إخواني الأعزاء وأحبابي الكرام :
نستعرض سوياً في هذه الحلقة من سلسلتنا ( دراسة منهجية هادفة ) الفصل الأول من الكتاب الجليل القدر ( مدخل إلى الأدبي الإسلامي ) وفي نهاية هذا الفصل الرائع من الكتاب يخلص المؤلف ( رحمه الله ) إلى أن المفهوم الشامل للأدب الإسلامي أنه :
( رحمه الله ) في مفهوم الأدب الإسلامي :-
( مدخل إلى الأدب الإسلامي ) دراسة منهجية هادفة (2) ..
الأدب بصفة عامة لون من ألوان الفنون ، وهو أكثرها شيوعاً وتأثيراً وشعبية لأنه يضم الشعر وأنواع النثر الفني كالقصة والمسرحية والمقالة والخاطرة وترجمة الحياة وغيرها ، وعلى الرغم من اختلاف التعاريف التي وضعت للأدب في مختلف العصور ، إلا أننا نستطيع أن نستخلص منها سمات أساسية للعمل الفني الأدبي ، فهناك ( الصورة الفنية ) المؤثرة التي تتشكل من عناصر عدة أولها اللغة المنتقاة حيث تؤدي اللفظة الموحية المؤثرة وظيفة خاصة مميزة ، هذه اللفظة لا تقوم بذلك وحدها ، ولكن بارتباطها العضوي مع باقي الألفاظ في نسق معين ، وبما تعكسه من فكرة وتثيره من خيال ، وبما تحركه من عاطفة وتولده من اندماج ، فالصورة الفنية تكاد تكون تجربة حية يحدث فيها نوع من التمازج بين الأديب والمتلقى ، ولوناً من ألوان الحوار الحار والتفاعل الخصب ، تلك التجربة الحياتية في إطار هذه الصيغة الفنية تبدو جديدة شيقة ، وتكشف الكثير عما غمض في حياتنا العامة وعلاقاتنا العديدة المتشابكة ، وتضفي على وجودنا ثراء ومعرفة ومتعة ، ومن الوهم أن نتصور أن هذا الأثر الجمالي هو كل شيء ، إنه وثيق الصلة بنفوسنا وحركتها وبعواطفنا وتوجيهاتها وبأفكارنا ونموها وبأرواحنا وسموها ، وإذا كان إحساسنا بالمتعة والجمال في حد ذاته أثراً إيجابياً ، إلا أنه يظل فردي النزعة محصور الطاقة محدود الفاعلية ، إلا إذا حرك في داخلنا البحيرات الراكدة وأشعل النيران الخامدة ، فانطلقنا إلى مواقف جديدة ، وبدأنا الرحيل إلى آفاق وعوالم أكثر حيوية ودفئاً وحاولنا أن نتفيأ ظلال واقع يمور بالحركة والتطلع ، وتلك هي الإيجابية بمعناها الواسع الصحيح ، فالمتعة المجردة الساكنة المنطوية ، تحمل في ثناياها على نفسية تمضي بصاحبها إلى الإنطواء والعزلة وأحلام اليقظة العليلة ..
ولقد حاول الدارسون أن يجعلوا من الأدب مضموناً وشكلاً ، وعلى الرغم من صعوبة الفصل بين الشكل والمضمون إلا أن هذا التبسيط أو التصور يبدو ضرورياً في بعض الأحيان توارثناه عن الفلسفات القديمة التي تحاول التجزئة أو التشريح من أجل الوصول إلى إدراك أوضح للأمور المعقدة ، والمسائل التجريدية ، ألا يمكن أن يكون في الفكرة نفسها جمال من نوع ما ؟؟ ثم ألا يوحي الشكل أو الصورة الأدبية المركبة بطريقة فريدة ألا توحي بانطباعات وتصورات تساهم في اكتمال المعنى وبلورة الفكرة وتجسيد المفاهيم ؟؟ ومع ذلك فإن هذا التقسيم للعمل الأدبي إلى شكل ومضمون يبدو ( كما ألمحنا ) ضرورة ، وليس أدل على ذلك من أن جميع المدارس الأدبية ، تحاول أن توضح جذورها الفكرية والفلسفية ، أو تترجم تصوراتها عن الإنسان والكون والحياة إلى وقائع في القصة أو الرواية أو العمل المسرحي ، بل وفي الشعر أيضاً ، وتجعل من شخصيات العمل الدرامي بالذات نماذج معبرة ( في حوارها وسلوكها وعلاقاتها ) عن المضامين الفلسفية التي تؤمن بها أو تروج لها ..
