عوامل التمكين لدعوات المرسلين [الحلقة الأولى: الإيمان الخالص لله]

flowers

مشرف قسم العلاج الطبيعي
عوامل التمكين لدعوات المرسلين [الحلقة الأولى: الإيمان الخالص لله]


إعداد / أبو عبد الله نبيل لعلع

[SIZE=+0]


8825.imgcache.jpg



الإيمان بالله ورسوله هو أول أمر يرتب الله عليه تحقق النصر والتمكين للأمة في كتابه الكريم، وعندما يذكر سبحانه وتعالى الوعد بالتمكين يجعله الشرط الأول والأكبر والأساس، وما سواه من الشروط والأمور فمبنية عليه، فهو الأساس والقاعدة والمنطلق لكل عمل تتقدم به جماعة المؤمنين وهي تسعى إلى النصر والتمكين.
وأول عامل من عوامل التمكين : (الإيمان الخالص لله )
ليس مجرد الإيمان من الجماعة المسلمة كافياً لحصول التمكين والنصر من الله، فقد تهزم جماعة المؤمنين من الكافرين الظالمين رغم توفر الإيمان لديهم، وقد ذكر الله هزيمة المؤمنين في أحد رغم وجود سيد الخلق في صفهم _صلى الله عليه وسلم وبين سبب ذلك في سورة آل عمران وأرجعه إلى حصول المعصية من طائفة منهم والتنازع بسبب عدم خلوص الإيمان لله والدار الآخرة فقد شابه شائبة من إرادة الدنيا.
وبهذا نصل إلى أن الإيمان المترتب عليه نصر الله وتأييده ليس مجرد الإيمان فقط، وإنما الإيمان الخالص لله المتجرد عما سواه، ولقد كنت قبل أن أكتب هذه السطور أود أن أؤكد أن تصفية الجماعة المؤمنة من الشرك ووسائله وذرائعه الموصلة إليه عامل ضروري لتحقق نصر الله لها، وإذا بالأمر أشد حساسية من ذلك، فالإيمان المطلوب من الجماعة المؤمنة والتي وعدها الله بحصول النصر والتمكين، ليس الإيمان السالم من دخائل الشرك ووسائله ؛ وإنما المطلوب أرفع منه وأخلص وأصفى، وهو الإيمان الخالص من كل شائبة تشوبه، ولو لم تبلغ حد صغائر الشرك؛ الإيمان الخالص الناصع المجرد من كل إرادة لغير وجه الله أو إعجاب، أو التفات إلى سبب على حساب التوجه إليه سبحانه والإخلاص له.
وإليك بيان ذلك:
قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ(10) تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ(11) ]. {الصَّف}.
فالله سبحانه وتعالى في هذه الآيات ـ التي وعد المؤمنين في آخرها بالنصر والفتح ـ خاطب المؤمنين وناداهم بقوله :( يا أيها الذين آمنوا)ثم طلب منهم أول مطلوب لنيل ما وعدهم به، فقال : (تؤمنون بالله ورسوله ) فهو هنا سبحانه ناداهم مثبتاً لهم الإيمان، ثم طلب منهم الإيمان به ورسوله تنبيهاً لهم وانتداباً لهم، ليخلصوا الإيمان ويجردوه ويصفوه من كل شائبة، فينالوا بذلك ما وعدهم به، إذاً فوعد النصر والفتح والتمكين مترتب على الإيمان الخالص الصادق النقي وليس على أيما إيمان.
وها هو ذا القرآن الكريم يبين فيه تعالى أسباب الهزيمة في أحد وحنين بادئ الأمر، ويعلل لذلك بوجود شائبة خالطت إيمان الجماعة المؤمنة أو طائفة منها، أودت بالكل إلى الهزيمة، أو الانخذال والإدبار بادئ الأمر في حُنين، أما في أحد فقد تحقق النصر أول الأمر وسطع نجمه وعاينه المؤمنون بعيونهم، وباشروا نتائجه بأيديهم، فانطلقوا يجمعون غنائم أولئك الكفار الفارين المنهزمين، وصدقهم الله وعده تعالى كما قال سبحانه وهو لا يخلف الميعاد، حتى إذا كانوا كذلك على أحسن حال؛ جاءت لوثة إرادة الدنيا من طائفة الرماة، وشابت إيمانهم فكانت المعصية فالهزيمة مباشرة.
