مهدي عبد الوفي
New Member
بسم الله و الحمد لله و الصلاة والسلام على أشرف خلق الله .
علم الشريعة و علم الحقيقة : أي ارتباط و أي ضوابط !
إن المتقدسين بالعزلة عن دنس الدنيا .. المتنزهين عن مخالطة الغافلين .. الذاكرين الله كثيرا في الخلوات .. كانوا عرضة للخطإ و الزيغ من جهات لا يتعرض لها عامة الناس .. كانت لهم أذواق تلطف أن يلم بها الخيال .. أو يحوم حول حماها كثيف المقال . و الأذواق و الكشف تخطئ كما يخطئ الرأي .. بل يجد الشيطان و الهوى منهما مدخلا ليستحوذا على هواجس النفس و يكدرا خواطر القلب . لذا كان معول الصوفية على سياج الشريعة يحوطون به تلامذتهم .. و يذكرون و يبصرون .
كان أبو سعيد الخراز يقول : كل باطن يخالفه ظاهر فهو باطل .. و يقول الإمام الجنيد : علمنا هذا مشتبك بحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم . و يقول أبو يزيد البسطامي : لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات حتى يرتفع في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر و النهي و حفظ الحدود .. و يقول سري السقطي : من ادعى باطن علم ينقض ظاهر حكم فهو غالط .. و يقول أبو بكر الشفاف : من ضيع حدود الأمر و النهي في الظاهر حرم مشاهدة القلب في الباطن .. و يقول أبو جعفر : من لم يزن أقواله و أفعاله و أحواله بالكتاب و السنة و لم يتهم خاطره فلا تعده في ديوان الرجال .
أئمة القوم أحق أن يسمع لشهادتهم . فهم كانوا ينظرون إلى المشهد من داخل بحكم كونهم من أهل مكة الذين هم أدرى بشعابها . ثم هم كانوا ينطقون بلسان الشرع لأنهم كانوا من علماء الشرع الراسخين .. و لأنهم قبل كل شيء يعلمون أن ما بلغوه من مقامات القرب عند الله ما كان لتفتح لهم أبوابه إلا بالاتباع للسنة المصطفوية .. على حبيبنا محمد أفضل الصلاة و السلام .
لذا فوصاياهم إلى مريديهم رائدها العلم الظاهر .. و روحها اليقين العملي " التجريبي " بأن الطريق مغلقة بلا رجعة و لا شفاعة في وجه من يبتغيها عوجا عن استقامة الكتاب و السنة .
قال الإمام الرفاعي لمريد معجب بشطحات الصوفية .. يزجره إلى الشرع و أئمته : " أي سادة ! تقولون : قال الحرث ! قال أبو يزيد ! قال الحلاج ! ما كان الحال قبل هذه الكلمات ؟ ! قولوا : قال الشافعي .. قال مالك .. قال أحمد .. قال نعمان .. صححوا المعاملات البينية .. و بعدها تفكهوا بالمقالات الزائدة .. قال الحرث و أبو يزيد لا ينقص و لا يزيد ! و قال الشافعي و مالك أنجح الطرق و أقرب المسالك .. صححوا دعائم الشريعة بالعلم و العمل .. و بعدها ارفعوا الهمة للغوامض من أحكام العلم و حكم العمل .. مجلس علم أفضل من عبادة سبعين سنة .( أي من العبادات الزائدة عن المفروضات التي يتعبد فيها الرجل بغير علم ) . " هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون " . " أم هل تستوي الظلمات و النور " . . أشياخ الطريقة و فرسان ميادين الحقيقة يقولون لكم : خذوا بأذيال العلماء .. لا أقول لكم : تفلسفوا .. و لكن أقول لكم : تفقهوا . من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين " .
و من تعظيم الإمام الرفاعي للعلماء قوله : " أي سادة ! عظموا شأن الفقهاء و العلماء كتعظيمكم شأن الأولياء و العرفاء .. فإن الطريق واحد .. و هؤلاء وراث ظاهر الشريعة و حملة أحكامها الذين يعلمونها الناس .. و بها يصل الواصلون إلى الله .. إذ لا فائدة بالسعي و العمل على الطريق المغاير للشرع .. و لو عبد الله العابد خمسمائة عام بطريقة غير شرعية فعبادته راجعة إليه .. و وزره عليه .. و لا يقيم الله له يوم القيامة وزنا .. و ركعتان من فقيه في دينه أفضل عند الله من ألفي ركعة من فقير جاهل في دينه .. فإياكم و إهمال حقوق العلماء ! و عليكم بحسن الظن فيهم جميعا .. و أما أهل التقوى .. العاملون بما علمهم الله .. فهم الأولياء على الحقيقة .. فلتكن حرمتهم عندكم محفوظة " ( البرهان المؤيد ص 69 ) .
إنه معيار لا يخطئ في معرفة الصادقين و تمييز أهل الزغل و التخليط : التمسك بظاهر الشريعة كما يتمسك الغريق بخشبة النجاة .. فإن طريق السلوك و عقباته مزروعة بأنواع الابتلاء من نوع الفتن الظاهرة التي يعاينها الخاص و العام .. و من نوع الفتن الباطنة .. فإن كان تمسك المؤمن من العامة بالشريعة واجبا مرة .. فهو في حق السالك مؤكد مرتين . و ما هلك من هلك في هذه الطريق .. و نقص من نقص .. و هام من هام في أودية الأوهام إلا بحل عقدة الاعتصام بالعلم الموحى به .. قال ابن عطاء الله رحمه الله : " ما حرموا الوصول إلا بتضييعهم للأصول " .
و قال الإمام عبد القادر : " لا تبتدع و تحدث في دين الله شيئا لم يكن .. اتبع الشاهدين العدلين الكتاب و السنة فإنهما يوصلانك إلى ربك عز و جل . و أما إذا كنت مبتدعا فشاهداك عقلك و هواك . فلا جرم يوصلانك إلى النار .. و يلحقانك بفرعون و هامان و جنودهما .. لا تحتج بالقدر .. فلا يقبل منك .. لا بد لك من الدخول إلى دار العلم و التعلم ثم العمل ثم الإخلاص .. بك لا يجيء شيء و لابد منك .. اجعل سعيك في طلب العلم و العمل و لا تجعله في طلب الدنيا .. عن قريب ينقطع سعيك .. فاجعل سعيك فيما ينفعك " .
يا واعظ الناس قد أصبحت متهما ======= إذ عبت منهم أمورا أنت تأتيها
أصبحت تنصحهم بالوعظ مجتهدا ======= فالموبقات لعمري أنت جانيها
تعيب دنيا و ناسا راغبين لها ======= و أنت أكثر منهم رغبة فيها