ماجدة صبّاح
عضو فعال
لماذا أكره المدرسة؟ "وجهة نظر خاصة" هل ستكون عامة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
ما هو ذلك البناء الضخم المطلي باللون الأخضر؟ من هم هؤلاء البشر الذين يذهبون إليه كل يوم؟ من هن هؤلاء الفتيات اللواتي يرتدين قميصاً وتنورة؟ ما هو الكتاب؟ ما هو الصف؟ ما هي الحصص؟ من هو المعلم؟ المدرس؟ المربي؟ من هو الطالب النشيط؟ المتفوق؟ الذكي؟ المجتهد؟ الموهوب؟ المشاغب؟ الراسب؟ الكسول؟ من هي مديرة المدرسة؟ ما هي النتيجة؟ الشهادة؟ العلامة؟
أسئلة كثيرة راودتني حينما أمسكت قلمي لأكتب سبب كرهي للمدرسة، وسبب اكتئابي وأنا في الطريق إلى المدرسة، ربما وللوهلة الأولى من ينظر إلى هذه الأسئلة يجدها أسئلة لا قيمة لها، ولا داعٍ لخوض معمعةٍ صارمةٍ لأجلها. ولكن، أنا أرى أنها أسئلة حاسمة وبالأخص لي، كوني في المرحلة الثانوية، ولا أدري للآن إلى أي قسم أتجه، العلمي؟ الأدبي؟ المهني؟ أم كما تفضل أخٌ ومازحني إلى البيت؟
ربما يزداد اكتئابي يوماً عن يوم، حين أفتح نافذة الغرفة، فأنظر لأبعد الأفق معتقدةً أنني سأرى سماءً تلاصق البحر بحنانها، أو أنني سأرى منظر الشمس وهي تهوي متراقصة خجلة تختبئ خلف أمواج بحرنا المتوسط، ولكن.. أرى بدلا من كل هذا، مبنىً أحس في كثير من الأوقات أنه جاثم على صدري كالصخرة الهوجاء.
المدرسة، لو سألت أي أحد عنها سيقول أنها مكان يذهب إليه المدير، المعلم، الآذن، الطالب، بائع المقصف؛ كي يقرأ ويكتب ويرى أصدقاءه ويجد رزقه، وربما –الطالب- يتشاجر مع زملائه، ويتضارب مع هذا المدرس، ويشاغب مع المدير، ويرفع صوته على الآذن، ثم ينصرف منها إما مستفيداً مما تلقى، وحافظاً إياه، وإما فارغ العقل، مليء الجيب والفم، طويل اللسان!
إن المدرسة –برأيي- ما هي إلا مكان يتجمع فيه كل هؤلاء، كل قد أتى من بيئةٍ ومن مكانٍ محدد، يحمل أفكارا مختلفة، وأسلوباً غير الذي يتكلم به الآخرون، وسلوكاً إما منافيا وإما ملتزماً، كل قد حمل في رأسه عقلا غير عقل الآخر، فهذا ذكي، وهذا سريع الفهم، وهذا غبي!!؟ وهذا يستغبي!
صباح كل يوم، أخرج من البيت –عدا الجمعة طبعاً- متوجهة إلى هناك، منذ أن تدق الساعة السابعة، أستمر في السير مدة خمس دقائق حتى أصلها أو ما يزيد عليها، وهذا راجع إلى نشاطي، ومدى اكتئابي وشدته، والأفكار التي تلاحقني منذ الصباح، من سأرى؟ كيف سيكون يومي؟ ماذا سأستفيد؟
((طيب ليش بأروح المدرسة أصلا؟))= كثيراً ما يراودني هذا السؤال!
ثم أنتظر قليلا مع (رفيقاتي) في ساحة المدرسة العلوية، حتى يدق الجرس، ثم أتوجه إلى الطابور، فأسمع ذات الكلمات كل يوم!
( أماماً، جانباً، عالياً.........تحيا فلسطين عربية حرة،،، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الرحيم الرحمن، والصلاة والسلام على الأمين العدنان، وبعد، ناظرتي الفاضلة، أعضاء الهيئة التدريسية الأفاضل.......