عن البراء بن عازب:"جعل النبي صلى الله عليه وسلم على الرجالة ـ جمع راجل ـ يوم أحد وكانوا خمسين رجلاً عبد الله بن جبير فقال: ( إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم ) فهزموهم ـ أي هزم المسلمون المشركين ـ قال: فأنا والله رأيت النساء يشتددن قد بدت خلاخلهن وأسوقهن رافعات ثيابهن، فقال أصحاب عبد الله بن جبير: الغنيمة أي قوم الغنيمة ظهر أصحابكم فماذا تنتظرون، فقال عبد الله بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، قالوا: والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة، فلما أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين ـ أي المسلمون "( ) الحديث.
إن تلك الهزيمة النكراء في أحد للمسلمين كانت بسبب تجسد تلك الشائبة التي خالطت الإيمان من إرادة الدنيا حتى نتج عنها التنازع والعصيان والفشل، فانطلق أولئك الرماة عاصين لأمر رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، يجمعون الغنائم ودرجت كتيبة المشركين بقيادة خالد بن الوليد فاحتلت مكانهم وسامت المؤمنين سوء العذاب، فكانت الهزيمة، قال تعالى:[وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ] {آل عمران:152} .
لقد أرجع الله سبحانه وتعالى الفشل وهو الهزيمة والتنازع والعصيان إلى وجود شائبة في الإيمان لم يصل بسببها إلى الخلوص والتجرد وهي شائبة إرادة الدنيا، " منكم من يريد الدنيا " فسبب عدم خلوص الإيمان وتمام تجرده من أولئك الرماة كانت الهزيمة ولا غير ذلك، فإن الله قد صدق المؤمنين وعده لهم بالنصر حتى رأوه، حتى إذا خالفت طائفة منهم وعصت فلم يخلص الإيمان وهو شرط النصر من الله، بل ظهر على ساحة المعركة ما يقدح فيه من معصية رسول الله "والتنازع، تخلف وعد الله لهم وخذلهم الله فكانت الهزيمة.
قال عبد الله بن مسعود _رضي الله عنه_: "لو حلفت يومئذٍ ـ يوم أحد ـ رجوت أن أبر أنه ليس منا أحد يريد الدنيا حتى أنزل الله :[و مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآَخِرَةَ] {آل عمران:152}.
وكذلك في حُنين نرى الأمر جلياً واضحاً، فلقد أرى الله سبحانه وتعالى المؤمنين عبرة واضحة، فأراهم الهزيمة ثم النصر، وربط الهزيمة بسبب عدم خلوص الإيمان وصفائه وكمال تجرده، وربط النصر بسبب خلوص الإيمان وصفائه في رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ والمؤمنين الذين ثبتوا حوله.
قال تعالى: [لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ] {التوبة:25} .
لقد ذكر الله سبحانه وتعالى هنا الإعجاب بالكثرة، ثم رتب على ذلك الهزيمة بـ"الفاء التعقيبية" التي تفيد التعقيب والترتيب.. [ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ] {التوبة:25} .
لقد كان الإعجاب بالكثرة هنا على حساب الإقبال على الله وطلب النصر منه والتوكل عليه سبحانه، فوكلهم الله إلى ما علقوا أنفسهم به ووجهوا قلوبهم إليه، وهي: "الكثرة" فلم تغن عنهم شيئاً وكانت الهزيمة والإدبار، والله سبحانه وتعالى لا يكل عبده المؤمن ولا يتخلى عنه ولا يخذله ـ خصوصاً ساعة الشدائد ـ إلا إذا غلب على قلب ذلك العبد الاتجاه إلى سوى الخالق والثقة، والالتفات إلى السبب أكثر من الاتجاه، والالتفات والثقة بواهب السبب سبحانه فعند ذلك يكله الله إلى ما علق قلبه ونفسه به، ولقد جاءت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تبين الحالة التي يكل الله فيها عبده أو عباده ويتخلى عنهم.
