هُويتنا أو الهاوية (12)

محمد شتيوى

مستشار سابق
الصراع بين الهوية الإسلامية والعولمة

قضية الهوية قضية محورية , أزعجت كل الناس إلا أصحابها , والمشكلة تكمن في أن أكثر المسلمين لما يقتنعوا أن الأعداء من حولهم على اختلاف مذاهبهم وعقائدهم لا هدف لهم إلا أستئصال شأفة الإسلام , وطمس الهوية الإسلامية وصهرها في أتون العالمية الأممية , وإزالتها من الوجود , لأنها لا غيرها هي الخطر الماثل أمام القوى الراغبة في احتواء العالم الإسلامي والسيطرة عليه سيطرة فعلية ودائمة , قال تعالى: {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ} (217) سورة البقرة , وقال تعالى: {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء} (89) سورة النساء , وقال سبحانه: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} (120) سورة البقرة .
إن أي جماعة تعوزها الهوية المتميزة سوف تجد - في عالم تحكمه شريعة الغاب - من يحاول استقطابها والهيمنة عليها, وتذويب شخصيتها , عن طريق تدمير البنية التحتية لهويتنا العقائدية والثقافية التي تحفظ عليها سياج شخصيتها , فيتحول الإنسان إلى كائن تافه فارغ غافل مغسول المخ تابع مقلد .
إن هويتنا الإسلامية هي مصدر عزتنا {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (8) سورة المنافقون , وحين تمسكنا بهذه الهوية سُدنا العالم , وخافت بأسنا الأمم , حتى كانت كنائس أوربة لا تجرؤ عل دق نواقيسها حينما كانت السفن الإسلامية تعبر البحر المتوسط.
وحين تخلينا عنها نزع الله من قلوب عدونا المهابة منا , وقذف في قلوبنا الوهن: حب الدنيا وكراهية الموت , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا تبايعتم بالعينة , وأخذتم أذناب البقر , ورضيتم بالزرع , وتركتم الجهاد , سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم " (1) .

إن إضعاف (الهوية الإسلامية) أخطر وأشد فتكاً بالأمة من "نزع سلاحها"
ومما يؤسف له أن أعدائنا يدركون جيداً أن " الهوية الإسلامية " أقوى سلاح يجب نزعه من المسلمين بإثارة النعرة القومية :

- في آخر عام 67 م ألقى " أبا إيبان " وزير خارجية الدولة اللقيطة محاضرة بجامعة برنستون الأمريكية قال فيها :
( يحاول بعض الزعماء العرب أن يعترف على نسبه الإسلامي بعد الهزيمة , وفي ذلك الخطر الحقيقي على إسرائيل , ولذا كان من أول واجباتنا أن نُبقي العرب على يقين راسخ بنسبهم القومي لا الإسلامي) أ.هـ
هذا مع أن المجتمع اليهودي في فِلَسطين يتألف من مهاجرين من نيف ومائة دولة مختلفة , يتكلمون سبعين لغة مختلفة من شتات الأرض جمعتهم عقيدتهم الواحدة رغم اختلاف اللغات والألوان والقوميات , والعناصر والأوطان .

- وهذا (( أدولف كريمر )) اليهودي يعلنها: " جنسيتنا هي دين آبائنا , ونحن لانعترف بأية قومية أو جنسية أُخرى " .


- قال الأستاذ يُوسف العظم رحمه الله: ( لقد سمعت وزير إعلام عربياً إبان حرب حزيران يقول: " دعونا من خالد الوليد وصلاح الدين , ولاتثيروها حرباً دينية " , قال ذلك وهو يعلق على ما يذيعه بعض الدعاة من حث للجند على الثبات وتشجيع للمقاتلين على الجهاد والاستشهاد , فقلت لمن كان حولي: " منهزمون ورب الكعبة " .

- وجاء في صحيفة ( أحرنوت اليهودية ) ( 18/3/78): " إن على وسائل إعلامنا أن لاتنسى حقيقة هامة هي جزء من استراتيجية إسرائيل في حربها مع العرب , هذه الحقيقة هي أننا نجحنا بجهودنا وجهود أصدقائنا في إبعاد الإسلام عن معركتنا مع العرب طوال ثلاثين عاماً , و يجب أن يبقى الإسلام بعيداً عن المعركة إلى الأبد , ولهذا يجب ألا نغفل لحظة واحدة عن تنفيذ خطتنا في منع إستيقاظ الروح الإسلامية بأي شكل , وبأي أسلوب , ولو أقتضى الأمر الاستعانة بأصدقائنا لاستعمال العنف والبطش لإخماد إية بادرة ليقظة الروح الإسلامية في المنطقة المحيطة بنا". أنتهى .

- وقال أشعيا بومان: " إن شيئاً من الخوف يجب أن يسيطر على العالم الغربي من الإسلام , لهذا الخوف أسباب : منها : أن الإسلام منذ ظهر في مكة لم يضعف عددياً , بل إن أتباعه يزدادون باستمرار.
ومن أعظم أسباب الخوف وأفظعها أن هذا الدين من أركانه الجهاد " .