تنتين تنتين وعلى الصف)!!!!
يوم السبت، أول حصة علوم، وآخر حصة رياضيات (يعني قلق أول اليوم، وآخره نشاط ذهني لأختكم!!!!)
يوم الأحد أول حصة اقتصاد، وآخر حصة إنجليزي! الاثنين، الثلاثاء، الأربعاء، الخميس...
وذات الروتين يتكرر طوااااااااااااااااااااااال العام!
إلا الصف الذي تأتيه رحمة من الله –تعالى- فيغيروا له برنامج يوم أو يضعوا حصة مكان حصة.
كل الذي قرأتموه هو مدرستي.
أرى كل يوم هذا الأستاذ، وهذه المعلمة، يدخلون الصف إما (منشكحين) – ثم يقلبونها على رؤوسنا فيما بعد)، وإما من أولها (ضاربين بوز)!!!
كل يوم ألقى ذات الفتيات اللواتي منهن الجيدات،ومنهن ما شاء الله! ألفاظ! كلام! حركات! لبس! طريقة مشي!
صحيح أن الزي موحد، ولكن ترى العجب العجاب فيهم! لا أدري كيف يخطن تلك الثياب، ولا أدري أصلا هل ذويهن قد رأينهن وهنّ ذاهباتٍ ( للمدرسة)؟
يا أخي، شوهن سمعة الجلباب، ترى الواحدة منهن ترتدي الجلباب وفتحته قد وصلت الركبة! الحجاب، وما أدراك ما حجابهن؟ الأذن، متروكة (فتحة تهوية)، الشعر حر طليق، (هوا كدا شعري ناعم! لحاله بسحل!!؟؟)
وفي أثناء الشرح (ويا عيني على حصة الشرح)! فلنبدأ من أول حصة، يوم السبت "العلوم"
والذي كان يدرسني قد مضى من عمره 26 عاماً، ويدرس فتياتٍ قد مضى من عمر أصغر واحد فيهن 15 عاماً!
ترى هذه واقفة على السبورة (تمسحها وتلمعها)!! والأخرى (تحاكي زميلتها من الصف الثاني في الخارج)!!
والثالثة ( نازلة طالعة كهكهكهكهكهكهكه)!!
أبداً هنا لا أتكلم عن الأستاذ، ولكن لا أدري أي تخلفٍ ذاك الذي وصل بنا، أن يعمل مدرس صغير في العمر، وعمره مقارب لعمر تلميذاته، ويأتي من أقصى القطاع إلى غزة، حتى يحصل على رزقه، فيعطي الدرس ثم يعود سالماً للبيت! ولكن...طالباتنا، لم يدعن فيها لا أستاذاً ولا غير أستاذ!
ومادة العلوم هذه!، وما أدراكم ما مادة العلوم للصف العاشر؟ والأحياء التي احتوت بداخلها ما احتوت! أبداً لا أحقر مدرسي، ولا وحدة الأحياء، ولكن...أيعقل أن يدرّس هذه المادة شاب لفتياتٍ صغيرات مراهقات (الأدب يتقطّر من جباههن)! وهن بأشكال وألوانٍ وأطيافٍ، ومدرسات العلوم قد غرمن المدرسة؟
أنا هنا لست بصدد شرح حال كل حصة، وإنما آخذ لقطة من مشاهد تتكرر يوميا.
الصف، غرفة تجمع مدة ساعة إلا ربع طالبة، ومدرسة أو مدرس، وكتاب ودرس. ولكن، ما الأسلوب المتبع في داخل هذا الفصل؟
إن الطلاب والطالبات وبلا أي شك هم متنوعون في القدرات العقلية والفكرية والأخلاق والذوق والحياء وطريقة المعاملة والسلوك والحالة النفسية.
فنرى هذه المعلمة تقسم الصف إلى: ضعيفٍ، متوسطٍ، وعالٍ. وتلك إلى: ممتاز، جيد جداً، جيد، ضعيف. وهذه إلى: ذكية، مجتهدةٍ، وغبية!!.
