طلائع الهجرة
وأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين في الهجرة إلى المدينة. فبادروا إليها. وأول من خرج: أبو سلمة بن عبد الأسد, وزوجته أم سلمة ولكنها حبست عنه سنة, وحيل بينا وبين ولدها. ثم خرجت بعد هي وولدها إلى المدينة.ثم خرجوا أرسالا, يتبع بعضهم بعضاً. ولم يبق منهم بمكة أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر, وعلي- أقاما بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما- وإلا من احتبسه المشركون كرهاً.وأعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جهازه, ينتظر متي يؤمر بالخروج وأعد أبو بكر جهازه.
تأمر قريش بدار الندوة على قتل رسول الله
فلما رأي المشركون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تجهزوا وخرجوا بأهليهم إلى المدينة: عرفوا أن الدار دار منعة, وأن القوم أهل حلقة وبأس, فخافوا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم, فيشتد أمره عليهم. فاجتمعوا في دار الندوة, وحضرهم إبليس في صورة شيخ من أهل نجد. فتذاكروا رسول لله صلى الله عليه وسلم.
فأشار كل منهم برأي, والشيخ يرده ولا يرضاه, إلى أن قال أبو جهل: قد فرق لي فيه برأي, ما أراكم وقعتم عليه, قالوا: ما هو ؟ قال: أرى أن نأخذ من كل قبيلة من قريش غلاماً جلداً. ثم نعطيه سيفاً صارماً, ثم نعطيه سيفاً صارما, ثم يضربونه ضربة رجل واحد, فيتفرق دمه في القبائل. فلا تدري بنو عبد مناف بعد ذلك ما تصنع, ولا يمكنها معاداة القبائل كلها, ونسوق ديته. فقال الشيخ: لله در هذا الفتى. هذا والله الرأي. فتفرقوا على ذلك.
فجاء جبريل, فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. وأمره أن لا ينام في مضجعه تلك الليلة.
وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر نصف النهار- في ساعة لم يكن يأتيه فيها – متقنعاً, فقال: (( أخرج من عندك)) فقال: إنما هم أهلك يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله قد أذن لي في الخروج)) فقال أبو بكر : الصحبة يا رسول الله. قال: (( نعم)) فقال أبو بكر: فخذ – بأبي أنت وأمي- إحدى راحلتي هاتين, فقال: (( بالثمن)).
وأمر علياً أن يبيت تلك الليلة على فراشه.
واجتمع أولئك النفر يتطلعون من صير الباب, ويرصدونه يريدون بياته, ويأتمرون: أيهم يكون أشقاها؟.
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم. فأخذ حفنه من البطحاء فذرها على رؤوسهم, وهو يتلو ( وجعلنا من بين أيديهم سداً, ومن خلفهم سداً فأغشيناهم. فهم لا يبصرون) وأنزل الله ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك, أو يقتلوك, أو يخرجوك, ويمكرون ويمكر الله, والله خير الماكرين).
ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبي بكر. فخرجا من خوخة في بيت أبي بكر ليلاً. فجاء رجل, فرأى القوم ببابه, فقال: ما تنتظرون ؟ قالوا محمداً. قال: خبتم وخسرتم, قد والله مر بكم, وذر على رؤوسكم التراب. قالوا: والله ما أبصرناه, وقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم.
فلما أصبحوا: قام علي رضي الله عنه عن الفراش, فسألوه عن محمد؟ فقال: لا علم لي به.
ومضي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى غار ثور, فنسجت العنكبوت على بابه.
وكانا قد استأجرا عبد الله بن أريقط الليثي, وكان هادياً ماهراً- وكان على دين قومه- وأمناه على ذلك, وسلما إليه راحلتيهما , وواعداه غار ثور بعد ثلاث.
وجدت قريش في طلبهما, وأخذوا معهم القافة, حتى انتهوا إلى باب الغار. فوقفوا عليه. فقال أبو بكر: يا رسول الله, لو أن أحدهم نظر إلى ما تحت قدميه لأبصرنا. فقال: (( ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ لا تخزن إن الله معنا)).
وكان يسمعان كلامهم, إلا أن الله عمي عليهم أمرهما.
