الأدب الإسلامي مصطلح لكل العصور (1)
--------------------------------------------
إن القيم الإسلامية الكبرى تفرض سلطانها على كل العصور .. تستوي في ذلك عصور الإزدهار والتسامي وعصور التخلف والتدهور ، لأن هذه القيم مرتبطة أوثق الارتباط بالعقيدة الإسلامية وبمنهجها ، والعجيب أيضاً أنها تبسط هيمنتها على كل الذين يعيشون على أرض الإسلام ، سواء أكانوا مسلمين أو غير مسلمين ، لأنها في حقيقة الأمر قيم حضارية عامة تتغلغل في النظر إلى الأشياء وفي الفكر والسلوك وفي العلوم الدنيوية والدينية وفي التشريع والسياسة والحرب والسلم والاقتصاد وفي الهدف والوسيلة وفي آداب الكلمة أيضاً ، وقد يشذ الأفراد أو تضل الجماعات أو يضعف السلطان وتختل الموازين ، لكن هذه القيم تظل واضحة بارزة مهما ظل بعض فعلها معطلاً ، فهي باقية ما بقيت السماء والأرض ، صامدة صمود القرآن العظيم ، تشع بأنوارها الباهرة عبر العصور المتلاحقة ، لأنها أولاً وأخيراً من الرسالة الخاتمة ومن الكلمة الأخيرة التي نزلت من السماء إلى الأرض ..--------------------------------------------
وتتميز هذه القيم بأنها تضم تصوراً كاملاً شاملاً نموذجياً لكل نواحي الحياة ، فالفضيلة خلق شخصي ، وسلوك اجتماعي ، ومنهج عملي ، وحكم راشد ، وعدالة سمحاء ، وجهاد وعرق ، وإبداع وتطور ، وسياسة أمنية ، وعاطفة نقية ، لا تلبس الحق بالباطل ، ولا تغرق في متاهات اللذة الآثمة ، والجشع القاتل ، والسيطرة الجائرة ، والحرية الضالة ، والأنانية المدمرة ، والمادية الفتاكة ، من هنا استطاعت هذه القيم أن تصنع حضارة فذة ، وتقدم تجربة حية رائدة ، ثم اعتورتها عوامل الضعف والقوة والارتفاع والانخفاض والنصر والهزيمة ، لكن هذه التغيرات كانت تعكس دائماً مدى الإلتزام بهذه القيم أو التحلل منها ، كانت حركة الإنسان سلباً أو إيجاباً وانحرافاً أو تطابقاً ، هي المؤشر لظاهرة النجاح والفشل في أي عصر من العصور ..
وكان طبيعياً أن تفرز هذه القيم أدباً ، وكان منطقياً أن نطلق على هذا الأدب مصطلح ( الأدب الإسلامي ) ، تماماً كما وضع المسلمون مصطلحات أخرى وثيقة الصلة بتلك القيم كمصطلحات : الفقه الإسلامي ، والإقتصاد الإسلامي ، والحكم الإسلامي ، والتاريخ الإسلامي والفتوحات الإسلامية .. الخ ، فالإسلام هو الأب الشرعي دفع هذه ( الكائنات ) من روحه ودمه ، فجعلها تعيش وتنمو ، وتغلغل في أعماق التحرك التاريخي ، وتصبغ الفكر والسلوك والتصور ، وتصنع المنهج الضابط لهذه النشاطات وغيرها ..
ولم يكن هذا التصور أمراً شاذاً كما يدعي بعضهم لأن الفلسفات الكبيرة كلها ( دعك من صوابها أو خطئها ) أفرزت آداباً وانطلقت من قيم معينة فسميت آدابها بأسمائها ، وتمتلئ ساحة الآداب المعاصرة اليوم بأسماء لها دلالاتها وعلاقاتها بتصورات فلسفية متباينة : الأدب الوجودي ، الأدب الإشتراكي أو الماركسي ، أو الواقعي الإشتراكي ، الأدب العبثي ، أدب اللامعقول ، الأدب التبشيري أو التنصيري أو المسيحي ، الأدب الصيهوني ، حتى الرومانسية والكلاسيكية والرمزية والفرويدية والطبيعية وغيرها كلها نبتت في ( أرضية فلسفية ) معينة ، فلا نرى لوناً من ألوان الأدب في أوروبا مثلاً إلا وارتبط تنظيره بفيلسوف من الفلاسفة المحدثين أو القدامى وعلى الرغم من أن الوجوديين قد أقروا بالإلتزام في فنون النثر ورفضوه بالنسبة للشعر ، إلا أن غالبية الشعراء قديماً وحديثاً ينتمون إلى مدارس فلسفية أو فكرية بعينها ، ويترجمون عن التأثر بها ، فلماذا يعاب على المسلمين بالذات دعوتهم إلى الأدب الإسلامي ؟؟
أحرام على بلابله الدوحُ *** حلال للطير من كل جنسِ ؟؟
-------------------------------------------
المصدر : كتاب ( مدخل إلى الأدب الإسلامي )
-------------------------------------------
المصدر : كتاب ( مدخل إلى الأدب الإسلامي )