وما لذّ وطاب لهم ولهن من المسميات يطلقونها على الطلاب. ولكن، ألا ترى معي عزيزي القارئ أنه يجب أن يكون هناك منهج وأسلوب قويم يقوم عليه تقسيم الطلاب والطالبات؟ لاشك أن إجابتك نعم.
ولكن السؤال المحير الذي نرى له الكثير الكثير من الإجابات، هو كيف نقسم الطالب من حيث مستوى ذكائه ومقدراته دون أن نظلمه ودون أن نهبّك من معنوياته؟
انظر إلى فلسفتي الخاصة في التقسيم، بعد أن عاشرتُ طالباتٍ متنوعاتٍ مدة 10 سنوات، وكل سنة تختلف فيها الطالبات.
أ. طالب ذكي، لديه عقل يشغله في كل الدروس، يفهم مادة الرياضيات ويعشق حل مسائلها، ويحب الإنجليزية وعلاماته فيها كاملة. ويحفظ المواد الأدبية كالتاريخ والجغرافيا عن ظهر قلب، ولا شك في هذا أن ترتيبه على الصف ما بين الأول والثالث، فهناك أيضاً تفاوت بين قدرات الأذكياء.
ب. طالب متفوق، وربما يدرج البعض هذا النوع من الطلاب كقائمة فرعية تحت القائمة الرئيسية (الأذكياء).
فهو طالب ولا شك من أوائل صفه، ولكن ربما يكره هذه المادة أو تلك، ولكن أبداً هو لا يقصر فيها.
ج. طالبٌ مجتهد، وهذا النوع من الطلاب يدرس بجد ولا يتوانى، حتى ولو كانت علاماته غير ممتازة، بل تحس أن في داخله ما يدفعه كي يحصل علاماتٍ جيدة، ويدفع دائما للأفضل.
د. طالب نشيط، وهو مزيج من الطالب المجتهد والمتفوق.
هـ. طالب موهوب، وهنا لي وقفة سريعة، كوني –أنا- أعتبر نفسي موهوبة فقط، لا أحب الدراسة ولا أسعى لفتح كتاب المدرسة إلا مغصوبة على هذا.
قد يكون هذا الطالب طالب كسول، ومع ذلك لديه ذهن كبير يستطيع أن يفكر فيه، فيصل إلى اكتشافات جديدة، ويحب أن يجرب بنفسه، ولديه دافع للعلم –ولكن حسب المزاج-!
فترى طالباً يكتب، وآخر يرسم، والثالث يغني بصوت مطرب، والآخر لديه موهبة (التنكيت).
ولو أخذنا عينة طالبا مجتهدا مثلاً، وسألناه عن مواهبه، ربما يجيب بأنه لا موهبة لديه، أو لديه موهبة ولكن هذه الموهبة ليست بقدر موهبة الطالب الموهوب حقا.
فمثلا، ترى طالباً محبا للإنجليزية، ويأمل أن يتحدث بها كما يتحدث العربية، ومع ذلك، فهو لا يحب أن يمسك كتاب المدرسة ويبدأ بحفظ الكلمات وتصريف الأفعال وفهم القواعد المقررة عليه، فنحكم عليه بأنه: كسول، غبي، كاره للعلم للمدرسة وإلخ من الكلمات العشوائية التي قد تخرج منا.
ثم نفاجئ فيما بعد، حين نراه ممسكا قصة باللغة الإنجليزية مقررة مع طلاب الجامعة! ويقرأ ويستمتع ويفهم ما يقرأ. وقد تراه يقرأ هذه القصة، وفي اليوم التالي لديه اختبار، فيؤثر قراءة هذه القصة على الدراسة لاختبار الغد. – وهذا حالي أنا، ( ثم في النهاية، نبكي...لم علاماتنا هكذا؟؟)!
ولي قراءة شخصية حول هذه الحال، سأصل إليها فيما بعد حول كره الطالب للكتاب المدرسي(وبالأخص المنهاج الفلسطيني).
