قصي حمدان
New Member
ومضات قرآنية : دقة في الحروف
من دقة القرآن أن الحرف فيه يوحي بمعاني كثيرة لا يحققها حرف آخر إن حل محله، فمن ذلك قول الله تعالى" (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا) يتحدث القرآن عن عباد الرحمن، فيأخذ في تعداد صفاتهم لتتلهف القلوب إلى معرفتهم لتكون منهم، فيبدأ بالصفة الأولى ويقول: "يمشون على الأرض هونا"
استعمل حرف الجر (على) الذي يفيد الاستعلاء، فكأن المؤمن يمشي عليها، لا يبالي بها، قد جعلها تحت قدميه، فلا يغتم إن فكر أنه سيفارقها يوما، ولا يجزع إن حدث له فيها حادث أفقده منها شيئا، وهو في مشيه واثق متئد، ليس بالسريع الذي تذهب الحركة مروءته، ولا بالبطيء الذي يمشي متماوتا أو متخشعا، إنه وسط بينهما، يمشي باعتدال، ليس ذليلا ولا خاملا، وليس متكبرا أو بطرا. والاستعلاء في الحرف (على) يفيد أيضا التمكين، فالمؤمنون هم ورثة الأرض كما قال الله تعالى: "وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا" الأعراف.
** فإن انتقلنا إلى آية أخرى وجدنا القرآن يقول: "وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ" (لقمان:1
فاستعمل حرف الجر (في) الذي يوحي لنا بمشاعر هذا الإنسان الذي يمشي مرحا، فحركته تلك نابعة من إحساس في داخله يقول له: إن هذه الدنيا ملكك، إنك خالد في هذه الدنيا. فهو يظن أنه باق في الأرض مع أنه يرى الأموات ويعلم سنة الحياة لكنه غافل لاه، يظن ذلك اليوم بعيدا فيفعل ما شاء ولا يستعد له. ويمضي في الأرض كأنه ملكها بين يديه فيريد أن يضرب بأطناب ملكه في باطنها ليثبته، لذلك قال الله عز وجل في آية أخرى ناهيا وملفتا النظر إلى الحقيقة: "وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً" (الاسراء:37)