وبعد أن تقرر معنا أن الإيمان المشوب غالباً ما يكون سبباً لتخلف النصر، وأن الإيمان المطلوب لنيل نصر الله وتأييده اللذَين وعد الله بهما من وعد من عباده هو الإيمان الخالص لله المجرد عما سواه؛ نستعرض آيات الكتاب العزيز وهي تصف الحالة الإيمانية وتحدد درجة الإيمان لعباد الله حين ينزل عليهم نصره ويحيطهم بحفظه ويؤيدهم بجنده سبحانه:
نماذج من الإيمان الخالص لله:
( 1 ) الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى عليه السلام:
هؤلاء الجماعة المؤمنة من الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى مع طالوت، يبين تعالى إيمانهم الخالص وثقتهم به تعالى مما أدى إلى نصرهم بإذن من الله لا بقوتهم ولا كثرتهم.
قال تعالى: [فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا اليَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ] {البقرة:249} .
لقد كان طالوت ومن معه مؤمنين، وعلى درجة من الإيمان فاضلة، ولكنهم قالوا: " لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده " لما رأوا من قلتهم وكثرة جنود جالوت، فقد كانوا جنوداً؛ والجنود في اللغة جمع جند، فلقد كانوا جيوشاً متكاثرة، وجنوداً مجندة، فلا إمكان لخوض المعركة معهم بهذه القياسات المادية حتماً، ولكن كان مع طالوت والمؤمنين طائفة أخلص منهم إيماناً وأرفع، من الذين يظنون أنهم ملاقوا الله، والظن هنا بمعنى اليقين، والإيقان منهم بأنهم ملاقوا الله هو غاية اليقين وأخلص الإيمان وكماله، كما جاء عن أبي بكر " أنه خطب الناس فقال: "قام رسول الله " مقامي هذا عام الأول ـ وبكى أبو بكر ـ ثم قال أبو بكر يحكي قول النبي _صلى الله عليه وسلم: ( سلوا الله المعافاة ـ أو العافية ـ فلم يؤت أحد قط بعد اليقين أفضل من العافية أو المعافاة ) الحديث.
لقد كان بين طالوت ومن معه طائفة اتصفت باليقين وهو درجة كمال الإيمان، كما جاء في الحديث بل غاية اليقين، فيقينهم منصرف هنا إلى لقاء الله وهذا غاية اليقين وأسنى مراتبه، وهنا قامت تلك الطائفة الموقنة بإقناع طالوت وبقية المؤمنين، ورجعوا وقاسوا لهم مقاييس الحروب بالإيمان، وأن القليل يغلب الكثير إذا أذن الله، فلنطلب النصر منه _سبحانه_ ونتضرع إليه، ونطلب أسباب معيته، وهي الصبر والرغبة إليه فلن نغلب، وهنا اقتنع بقية المؤمنين القلة الذين كانوا فوق الثلاثمائة بيسير، وقابلوا الألوف المؤلفة وهم يتضرعون إلى الله " فهزموهم بإذن الله " إن قوله تعالى هنا " بإذن الله " ليدل على أن الهزيمة ما كانت لتكون أبداً لولا إذنه سبحانه فهو الذي نصر المؤمنين، ولولا نصره لهم، لذهبوا شربة ماء لجالوت وجنوده، وما كان ذلك النصر ليكون ويأذن به الله لولا تلك الطائفة الموقنة الذين أرجعوا طالوت والمؤمنين إلى اليقين وطلب النصر من الله، والثقة بنصر الله والصبر حتى نصرهم الله وهزم عدوهم.
( 2 ) بيعة الرضوان:
ما رتب الله سبحانه وتعالى على بيعة الرضوان من إثابة المؤمنين بالفتح القريب ومغانم كثيرة يأخذونها في خيبر، وكف أيدي الناس عنهم، وفتح مكة لهم بعد ذلك دون عناء قتال؛ إنما كان لما علم في قلوبهم من الإيمان الخالص له الصادق الكامل، فأثابهم كل ذلك الثواب بناءً عليه.
قال تعالى: [لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا] {الفتح:18} .