نواصل،
و. الطالب المشاغب، هو ذلك الذي نسميه كثير الحركة، يضرب هذا سواء جاداً أم مازحاً، يلاكش الأخر، يداعب تلك، يضحك الجميع بأسلوبه، حتى لو كان أسلوباً شاذاً. فتراه في غرفة الصف وفي أثناء الشرح، وبينما المعلم مهلوك وهو يشرح والطلاب مندمجين في الدرس، ومنتبهين للمدرس وهو يشرح، إلا وإذ به يعمل حركة تثير الصف ضاحكا، وربما المعلم أيضاً.
وإن كثيرا من الناس من يقولون أن هذا الطالب: أهبل! فاضي، غير متربًّ...الخ.
وفي الواقع ولو تأملنا حاله، لوجدنا أن بداخله طاقة كبيرة يمكن أن نستثمرها، فترى الطفل المشاغب يركل الكرة في الشارع، في البيت، في الحديقة، يكسر ويخرب، ولو أعطيته علبة ألوان وورقة، لرسم وربما يبدع.
ومن الناحية الأخرى، يقال هذا طالبٌ راسب!
حسنٌ هذا الطالب الذي رسب في مادة الرياضيات(على اعتبار أنها أصعب المواد الدراسية في منهاجنا)، لماذا رسب فيها؟ هل صحيح كما يقول المدرسون، ليس لديه عقل؟ أم هل صحيح أنه غبي؟ برأيي لا، هو قد رسبَ في مادة اللغة الانجليزية، ونجح في مادة التاريخ، هذا يعني أن عقله لا يستوعب غير التاريخ؟ لو كان غبيا ليس لديه عقل، كيف استطاع إذن أن يحفظ ولو جزءاً يسيراً من مادة الجغرافيا؟ وكيف استطاع أن ينجح فيها، وكيف استطاع أن يحفظ بعض التعريفات في الكيمياء والفيزياء، ومع ذلك رسب فيها؟
لكن، يمكن أن نطلق تلك المسميات على الطالب الكسول، والذي من المستحيل أن نسميه طالباً راسباً، إلا أن يكون كذلك حقاً، والعكس صحيح، فكان سبب رسوبه الكسل، ولا نستطيع أن نقول أن الطالب الجيد طالب كسول، إلا أن يكون الكسل هو الذي تسبب في خفض نسبته.
وبرأيي أن كلاً من الطالب الكسول، والطالب الموهوب، يكمل الآخر.
وعليه أبداً، لا يمكن أن ننكر وجود العقل في ذات الإنسان، حتى وإن أعاد السنة أكثر من مرة، فقد قال تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم) فلم نحقر من ذاته ومن شأنه؟ وهناك آيةٌ كثيرة جدا، على العقل وعلى كرامة الإنسان. أليس هذا عائد لجهل المعلم، حين يستعمل تلك الألفاظ؟ ولجهل الطالب بنفسه وذاته وقدراته؟
فهذا موهوب محبٌ لمادة الحاسوب، يكسل أن يمسك كتاب المدرسة ويبدأ في دراسة المقرر معه، أو أنه يستطيع العمل على أحد برامج البرمجة، ومع ذلك ترى علاماته في مادة الحاسوب ليست كما هو حاله الحقيقي مع هذه المادة، كمادة عملية. وإن هذا لا يعني أنه جاهل في الحاسوب أبداً. هنا أتذكر موقفا حصل معي حين كنت في الصف التاسع، كنت قد قدمت اختبار الحاسوب، وقبلها طبعا كنت قد درسته، ولكن عن غير اقتناعٍ لما بين يدي، وبعد أن أخذت علامتي، لم أصدم بها أبداً كما صدمتْ معلمتي! فهي تعرف أنني أستطيع استخدام الحاسوب بشكل ممتاز، وبالأخص أن البرنامج الذي قدمت فيه لاختبار كان FRONT PAGE، وأستطيع التعامل معه جيداً، إلا أن درجتي كانت 16/20، هل هذا يعني أنني غبية في هذه المادة؟
أو أنني جاهلة بهذا البرنامج؟ بكل تأكيد لا.
