أخبركم عن قصة السلطان ابراهيم الذي الكثير منكم لم يسمع به

  • بادئ الموضوع القمرايا
  • تاريخ البدء
ا

القمرايا

Guest
25369690415.jpg

السلطان إبراهيم بن أدهم
مرقد السلطان إبراهيم بن في جامعه في جبلة هو ابن إسحاق إبراهيم بن أدهم بن منصور بن يزيد بن جابر وقيل ابن عامر - العجلي التميمي - فهو عربي كريم الحسب .
ولم يحدد الرواة سنة ميلاده واختلفوا في مسقط رأسه فمنهم من قال بأنه ولد ببلخ ومنهم من قال بمولده في مكة حين كانا والداه يحجان وأن أمه طافت به في المسجد الحرام قائلة للناس : ادعو لابني أن يجعله الله رجلاً صالحاً واختلف كذلك في حال أبيه فذكر بعض المؤرخون أنه كان شريفاً وثرياً من أثرياء كورة بلخ وروى البعض أنه كان أميراً عربياً على خراسان وأنه ورث الإمارة من أبيه، وأن الإمارة قد سعت إليه دون رغبة منه ، ونسج حول ذلك رواية لا تخلو من الطرافة . وقالوا : مر أدهم ذات يوم ببساتين بخارى وتوضأ بأحد الأنهار التي تتخللها ، فإذا بتفاحة يحملها ماء النهر فأكلها ، ثم وقع في خاطره من ذلك وسواس فذهب يستحلها من صاحب البستان ، فقرع بابه ، فخرجت إليه امرأة ، فقال لها : ادعي صاحب البستان ، فقالت : إنه لامرأة - فقال : استأذني لي عليها ، ففعلت . فاخبر المرأة بخبر التفاحة ز فقالت له : إن هذا البستان نصفه لي ونصفه للسلطان ، والسلطان ببلخ ، وهي مسيرة عشرة أيام من بخارى ، وأحلته المرأة من نصفها . وذهب إلى بلخ واعترض السلطان في موكبه ، فخبره الخبر واستحله ، فأمر السلطان أن يعود إليه في الغد . وكان له بنت بارعة الجمال ، وقد خطبها أبناء الملوك فتمنعت وحببت إليها العبادة والرجال الصالحون ، فلما عاد السلطان إلى مقره أخبر بنته بخبر أدهم . فرغبت بتزوجه . فلما أتاه في الغد . قال له : لا أحلك إلا أن تتزوج ابنتي . فانقاد لذلك بعدا تمنع . ولما دخل عليها عمد إلى ناحية من البيت ، وأقبل على صلاته حتى أصبح - ولم يزل كذلك سبع ليال . ثم تزوجها وقام فاغتسل وصلى ومات أثناء صلاته ، فحملت منه إبراهيم ، ولم يكن لجده ولد ، فأسند الملك إليه.
وقد تباينت الروايات حول زهد إبراهيم وأسبابه ومن أكثر الروايات شهرة حول تزهده ما أورده ابن عساكر هي :أنه خرج مع بعض أصحابه إلى الصيد ، وبينما كان يكر ويفر جاداً إثر أرنب يروم رميه ، إذ بهاتف من وراء الغيب يناديه باسمه قائلاً : " يا إبراهيم ! ( أفحسبتم إنما خلقناكم عبثاً ، وإنكم إلينا لا ترجعون ) يا إبراهيم ! ألهذا خلقت أم لهذا أمرت بها فلم يبالي في بادئ الأمر . فعاوده الثانية والثالثة . فشد لجام فرسه ووقف حائراً من شدة الجزع . ثم هتف به الرابعة . فآمن آنئذٍ أنه صوت الحق و نذير من رب العالمين , و اطمأنت نفسه من بعد اضطراب , فرجع إلى أهله , ثم جاء إلى راعٍ لأبيه فألقى إليه ما يلبس من حلل الإمارة و حليها , و أخذ منه أطماره و لف جسمه بها و هام على وجهه.
لقد ساح إ براهيم في الأمصار الإسلامية ، فجاب خراسان والعراق وقصد الحجاز فزار قبر الرسول الكريم وعرج على مكة المكرمة فحج وقيل بأنه أثناء سياحته في مكة قام بخدمة الإمام الباقر، وروي أيضاً بأنه كانمن بين المشيعين للإمام الصادق وقد صحب في مكة سفياناً الثوري والفضل ابن عياض ، وقيل أنه قدم مصر ومر بالاسكندرية ثم صارإلى بلاد الشام وقد نقل عنه بأنه كان يردد دائماً قـــولــه :(ما تهنيت بالعيش إلا في بلاد الشام أفر بديني من شاهق إلى شاهق فمن رآني يقول حمال وموسوس) قد قضى مدة طويلة من حياته فيها متنقلاً بين ربوعها .
