flowers
مشرف قسم العلاج الطبيعي
القدس تدخل المراحل الأخيرة للتهويد والابتلاع !!
طارق شديد
طارق شديد
[SIZE=+0]
القدس بالنسبة لنا - نحن المسلمين - كنز عظيم، وثروة هائلة وأمانة هامة، جعلها الله في أيدي المسلمين منذ أن أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم، إليها ثم عرج به منها إلى السموات العلا·· ذلك الحادث الفريد الذي أكرم الله به رسوله - صلى الله عليه وسلم - قد جعل المسلمين في كل زمان ومكان يتطلعون إلى المسجد الأقصى المبارك، وتهوى قلوبهم إلى زيارته للصلاة فيه، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -في الحديث الصحيح: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا) رواه البخاري ومسلم·
وفي رحلة الإسراء صلى النبي - صلى الله عليه وسلم -إماماً بالأنبياء والمرسلين إلى وجهة مدينة القدس وتوجه المسلمون في صلاتهم ستة عشر شهراً شطرها فكانت قبلتهم الأولى حتى نزل قوله تعالى:[قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ] {البقرة:144} .
وتنطوي آية الإسراء:[سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ] {الإسراء:1} ·· على أمر هو في غاية الأهمية، وهو الإعلام عن الأرض التي حول المسجد الأقصى أنها مباركة بمباركة الله لها، وبالتالي يكون موضع المسجد الأقصى مباركاً بداهة، ويكون موضعه بالنسبة للأرض حوله موضع القلب من الجسد··
ولكن مدينة القدس تعيش الآن محنة مريرة وواقعاً مأساوياً يطأطئ الإنسان رأسه خجلاً منه، فبعد إعلان قيام دولة إسرائيل في فلسطين سنة 1948م، بدأت المخططات الإسرائيلية ضد القدس وأهلها ومقدساتها تتكشف وتظهر وتفاجئ العالم العربي والإسلامي، والتي تهدف إلى ضم وتهويد ليس مدينة القدس وحدها، بل ومعظم محافظاتها العربية المحيطة بها، وقضائي رام الله والبيرة من جهة، وبيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور وقرى ومخيمات الشرف فيها وحولها من جهة أخرى، وتشكل هذه كلها حوالي 30% من مساحة الضفة الغربية التي احتلتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في يونيو 1967م··
مخطط ابتلاع القدس:
وقد تحددت ملامح هذا المخطط الخطير في المشروع الذي أطلق عليه (مشروع القدس الكبرى) والذي نشرته سلطات الاحتلال لأول مرة عام 1969م، وقد مر هذا المشروع حتى اليوم بأحد عشر مرحلة هي:
1- الاحتلال الإسرائيلي للقسم الغربي عام 1948م ويشكل هذا القسم حوالي 80% من مساحة تنظيم المدينة، والإعلان بتاريخ 23/1/1950 أن هذا الجزء من القدس هو عاصمة لهم، ونقل برلمانهم إليه··
2- الاحتلال الإسرائيلي للقسم الشرقي من القدس بتاريخ 7/6/1967م ، ويضم المدينة القديمة ومعظم المقدسات الإسلامية والمسيحية وبعض الأحياء المحيطة بها شمالاً وجنوباً وشرقاً وكانت مساحتها حوالي (12) كيلو متراً مربعاً، وعدد سكانه حوالي (80) ألفاً·· وقد أعلنت سلطات العدو الإسرائيلي ضمها لهذا القسم إدارياً بتاريخ27/6/1967، بموجب قرار أصدره رئيس وزرائهم ليفي أشكول آنذاك·
3- توسيع حدود القدس بتاريخ 28/6/1967، بموجب أمر صادر من سكرتير حكومة الاحتلال الإسرائيلي المدعو يائيل أوزاي، وضم قطاعات في المناطق العربية المحتلة تقع شمالا وشرقي وجنوبي القسم الشرقي من القدس، وتبلغ مساحتها (50) كيلو متراً مربعاً، وعدد سكانها ثلاثين ألف عربي··
4- الإعلان رسمياً عن ضم هذه المناطق إلى حدود بلدية القدس تحت الاحتلال الإسرائيلي وذلك بموجب أمر صادر بتاريخ 28/6/1967، عن وزير الداخلية الإسرائيلي حاييم موشي شابيرا··