ولكن، أرى فرقاً شاسعا بين التعليم النظري وبين التعليمي التطبيقي. وربما يتساءل القارئ، كيف هذا؟ حسن، حين أبدأ العمل على أي برنامج، وعلى أي أمرٍ أرى أن يدي تعمل لوحدها، فلا أجد معاناةً أبدا في التطبيق واكتشاف الجديد، حتى وإن تعثرتُ و(علقت)، لكن...حين أبدأ بالحفظ، فبكل تأكيد الأمر مختلف تماماً.
هذه الحال أيضاً أوجهها في قواعد اللغتين العربية والانجليزية.
إن هذا يؤكد لي، ويزيد من اقتناعي أن المدرسة اليوم، ما هي إلا مكان للتلقي ثم الحفظ، دون النظر إلى مستوى المتلقي ومستوى الفهم للمتلقي، وهنا لا أنكر أبداً أن المدرسة تأخذ على عاتقها دور الفهم، ولكن النسبة ضئيلة جداً. فتصوروا، أنه بمادة الرياضيات، كان يطلبُ منا أن نحفظ حفظ!! على أساس أننا لا نفقه شيئاً فيها، والهدف هو: النجاح! لا غير. فيقولون: إحفظي حتى تضمني النجاح!
وإن هذا يؤكد لي ضرورة المادة التطبيقية، ويبين سبب تفضيلي لها على المادة النظرية.
في منهاجنا الفلسطيني –العزيز- ترى كتاباً أدرج مؤخراً لطلاب الصف العاشر الأساسي، وهو كتاب "الثقافة التقنية" ومن اسمه: يدرس الطالب في الفصل الأول فيه: مفهوم التقنية، وضرورة وجود المهن العملية التي خصص مؤخرا لها قسم المهني، بأقسامه المختلفة: الصناعة، الزراعة، التجارة، التجميل، الحياكة الخياطة، الديكور والتصميم، وغيره. ويدرس الصناعة والزراعة، وفي الفصل الثاني، يدرس الهندسة والتجارة، وأهم التحديات التي تواجه كل منهما والآفاق المستقبلية لهما.
وفي هذا الكتاب، تحفيز واضح ودفع علني للطالب كي يدخل القسم المهني، والذي عندنا في غزة –والحمد لله- مدارسه محدودة جدا جدا، فقط تقدر ب 3 مدارس، تنقصها الخبرة والوسائل العميلة المساعدة.
إضافة إلى عدم توفر كل التخصصات.
على هذا، فإنك عزيزي القارئ، قد تقول، بأن أفضل تخصص لي هو القسم: المهني، بسبب اقتناعي به، ولكن...لا أرى ما أحب فيه، فأين هي اللغات والألسن التي أريد أن أدرسها في الجامعة؟ طبعا هذا نقص.
إضافة إلى النظر الدونية المجتمعية لهذا القسم، ولشاهدة الدبلوم التي يتخرج بها الطالب، فقد مازحت أمي بأنني سأدخل هذا القسم، فردت بكل بساطة (هتقعدي في البيت)!!
ناهيكَ عن المصيبة العظمى! وهي أن من يتخرج من مدرسة صناعية أو مهنية، يحصل على شهادة الدبلوم، وشهادة الدبلوم عندنا، تماماً كشاهدة المرحلة الإعدادية، وربما أقل! فهيهات ترى مكان عمل حكومي (على اعتبار أن الحكومة قد أقرتْ كتاباً خاصاً لتوجيه الطالب لالتحاق بهذا القسم) أو عملاً خاصاً يوفر فرصة الالتحاق به للطالب الحاصل على شهادة الدبلوم، إلا ما ندر..وعليه فإن العمل سيكون سيئ للغاية، وبأقل الرواتب! بينما نرى حاملي شهادة البكالوريوس (الشهادة الجامعية) قد تزاحموا على أبواب العمل، وقد حصلوا على العمل الذي يرغبون، صحيح أنه في غزة لا يوجد فرص عمل كثيرة، ولكن هذا حال كل الدول العربية!