سئل مرة ومذ كم نزلت الشام ؟ فأجاب منذ أربع وعشرين سنة وما نزلت فيها إلا لأشبع خبز الحلال . طوف في سهولها وجبالها ومدنها وقراها ، وزار بيت المقدس ، وقيسارية وغزة ، وطبرية والرملة وعكا ، وعسقلان ، والناقورة وأقام بعض الوقت في صور وصيدا وبيروت والتقى في الأخيرة الإمام الأوزاعي وصحبه وزار الأردن وقضى مدة من الزمن في دمشق وحمص والرستن ورابط في إنطاكية ومرعش والمصيصة وطرسوس وسوقين ، وفي بعض العواصم والثغور الأخرى ، ويبدو أنه ألقى عصا التسيار في الساحل السوري ولا سيما في جبلة قبل أن يلقى جه ربه الكريم.
تعمق إبراهيم في دراسة القرآن الكريم وغاص في أعماق الدين الحنيف فاستخرج جواهر حقائقه الآخروية والدنيوية ومثله الإنسانية السامية وفقه الحديث الشريف ورواه ، وتتبع سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وسلوك آله وأصحابه فنهج نهجهم وتثقف ثقافة عربية واسعة فكان بليغاً فصيحاً ، ورجع إلى أصالته العربية ، فعمل بمناقبها ومآثرها الخلقية ، فكان رجلاً فذاً بين الرجال ، كان قوي الإيمان بالله ، فقد قال صاحبه سفيان الثوري حينما سئل عنه : " إن إبراهيم بن أدهم يشبه إبراهيم خليل الرحمن ، ولو كان من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان رجلاً فاضلاً له سرائر".
وهو محدث وراوية ثقة ، وثقه النسائي والدار قطني وخرج له البخاري والترمذي وروى عن جماعة من التابعين وتابعي التابعين ، منهم يزيد الرقاشي وعمرو بن عبد الله سبيعي ، ويحيى بن سعد الأنصاري وروى عنه جماعة من المحدثين منهم شقيق البلخي وبقية بن الوليد و إبراهيم بن بشار وغيرهم .
وقد كان عالماً جليلاً وعاملاً مجداً متواضعاً محققاً قوله : " اطلبوا العلم للعمل فإن أكثر الناس قد غلطوا حتى صار علمهم كالجبال وعملهم كالذر " وقوله :" ما صدق الله عبد أحب الشهرة بعلم أو عمل أو كرم "
وعرف عنه التأدب والصدق والسخاء والإيثار . فقال مضاء بن عيسى :" ما فاق إبراهيم بن أدهم إلا بالصدق والسخاء "
وعن رحمته بالناس فكان يقول :" المواساة من أخلاق المؤمنين " ويقول ذهب السخاء والكرم والجود والمواساة فمن لم يواس الناس بماله وطعامه وشرابه ، فليواسهم ببسط الوجه والخلق الحسن "
وكان مجاهداً شجاعاً رابط في العواصم والثغور ، وخاض المعارك ضد البيزنطيين.
فكان صادقاً في زهده ، راض نفسه على الصبر وجاهدها وغالبها ، فقهرها وكبح جماح شهواتها وأهوائها ، وقد عبر إبراهيم عن ذلك بقوله :" ما قاسيت ، في الدنيا ، شيئاً أشد علي من نفسي ، مرة علي ، ومرة لي وأما أهوائي فقد استعنت بالله عليها واستكفيت سوء مغالبتها فكفاني والله ما أس علي ما أقبل من الدنيا ولا ما أدبر منها ".
عاش إبراهيم كما أراد أن يعيش فقيراً معدماً محروماً ، أما الطعام فكان يقنع منه بالبلغة وما يسد الريق فكان يربأ بنفسه أن يأكل إلا من كد يمينه وعرق جبينه كان يرتدي فرواً ليس تحت القميص ـ وكان يلبس مرقعةً تزن ستين رطلاً ، وكان يلبس في الصيف شقتين بأربعة دراهم يتزر بواحدة ويرتدي بأخرى ـ ولم يك يعتمر عمامة أو ينتعل خفين ، كان إذا تجرد للجهاد يأبى أن يركب دابةً ، وسار إلى حلبة القتال ماشيا فكان فارساً شجاعاً ، ومقاتلاً باسلاً وشارك في غزوات كثيرة منها غزاة عباس الإنطاكي ، غزاة محكاف ، فقد روي عنه بأنه قال للصحابة عشية موته وهم في عرض البحر يقاتلون البيزنطيين : أوترو لي قوساً فأوتروه فقبض عليه فمات وهو قابض عليه يريد أن يرمي العدو به.
هكذا كانت خاتمة سيرة هذا الزاهد واالمتصوف والمجاهد المؤمن إبراهيم بن الأدهم وهو القائــل :" من عرف ما الطلب هان عليه ما يبذل " ودفن في جبلة وأقيم له فيها مقام كبير , و ليقام عنده مسجد جامع كبير باسمه يقصد من الناس من جميع الأمصار.
هذا الموضوع منقول من الربط التالي :
من هو السلطان إبراهيم ابن الأدهم المدفون في جبلة - منتدى أسنانك
 


