flowers
مشرف قسم العلاج الطبيعي
كيف ندعو الناس (الحلقة الأولى)
إعداد / أبو عبدالله نبيل لعلع
إعداد / أبو عبدالله نبيل لعلع
[SIZE=+0]
الدعوة إلى الله تكليف دائم بالنسبة لهذه الأمة.
[وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ] {آل عمران:104}.
ذلك أنها أمة خاتم الرسل، التي تحمل رسالته من بعده، ورسالته موجهة إلى البشرية كافة، وإلى الزمن كله، من لدن بعثته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وهى رسالة ذات شقين: شق موجه للذين لم يؤمنوا بهذا الدين بعد، لدعوتهم إلى الإيمان؛ وشق موجه للذين آمنوا، لتذكيرهم وترسيخ إيمانهم:[وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ] {الذاريات:55}.
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ]{النساء:136}.
ولكن الأمة الإسلامية تمر اليوم بظروف خاصة، ربما لم تمر بها من قبل، فقد هبطت معرفتها بالإسلام إلى أدنى حد وصلت إليه في تاريخها كله، وأما ممارستها للإسلام فهي أدنى من ذلك بكثير!
ولذلك فإن مهمة الدعوة اليوم أخطر بكثير من مهمتها في الظروف السابقة، فلم تعد مجرد التذكير، بل أوشكت أن تكون إعادة البناء، الذي تهاوت أسسه وأوشكت أن تنهار، في الوقت الذي تداعت فيه الأمم على الأمة الإسلامية من كل جانب، كما أخبر الرسول : ((يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها))0 قالوا: أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: ((بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله المهابة من صدور أعدائكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن)). قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: ((حب الدنيا وكراهية الموت)).
وكلنا ثقة أن البناء سيعود بإذن الله، وسيعود شامخاً كما كان. والمبشرات كلها تشير إلى جولة جديدة للإسلام، ممكنة في الأرض، على الرغم من كل الحرب التي تشنها الجاهلية في الأرض كلها على الإسلام0 ولكنها مهمة شاقة في الغربة الثانية للإسلام: ((بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ)).
مهمة تحتاج إلى شغل فائق وبصيرة نافذة.
ففي الغربة الأولى كان الإسلام معلوماً عند الناس في أصوله العامة على الأقل، وهى الإيمان بالله الواحد والإيمان بالوحي والنبوة والإيمان بالبعث، سواء في ذلك من دخل في الدين الجديد، ومن وقف يحاربه أشد الحرب، ويرصد طاقته كلها لمحاولة القضاء عليه، وإنما كان سبب الغربة قلة المؤمنين به، وضعفهم وهوانهم على الناس، وكثرة الرافضين له، وطغيانهم في الأرض.
أما في الغربة الثانية فالأمر مختلف، وإن كانت الغربة غربة في جميع الأحوال.
الإسلام اليوم غريب على أهله، فضلاً عن غربته على باقية الناس، وحين تعرضه عليهم على حقيقته يستوحشون منه، ويقولون لك: من أين جئت بهذا؟ ليس هذا هو الإسلام الذي نعرفه!
واليوم في غربة الإسلام الثانية تواجه الدعوة ضرورة بذل الجهد في الأمرين معاً: التعريف والتربية.
فالتعريف بالإسلام لقوم يعرفون بعضه ويجهلون بعضه، ويظنون في الوقت ذاته أنهم يعرفونه كله، مشكلة تحتاج إلى جهد ليس بالقليل. أما التربية- بالنسبة للقاعدة على الأقل- فمشكلة تحتاج إلى جهد أكبر؛ لتعدد مجالات التربية المطلوبة من جهة، ولأن النفوس لا تتخلى عن مألوفاتها بسهولة، ولا تستجيب استجابة فورية لكل ما يطلب منها من تكاليف.. فضلاً عن كون المطلوب ليس مجرد بناء نفوس مؤمنة، بل إعداد شخصيات فائقة التكوين، تصلح لحمل المهمة الضخمة التي تواحهها.
ومن المهم إلى الدرجة القصوى أن نعرف كيف ندعو الناس.. فالأزمة التي يمر بها العالم الإسلامي اليوم أزمة حادة، ربما كانت أشد أزمة مرت به في التاريخ.. وتجمع الأعداء لحرب الإسلام، بما لم يسبقه من قبل تجمع بهذا الحجم وبهذا الإصرار.
وحاجة البشرية إلى الإسلام اليوم لا تقل عن حاجتها إليه يوم أنزل على رسول الله.
تأملات ف نشأة الجيل الأول:
نحتاج أن نقف وقفات طويلة نتأمل فيها نشأة الجيل الأول؛ لأن فيها زاداً كاملاً لكل من أراد أن يدعو، أو يتحرك بهذا الدين في عالم الواقع، فقد صنع ذلك الجيل على عين الله سبحانه وتعالى، كما قال سبحانه لموسى عليه السلام :[وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي] {طه:39} ، ونشأ على يدي أعظم مرب في تاريخ البشرية، محمد رسول الله، فكان جيلاً فريداً في تاريخ البشرية كله، يوجهه الله بالوحي، ويتابعه رسول الله بالتربية والتوجيه، فاكتملت له كل وسائل النشأة الصحيحة في أعلى صورة، فأصبح كالدرس ((النموذجي))، الذي يلقيه الأستاذ ليعلم طلابه كيف يدرسون، حين يئول إليهم أمر التعليم.
وهو بالنسبة للجيل الأول كالجيل الأخير، هو كلمة الله لهذه الأمة، وللبشرية كافة، تحمل حقيقة هذا الدين، وتحمل المنهج الرباني، الذي يريد الله من البشر، إلى قيام الساعة، أن يقيموا عليه حياتهم، ويؤسسوا عليه بنيانهم، سواء كان هو الكتاب المنزل، أو البيان الذي قام به رسول الله لهذا الكتاب، بالسنة القولية أو العملية:[وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ] {النحل:44} . [وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى(3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(4) ]. {النَّجم}.
من أشد المواقف في مسيرة الجيل الأول، ذلك الأمر الرباني للمؤمنين أن يكفوا أيديهم في مرحلة التربية بمكة، وأن يتحملوا الأذى صابرين، وقد أشار الله إلى هذا الأمر في قوله تعالى، مذكراً به:[أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ] {النساء:77 } .
وكان بعض الصحابة رضوان الله عليهم قد سأل الرسول حين اشتد الأذى بالمؤمنين: ألا نقاتل القوم؟ فقال عليه الصلاة والسلام : (( ما أمرنا بقتالهم)) .
ولم يكن هذا وحده هو الذي اتضح للأنصار، من خلال ((كفوا أيديكم)).. لقد اتضح أمر أخر له أهميته البالغة في خط سير الدعوة، وهو قضية ((الشرعية)).
وحين وضحت القضية على هذا النحو من خلال ((كفوا أيديكم)) ، جاء الأنصار !
وحين جاء الأنصار اتسعت القاعدة، وحدث تحول في التاريخ !
وللموضوع بقية إن شاء الله في الحلقة القادمة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تم الرجوع إلى كتاب (كيف ندعو الناس- للشيخ محمد قطب) بتصرف يسير
موقع عودة ودعوة