ولو قارنا بين حامل الدبلوم(على اعتبار أنه متمرس مدة لا تقل عن 5 سنين في هذا المجال، من الصف الحادي عشر حتى حصل على الشهادة) وبين حامل البكالوريوس وقد درس في الجامعة 4 سنواتٍ، لوجدنا أن المهني متقنٌ لعمله على أساس عملي وليس نظري. فهو يستطيع أن يحل المساءل الصعبة العميلة، على عكس المعتمد على المادة النظرية، لأنه لا يحمل هذه الخبرة العملية، وهو يحتاج إلى تعليم عملي مدة لا تقل عن سنتين (يعني في النهاية، حصل على شهادة جديدة عملية، تشبه تماماً البكالوريوس)! وفي وقفة خاطفة جدا، الطلاب يتوجهون للجامعة بدلا من المراكز المهنية والتدريبية؛ لأنه فيما بعد يمكنهم الإكمال والحصول على شهادة الماجستير وغيرها من الشهادات العليا، بعكس أصحاب الدراسة المهنية! وهذا طبعاً محفزٌ...لأنه كلما زادت علوا درجة الشهادة، كلما زاد مقدار الدخل للفرد الواحد.
فما هذا التخلف الذي يركب رأس مؤسساتنا، والتي هي أصلاً من أقرت كلا المنهجين! سواء وزارة التعليم أو وزارة العمل!!!
تماماً كـ : ( وين دانك يا جحا؟ قال: هيها، ولف كل راسه حتى يصلها)!!
إذن، فهذه مشكلة كامنة فينا نحن، ولو أخذنا قراءة خاطفة حول منهاجنا الكريم، فإنه يكفي أن أقول أن كتاب اللغة العربية (على سبيل التوضيح لا الحصر) قد استأنس مدة لا تقل عن 3 شهور وهو موجود في (إسرائيل) ينبشون محتواه بالكلمة! ثم أخذ كل من أسهم في كتابته مبلغاً لا يقل عن 2000$ أمريكي!
وقد وضع هذا المنهاج دون قياس أبدا، فالحال المزرية التي نعيشها ويحياها طلابنا، والوضع الأمني والنفسي وغيره الكثير لم يأخذ بعين الاعتبار! فلو نظرنا لمنهاج الرياضيات للصف العاشر، وقارناه بمنهاج التاوجيهي المصري العلمي، فسنرى أنه ذاته، مع تغير الصيغة فقط!
(هذا حسبَ ما أراه على القنوات المصرية التعليمية، أثناء متابعتي لها).
وخطفة سريعة حول مفهوم كلمة (مدرس، معلم، مربٍّ) وبوجهة نظري الخاصة.
المدرس/ إنسان، يدخل غرفة الصف، يفتح الكتاب، ينظر للعنوان، يعرف ماذا سيشرح، يغلق الكتاب أو يبقيه مفتوحاً، ثم يلج بالشرح معتمداً على معلومات سابقة وعلى تحضيره في البيت أو وهو جالس في غرفة المدرسين. ثم يأمر بحل هذه المسألة، وذاك السؤال، وهذا واجب منزلي، ثم يسأل هل فهم الطلاب أم لا؟
المعلم/ إنسان، يدخل غرفة الصف، أو غرفة التعليم أياً كانت، يعرف ماذا سيشرح، وما هي الطريقة المثلى للشرح، ويعرف مع من يتحدث، وما هي العقول التي يخاطبها، وهو أيضا مرشد وموجه.
المربي/إنسان لا يشترط أن يدخل غرفة الصف، أو يخرج منها، يأخذ على عاتقه مسؤولية الإرشاد والتوجيه نحو الأفضل، مستنداً إلى مبادئ وقيم ومفاهيم مجتمعية ودينية وإنسانية، ثم إلى ما بين يديه من كتب وأوامر (إن كان آخذا بها أصلاً).