اشكرك اخي بارك الله فيك​
 


جزيت خيرآ
أعجبنى قوله :
" من عرف ما الطلب هان عليه ما يبذل "
وقوله : " ما صدق الله عبد أحب الشهرة بعلم أو عمل أو كرم "


وهذا ماوجدته من سيرة ابراهيم ابن الأدهم
أرجوا أن يكون نافعآ لمن يحب الاستزاده من سيرته الطيبه
رحمه الله تعالى ....

إبراهيم بن الأدهم : أحد مشاهير العباد و أكابر الزهاد . كانت له همة عالية في ذلك رحمه الله . فهو إبراهيم بن أدهم بن منصور بن يزيد بن عامر بن إسحاق التميمي . و يقال له العجلي ، أصله من بلخ ثم سكن الشام و دخل دمشق ، و روى الحديث عن أبيه و الأعمش و محمد بن زياد صاحب أبي هريرة و أبي إسحاق السبيعي و خلق . و حدث عنه خلق منهم بقية و الثوري و أبو إسحاق الفزاري و محمد بن حميد . و حكى عنه الأوزاعي . و روى ابن عساكر من طريق عبد الله بن عبد الرحمن الجزري عن إبراهيم بن أدهم عن محمد بن زياد عن أبي هريرة . قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يصلي جالسا فقلت : يا رسول الله إنك تصلي جالساً فما أصابك ، قال : الجوع يا أبا هريرة . قال : فبكيت فقال : لا تبك فإن شدة يوم القيامة لا تصيب الجائع إذا احتسب في دار الدنيا . و من طريق بقية عن إبراهيم بن أدهم حدثني أبو إسحاق الهمداني عن عمارة بن غزية عن أبي هريرة . قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الفتنة تجيء فتنسف العباد نسفا ، و ينجو العالم منها بعلمه . قال النسائي : إبراهيم بن أدهم ثقة مأمون أحد الزهاد . و ذكر أبو نعيم و غيره أنه كان ابن ملك من ملوك خراسان ، و كان قد حبب إليه الصيد ، قال : فخرجت مرة فأثرت ثعلبا فهتف بي هاتف من قربوس سرجي : ما لهدا خلقت ، و لا بهذا أمرت . قال : فوقفت و قلت : انتهيت انتهيت ، جاءني نذير من رب العالمين . فرجعت إلى أهلي فخليت عن فرسي و جئت إلى بعض رعاة أبي فأخذت منه جبة و كساء ثم ألقيت ثيابي إليه ، ثم أقبلت إلى العراق فعملت بها أياما فلم يصف لي بها الحلال ، فسألت بعض المشايخ عن الحلال فأرشدني إلى بلاد الشام فأتيت طرسوس فعملت بها أياما أنظر البساتين و أحصد الحصاد ، و كان يقول : ما تهنيت بالعيش إلا في بلاد الشام . أفر بديني من شاهق إلى شاهق و من جبل إلى جبل ، فمن يراني يقول هو موسوس . ثم دخل البادية و دخل مكة و صحب الثوري و الفضيل بن عياض و دخل الشام و مات بها ، و كان لا يأكل إلا من عمل يديه مثل الحصاد و عمل الفاعل و حفظ البساتين و غير ذلك . و ما روى عنه أنه وجد رجلا في البادية فعلمه اسم الله الأعظم فكان يدعو به حتى رأى الخضر فقال له : إنما علمك أخي داود اسم الله الأعظم ، ذكره القشيري و ابن عساكر عنه : بإسناد لا يصح . و فيه أنه قال له : إن إلياس علمك اسم الله الأعظم . و قال إبراهيم : أطب مطعمك و لا عليك أن لا تقوم الليل و لا تصوم النهار . و ذكر أبو نعيم عنه أنه كان أكثر دعائه اللهم انقلني من ذل معصيتك إلى عز طاعتك . و قيل لإبراهيم بن أدهم : إن اللحم قد غلا فقال : أرخصوه ، أي لا تشتروه فإنه يرخص . و قال بعضهم : هتف به الهاتف من فوقه يا إبراهيم ما هذا العبث
أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون
اتق الله و عليك بالزاد ليوم القيامة . فنزل عن دابته و رفض الدنيا و أخذ في عمل الاخرة . و روى ابن عساكر بإسناد فيه نظر في ابتداء أمره قال : بينما أنا يوما في منظرة لي ببلخ و اذا شيخ حسن الهيئة حسن اللحية قد استظل بظلها فأخذ بمجامع قلبي ، فأمرت غلامي فدعاه فدخل فعرضت عليه الطعام فأبى فقلت : من أين أقبلت ، قال : من وراء النهر . قلت : أين تريدة قال الحج . قلت : في هذا الوقت ، و قد كان أول يوم من ذي الحجة أو ثانية - فقال : يفعل الله ما يشاء . فقلت : الصحبة . قال : إن أحببت ذلك فموعدك الليل ، فلما كان الليل جاءني فقال : قم بسم الله فأخذت ثياب سفري وسرنا نمشي كأنما الأرض تجذب من تحتنا ، و نحن نمر على الجلدان و نقول : هذه فلانة هذه فلانة ، فإذا كان الصباح فارقني و يقول : موعدك الليل ، فإذا كان الليل جاءني ففعلنا مثل ذلك . فانتهينا إلى مدينة النبي صلى الله عليه و سلم ثم سرنا إلى مكة فجئناها ليلا فقضينا الحج مع الناس ثم رجعنا إلى الشام فزرنا بيت المقدس و قال : إني عازم على المقام بالشام ، ثم رجعت أنا إلى بلدي بلخ كسائر الضعفاء حتى رجعنا إليها و لم أسأله عن اسمه ، فكان ذلك أول أمري .
و روي من وجه اخر فيه نظر . و قال أبو حاتم الرازي عن أبي نعيم عن سفيان الثوري قال : كان إبراهيم بن أدهم يشبه إبراهيم الخليل ، و لو كان في الصحابة كان رجلاً فاضلأ له سرائر و ما رأيته يظهر تسبيحا و لا شيئاً و لا أكل مع أحد طعاماً إلا كان آخر من يرفع يديه .
قال عبد الله بن المبارك : كان إبراهيم رجلاً فاضلاً له سرائر و معاملات بينه و بين الله عز و جل و ما رأيته يظهر تسبيحاً و لا شيئا من عمله ، و لا أكل مع أحد طعاما إلا كان آخر من يرفع يده . و قال بشر بن الحارث الحافي : أربعة رفعهم الله بطيب المطعم ، إبراهيم بن أدهم ، و سليمان بن الخواص و و هيب بن الورد ، و يوسف بن أسباط . و روى ابن عساكر من طريق معاوية بن حفص قال : إنما سمع إبراهيم بن أدهم حديثا واحداً فأخذ به فساد أهل زمانه . قال : حدثنا منصور عن ربعي بن خراش قال : جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله دلني على عمل يحبني الله عليه ويحبني الناس قال إذا أردت أن يحبك الله فابغض الدنيا ، و إذا أردت أن يحبك الناس فما كان عندك من فضولها فانبذه إليهم و قال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا أبو الربيع عن إدريس قال : جلس إبراهيم بن أدهم إلى بعض العلماء فجعلوا يتذاكرون الحديث و إبراهيم ساكت ، ثم قال : حدثنا منصور ثم سكت فلم ينطق بحرف حتى قام من ذلك المجلس : فعاتبه بعض أصحابه في ذلك ! فقال : إني لأخشى مضرة ذلك المجلس في قلبي إلى اليوم . و قال رشدين بن سعد : مر إبراهيم بن أدهم بالأوزاعي و حوله حلقة فقال : لو أن هذه الحلقة على أبي هريرة لعجز عنهم . فقام الأوزاعي و تركهم . و قال إبراهيم بن بشار قيل لابن أدهم : لم تركت الحديث ؟ فقال : إني مشغول عنه بثلاث ، بالشكر على النعم ، و بالاستغفار من الذنوب ، و بالاستعداد للموت ، ثم صاح و غشي عليه فسمعوا هاتفاً يقول : لا تدخلوا بيني و بين أوليائي .