وهنا نرى الإيمان الخالص لله إذا علمه تعالى في قلوب عباده أثابهم عليه فتحاً دون قتال ومغانم كثيرة، كم قاتلوا من قبل فلم يجدوا مثلها!
إن الله سبحانه وتعالى قد أثاب المؤمنين بكل تلك البشائر والفتوح، لا لجهادهم ولا لسعيهم إلى العمرة، وإنما لشيء علمه في قلوبهم،" فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا".
قال ابن كثير رحمه الله: "وقوله تعالى: " فعلم ما في قلوبهم " أي: من الصدق والوفاء والسمع والطاعة".
إن هذه الآيات لتؤكد أن الإيمان الخالص لله هو شرط النصر والتمكين لجماعة المؤمنين، وأنه أعظم شروط نصر الله وتمكينه للمؤمنين، بل هو الشرط الرئيس والأساس، وأنه عند توافره وخلوصه وبلوغه درجة الكمال كدرجة البيعة على الموت في سبيل الله كما كان في بيعة الرضوان فإن الله قد يثيب عليه فتحاً ونصراً وتأييداً وتمكيناً، دون أن يطالب أو يكلف المؤمنين بالجهاد أو عناء النصر وتبعات تطلبه.
والآن وبعد أن تبين دور الفئة الموقنة في تحقيق نصر الله لطالوت ومن معه نرى كذلك دور الإيمان الخالص في بيعة الرضوان، وأن الفتح والمغانم وبشائر التمكين ما كانت إلا ثواباً له، ونرى مدى حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على توفير هذا العامل العظيم من عوامل النصر وتطلبه، ونرى كذلك شدة حرصه على نفي ما يوهن منه أو يضعفه في النفوس، أو يعكر صفاءه أو ينقص كماله، فلقد كان عليه الصلاة والسلام يحرص على أن يوفر من يتوافر فيهم الإيمان الخالص المجرد في صفوف جيشه، ويحرص على خروجهم معه، ويحض صحابته على معرفة قدرهم وأنهم سبب نصر الله لهم، فيقول : ( أبغوني الضعفاء فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم ) . ويقول عليه الصلاة والسلام: ( إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم ) . وذلك أن الضعفاء إذا كانوا أهل صلاة ودعاء وإخلاص بحق أهل الإيمان الخالص لله السالم من الشوائب ؛ لأنهم لضعفهم لا يتعلقون بسبب إلا بالخالق _سبحانه وتعالى_ . وهذا هو عامل النصر الرئيس .
وكذلك كان صلى الله عليه وسلم يحرص على إبعاد كل ما يشوب الإيمان في نفوس صحابته وأمرائهم وسراياهم، فلا يولي إمارة سرية أو ما فوقها من يعلم فيه حرصاً على الإمارة أو استشرافاً لها، وما ذاك إلا لكي لا يختل شرط النصر فينقص الإيمان وتتوجه النية إلى الشرف أكثر من توجهها لنصرة دين الله والإخلاص لإعلاء كلمته سبحانه. عن أبي موسى الأشعري قال: "قال رسول الله: ( إنا والله لا نولي على هذا العمل أحداً سأله ولا أحداً حرص عليه ).
وبعد كل هذا يتبين لنا أن الوعد الذي قطع الله به على نفسه، وجعله حقاً عليه في قوله تعالى: [وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ] {الرُّوم:47} .أن المقصود بـ"المؤمنين" ليس مجرد التسمية لهم بالإيمان، أو ذكر جنسهم أنهم من أهل الإيمان، وإنما المقصود هنا المؤمنون الخُلَّص الذين حققوا الإيمان تحقيقاً، وجردوه لله تجريداً؛ فهم الذين جعل الله لهم حقاً عليه أن ينصرهم، أما مجرد حصول الإيمان والتسمي به فلا يتناوله هذا الوعد، وليس المقصود في الآية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تم الرجوع إلى كتاب( عوامل النصر والتمكين في دعوات المرسلين.. لمؤلفه: أحمد الشهري) بتصرف يسيير.
[/SIZE]


موقع عودة ودعوة​
 
عودة
أعلى