عوامل التمكين لدعوات المرسلين [الحلقة الثانية: الجماعة المناصرة]

flowers

مشرف قسم العلاج الطبيعي
عوامل التمكين لدعوات المرسلين [الحلقة الثانية: الجماعة المناصرة]


إعداد / أبو عبد الله نبيل لعلع

[SIZE=+0]
8824.imgcache.jpg



مما لا شك فيه أن كل دعوة من الدعوات أياً كانت لا بد لها من جماعة تنهض بها وتناصرها، وأن وجود الجماعة هو العامل الأساس في قيام الدعوة ورسوخها وبقائها، ووجود الجماعة المناصرة لدعوة الحق هو أول عامل في تمكينها وتحقق العاقبة لها.
ولقد ذكر الله سبحانه وتعالى هذا في كتابه وبين أن وجود الجماعة المؤمنة المناصرة هو التأييد منه سبحانه لدعوة الحق، والسبب الظاهر في تحقق النصر، قال سبحانه وتعالى لنبيه محمد : [وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالمُؤْمِنِينَ] {الأنفال:62} .
قال ابن كثير: "أي جمعهم على الإيمان بك، وعلى طاعتك ومناصرتك، ومؤازرتك".
فالجماعة التي تكون عاملاً أساسياً في ظهور دعوة الحق وتمكينها، لا بد لها من أمرين:
1- أن تكون مؤمنة.
2-أن تكون مناصرة لدين الله حق المناصرة.
ومتى فقدت الجماعة هذين الأمرين أو أحدهما، أو نقصت في أحدهما، تخلف النصر والظهور، ولو كان ولاؤها لدين الله، ولا أدلَّ على ذلك مما حدث مع نبي الله موسى وأخيه هارون على نبينا وعليهم الصلاة والسلام، وهما يستحثان قومهما للدخول في الأرض التي كتبها الله لهم.
قال سبحانه وتعالى على لسان موسى:[يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ] {المائدة:21} ، فعند التآمل في قوله " كتب لله لكم " نجد التعبير بكلمة (كتب) له غاية من التأكيد تفيد أن الأرض لهم قد كتبها الله في علم الأزل لهم وقدَّر أنها ستكون تحت تصرفهم ـ وبالفعل كانت لهم فيما بعد ودخلوها ـ ولكن نرى هنا كيف نكلت الجماعة المؤمنة عن نصرة أمر الله، وتحقيق ما كتب الله لهم، فامتنعت عن القتال، وتلكأت عن تنفيذ الأمر بمعاذير هي غاية في الجبن والهلع وعدم الثقة بوعد الله ورسوله، وسوء الأدب مع الله وأنبيائه:[قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ] {المائدة:24} .
وعند فقدان المناصرة من الجماعة المؤمنة تأخر ذلك الوعد المكتوب بدخول بني إسرائيل ولم يتخلف في ذاته، وإنما تخلف أولئك الناكلون فلم يستحقوا أن ينالوا ما كُتِب لهم، وهنا نرى في وضوح كوضوح النهار كيف تنحط الدعوة من مراتب عظيمة من التمكين، حين ينكل وينخذل أبناؤها من الجماعة المؤمنة، عن النصرة والتنفيذ لأوامر الله وما رضي الله لهم، عند ذلك قال نبي الله موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام :[قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ القَوْمِ الفَاسِقِينَ(25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى القَوْمِ الفَاسِقِينَ(26) ] {المائدة}.
وهنا نلمس عبرة للمعتبرين ونراها. لقد أصبحت الأرض المكتوبة لهم محرمة عليهم جزاء إنخذالهم ونكولهم عن نصرة أمر الله ونبيه.
وفي الجانب المشرق نرى كيف يكتب الله سبحانه وتعالى التمكين والرفعة للجماعة المؤمنة، حين تتبنى نصرة دين الله، ولو في ساعة العسرة، وكثرة المخالفين، وقلة المؤمنين، كيف يكتبه الله سبحانه وتعالى لهم ويحوطهم ويجعل الرفعة لهم، أبد الآبدين إلى يوم الدين، وهذا جلي واضح ناصع في دعوة نبي الله عيسى على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام.
قال تعالى:[فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ آَمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ(52) رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ(53) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ(54) إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ(55) ]. {آل عمران}.
إن تبني نصرة دعوة الحق في ظروف صعبة كهذه محاطة بالعداء لمن انتمى إليها؛ العداء الظاهر والمكر الغادر من جانب آخر، عداء حتى لنبي يرونه أمام أعينهم يحيي الموتى بإذن الله، ويبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، ويبلغ العداء بهم لدعوته رغم ما يرونه من آيات بيده لا يمكن أن تأتي إلا من عند الله أن يسعوا لقتله وصلبه، هذا كله منصب على الداعي رغم ما معه من الآيات، فما بالك بما سيناله من انتمى إلى دعوته أو انحاز إليها من العداء والنكال، إن مثل هذا الحال ليجعل من المستحيل أو العسير حتى التفكير في الانضمام للدعوة والإيمان بها.
وهنا يأتي موقف النصرة ظاهراً رغم كل هذه الأحوال؛ يأتي قوياً مدوياً نحن أنصار الله على مسامع الملأ ورغم كيدهم وعدائهم ومكرهم، وهنا عبرة كذلك يجب ألا تنسى وأن تكون موضع الاهتمام وهي أن تبني نصرة الدين في ظروف تشير إلى أن الهلاك محدق بمن انضم إليه ـ فضلاً عمن ناصره ـ سبب مباشر في حصول أسباب غيبية من الله وظاهرة تجعل أولئك المناصرين للدعوة ـ يوم لا ناصر لها من قبل الناس وكل لها عدو ـ في أعلى مراتب الظهور والغلبة والنصر.
قال تعالى: [وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] {الأنفال:26} ، وحض سبحانه وتعالى المؤمنين على نصرة دينه، ووعدهم عليها بالنصر والتمكين، قال سبحانه وتعالى:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ] {محمد:7} .
وقال سبحانه وتعالى:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللهِ] {الصَّف:14} .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تم الرجوع إلى كتاب( عوامل النصر والتمكين في دعوات المرسلين.. لمؤلفه: أحمد الشهري) بتصرف يسير

موقع عودة ودعوة
[/SIZE]
 
عودة
أعلى