وقال أبو حنيفة يوما لإبراهيم بن أدهم : قد رزقت من العبادة شيئا صالحا فليكن العلم من بالك فإنه رأس العبادة و قوام الدين . فقال له إبراهيم :وأنت فليكن العبادة والعمل بالعلم من بالك و إلا هلكت و قال إبراهيم بن أدهم : ماذا أنعم الله على الفقراء لا يسألهم يوم القيامة عن زكاة و لا عن حج و لا عن جهاد و لا عن صلة رحم ، إنما يسأل و بحاسب هؤلاء المساكين الأغنياء ، و قال شقيق بن إبراهيم : لقيمت ابن أدهم بالشام وقد كنت رأيته بالعراق و بين يديه ثلاثون شاكرياً . فقلت له : تركت ملك نجراسان ، وخرجت من نعمتك ، فقال : اسكت ما تهنيت بالعيش إلا ههنا ، أفر بديني من شاهق إلى شاهق ، فمن يراني يقول هو موسوس أو حمال أو ملاح ، ثم قال : بلغني أنه يؤتى بالفقير يوم القيامة فيوقف بين يدي الله فيقول له : يا عبدي ما لك لم تحج فيقول : يا رب لم تعطني شيئا أحج به . فيقول الله : صدق عبدي إذهبوا به إلى الجنة و قال : أقمت بالشام أربعاً و عشرين سنة لم أقم بها لجهاد و لا رباط إنما نزلتها لأشبع من خبز حلال . و قال : الحزن حزنان حزن لك و حزن عليك ، فحزنك على الآخرة لك . و حزنك على الدنيا و زينتها عليك . و قال الزهد ثلاثة ، و اجب ، و مستحب ، و زهد سلامة ، فأما الواجب فالزهد في الحرام و اجب ، بالزهد عن الشهوات الحلال مستحب ، و الزهد عن الشبهات سلامة . و كان هو و أصحابه يمنعون أنفسهم الحمام و الماء البارد و الحذاء و لا يجعلون في ملحهم أبزارا ، وكان إذا جلس على سفرة فيها طعام طيب رمى بطيبها إلى أصحابه و أكل هو الخبز والزيتون . و قال إبراهيم بن أدهم قلة الحرص و الطمع تورث الصدق و الورع ، و كثرة الحرص و الطمع تورث الغم و الجزع . و قال له رجل : هذه جبة أحب أن تقبلها مني . فقال : إن كنت غنياً قبلتها ، و إن كنت فقيراً لم أقبلها . قال : أنا غني . قال : كم عندك ة قال ألفان قال : تود أن تكون أربعة آلاف قال : نعم ، قال فأنت فقير ، لا أقبلها منك . و قيل له : لو تزوجت ، فقال : لو أمكنني أن أطلق نفسي لطلقتها . و مكث بمكة خمسة عشر يوما لا شيء له و لم يكن له زاد سوى الرمل بالماء ، وصلى بوضوء واحد خمس عشرة صلاة ، و أكل يوما على حافة الشريعة كسيرات مبلولة بالماء و ضعها بين يديه أبو يوسف الغسولي ، فأكل منها ثم قام فشرب من الشريعة ثم رجاء و استلقى على قفاه و قال : يا أبا يوسف لو علم الملوك و أبناء الملوك ما نحن فيه من التعيم في لجلدونا بالسيوف أيام الحياة على ما نحن فيه من لذيذ العيش . فقال له أبو يوسف : طلب القوم الراحة و النعيم فأخطؤوا الطريق المستقيم . فتبسم إبراهيم و قال : من أين لك هذا الكلام ؟ و بينما هو يوماً بالمصيصة في جماعة من أصحابه إذ جاءه راكب فقال : أيكم إبراهيم بن أدهم ؟ فأرشد إليه ، فقال يا سيدي أنا غلامك ، و ان أباك قد مات و ترك مالا هو عند القاضي ، و قد جئتك بعشرة آلاف درهم لتنفقها عليك إلى بلخ ، و فرس و بغلة . فسكت إبراهيم طويلاً ثم رفع رأسه فقال : إن كنت صادقاً فالدراهم و الفرس و البغلة لك ، و لا تخبر به أحدا . و يقال : إنه ذهب بعد ذلك إلى بلخ و أخذ المال من الحاكم و جعله كله في سبيل الله .
وكان معه بعض أصحابه فمكثوا شهرين لم يحصل لهم شيء يأكلونه ، فقال له إبراهيم : ادخل إلى هذه الغيضة و كان ذلك في يوم شات قال : فدخلت فوجدت شجرة عليها خوخ كثير فملأت منه جرابي ثم خرجت ، فقال : ما معك ؟ قلت : خوخ . فقال : يا ضعيف اليقين ! لو صبرت لوجدت رطباً جنيا ، كما رزقت مريم بنت عمران . و شكا إليه بعض أصحابه الجوع فصلى ركعتين فإذا حوله دنانير كثيرة فقال لصاحبه : خذ منها دينارا ، فأخذه و اشترى لهم به طعاما . و ذكروا أنه كان يعمل بالفاعل ثم يذهب فيشتري البيض و الزبدة و تارة الشواء والجوذبان و الخبيص فيطعمه أصحابه و هو صائم ، فإذا أفطر يأكل من رديء الطعام ويحرم نفسه المطعم الطيب ليبر به الناس تأليفا لهم و تحبباً و تودداً إليهم .
وأضاف الأوزاعي إبراهيم بن أدهم فقصر إبراهيم في الأكل فقال : ما لك قصرت ، فقال : لأنك قصرت في الطعام . ثم عمل إبراهيم طعاما كثيراً و دعا الأوزاعي فقال الأوزاعي : أما تخاف أن يكون سرفاً ؟ فقال : لا إنما السرف ما كان في معصية الله ، فأما ما أنفقه الرجل على إخوانه فهو من الدين . و ذكروا أنه خص مرة بعشرين دينارا ، فجلس مرة عن حجام هو و صاحب له ليحلق رؤوسهم ويحجمهم ، فكأنه تبرم بهم و اشتغل عنهم بغيرهم ، فتأذى صاحبه من ذلك ثم أقبل عليهم الحجام فقال : ماذا تريدون ؟ قال إبراهيم : أريد أن تحلق رأسي و تحجمني ، ففعل ذلك فأعطاه إبراهيم العشرين دينارا ، و قال أردت
أن لا تحقر بعدها فقيرا أبدا . و قال مضاء بن عيسى : ما فاق إبراهيم أصحابه بصوم و لا صلاة و لكن بالصدق و السخاء .


