flowers
مشرف قسم العلاج الطبيعي
هشام حيدر زين العابدين
[SIZE=+0]
إذا كانت ميادين الصراع بين الحضارات في السابق محدودة بسبب قلة الاحتكاك مع بعضها البعض، ولبعد المسافات فيما بينها فاليوم وفي ظل ثورة الاتصالات التي اجتاحت العالم بأسره أفرزت واقعاً جديداً تعدّدت فيه ميادين الصراع بين الحضارات والأديان، ولم يعد الميدان على المستوى العسكري هو الحاسم في القضية بقدر ما أصبحت المعركة على المستوى الفكري أشد أوارا من غيرها، والرابح من يكسب الصراع لصالحه في هذا العصر الذي نعيشه..وهذا المنحى الذي مالت إليه معركتنا مع غيرنا يتوافق مع طبيعة رسالتنا الإسلامية التي هي في المقام الأول رسالة بيانية؛ تنافح عن الحق الذي تحمله بالحجة والبرهان قبل السيف والسنان.
وإذا علمت أن مؤتمراً عقد في الفاتيكان بحضور 8 آلاف منصر، وأنفق القائمون عليه 21 مليون دولار من أجل الاستفادة من البث المباشر لنشر النصرانية في العالم الإسلامي تبين جلياً حجم المؤامرة على عالمنا الإسلامي، وغفلة أبنائه عن ميادين الصراع الحقيقية.. والناظر لعالمنا الإسلامي اليوم يرى أننا مقصرون في امتلاك القوة في الجانب العسكري؛ لذا توجب علينا أن نقتحم ميدان الصراع الفكري لإيصال ما نراه حقا تسعد البشرية باعتناقه، وإبطال ما نراه باطلا تشقى البشرية بالإيغال فيه.. فإننا نملك بلا شك رصيدا هائلا من الحجة والبرهان مما نستطيع به أن نحرز تقدماً ملموساً.. فإن بطأ بنا العمل في امتلاك أحدث تقنيات العصر في المجال النووي، والأسلحة البيولوجية، وغيرها فليسرع بنا العمل في الولوج في مقارعة القوم الحجة بالحجة، والبرهان بمثله؛ فليس من الحكمة محاولة حسم المعركة المصيرية بنوع واحد من السلاح؛ فالحكيم من عرف قدر نفسه وقوة خصمه.. وليس معنى ذلك أنني أدعو إلى ترك السلاح العسكري جانباً بقدر ما أدعو إلى أن يكون التركيز في الجانب الفكري الثقافي؛ لصد الهجمة العاتية التي تكاد أن تبتلع كل ما يمت للإسلام بصلة، وإبلاغ هذا الدين الذي تعهّد رب العزة في قرءانه بإيصاله وإظهاره على الدين كله ولو كره الكافرون، أو المشركون.. وبشرت السنة النبوية المطهرة بذلك.. فإن هذا الدين سيبلغ ما بلغ الليل والنهار، ولن يترك الله بيت مدر، ولا وبر إلا وأدخله هذا الدين؛ بعز عزيز، أو بذل ذليل.. والشواهد من الماضي والحاضر تدل على صواب ما ذهبنا إليه؛ فالمدينة النبوية لم تفتح بحد السيف؛ وإنما بالحجة، والدعوة، والبلاغ الذي قام به سفير الإسلام الأول مصعب بن عمير، واليمن كذلك بجهد نفر من الصحابة الكرام منهم معاذ بن جبل، والحبشة لم يدخل ملكها في الإسلام نتيجة حرب، ولكن بإفحام جعفر بن أبي طالب خصومه من قريش والذين خرجوا في إثره في تلك المناظرة الفكرية التي جرت وقائعها في بلاط النجاشي..
أقول: إننا بحاجة ماسة لتجميع الجهود الإسلامية المباركة في مجال الفضائيات والقنوات الرائدة التي ظهرت مثل المجد، وبعض القنوات الطيبة؛ من القنوات التي تحاول أن تجد لها موطئ قدم بين مئات الفضائيات التي تبث السم الزعاف لغزو عقول أمتنا الإسلامية.. لا بد لنا من تجميع تلك الجهود لنبرز الإسلام في صورته الزاهية؛ ليتعرف عليه العالم بأسره، وعن قرب، ودون وسيط؛ يلوك الكلام ويوصله مبتورا مشوّها؛ فالعالم بحاجة ماسة إلى نور الإسلام، والمسلمون يحملون مفتاح السعادة بين أيديهم بالفكر الثاقب، والنظرة الشاملة التي تستقصي جميع جوانب الحياة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وغيرها.. وهنالك سمة مميزة للإنسان الغربي يمكن للمسلمين استثمارها لصالح الإسلام؛ وهي الروح الوثابة للبحث والتقصي في القضايا، وإيصالها لمنتهاها؛ فحادثة الحادي عشر من سبتمبر، والرسوم المسيئة الصادرة من الصحف الدينماركية جعلت الكثيرين في أوروبا يهرعون نحو المكتبات ليتعرفوا على الإسلام؛ فانشغل الأغلبية بالرد على الهجوم، وأفلح قلة من الحصفاء بالاستفادة من الحوادث؛ وتوجيهها لإبلاغ دين الله للعالَم؛ فالله - عز وجل - تعهّد بإظهار هذا الدين على كافة الديانات والمعتقدات في الأرض؛ فلو تدرعنا بالصبر، وتترسنا خلف هذا المعنى لكان حريا بنا أن نصل إلى مبتغانا؛ فنحن بحاجة لتربية مسلمين قادرين على فهم واستيعاب الواقع الذي نعيشه، والمنعطف الخطير الذي تمر به الدعوة الإسلامية اليوم، وإدراك فقه المرحلة وحاجة البشرية للنور الذي نحمله، وخطورة العدو الذي ننازله، وأرواحا وثابة متفائلة ترفع معنويات كل مستبطئ نصر الله؛ فنحن بحاجة لتوحيد الصفوف، وتجميع الجهود، ولَمِّ شعث القلوب، وتضميد الجروح، وقتل الفتنة في مهدها، ولا ندع مجالاً لقطف ثمرة قبل نضجها،ولا إنضاجها قبل وقتها، ولنفتح نوافذ العقول؛ ليمر الهواء الطلق إلى حيث يريد.