5- حل مجلس أمانة القدس بتاريخ 29/6/1967، وذلك بموجب أمر غير شرعي صادر عن جيش الدفاع الإسرائيلي وموقع من قبل يعقوب سلمان، مساعد القائد العسكري الإسرائيلي، ويقضي بضم أملاك الأمانة ومحتوياتها إلى بلدية الاحتلال الإسرائيلية واعتبار موظفيها كموظفين مؤقتين تابعين لبلدية الاحتلال، ثم إبعاد أمينها في 7/3/1968 بموجب أمر صادر عن وزير الدفاع الإسرائيلي·· ديان آنذاك··
6- المباشرة منذ أوائل عام 1968م بمصادر الأراضي والعقارات العربية داخل القدس وما حولها، وحول المدن والقرى ومخيمات اللاجئين الواقعة ضمن محافظتها وتطويقها بالضواحي والمستعمرات الإسرائيلية··
7- الكشف لأول مرة عن مشروع القدس الكبرى، وذلك في مقال نشرته جريدة (معاريف) الإسرائيلية الصادرة بتاريخ 26/3/1969م تحت عنوان (القدس الكبرى كعاصمة لإسرائيل) وردت فيه تفاصيل مشروع كانت تخطط له لجنة هندسية إسرائيلية عليا منذ يونيو 1967، لتوسيع حدود مدينة القدس بحيث تمتد إلى رام الله شمالاً والى بيت لحم جنوباً، ولم تذكر الجريدة فيه شيئاً عن الحدود الشرقية، ولكنها أضافت أن هذا المشروع قد صمم وخطط لخمسين سنة قادمة، وعلى أساس أن عدد السكان فيها سيزيد على مليون نسمة غالبيتهم من اليهود، وقد أطلقت السلطات الإسرائيلية على هذا المشروع اسم (مشروع الأب)··
وتشترك في التخطيط له أربع مؤسسات إسرائيلية هي: البلدية، وزارة الإسكان، وزارة المواصلات، وزارة الداخلية·· وجملة ما يهدف إليه هذا المشروع، هدم قسم كبير من مساكن وعقارات العرب داخل السورت، بحجة أن هذه الأماكن مكتظة بالسكان، وأنها غير صحية، ويؤدي هذا الهدم إلى تشريد أعداد جديدة من السكان العرب بالقدس، مما سيؤدي إلى إزالة وطمس معالم الكثير من الأبنية العربية التاريخية والحضارية والدينية التي تربط حاضر العرب بماضيهم في المدينة المقدسة··
8- الكشف عن مشروع ثان جاء ضمن خبر نشرته جريدة (دافار) الإسرائيلية الصادرة بتاريخ 30/9/1974، وقد كشف هذا المشروع بعض ما يطبخ لحاضر ومستقبل الضفة الغربية من مخططات تقطع وتمزق جزءاً كبيراً منها لضمه للسيادة الإسرائيلية المباشرة تحت اسم (توسيع حدود القدس) والمناطق التي يشملها المشروع كما حدد، تضم تسع مدن وأربعاً وستين قرية عربية بالإضافة للقدس وللقرى التي ضمت إليها في المرحلة الثالثة بتاريخ 28/6/1967م
9- إقرار البرلمان الإسرائيلي بتاريخ 30/7/1980م، قانوناً يقضي بجعل القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل للأبد ومقراً لبرلمانهم ولرئيس دولتهم ومحكمتهم العليا·· وتحدياً للقرارات الدولية ولمبادئ حقوق الإنسان··
10- المشروع الثالث، المسمى نظام المشروع الإسرائيلي لمنطقة المركز، وهو أول مشروع متكامل يعلن عنه رسمياً، وقد أظهرت الدراسات الخاصة بالمشروع أن التخطيط الإسرائيلي في الأراضي المحتلة يأتي ليتكامل مع التخطيط الإقليمي داخل إسرائيل، بهدف زيادة إحكام السيطرة الإسرائيلية على الأراضي، وتمزيق أوصال الوجود الفلسطيني فوقها، ومنع الشعب الفلسطيني من تنفيذ قرارات الأمم المتحدة الداعية إلى إنشاء الدولة الفلسطينية، بهدف إحكام السيطرة الإسرائيلية على مصادر المياه ومصادر الطاقة·· ويفسر مشروع التنظيم لمنطقة المركز بشكل أوضح معنى هذه السيطرة عندما ينتقل التخطيط الإسرائيلي من هدف نهب الأرض ومحاصرة المدينة والقرية إلى هدف نهب الإنسان الفلسطيني ومحاصرته هو نفسه وتدمير البنية التحتية لإنتاجه توطئة لاقتلاعه من أرضه وتهجيره··
11- ومنذ جريمة اقتحام >إريل شارون< للحرم القدسي الشريف في (28 سبتمبر 2000م) واندلاع انتقاضة الأقصى، ثم مجيئه إلى الحكم في فبراير (2001م)، وهو يفتعل أحداثاً مثل: اقتحام أراضي السلطة الفلسطينية في رام الله وغيرها من المدن والقرى، واغتيال رجال المقاومة وقادتها، وحصار الرئيس الراحل عرفات، وحصار كنيسة المهد، في بيت لحم وغير ذلك من الجرائم لاستقطاب الأنظار بعيداً عن القدس، في محاولة لتحقيق مخططه بشأن عزلها واستكمال مراحل التهويد الأخيرة للمدينة المقدسة، والذي تمثل في:
أ- إحاطة القدس بنظام دفاعي خاص لعزلها عن المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية·
ب- مواصلة حفر أنفاق جديدة تحت المسجد الأقصى بهدف هدمه وبناء الهيكل المزعوم مكانه، وحظر دخول مواد الترميم (خاصة الأسمنت والبلاط) التي يحتاجها المسجد بشكل عاجل··
ج- محاولة تقسيم الحرم القدسي على غرار ما حدث للحرم الإبراهيمي في الخليل عام 1994، محاولة وضع ما يسمى بحجر الأساس للهيكل المزعوم·
د- شن حرب نفسية مكثفة ضد المقدسيين العرب داخل المدينة ومصادرة المزيد من أراضيهم وبيوتهم بهدف إجبارهم على الهجرة·
هـ- تكرار محاولات الجماعات اليهودية المتطرفة تدنيس الحرم القدسي لإثارة مشاعر المسلمين··
ويضاف إلى هذه المشاريع والمخططات الهادفة إلى ابتلاع القدس وتهويدها تماماً، المحاولات المتكررة للاعتداء السافر على المقدسات الإسلامية بل والمسيحية أيضاً·· فسلطات الاحتلال بأجهزتها المختلفة وخاصة رجال الدين منهم، لا يخفون أطماعهم المتواصلة المستهدفة ووضع أيديهم على الحرم القدسي، وافتعال أحداث تؤدي إلى هدم المسجدين الأقصى المبارك والصخرة المشرفة، وطمس معالمها، وإقامة هيكل لليهودية على أنقاضها، يحاكي هيكل سليمان الذي هدمه الملك نبوخذ نصر البابلي (571) قبل الميلاد··
وهكذا تعيش القدس (أولى القبلتين، وثاني المسجدين، وثالث الحرمين، ومسرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -ومنطلق معراجه، مدينة الرسالات الإلهية، وأثيرة التاريخ وعروسه) محنة قاسية وواقعاً مريراً، تسام فيه الذل والخسف والهوان والاستباحة، فإلى متى يظل الكابوس جاثماً على صدر قدسنا؟ متى ينبلج الصبح وتتطهر من دنس أعداء الله والدين والإنسانية؟ ·· متى؟ ··
---------------------------------------------------
المراجع
1- خميس البكري: د· رشدي فكار في حوار متواصل حول مشاكل العصر، مكتبة وهبة، القاهرة، 1986م·
2- رجا جارودي: فلسطين أرض الرسالات الإلهية، ترجمة د· عبد الصبور شاهين، دار التراث، 1986م·
3- روحي الخطيب: القدس والمدن الفلسطينية تحت الحكم العسكري الإسرائيلي، طبعة أمانة القدس، 9186م·
4- د· حسن ظاظا: القدس، ملحق مع مجلة >الفيصل<، العدد 232 ·
5- عبد الحميد الكاتب: القدس، دار الشروق - القاهرة، 1994م·
6- د· رفيق شاكر النتشة: الإسلام وفلسطين، بيروت، 1981م·
7- د· عبد الحميد زايد: القدس الخالدة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2000م·
8- د· سيد فرج راشد: القدس عربية إسلامية، الهيئة العامة لقصور الثقافة - القاهرة، 2000م·
9- د· أحمد يوسف القرعي: القدس قضية الساعة، الهيئة المصرية العامة للكتاب - مشروع مكتبة الأسرة، 2003م·
10- سمير جريس: القدس والمخططات الصهيونية، بيروت 1981م·
11- عبد الرحمن أبو عرفة: القدس تشكل جديد للمدينة، عمان، 1986م·
12- عادل أبو هاشم: مجلة >الفيصل<، العدد 232 ·
13- طارق شديد: مقالات في مجلة >الحج< الصادرة عن وزارة الحج بمكة المكرمة، السنة (51)، الجزء الثاني، شعبان 1416هـ·· ومجلة >الضياء< الصادرة عن دائرة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدبي، العدد (50)، رمضان 1718هـ·· ومجلة >الوعي الإسلامي< الصادرة عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، العدد (418)، جماد الآخرة 1421هـ·· وجريدة >الشرق الأوسط< أعداد: 6540، 6573 ·
www.islamselect.com