 


وكان إبرإهيم يقول : فروا من الناس كفراركم من الأسد الضاري ، و لا تخلفوا عن الجمعة و الجماعة . و كان إذا سافر مع أحد من أصحابه يحدثه إبراهيم ، و كان إذا حضر في مجلس فكأنما على رؤوسهم الطير هيبة له و إجلالا . و ربما تسامر هو و سفيان الثوري في الليلة الشاتية إلى الصباح . و كان الثوري يتحرز معه في الكلام . و رأى رجلا قيل له : هذا قاتل خالك ، فذهب إليه فسلم عليه و أهدى له و قال : بلغني أن الرجل لا يبلغ درجة اليقين حتى يأمنه عدوه . و قال له رجل : طوبى لك أفنيت عمرك في العبادة و تركت الدنيا و الزوجات . فقال : ألك عيال ؟ قال : نعم . فقال : لروعة الرجل بعياله - يعني في بعض الأحيان من الفاقة - أفضل من عبادة كذا و كذا سنة . و رآه الأوزاعي ببيروت و على عنقه حزمة حطب فقال : يا أبا إسحاق إن أخوانك يكفونك هذا . فقال له اسكت يا أبا عمرو ! فقد بلغني أنه إذا وقف الرجل موقف مذلة في طلب الحلال وجبت له الجنة . و خرج ابن أدهم من بيت المقدس فمر بطبرية فأخذته المسلحة في الطريق فقالوا : أنت عبد؟ قال : نعم . قالوا : آبق ؟ قال نعم . فسجنوه . بلغ أهل بيت المقدس خبره فجاؤوا برمتهم إلى نائب طبرية فقالوا: علام سجنت إبراهيم بن أدهم ؟ قال : ما سجنته . قالوا: بلى هو في سجنك . فاستحضره فقال : علام سجنت . فقال : سل المسلحة ، قالوا : أنت عبد؟ قلت نعم و أنا عبد الله . قالوا: ابق ؟ قلت نعم و أنا عبد ابق من ذنوبي . فخلى سبيله .
وذكروا أنه مر مع رفقة فإذا الأسد على الطريق فتقدم إليه إبراهيم بن أدهم فقال له : يا قسورة إن كنت أمرت فينا بشيء فامض لما أمرت به و الا فعودك على بدئك . قالوا : فولى السبع ذاهباً يضرب بذنبه ، ثم أقبل علينا إبراهيم فقال : قولوا : اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام ، و اكنفنا بكنفك الذي لا يرام ، و ارحمنا بقدرتك علينا ، و لا نهلك و أنت رجاؤنا يا الله ، يا الله ، يا الله . قال خلف بن تميم . فما زلت أقولها منذ سمعتها فما عرض لي لص ولا غيره .
وقد روى لهذا شواهد من و جوه أخر . و روى أنه كان يصلي ذات ليلة فجاءه أسد ثلاثة فتقدم إليه أحدهم فشم ثيابه ثم ذهب فربض قريباً منه ، و جاء الثاني ففعل مثل ذلك ، وجاء الثالث ففعل مثل ذلك ، و استمر إبراهيم في صلاته ، فلما كان و قت السحر قال لهم : إن كنتم أمرتم بشيء فهلموا ، و إلا فانصرفوا فانصرفوا . و صعد مرة جبلا بمكة و معه جماعة فقال لهم : لو أن ولياً من أولياء الله قال لجبل زل لزال . فتحرك الجبل تحته فوكزه برجله وقال : اسكن فإنما ضربتك مثلاً لأصحابي . و كان الجبل أبا قبيس . و ركب مرة سفينة فأخذهم الموج من كل مكان فلف إبراهيم رأسه بكسائه و اضطجع و عج أصحاب السفينة بالضجيج والدعاء ، و أيقظوه و قالوا : ألا ترى ما نحن فيه من الشدة ؟ فقال : ليس هذه شدة ، وإنما الشدة الحاجة إلى الناس . ثم قال : اللهم أريتنا قدرتك فأرنا عفوك . فصار البحر كأنه قدح زيت . و كان قد طالبه صاحب السفينة بأجرة حمله دينارين و ألح عليه ، فقال له : اذهب معي حتى أعطيك ديناريك فخرج معه مرة إلى جزيرة في البحر فتوضأ إبراهيم وصلى ركعتين و دعا و إذا ما حوله قد ملىء دنانير ، فقال له : خذ حقك و لا تزد و لا تذكر في هذا لأحد . و قال حذيفة المرعشي : أويت أنا و إبراهيم إلى مسجد خراب بالكوفة ، وكان قد مضى علينا أيام لم نأكل فيها شيئا فقال لي : كأنك جائع . قلت : نعم . فأخذ رقعة فكتب فيها بسم الله الرحمن الرحيم أنت المقصود إليه بكل حال ، المشار إليه بكل معنى .
أنا حامدأنا ذاكرأنا شاكر أنا جائع أنا حاسرأنا عاري
هي ستة و أنا الضمين لنصفها فكن الضمين لنصفها يا باري
مدحي لغيرك و هج نار خضتها فأجزعبيدك من دخول النار
ثم قال لي : اخرج بهذه الرقعة و لا تعلق قلبك بغير الله سبحانه و تعالى ، و ادفع هذه الرقعة لأول رجل تلقاه . فخرجت فإذا رجل على بغلة فدفعتها إليه فلما قرأها بكى و دفع إلي ستمائة دينار و انصرف ، فسألت رجلاً من هذا الذي على البغلة ؟ فقالوا : هو رجل نصراني . فجئت إبراهيم فأخبرته فقال : الآن يجيء فيسلم . فما كان غير قريب حتى جاء فأكب على رأس إبراهيم بن أدهم و أسلم . و كان إبراهيم يقول : دارنا أمامنا و حياتنا بعد وفاتنا فإما إلى الجنة و إما إلى النار . و كان يقول : مثل لبصرك حضور ملك الموت و أعوانه لقبض روحك وانظر كيف تكون حينئذ ، و مثل له هول المضجع و مساءلة منكر و نكير و انظر كيف تكون تكون . و مثل له القيامة و أهوألها و أفزاعها و العرض و الحساب ، و انظر كيف تكون . ثم صرخ صرخة خر مغشياً عليه .
 