ولقد كان لتقسيم الأدب إلى عنصري الشكل والمضمون أثر سلبي لا يمكن تجاهله ، فلقد احتفى بعض الأدباء احتفاءً زائداً بالفكرة على حساب الشكل الفني ، فاختلت الموازين الفنية وضعف التأثير وقلت المتعة وكان ذلك واضحاً أشد الوضوح في ( الآداب الموجهة ) ـ بفتح الجيم وتشديدها ـ فتحول الأدب إلى نشرات سياسية ، تنطق باسم حزب من الأحزاب ، أو شعارات طنانة تهتم وتهتف باسم زعيم من الزعماء ، أو أبواقاً إعلامية تتغنى بمجد حكومة من الحكومات ، وتوارت القيم الفنية ، فتعطلت وظيفة الأدب الأساسية في السمو بالأرواح والأذواق ، وفقدت الأفكار حيويتها وجاذبيتها ، وتضعضعت القيم الإبداعية ، وأصبح الأدباء في ذيل الموكب للحاق بركب المنفعة ولم تعد لهم الريادة والقيادة ، فلم يكن غريباً أن تتدهور آدابنا المعاصرة ، وتتمرغ في أوحال الذلة والهوان ..
وهناك فئة أخرى من الأدباء المعاصرين .. حاولوا الإفلات من جحيم الحصار والقهر فاحتموا بغابات الإبهام والغموض السوداء ، وأغرقوا في الرمز والهروب حتى يحافظوا على نقائهم الفكري ، وقيمهم الإبداعية ، فتقوقعوا في عالم خاص بهم ، وأداروا الحوار الخاص بينهم وبين أنفسهم ، ففقدوا الصلة المقدسة التي تقيم العلاقات بينهم وبين الآخرين ، ولم يعد لهم التأثير المأمول في حركة الحياة وتحريك العواطف واتخاذ المواقف ..
وقد عبر أحد الشعراء المحدثين عن هذه المأساة بقوله :
(( شاعركم جبان ..
يخاف من ترجمة الإفصاح ..
لذا تراه يختفي خلف حلكة العبارة ..
ينسجها من أغرب الرموز ..
يملؤها بالليل والأشباح ..
وكل قطعة تلوح كالمغارة ..
مغلقة على عجائب الكنوز )) !!..
ـ نكتفي بهذا القدر مؤقتاً ونستكمل استعراض هذا الفصل الهام من كتاب ( مدخل إلى الأدب الإسلامي ) بعد رؤية بعض من ردودكم ومداخلاتكم والتي ستثري بلا شك موضوعنا ودراستنا المنهجية الهادفة بإذن الله .......
نستعرض سوياً في هذه الحلقة من سلسلتنا ( دراسة منهجية هادفة ) الفصل الأول من الكتاب الجليل القدر ( مدخل إلى الأدبي الإسلامي ) وفي نهاية هذا الفصل الرائع من الكتاب يخلص المؤلف ( رحمه الله ) إلى أن المفهوم الشامل للأدب الإسلامي أنه :
- تعبير فني جميل مؤثر ..
- نابع من ذات مؤمنة ..
- مترجمٌ عن الحياة والإنسان والكون ..
- وفق الأسس العقائدية للمسلم ..
- وباعث للمتعة والمنفعة ..
- ومحرك للوجدان والفكر ..
- ومحفز لاتخاذ موقف والقيام بنشاط ما ..
( رحمه الله ) في مفهوم الأدب الإسلامي :-
( مدخل إلى الأدب الإسلامي ) دراسة منهجية هادفة (2) ..
مفهوم الأدب الإسلامي
--------------------------------
الأدب بصفة عامة لون من ألوان الفنون ، وهو أكثرها شيوعاً وتأثيراً وشعبية لأنه يضم الشعر وأنواع النثر الفني كالقصة والمسرحية والمقالة والخاطرة وترجمة الحياة وغيرها ، وعلى الرغم من اختلاف التعاريف التي وضعت للأدب في مختلف العصور ، إلا أننا نستطيع أن نستخلص منها سمات أساسية للعمل الفني الأدبي ، فهناك ( الصورة الفنية ) المؤثرة التي تتشكل من عناصر عدة أولها اللغة المنتقاة حيث تؤدي اللفظة الموحية المؤثرة وظيفة خاصة مميزة ، هذه اللفظة لا تقوم بذلك وحدها ، ولكن بارتباطها العضوي مع باقي الألفاظ في نسق معين ، وبما تعكسه من فكرة وتثيره من خيال ، وبما تحركه من عاطفة وتولده من اندماج ، فالصورة الفنية تكاد تكون تجربة حية يحدث فيها نوع من التمازج بين الأديب والمتلقى ، ولوناً من ألوان الحوار الحار والتفاعل الخصب ، تلك التجربة الحياتية في إطار هذه الصيغة الفنية تبدو جديدة شيقة ، وتكشف الكثير عما غمض في حياتنا العامة وعلاقاتنا العديدة المتشابكة ، وتضفي على وجودنا ثراء ومعرفة ومتعة ، ومن الوهم أن نتصور أن هذا الأثر الجمالي هو كل شيء ، إنه وثيق الصلة بنفوسنا وحركتها وبعواطفنا وتوجيهاتها وبأفكارنا ونموها وبأرواحنا وسموها ، وإذا كان إحساسنا بالمتعة والجمال في حد ذاته أثراً إيجابياً ، إلا أنه يظل فردي النزعة محصور الطاقة محدود الفاعلية ، إلا إذا حرك في داخلنا البحيرات الراكدة وأشعل النيران الخامدة ، فانطلقنا إلى مواقف جديدة ، وبدأنا الرحيل إلى آفاق وعوالم أكثر حيوية ودفئاً وحاولنا أن نتفيأ ظلال واقع يمور بالحركة والتطلع ، وتلك هي الإيجابية بمعناها الواسع الصحيح ، فالمتعة المجردة الساكنة المنطوية ، تحمل في ثناياها على نفسية تمضي بصاحبها إلى الإنطواء والعزلة وأحلام اليقظة العليلة ..
