأمصار هي التي تقام فيها الشعائر فلا تعارض بإظهار ما يخالفها ،وقيل: في ديارنا يمنعون من ذلك في القرى أيضا؛ لأن فيها بعض الشعائر، والمروي عن صاحب المذهب يعني أبا حنيفة (في جواز الإحداث إنما هو) في قرى الكوفة لأن أكثر أهلها أهل الذمة، .وفي أرض العرب يمنعون من ذلك في أمصارها وقراها لقوله عليه الصلاة والسلام"لا يجتمع دينان في جزيرة العرب" [فالمذكور جوازه عن أبي حنيفة هو ما كان في قرى الكوفة وعلل ذلك بأن أكثر أهلها أهل الذمة، مع أن من فقهاء مذهبه من يخالفه في ذلك] قال الشارح ابن الهمام في شرحه للكلام المتقدم: "وقيد المصنف عموم دار الإسلام بالأمصار دون القرى؛ لأن الأمصار هي التي تقام فيها الشعائر ، فإحداثها فيها معارضة بإظهار ما يخالفها فلا يجوز ، بخلاف القرى، ثم ذكر أن في قرى ديارنا أيضا لا تحدث في هذا الزمان" ثم ذكر المصنف وتبعه الشارح أن أهل الذمة لا يمكنون من نقل معبدهم من مكانه إلى مكان آخر وعللوا أن النقل إحداث لمعبد شركي في مكان لم يكن فيه، وإليك كلامهم: "غير أنهم لا يمكنون من نقلها من مكان إلى آخر؛ لأنه إحداث في الحقيقة في ذلك المكان المنقول إليه فلا يجوز"، وذكر الشارح أن أمصار المسلمين ثلاثة وقال: "ما مصره المسلمون كالكوفة والبصرة وبغداد وواسط، فلا يجوز فيها إحداث بيعة ولا كنيسة ولا مجتمع لصلاتهم ولا صومعة بإجماع أهل العلم، ولا يمكنون فيه من شرب الخمر واتخاذ الخنازير وضرب الناقوس" فذكر إجماع أهل العلم على أن الإحداث في أمصار المسلمين لا يجوز، ثم قال: "وثانيها ما فتحه المسلمون عنوة: فلا يجوز فيها إحداث شيء بالإجماع" فذكر الإجماع أيضا، وذكر اختلاف أهل العلم فيما يفعل في المعابد المقامة قبل الفتح واختار أن تجعل: "كنائسهم مساكن ، ويمنع من صلاتهم فيها ولكن لا تهدم" ثم قال: "وثالثها ما فتح صلحا، فإن صالحهم على أن الأرض لهم والخراج لنا جاز إحداثهم، وإن صالحهم على أن الدار لنا ويؤدون الجزية فالحكم في الكنائس على ما يوقع عليه الصلح، فإن صالحهم على شرط تمكين الإحداث لا يمنعهم، إلا أن الأولى أن لا يصالحهم إلا على ما وقع عليه صلح عمر رضي الله عنه من عدم إحداث شيء منها" وفيها يبين جواز إحداثهم للمعابد لو وقع الصلح على ذلك لكنه يقول: إن الأولى أن لا يصالحهم على جواز الإحداث بل يصالحهم على عدم جواز إحداث شيء كما فعل عمر رضي الله عنه، ثم تحدث الشارح بتفصيل عن الكنائس التي وجدت في أمصار المسلمين بما يتضح فيه مذهب الحنفية بجلاء: كيف وجدت هذه الكنائس؟، فقال: "إنا رأينا كثيرا منها ( الكنائس) توالت عليها أئمة وأزمان وهي باقية لم يأمر بهدمها إمام، فكان متوارثا من عهد الصحابة رضي الله عنهم، وعلى هذا لو مصَّرنا برية فيها دير أو كنيسة (قبل التمصير) فوقع في داخل السور ينبغي أن لا يهدم؛ لأنه كان مستحقا للأمان قبل وضع السور، فيحمل ما في جوف القاهرة من الكنائس على ذلك؛ لأنها كانت فضاء فأدار العبيديون عليها السور ثم فيها الآن كنائس، ويبعد من إمام تمكين الكفار من إحداثها جهارا في جوف المدن الإسلامية، فالظاهر أنها كانت في الضواحي فأدير السور عليها فأحاط بها، وعلى هذا فالكنائس الموجودة الآن في دار الإسلام غير جزيرة العرب كلها ينبغي أن لا تهدم؛ لأنها إن كانت في أمصار قديمة فلا شك أن الصحابة أو التابعين حين فتحوا المدينة علموا بها وبقوها، وبعد ذلك ينظر فإن كانت البلدة فتحت عنوة حكمنا بأنهم بقوها مساكن لا معابد، فلا تهدم ولكن يمنعون من الاجتماع فيها للتقرب، وإن عرف أنها فتحت صلحا حكمنا بأنهم أقروها معابد فلا يمنعون من ذلك فيها بل من الإظهار" أي لا يمنعون من الاجتماع فيها للتقرب ولكن يمنعون من إظهار ذلك.