و نظر إلى رجل من أصحابه يضحك فقال له : لا تطمع في البقاء
لا يكون ، و لا تنس ما يكون . فقيل له : كيف هذا يا أبا إسحاق فقال : لا تطمع في أشياء والموت يطلبك ، فكيف يضحك من يموت و لا يدري أين يذهب به إلى جنة أم إلى نار؟ ولا تنس ما يكون الموت يأتيك صباحا أو مساء . ثم قال : أوه أوه ! ثم خر مغشيا عليه .
وكان يقول : ما لنا نشكو فقرنا إلى مثلنا و لا نسأل كشفه من ربنا . ثم يقول : ثكلت عبدا أمه أحب الدنيا و نسي ما في خزائن مولاه و قال : إذا كنت بالليل نائما و بالنهار هائما و في المعاصي دائماً فكيف ترضى من كان بأمورك قائماً . و رآه بعض أصحابه و هو بمسجد بيروت وهو يبكي و يضرب بيديه على رأسه ، فقال : ما يبكيك ؟ فقال : ذكرت يوما تنقلب فيه القلوب والأبصار . و قال : إنك كلما أمعنت النظر في مرآة التوبة بان لك قبح شين المعصية .
وكتب إلى الثوري : من عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل ، و من أطلق بصره طال أسفه ، و من أطلق أمله ساء عمله ، و من أطلق لسانه قتل نفسه . و سأله بعض الولاة من أين معيشتك ؟ فأنشأ يقول :
نرفع دنيانا بتمزيق ديننا فلا ديننا يبقى و لا ما نرقع
كان كثيرا ما يتمثل بهذه الأبيات
لما توعد الدنيا به من شرورها يكون بكاءا لطفل ساعة يوضع
و إلافمايبكيه منها و إثها لأروح مما كان فيه و أوسع
إذا أبصرالذنيا استهل كأنما يرى ما سيلقى من أذاها و يسمع
وكان يتمثل أيضا:
رأيت الذنوب تميت القلوب ويتبعها الذل إدمانها
ترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها
وما اهلكً الدين إلا ملوك و أحبار سوء و رهبانها
وباعوا النفوس فلم يربحوا ولم يغل بالبيع أثمانها
لقدرتع القوم في جيفة يبين لذي اللب إنتًانها

وقال إبراهيم بن أدهم : إنما يتم الورع بتسوية كل الخلق في قلبك ، و الاشتغال عن عيوبهم بذنبك ، و عليك باللفظ الجميل من قلب ذليل لرب جليل ، فكر في ذنبك و تب إلى ربك ينبت الورع في قلبك ، و اقطع الطمع إلا من ربك .

و قال أيضا : ليس من أعلام الحب أن تحب ما يبغضه حبيبك ، ذم مولانا الدنيا فمدحناها ، و أبغضها فأحببناها ، ؟ و زهدنا فيها فآثرناها و رغبنا في طلبها ، و وعدكم خراب الدنيا فحصنتموها ، و نهاكم عن طلبها فطلبتموها ، و أنذركم الكنوز فكنزتموها ، دعتكم إلى هذه الغرارة دواعيها ، فأجبتم مسرعين مناديها ، خدعتكم بغرورها ، و منتكم فانقدتم خاضعين لأمانيها تتمرغون في زهراتها وزخارفها ، و تتنعمون في لذاتها و تتقلبون في شهواتها ، و تتلوثون بتبعاتها ، تنبشون بمخالف الحرص عن خزائنها ، و تحفرون بمعاول الطمع في معادنها . و شكى رجل إلى إبراهيم بن أدهم كثرة عياله فقال : ابعث إلي منهم من لا رزقه على الله . فسكت الرجل .