ولقد حاول الدارسون أن يجعلوا من الأدب مضموناً وشكلاً ، وعلى الرغم من صعوبة الفصل بين الشكل والمضمون إلا أن هذا التبسيط أو التصور يبدو ضرورياً في بعض الأحيان توارثناه عن الفلسفات القديمة التي تحاول التجزئة أو التشريح من أجل الوصول إلى إدراك أوضح للأمور المعقدة ، والمسائل التجريدية ، ألا يمكن أن يكون في الفكرة نفسها جمال من نوع ما ؟؟ ثم ألا يوحي الشكل أو الصورة الأدبية المركبة بطريقة فريدة ألا توحي بانطباعات وتصورات تساهم في اكتمال المعنى وبلورة الفكرة وتجسيد المفاهيم ؟؟ ومع ذلك فإن هذا التقسيم للعمل الأدبي إلى شكل ومضمون يبدو ( كما ألمحنا ) ضرورة ، وليس أدل على ذلك من أن جميع المدارس الأدبية ، تحاول أن توضح جذورها الفكرية والفلسفية ، أو تترجم تصوراتها عن الإنسان والكون والحياة إلى وقائع في القصة أو الرواية أو العمل المسرحي ، بل وفي الشعر أيضاً ، وتجعل من شخصيات العمل الدرامي بالذات نماذج معبرة ( في حوارها وسلوكها وعلاقاتها ) عن المضامين الفلسفية التي تؤمن بها أو تروج لها ..
ولقد كان لتقسيم الأدب إلى عنصري الشكل والمضمون أثر سلبي لا يمكن تجاهله ، فلقد احتفى بعض الأدباء احتفاءً زائداً بالفكرة على حساب الشكل الفني ، فاختلت الموازين الفنية وضعف التأثير وقلت المتعة وكان ذلك واضحاً أشد الوضوح في ( الآداب الموجهة ) ـ بفتح الجيم وتشديدها ـ فتحول الأدب إلى نشرات سياسية ، تنطق باسم حزب من الأحزاب ، أو شعارات طنانة تهتم وتهتف باسم زعيم من الزعماء ، أو أبواقاً إعلامية تتغنى بمجد حكومة من الحكومات ، وتوارت القيم الفنية ، فتعطلت وظيفة الأدب الأساسية في السمو بالأرواح والأذواق ، وفقدت الأفكار حيويتها وجاذبيتها ، وتضعضعت القيم الإبداعية ، وأصبح الأدباء في ذيل الموكب للحاق بركب المنفعة ولم تعد لهم الريادة والقيادة ، فلم يكن غريباً أن تتدهور آدابنا المعاصرة ، وتتمرغ في أوحال الذلة والهوان ..
وهناك فئة أخرى من الأدباء المعاصرين .. حاولوا الإفلات من جحيم الحصار والقهر فاحتموا بغابات الإبهام والغموض السوداء ، وأغرقوا في الرمز والهروب حتى يحافظوا على نقائهم الفكري ، وقيمهم الإبداعية ، فتقوقعوا في عالم خاص بهم ، وأداروا الحوار الخاص بينهم وبين أنفسهم ، ففقدوا الصلة المقدسة التي تقيم العلاقات بينهم وبين الآخرين ، ولم يعد لهم التأثير المأمول في حركة الحياة وتحريك العواطف واتخاذ المواقف ..
وقد عبر أحد الشعراء المحدثين عن هذه المأساة بقوله :
(( شاعركم جبان ..
يخاف من ترجمة الإفصاح ..
لذا تراه يختفي خلف حلكة العبارة ..
ينسجها من أغرب الرموز ..
يملؤها بالليل والأشباح ..
وكل قطعة تلوح كالمغارة ..
مغلقة على عجائب الكنوز )) !!..
ـ نكتفي بهذا القدر مؤقتاً ونستكمل استعراض هذا الفصل الهام من كتاب ( مدخل إلى الأدب الإسلامي ) بعد رؤية بعض من ردودكم ومداخلاتكم والتي ستثري بلا شك موضوعنا ودراستنا المنهجية الهادفة بإذن الله .......