عين القلب ( 3 ) .

بسم الله الرحمان الرحيم

و قال ابن القيم رحمه الله : " فمن فتح الله بصيرة قلبه و إيمانه حتى خرقها و جاوزها إلى مقتضى الوحي و الفطرة و العقل فقد أوتي خيرا كثيرا .. و لا يخاف عليه إلا من ضعف همته . فإذا انضاف إلى ذلك الفتح همة عالية فذاك السابق حقا .. واحد الناس بزمانه .. لا يلحق شأوه .. و لا يشق غباره . فشتان بين من يتلقى أحواله و وارداته عن الأسماء و الصفات و بين من يتلقاها عن الأوضاع الاصطلاحية و الرسوم ( قلت : يعني شتان ما بين أرباب الصدور و المتصفحين للسطور ) ! أو عن مجرد ذوقه و وجده .. إذا استحسن شيئا قال : هذا هو الحق !
" فالسير إلى الله من طريق الأسماء و الصفات شأنه عجب .. و فتحه عجب " طريق الهجرتين ص 206.

و قال الإمام عبد القادر : " يا غلام ! ليكن الخرس دأبك .. و الخمول لباسك .. و الهرب من الخلق كل مقصودك .. و إن قدرت أن تنقب في الأرض سربا تخفى فيه فافعل .. يكون هذا دأبك إلى أن يترعرع إيمانك .. و يقوى قدم إيمانك .. و يتريش جناح صدقك .. و تنفتح عينا قلبك فترفع من أرض بيتك .. و تطير إلى جو علم الله .. تطوف المشرق و المغرب .. البر و البحر .. و السهل و الجبل .. تطوف السماوات و الأرضين و أنت مع الدليل الخفير الرفيق .. فحينئذ أطلق لسانك في الكلام .. و اخلع لباس الخمول .. و اترك الهرب من الخلق .. و اخرج من سربك إليهم .. فإنك دواء لهم غير مستضر في نفسك . لا تبال بقلتهم و كثرتهم .. و إقبالهم و إدبارهم .. و حمدهم و ذمهم .. أين سقطت لقطت .. أنت مع ربك عز و جل " ( الفتح الرباني ص 48 ) .

و قال رحمه الله : " الصديق إذا فرغ من تعلم العلم المشترك ( علم السطور ) أدخل في العلم الخاص .. علم القلوب و الأسرار .. فإذا تمكن في هذا العلم صار سلطان دين الله عز و جل .. يأمر و ينهى .. و يعطي و يمنع بإذن مسلطنه " .
و هذا معنى التصريف و الفعل بالهمة .. و معنى الخلافة في الأرض في حق الكمل من الأولياء .. و هذا لا يدركه إلا " واحد الناس بزمانه " كما مرت عبارة ابن القيم .

قال : " يصير سلطانا في الخلق .. يأمر بأمر الله عز و جل .. و ينهى بنهيه ( ... ) . العارف واقف بباب الحق عز و جل و قد سلم إليه علم المعرفة و الاطلاع على أمور لم يطلع غيره عليها " ( الفتح الرباني ص 182 - 183 ) .

و قال رحمه الله : " العارف المقرب يعطى أيضا نورا يرى به قربه من ربه عز و جل .. و يرى قرب ربه عز و جل من قلبه .. يرى أرواح الملائكة و النبيئين و قلوب الصديقين و أرواحهم .. يرى أحوالهم و مقاماتهم .. كل هذا في سويداء قلبه و صفاء سره .. هو أبدا في فرحه مع ربه عز و جل .. هو واسطة يأخذ منه و يفرق على الخلق .. منهم من يكون عليم اللسان و القلب .. و منهم من يكون عليم القلب ألكن اللسان .. و أما المنافق فهو عليم اللسان ألكن القلب " . ( الفتح الرباني ص 254 ) .

و قال رحمه الله : " اسمعوا هذا الكلام فإنه لب علم الله عز و جل .. لب إرادته من خلقه و في خلقه .. و هو حال الأنبياء و المرسلين و الأولياء و الصالحين . يا عباد الدنيا و يا عباد الآخرة ! أنتم جهال بالله عز و جل و بدنياه و بآخرته ! أنتم حيطان ! أنت صنمك الدنيا ! و أنت صنمك الآخرة ! و أنت صنمك الخلق ! و أنت صنمك الشهوات و اللذات ! و أنت صنمك الحمد و الثناء و قبول الخلق لك ! ما سوى الله عز و جل صنم ! القوم يريدون وجه الله .. الدنيا و الآخرة موكلتان على باب الحق عز و جل .. موكلتان في دار الطبيب .. يأخذ منهما ما يريد و يطعم المريض .. يا منافقون ! ما عندكم خبر ! المنافق لا يقدر يسمع حرفا من هذا .. لإنه لا يقدر على سماع الحق ( ... ) كلامي من الله عز و جل لا مني .. من الشرع لا من الهوس .. و لكن آفة فهمك السقيم ! " . ( الفتح الرباني ص 293 ) .

هذه كلمات قوم سلكوا الطريق و تركوا وصفا للمشاهد عسى يكون من بعدهم من يصدق الله و رسوله في وعد الله و رسوله لأولياء الله .. ابتداء من ما من الله به على العباد "

و الحمد لله رب العالمين ..
 
عودة
أعلى