و قال إبراهيم بن أدهم : مررت في بعض جبال الشام فإذا حجر مكتوب عليه بالعربية : كل حي و إن بقي فمن العمر يستقي
فاعمل اليوم و اجتهد واحذرالموت يا شقي
قال : فبينا أنا و اقف أقرأ و أبكي ، و اذا برجل أشعر أغبر عليه مدرعة من شعر فسلم وقال : مم تبكي ؟ فقلت : من هذا . فأخذ بيدي و مضى غير بعيد فإذا بصخرة عظيمة مثل المحراب فقال اقرأ و ابك و لا تقصر . و قام هو يصلي فإذا في ناحية منها :
لاتبغين جاها و جاهك ساقط عند المليك و كن لجاهك مصلحا
وفي الجانب الآخر :
من لم يثق بالقضاء و القدر لاقى هموما كثيرة الضرر
وفي الجانب الأيسر منه نقش بين عربي :
ما أزين التقى و ما أقبح الخنا وكل مأخوذ بما حنى ، و عند الله الجزا
وفي أسفل المحراب فوق الأرض بذراع أو أكثر :
إنما الفوز و الغنى في تقى الله و العمل
قال : فلما فرغت من القراءة التفت فإذا ليس الرجل هناك ، فما أدري انصرف أم حجب عني . و قال إبراهيم بن أدهم : أثقل الأعمال في الميزان أثقلها على الأبدان ، و من وفى العمل وفى له الأجر ، و من لم يعمل رحل من الدنيا إلى الاخرة بلا قليل و لا كثير .

وقال : كل سلطان لا يكون عادلا فهو و اللص بمنزلة واحدة ، و كل عالم لا يكون و رعا فهو و الذئب بمنزلة واحدة ، و كل من خدم سوى الله فهو و الكلب بمنزلة واحدة .
وقال : ما ينبغي لمن ذل لله في طاعته أن يذل لغير الله في مجاعته ، فكيف بمن هو يتقلب في نعم الله و كفايته و قال : أعربنا في كلامنا فلم نلحن ، و لحنا في أعمالنا فلم نعرب ، و قال : كنا إذا رأينا الشاب يتكلم في المجلس أيسنا من خيره .
و قال إبراهيم
لأصحابه : جانبوا الناس و لا تنقطعوا عن جمعة و لا جماعة .
 


وقال الحافظ أبو بكر الخطيب : أخبرنا القاضي أبو محمد الحسن بن الحسن بن محمد بن زامين الأسترابادي قال : أخبرنا عبد الله بن محمد الحميدي الشيرازي أنبأ القاضي أحمد بن خرزاد الأهوازي حدثني علي بن محمد القصري ، حدثني أحمد بن محمد الحلبي سمعت سريا السقطي يقول سمعت بشر بن الحارث الحافي يقول : قال إبراهيم بن أدهم : وقفت على راهب فأشرف علي فقلت له : عظني فأنشأ يقول :
خذ عن الناس جانبا كي يظنوك راهبا
إن دهرا أظلني قد أراني العجائبا
قلب الناس كيف شئـ ـت تجدهم عقاربا

قال بشر فقلت لإبراهيم هذه موعظة الراهب لك ، فعظني أنت . فأنشأ يقول :
توحش من الإخوان لاتبغ مؤنسا ولاتتخذخلا و لاتبغ صاحبا
و كن سامري الفعل من نسل آدم وكن أوحديا ما قدرت مجانبا
فقد فسد الإخوان و الحب و الإخا فلست ترى إلامذوقا و كاذبا
فقلت و لولا أن يقال مدهدة و تنكر حالاتي لقذ صرت راهبا

قال سري : فقلت لبشر : هذه موعظة إبراهيم لك فعظني أنت ، فقال : عليك بالخمول . و لزوم بيتك . فقلت بلغني عن الحسن أنه قال : لولا الليل و ملاقاة الإخوان ما باليت متى مت . فأنشأ بشر يقول :
يا من يسر برؤية الإخوان مهلا أمنت مكايدالشيطان
خلت القلوب من المعاد و ذكره وتشاغلوا بالحرص و الخسران
صارت مجالس من ترى و حديثهم في هتك مستور و موت جنان

قال الحلبي فقلت لسري : هذه موعظة بشر لك فعظني أنت . فقال : عليك بالإخمال فقلت إني أحب ذاك ، فأنشأ يقول :
يامن يروم بزغمه إخمالا إن كان حقا فاشتعد خصالا
ترك المجالس و التذاكريا أخي و اجعل خروجك للصلاة خيالا
بل كن بهاحيا كأثك ميت لايرتجى منه القريب و صالا

قال علي بن محمد القصري : قلت للحلبي هذه موعظة سري لك فعظني أنت . فقال : يا أخي أحب الأعمال إلى الله ما صعد إليه من قلب زاهد في الدنيا ، فازهد في الدنيا يحبك الله . ثم أنشأ يقول :
أنت في دار شتت فتأهب لشتاتك
و اجعل الدنياكيوم صمته عن شهواتك
و اجعل الفطرإذا ماصمته يوم وفاتك