وعليه، هل كل مدرس معلم؟ وهل كل معم مربٍّ؟ بالطبع لا.
ومن هنا، أود أن أشير إلى أنه ليس فقط الطالب من يحتاج للتربية اليوم، بل هناك مدرسون يحتاجون لها.
فأن تأمر طالباً بالصدق والأخلاق العالية، وأن تفتح محاضرات له، ثم يأتيك مسئول العمل، (يا أستاذة فلان، الصف مشاغب وأنت أين عنه؟) فتردوالله كنت في غرفة الإدارة، أو والله كنت في المرحاض –أعزكم الله-).
والطالبات أمام أعينهنّ كن قد رأينها وهي تتحدث في الجوال، أو وهي تتشمس!
ما موقفها أمام نفسها؟ أمام مدير العمل الذي لم يقتنع وإنما أظهر اقتناعه، حفاظا على هيبتها كمدرسة أمام طالباتها؟ وما موقفها أصلا أمام طالباتها اللواتي بقين واقفاتٍ على أقدامهن ما يقرب ربع ساعة بسببها؟!
لا، ليس هذا فحسب. بل ما رأيكم بمديرة المدرسة، التي حينها كانت غارقة بالتحدث عن الأخلاق بسبب (الدوشة التي تسببنا فيها) ثم فجأة تسمعها تقول: (إخرسي يا حيوانة!!!!) يا سلااااام! هكذا التربية؟ أولا يوجد طرق أخرى لإسكات هذه الطالبة التي قالت: (تعبنا)!؟
هذه واحدة، وإليكم هذه، تقف المديرة متحدثة عن ضرورة الحفاظ على نظافة المدرسة، أمام الجميع (مدرسات، مدرسين، طالبات) ثم عن زي المدرسة، فتقول: (مش بنات زيكم مفاعيص مش قادرين عليهم)!!
شيء يستحق لأجله أن يفقد العقل صوابه!
وهذا فيض من غيض! والله قد رأيتُ خلال مداومتي على الذهاب للمدرسة، سواء الابتدائية، أو الإعدادية، أو الثانوية...رأيتُ أشكالا وألواناً....
وبعد هذه الدوامة التي تستمر طيلة العام، تخرج علينا ورقة تسمي: الشهادة!!
يا الله! همّ جديد قديم يثقل كاهلي!
بالله عليكم، بعد الذي قرأتموه، هل هناك متسع لهذه الورقة؟ يعني في النهاية يترفع الطالب للمرحلة القادمة، والسنة الجديدة، حسب ما حفظه عن ظهر قلب دون فهم،دون وعي، دون تطبيق، ثم ينساه بمجرد أن يتسلم كتاب السنة الجديدة، بل بمجرد أن يقدم آخر اختبار له في المدرسة!
يترفع حسب درجة هي فقط: رقم!!! ويمكن التلاعب به وبكل سهولة!
لا ينظرون، لا لخلق، لا لأدب، لا لعلم، لا لدين، لا لفكر...
وهذا ما دفعني لعدم التوجه لاستلام شهادتي ...(إضافة لخوفي من درجتي في مادة العلوم، والتي للآن أفكر فيها). ربما هذا جبنٌ مني، ولكن لا يهم...
أنا لا أكره العلم أبداً، بل أعشق القراءة، وأحب الكتابة، وأقدر المعلمين والمربين، والمدرسين أيضاً، وكل من يعمل في سلك التعليم، أفتش كثيرا وأبحث عن الحقيقة، أحب المرح..ولكن، المدرسة! ذلك الهم الذي يلاصقني، ذلك الشبح الذي كلما هربتُ منه...راودني حتى في أحلامي!
والسؤال موجه للعزيز القارئ، بعد كل ما قرأ، هل –هذه الأيام- المدرسة ضرورية؟ أم أن الأجدر بنا أن نطلب العلم لا المدرسة؟!!
بالمناسبة، أنا قد بدأت إجازتي... ولا أخفيكم سراً أبداً أنني................................................................................................................................................................................................................................
قد اشتقتُ للمدرسة كثيراً!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!