ثم بين الشارح معنى قول أبي حنيفة فقال: "والمروي عن صاحب المذهب يعني أبا حنيفة رضي الله عنه كان في قرى الكوفة ؛ لأن أكثر أهلها أهل ذمة، بخلاف قرى المسلمين اليوم، ولذا قال شمس الأئمة في شرحه في كتاب الإجارات: الأصح عندي أنهم يمنعون عن ذلك في السواد، وإن كان هو في السير الكبير قال: إن كانت قرية غالب أهلها أهل الذمة لا يمنعون، وأما القرية التي سكنها المسلمون اختلف المشايخ فيها على ما ذكرنا، فصار إطلاق منع الإحداث هو المختار فصدق تعميم القدوري منعها في دار الإسلام" ، وفي حاشية رد المحتار كلام قوي جدا في الرد على من قال بجواز أحداث الكنائس في القرى قال: "لا يجوز إحداث كنيسة في القرى، ومن أفتى بالجواز فهو مخطئ، ويحجر عليه قوله: (ولو قرية في المختار) نقل تصحيحه في الفتح عن شرح شمس الأئمة السرخسي في الإجارات، ثم قال: إنه المختار، وفي الوهبانية: إنه الصحيح من المذهب الذي عليه المحققون، إلى أن قال: فقد علم أنه لا يحل الإفتاء بالإحداث في القرى لأحد من أهل زماننا بعدما ذكرنا من التصحيح، والاختيار للفتوى وأخذ عامة المشايخ، ولا يلتفت إلى فتوى من أفتى بما يخالف هذا، ولا يحل العمل به ولا الأخذ بفتواه، ويحجر عليه في الفتوى، ويمنع، لأن ذلك منه مجرد اتباع هوى النفس، وهو حرام، لأنه ليس له قوة الترجيح، لو كان الكلام مطلقا، فكيف مع وجود النقل بالترجيح والفتوى، فتنبه لذلك، والله الموفق"
وهناك تعقب في حاشية رد المحتار على منع الإحداث في ما فتح عنوة قال: "ليس على إطلاقه أيضا بل هو فيما قسم بين الغانمين أو صار مصرا للمسلمين، فقد صرح في شرح السير بأنه لو ظهر على أرضهم وجعلهم ذمة لا يمنعون من إحداث كنيسة، لان المنع مختص بأمصار المسلمين التي تقام فيها الجمع والحدود، فلو صارت مصرا للمسلمين منعوا من الإحداث، ولا تترك لهم الكنائس القديمة أيضا، كما لو قسمها بين الغانمين لكن لا تهدم، بل يجعلها مساكن لهم، لأنها مملوكة لهم، بخلاف ما صالحهم عليها قبل الظهور عليهم، فإنه يترك لهم القديمة ويمنعهم من الإحداث بعدما صارت من أمصار المسلمين"
فهذه أقوال علماء من أكبر علماء الحنيفة علما وإحاطة بالمذهب وكتب المذهب كلها تجري على ذلك، ولولا الإطالة التي تكون غير مناسبة في مقال وليس كتابا لنقلت من كتب الحنفية أقوالهم في ذلك التي تبين اتفاقهم على ذلك الكلام، فهل تجد فيها هذا الإطلاق والموافقة على جواز الإحداث في أمصار المسلمين كما أوهم من أفتى بذلك واحتج بأبي حنيفة؟ وخلاصة الكلام المتقدم:
1- أن ما مصره المسلمون فلا يجوز إحداث كنيسة أو بيعة فيه باتفاق أهل العلم، وأن ما وجد من ذلك في بعض أمصار المسلمين فقد كان قائما قبل التمصير، فلما مصر المصر وامتد واتسع دخلت فيه هذه المعابد فلم يجب هدمها؛ لأنها سابقة على التمصير.