وعامر بن فهيرة يرعي غنماً لأبي بكر, ويتسمع ما يقال عنهما بمكة. ثم يأتيهما بالخبر ليلا. فإذا كان السحر سرح مع الناس.
قالت عائشة: فجهزناهم أحث الجهاز, وضعنا لهما سفرة في جراب, فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها, فأوكت به فم الجراب, وقطعت الأخرى عصاماً للقربة, فبذلك لقبت (( ذات النطاقين)). ومكثا في الغار ثلاثاً, حتى خدمت نار الطلب. فجاءهما ابن أريقط بالراحلتين فارتحلا, وأردف أبو بكر عامر بن فهيرة.
قصة سراقة بن مالك
فلما أيس المشركون منهما جعلوا لمن جاء فيهما دية كل واحد منهما, لمن يأتي بهما أو بأحدهما. فجد الناس في الطلب. والله غالب على أمره. فلما مروا بحي من مدلج مصعدين من قد يد. بصر بهم رجل فوقف على الحي. فقال: لقد رأيت أنفساً بالساحل أسودة, وما أراها إلا محمداً وأصحابه.
ففطن بالأمر سراقة بن مالك. فأراد أ، يكون الظفر له. وقد سبق له من الظفر ما لم يكن في حسابه. فقال: بل هما فلان وفلان, خرجا في طلب حاجة لهما. ثم مكث قليلاً. ثم قام فدخل خباءه, وقال لجاريته: أخرجي بالفرس من وراء الخباء وموعدك وراء الأكمة. ثم أخذ رمحه وخفض عاليه يخط به الأرض حتى ركب فرسه. فلما قرب منهم, وسمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر يكثر الالتفات, ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلتفت- قال أبو بكر : يا رسول الله و هذا سراقة بن مالك قد رهقنا. فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فساخت يدا فرسه في الأرض.
فقال : قد علمت أن الذي أصابني بدعائكما. فادعوا الله لي ,ولكما أن أرد الناس عنكما. فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم, فخلصت يدا فرسه. فانطلق. وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يكتب له كتاباً, فكتب له أبو بكر بأمره في أديم. وكان الكتاب معه إلى يوم فتح مكة. فجاء به. فوفي له رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فرجع. فوجد الناس في الطلب, فجعل يقول: قد استبرأت لكم الخبر, وقد كفيتم ما هاهنا. فكان أول النهار جاهداً عليهما. وكان آخره حارساً لهما.
فلما رأي المشركون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تجهزوا وخرجوا بأهليهم إلى المدينة: عرفوا أن الدار دار منعة, وأن القوم أهل حلقة وبأس, فخافوا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم, فيشتد أمره عليهم. فاجتمعوا في دار الندوة, وحضرهم إبليس في صورة شيخ من أهل نجد. فتذاكروا رسول لله صلى الله عليه وسلم.
فأشار كل منهم برأي, والشيخ يرده ولا يرضاه, إلى أن قال أبو جهل: قد فرق لي فيه برأي, ما أراكم وقعتم عليه, قالوا: ما هو ؟ قال: أرى أن نأخذ من كل قبيلة من قريش غلاماً جلداً. ثم نعطيه سيفاً صارماً, ثم نعطيه سيفاً صارما, ثم يضربونه ضربة رجل واحد, فيتفرق دمه في القبائل. فلا تدري بنو عبد مناف بعد ذلك ما تصنع, ولا يمكنها معاداة القبائل كلها, ونسوق ديته. فقال الشيخ: لله در هذا الفتى. هذا والله الرأي. فتفرقوا على ذلك.
فجاء جبريل, فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. وأمره أن لا ينام في مضجعه تلك الليلة.
وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر نصف النهار- في ساعة لم يكن يأتيه فيها – متقنعاً, فقال: (( أخرج من عندك)) فقال: إنما هم أهلك يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله قد أذن لي في الخروج)) فقال أبو بكر : الصحبة يا رسول الله. قال: (( نعم)) فقال أبو بكر: فخذ – بأبي أنت وأمي- إحدى راحلتي هاتين, فقال: (( بالثمن)).
وأمر علياً أن يبيت تلك الليلة على فراشه.
واجتمع أولئك النفر يتطلعون من صير الباب, ويرصدونه يريدون بياته, ويأتمرون: أيهم يكون أشقاها؟.