قال ابن خرزاد فقلت لعلي : هذه موعظة الحلبي لك فعظني أنت . فقال لي : احفظ وقتك و اسخ بنفسك لله عز و جل ، و انزع قيمة الأشياء من قلبك يصفو لك بذلك سرك ويذكر به ذكرك . ثم أنشدني :
حياتك أنفاس تعذفكلما مضى نفس منها انتقصت به جزءا
فتصبح في نقص و تمسي بمثله ومالك معقول تحس به رزءا
يميتك ما يحييك في كل ساعة ويحدوك حاد ما يزيدبك الهزءا

قال أبو محمد قلت لأحمد : هذه موعظة علي لك فعظني . فقال : يا أخي عليك بلزوم الطاعة و إياك أن تبرح باب القناعة ، و أصلح مثواك ، و لا تؤثر هواك ، و لا تبع آخرتك بدنياك ، و اشتغل بما يعنيك بترك ما لا يعنيك . ثم أنشدني :
ندمت على ما كان مني ندامة ومن يتبع ماتشتهي النفس يندم
فخافوا لكيما تأمنوا بعدموتكم سستلقون رباً عادلاً ليس يظلم
فليس لمغرور بدنياه زاجز سيندم إن زلت به النعل فاعلموا

قال القاضي أبو محمد بن زامين فقلت لأبي محمد : هذه موعظة أحد لك فعظني أنت فقال : اعلم رحمك الله أن الله عز و جل ينزل العبيد حيث نزلت قلوبهم بهمومها ، فانظر أين ينزل قلبك ، و اعلم أن الله سبحانه يقرب من القلوب على حسب ما تقرب منه ، وتقرب منه على حسب ما قرب إليها . فانظر من القريب من قلبك . و أنشدني
قلوب رجالي في الحجاب نزول وأرواحهم فيما هناك حلول
تروح نعيم الأنس في عز قربه بإفراد توحيد الجليل تخول
لهم بفناءالقرب من محض بره عوائدبذل خطبهن جليل

قال الحافظ أبو بكر الخطيب فقلت للقاضي محمد بن زامين : هذه موعظة الحميدي لك فعظني أنت . فقال : اتق الله و ثق به و لا تتهمه فإن اختياره لك خير من اختيارك لنفسك و أنشدني :
اتخذالله صاحبا ودع الناس جانبا
جرب الناس كيف شئـ ـت تجدهم عقاربا

قال أبو الفرج غيث الصوري : فقلت للخطيب البغدادي : هذه موعظة ابن زامين لك
فعظني أنت . فقال : احذر نفسك :التي هي أعدى أعدائك أن تتابعها على هواها ، فذلك أعضل دائك ، و استشرف الخوف من الله تعالى بخلافها ، و كرر على قلبك ذكر نعوتها وأوصافها فإنها الأمارة بالسوء و الفحشاء ، و الموردة من أطاعها موارد العطب و البلاء ، واعمد في جميع أمورك إلى تحري الصدق ، و لا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ، و قد ضمن الله لمن خالف هواه أن يجعل جنة الخلد قراره و مأواه ثم أنشد لنفسه :
إن كنت تبغي الرشاد محضاً في أمر دنياك و المعاد
فخالف النفس في هواها إن الهوى جامع الفساد

قال الجاحظ بن عساكر : المحفوظ أن إبراهيم بن أدهم توفي سنة اثنتين و ستين و مائة . و قال غيره : إحدى و ستين و قيل سنة ثلاث . و الصحيح ما قاله ابن عساكر و الله أعلم و ذكروا أنه توفي في جزيرة من جزائر بحر الروم و هو مرابط . و أنه ذهب إلى الخلاء ليلة مات نحوا من عشرين مرة ، و في كل مرة يجدد الوضوء بعد هذا ، و كان به البطن ، فلما كانت غشية الموت قال : أوتروا لي قوسي ، فأوتروه فقبض عليه فمات و هو قابض عليه يريد الرمي به إلى العدو رحمه الله و أكرم مثواه .
وقال أبو سعيد بن الأعرابي : حدثنا محمد بن علي بن يزيد الصائغ قال سمعت الشافعي يقول : كان سفيان معجبا به : أجاعتهم الدنيا فخافوا و لم يزل كذلك ذو التقوى عن العيش ملجما
أخو طيء داود منهم و مسعر و منهم وهيب و العريب ابن أدهــما
وفي ابن سعيد قدوة البر و النهى وفي الوارث الفاروق صدقاً مقدمـا
وحسبك منهم بالفضيل مع ابنه ويوسف إذ لم يأل أن يتسلمـــا
أولئك أصحابي و أهل مودتي فصلى عليهم ذو الجلال و سلمـا
فما ضر ذا القوى نصال أسنة وما زال ذو التقوى أعز و أكرمــا
وما زالت التقوى تريك على الفتى إذا محض التقوى من العز ميسما
وروى البخاري . في كتاب الأدب عن إبراهيم بن أدهم و أخرج الترمذي في جامعه حديثا معلقا في المسح على الخفين . الله سبحانه أعلم .
وفيها توفي : أبو سليمان داود بن نصير الطائي الكوفي الفقيه الزاهد ، أخذ الفقه عن أبي حنيفة . قال سفيان بن عيينة : ثم ترك داود الفقه و أقبل على العبادة و دفن كتبه . قال عبد الله بن المبارك : و هل الأمر إلا ما كان عليه داود الطائي . و قال يحيى بن معين : كان ثقة ، و فد على المهدي ببغداد ثم عاد إلى الكوفة . و قال الخطيب البغدادي ترك الفقه وأقبل على العبادة حتى مات و قد قدم على المهدي بغداد ثم عاد إلى الكوفة و قال :
مات ني سنة ستين و مائة ، و قيل في سنة ست و خمسين و مائة . و قد ذكر شيخنا الذهبي ني تاريخه أنه توفي في هذه السنة ، أعني سنة اثنتين و ستين و مائة والله تعالى أعلم .
 
عودة
أعلى