الأدب الإسلامي مصطلح لكل العصور (3)
--------------------------------------------
وقد يقول قائل : --------------------------------------------
إنه من الخطر أن نهمل مصطلح ( الأدب العربي ) الذي توارثناه جيلاً بعد جيل ، وأصبح يشكل تراثاً ضخماً عامراً بالكنوز والعطاءات العلمية والفنية ، ونحن لا نهدف إلى ذلك مطلقاً ، فالعربية كما قلنا لغة القرآن والحفاظ عليها فريضة ، فضلاً عن أنها اللغة الأولى والأساسية للأدب الإسلامي ، إن الذي نريده في الواقع هو أن يكون الأدب العربي أدباً إسلامياً أو بتعبير آخر أن يكون مصطلح ( الأدب الإسلامي ) ضمن أي أدب عربي بالدرجة الأولى ، ولا يظنن ظان أنّ أدبنا العربي منذ فجر الدعوة ومروراً بعهود الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين والعثمانيين وغيرهم حتى يومنا هذا ، لم يكن هذا الأدب إلا ترجماناً للثقافة الإسلامية وحضارتها ، يستوي في ذلك الأدباء المسلمون وغيرهم الذين نعموا بالحياة والحرية والتعبير والعمل في ظل المجتمع الإسلامي أبان صعوده وهبوطه ، فالثقافة الحقيقية منهج في الفكر والسلوك ، ولم يكن المجتمع الإسلامي بكل طوائفه وفئاته وأقلياته من معتنقي الأديان الأخرى إلا متأثرين بذلك الطابع الإسلامي الشامل ، ولهذا فإن إحياء مصطلح ( الأدب الإسلامي ) إنما هو في الواقع إيضاح لأيديولوجية ما نسميه بالأدب العربي أو الفارسي أو غيرهما ، وهو بمثابة إعادة الأمور إلى وضعها الصحيح ، ولا يمكن تفسير الغفلة التي سادت القرون الغابرة إلا لأنهم اعتبروا الأمر تحصيل حاصل ، فالأدب العربي إسلامي بالضرورة ، أو هكذا يجب أن يكون ، لأنه ترجمان الحضارة الإسلامية بكل جوانبها ، ولأنه كان وعاء للتبادلات الفنية والفلسفية العلمية بين مختلف الجنسيات والثقافات القديمة ولا يقلل من هذه الحقيقة انسياق الشعراء وراء بدع العصبيات والمدح والفخر الجاهلي والمجون ، فذلك التمرد ( الفني ) والذي يرتبط بالشعر أكثر من غيره : ( وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ﴿٢٢٤﴾ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ﴿٢٢٥﴾ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ﴿٢٢٦﴾ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ﴿٢٢٧﴾ ) (الشعراء : 224ـ 227) ..
إن النظرة العامة للشعر العربي القديم باعتبار ( أغلبه أكذوبة ) وعلى أساس أن الشعراء يهيمون في كل وادٍ ، وأنهم يقولون ما لا يفعلون ، قد جعل المؤرخين والكتاب يتقبلون مصطلح ( الأدب العربي ) باقتناع ورضى ، ولو أنهم استمسكوا بالآداب والقواعد التي رسمها الرسول صلى الله عليه وسلم لشعراء الدعوة الإسلامية ، حين أقام للشعر في المسجد منبراً ، وحينما طلب منهم أن يجابهوا الشرك وأعداء الإسلام ، لو أنهم فعلوا ذلك لما حدث الانفصال بين والشعر والدين بعد العصر الأول ، ولما انعزل هؤلاء الإسلاميون من الشعراء في مواقعهم الخاصة ، بعيداً عن انهيار الشعر وجنوحه إلى الانحراف والنفاق والتكسب ، وبيع الكلمة في سوق الرقيق ..
والأدب الإسلامي بداهة لا يرتبط بعصر دون عصر إنما هو أدب كل العصور ، لكن مفهومه الواضح المتصل بالعقيدة ، يتشكل تبعاً لأحداث التطور ، وترادف الإبداعات المتجددة ، ونحن نرى المذاهب الأدبية الغربية نفسها ترتدي أثواباً جديدة من وقت لآخر ، فالكلاسيكية القديمة اتخذت عند عصر البعث الأوروبي شكل الكلاسيكية الحديثة كذلك تعددت ( الواقعية ) وأصبح لها عشرات الأسماء والمفاهيم ، و ( الرمزية ) تنوعت ، بل إن أدباء المذهب الواحد في العصر الواحد كانوا أنماطاً متمايزة ، ولم يتقوقعوا في قوالب محددة جامدة من صنع المذهب ..
الأدب الإسلامي إذن إفراز طبيعي لمجتمع مسلم ، والذين يعارضون هذا التصور يهدرون الأصول والبديهيات والوقائع التاريخية ، ويتجاهلون التجارب الإنسانية الوفيرة ، ويجعلون الفنون منبتة الصلة بتربتها وبيئتها وينابيعها الفكرية والدينية ، ويخلعون عنها صفة التعبير الصادق ، وينزعون أواصرها التي تعطيها نموها وجمالها وتأثيرها ، وإلا فأتوا إلينا بأدب لم يصدر عن منطلقات إنسانية عاطفية وفكراً وموقفاً ، بصرف النظر عن ماهية هذه العاطفة ، أو طبيعة هذا الفكر ، أو كنه ذلك الموقف ..
كل ما أريد أن أخلص إليه في هذا الموقع هو أن نضع حداً لهذا الجدل الصاخب حول المشروعية الأدبية لمصطلح ( الأدب الإسلامي ) ، وأن ينطلق الأدباء الإسلاميون نحو غايتهم الواضحة وفق برامج متفوقة ووعي صادق ، وأن يهتموا بتأصيل القيم الجمالية ومضامينها الفكرية الأصيلة ، لأن التجربة هي ساحة الامتحان الحقيقي ، والنجاح الحق يفرض وجوده ، ويفسح للأديب مكاناً لائقاً في دنيا الكلمة ، ويجعله شريكاً ( بل رائداً ) في بناء الإنسان والمجتمع الجديد ، وهو في الوقت نفسه ، يرتفع بالأذواق ، ويسمو بالروح ، ويحيى الوجدان ، ويقوّم إعوجاج النفس ، ويتصدى للهجمة الشرسة التي تريد أن تعصف بمقومات وجودنا كله ..
والأدب الإسلامي وثيق الصلة بالصحوة الإسلامية المعاصرة في مجالات التشريع والسياسة والإقتصاد والتعليم والإعلام ، وقيام هذا الأدب بمهامه يعتبر أمراً حيوياً لتجنب العثرات ، واستمرار المسيرة ، والتمهيد لغد أفضل ، وحشد الطاقات لصنع التغيير المرتقب ، وبدون الأدب الإسلامي نكون قد أهملنا سلاحاً فعالاً من أهم أسلحة المعركة ..
-------------------------------------------
المصدر : كتاب ( مدخل إلى الأدب الإسلامي )
المصدر : كتاب ( مدخل إلى الأدب الإسلامي )