2- ما فتحه المسلمون عنوة أي بقهر السيوف فالذي جرى به عمل الصحابة والتابعين ومن بعدهم أن لا تهدم المقامة قبل الفتح وتظل كنيسة كما هي، وللحنفية رأي أنها لا تهدم لكن لا تصير كنيسة بل تصير سكنا (وهناك قول بوجوب هدمها)، وأما الإحداث فالذي عليه جمهورهم أنه لا يجوز، وهناك قول عند الحنفية أن المنع من الإحداث مختص بما قسم بين الغانمين، أو صار مصرا للمسلمين، لكن لو ظهر عليهم وجعلهم أهل ذمة فإنه يجوز لهم الإحداث، وهذا القول عندهم ليس على إطلاقه فلو صارت مصرا بعد ذلك منعوا من الإحداث، ولا تترك لهم الكنائس القديمة أيضا لكنها لا تهدم وإنما تصير مساكن لهم، ومع ذلك فإن القول بجواز الإحداث في أرض العنوة لم يوافقهم عليه أحد من علماء المسلمين 3-ما صولح عليه المشركون فإنه يوفي لهم بما صولحوا عليه من إبقاء القديم وإحداث الجديد شبهات لا وزن لها: هناك من يذكر بعض الشبهات على ما تقدم تقريره وهي شبهات لا وزن لها فمن ذلك:
1- أن عدم السماح ببناء معابد للمشركين يعني رفض الآخر وعدم السماح بحرية التدين أو ممارسة ما يعتقده من عبادات:
وهذا تصوير فاسد للقضية فلو كانت المسألة على ما يصورونه من أنه رفض للآخر لما وجد في بلاد المسلمين من يدين بغير الإسلام، ولخُيِّر هؤلاء بين الإسلام، أو ترك البلاد والهجرة منها، أو القتل، كما حدث في الأندلس (أسبانيا) مع المسلمين حينما غلب عليها النصارى، وأما القول بعدم حرية التدين فقول ساقط فإن أحدا منهم لم يجبر على ترك دينه، وأما المنع من ممارسة ما يعتقده من عبادات فبإمكان الواحد منهم أن يعبد بما شاء-لو أراد-في بيته وسكنه وليس يمنعه من ذلك إلا تكاسله هو عن أداء ما يعتقده من العبادة، وليس هناك تلازم بين ممارسة ما يعتقده من عبادات وبين بناء معابد للمشركين في بلاد المسلمين.
2- أن النصارى في الغرب يسمحون للمسلمين ببناء المساجد فينبغي أن يعاملوا بالمثل:
أولا المسلمون يمنعون من كثير من أمور دينهم ولا يسمح لهم بها فالحجاب مثلا تمنع منه النساء المسلمات في كثير من بلاد النصارى كما حدث في فرنسا وغيرها، والمسلمون ممنوعون أيضا في أمريكا من الزواج بزوجة ثانية لأن القانون الأمريكي يمنع من ذلك، وهناك بلدان تمنع ختان الإناث رغم أنه أمر مشروع في ديننا، بل بلغ من طغيانهم أنهم يحاولون إلزام المسلمين به في بلادهم عن طريق قرارات الأمم المتحدة، بل بلغ الأمر بدولة مثل بريطانيا وأسبانيا أن تفرض عقوبة صارمة بالسجن على من يختنون بناتهم ولو حدث ذلك خارج البلاد ، ومن جانب آخر فليس من المعقول أن نكافئ دول الغرب على تمسكها بقانونها العلماني الذي يتيح لكل طائفة أن يكون لها معابدها الخاصة بها بأن نخالف (قانوننا الخاص) ونبيح لهم ما تمنعه الشريعة، وليس معنى أن يوافق هؤلاء على ظهور رموز التوحيد في بلادهم أن نوافق نحن على ظهور رموز الشرك في بلادنا
3- فتوى أحد العلماء بجواز بناء الكنيسة في أمصار المسلمين بناء على حق ولي الأمر في ذلك انطلاقا من فقه السياسة الشرعية التي تقوم على رعاية مقاصد الشرع ومصالح الخلق: وهذا لا شك كلام ساقط لا قيمة له، إذ هو مجرد تصورات من قائله ليس فيه قال الله تعالى قال رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو في الوقت نفسه مخالف لما تقدم نقله من الأدلة ومن أقوال أهل العلم، وأما القول: إن هذا السماح من حق ولي الأمر في ذلك انطلاقا من فقه السياسة الشرعية، فالمعلوم أن ولي الأمر مهما بلغ فليس من حقه مخالفة الأحكام الشرعية، وأنه لا طاعة له فيما خالف فيه الشريعة، وأن عصيانه فيما خالف فيه الشريعة هو الواجب المتعين، وأما الزعم بأن هذا العمل يعد من رعاية مقاصد الشرع فهذا من الكذب على الدين إذ ليس في السماح بإعلان شعار الكفر في أمصار المسلمين أية رعاية لمقاصد الشرع بل هي على الضد من مقاصد الشرع، وأما القول بأن هذا من مصالح الخلق فقد يكون هذا صوابا بالنسبة للكفار وأن ذلك مصلحة لهم لكنه في الوقت نفسه ليس فيه مصلحة للمسلمين بل فيه المفسدة، ولست أدري بأي فقه تغلب مصلحة مئات أو ألوف على مصلحة مئات الألوف أو الملايين!
نسألك اللهم بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا أن تبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، إنك قريب مجيب يا ذا الجلال والإكرام.