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم. فأخذ حفنه من البطحاء فذرها على رؤوسهم, وهو يتلو ( وجعلنا من بين أيديهم سداً, ومن خلفهم سداً فأغشيناهم. فهم لا يبصرون) وأنزل الله ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك, أو يقتلوك, أو يخرجوك, ويمكرون ويمكر الله, والله خير الماكرين).
ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبي بكر. فخرجا من خوخة في بيت أبي بكر ليلاً. فجاء رجل, فرأى القوم ببابه, فقال: ما تنتظرون ؟ قالوا محمداً. قال: خبتم وخسرتم, قد والله مر بكم, وذر على رؤوسكم التراب. قالوا: والله ما أبصرناه, وقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم.
فلما أصبحوا: قام علي رضي الله عنه عن الفراش, فسألوه عن محمد؟ فقال: لا علم لي به.
ومضي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى غار ثور, فنسجت العنكبوت على بابه.
وكانا قد استأجرا عبد الله بن أريقط الليثي, وكان هادياً ماهراً- وكان على دين قومه- وأمناه على ذلك, وسلما إليه راحلتيهما , وواعداه غار ثور بعد ثلاث.
وجدت قريش في طلبهما, وأخذوا معهم القافة, حتى انتهوا إلى باب الغار. فوقفوا عليه. فقال أبو بكر: يا رسول الله, لو أن أحدهم نظر إلى ما تحت قدميه لأبصرنا. فقال: (( ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ لا تخزن إن الله معنا)).
وكان يسمعان كلامهم, إلا أن الله عمي عليهم أمرهما.
وعامر بن فهيرة يرعي غنماً لأبي بكر, ويتسمع ما يقال عنهما بمكة. ثم يأتيهما بالخبر ليلا. فإذا كان السحر سرح مع الناس.
قالت عائشة: فجهزناهم أحث الجهاز, وضعنا لهما سفرة في جراب, فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها, فأوكت به فم الجراب, وقطعت الأخرى عصاماً للقربة, فبذلك لقبت (( ذات النطاقين)). ومكثا في الغار ثلاثاً, حتى خدمت نار الطلب. فجاءهما ابن أريقط بالراحلتين فارتحلا, وأردف أبو بكر عامر بن فهيرة.
قصة سراقة بن مالك
فلما أيس المشركون منهما جعلوا لمن جاء فيهما دية كل واحد منهما, لمن يأتي بهما أو بأحدهما. فجد الناس في الطلب. والله غالب على أمره. فلما مروا بحي من مدلج مصعدين من قد يد. بصر بهم رجل فوقف على الحي. فقال: لقد رأيت أنفساً بالساحل أسودة, وما أراها إلا محمداً وأصحابه.
ففطن بالأمر سراقة بن مالك. فأراد أ، يكون الظفر له. وقد سبق له من الظفر ما لم يكن في حسابه. فقال: بل هما فلان وفلان, خرجا في طلب حاجة لهما. ثم مكث قليلاً. ثم قام فدخل خباءه, وقال لجاريته: أخرجي بالفرس من وراء الخباء وموعدك وراء الأكمة. ثم أخذ رمحه وخفض عاليه يخط به الأرض حتى ركب فرسه. فلما قرب منهم, وسمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر يكثر الالتفات, ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلتفت- قال أبو بكر : يا رسول الله و هذا سراقة بن مالك قد رهقنا. فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فساخت يدا فرسه في الأرض.
فقال : قد علمت أن الذي أصابني بدعائكما. فادعوا الله لي ,ولكما أن أرد الناس عنكما. فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم, فخلصت يدا فرسه. فانطلق. وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يكتب له كتاباً, فكتب له أبو بكر بأمره في أديم. وكان الكتاب معه إلى يوم فتح مكة. فجاء به. فوفي له رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فرجع. فوجد الناس في الطلب, فجعل يقول: قد استبرأت لكم الخبر, وقد كفيتم ما هاهنا. فكان أول النهار جاهداً عليهما. وكان آخره حارساً لهما.
مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم للشيخ محمد بن عبد الوهاب
يتبع ...
طلائع الهجرة الجزء الثاني " قصة أم معبد "
طلائع الهجرة الجزء الثاني " قصة أم معبد "