- وحينما أراد الشاعر " محمد إقبال " أن يبين أثر تخلي المرء عن هويته وذاتيته ضرب مثلاً فقال: " كانت مجموعة من الكباش تعيش في مرعى وفير الكلإ عيشاً رغيداً , ولكنها أُصيبت بمجموعة من الأسود نزلت بأرض قريبة منها , فكانت تعتدي عليها وتفترس الكثير منها , فخطر ببال كبش كبير منها أن يتخذ وسيلة تريحها من هذا الخطر الداهم الذي يهددها , فرأى أن استخدام السياسة والدهاء والحيلة هو الوسيلة الوحيدة , فظل يتودد إلى هذه الأسود في حذر حتى ألفته وألفها , فاستغل هذه الألفة , وبدأ يعظ الأسود , ويدعوها إلى الكف عن إراقة الدماء , وإلى أن تترك أكل اللحم , وأخذ يغريها بأن تارك أكل اللحم مقبول عند الله , وأخذ يزين لها الحياة في دعة وسكون , ويقبح لها الوثب والاعتداء , حتى بدأت الأسود تميل إلى هذا الكلام , فأخذت الأسود تتباطأ في افتراس الكباش , فكانت النتيجة أن استرخت عضلاتها , وتثلمت أسنانها , وتقصفت أظافرها , وأصبحت لا تقوى على الجري , ولم تعد قادرة على الافتراس , وبذلك تحولت الاسود إلى أغنام .. لماذا؟
لأنها تخلت عن خصائصها وفقدت ذاتيتها....)) , وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا " .

لقد وصلت محاولات ( طمس الهوية ) إلى حد أن يضغط علينا قتلة الأنبياء ومحرفوا الكلم عن مواضعه , أن نفعل مثلهم , ونمارس هواية" التحريف " التي طالما تلطخوا بها , فقد كان من محاور اتفاقية " كامب دافيد " : " ضرورة إزالة المفاهيم السلبية تجاه إسرائيل في الإسلام ".

- وصرح " إسحاق نافون " رئيس الدولة اللقيطة الأسبق في خطابه بجامعة ابن جوريون أمام السادات في 27/5/1979م بأن تبادل الثقافة والمعرفة لا يقل أهمية عن التربيات العسكرية والسياسية , وصرح أيضاً أمام قيادات الحزب الوطني بمصر في 28/10/1980م بأن أي صياغة أدبية أو دينية تخالف التصورات الإسرائيلية تعد مساساً بالسلام الإسرائيلي .

_________________________________
(1) رواه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أبو داود (3462) وغيره , وصححه الألباني لمجموع طرقه كما في الصحيحة رقم (11) .

المصدر : كتاب ( هُويتنا أو الهاوية ) - الدكتور محمد إسماعيل المقدم

 


122189_1210015321.gif
 


جزاك الله خيراً أخي الكريم محمد شتيوي ...
بارك الله فيك على هذا الموضوع القيم ...
تقبل أرق تحياتي !!..
 


بارك الله فيك اخي شتيوي على الموضوع

العولمة تهدد جميع المجتمعات الاسلامية

و ما باليد حيلة

 


جزاك الله خيرا وسلمت يداك على هذا الموضوع الرائع
 


ان الموضوع بحق قيم ورائع ويحتاج الى وقفاتوقفه منا نحن المسلمون مع انفسنا لننظر ماذا فعلناوبالتالى وقفه للمجتمع الاسلامى باكمله لان صلاح المجتمع يبدأ من صلاح الفرد
 


الله يعطيك العافيه اخي محمد
الا وما بعد النكسة الاالصعود والانتصار​
 


الفاضلة helen_angle
وفيك بارك الله , ومرحبا بمرورك

الأستاذ إسلام
مرحبا بمرورك الطيب

أبو قصى
مرحبا بك , واشكرك على المرور الطيب

أخى الكريم عبد الوهاب
بارك الله فيك اخي شتيوي على الموضوع

العولمة تهدد جميع المجتمعات الاسلامية

و ما باليد حيلة

حقيقة : أن العولمة تهدد العالم
لكن بأيدينا أكثر من حيلة , وسننتظرها فى آخر السلسلة بإذن الله
مرحب بك

الدكتور سامى
وسلمت وسلم مرورك أيها الطيب

الفاضلة smaaa
ان الموضوع بحق قيم ورائع ويحتاج الى وقفاتوقفه منا نحن المسلمون مع انفسنا لننظر ماذا فعلناوبالتالى وقفه للمجتمع الاسلامى باكمله لان صلاح المجتمع يبدأ من صلاح الفرد
كلام أحترمه وأؤمن به
بوركت

الفاضلة مريم
أحسنت .. وإن كان علينا جميعا عبء عظيم
شكرا لك
 
عودة
أعلى