عين القلب ( 2 ) .

بسم الله الرحمان الرحيم

و قال شيخ الإسلام ابن القيم : " فإذا صارت صفات ربه ( أي الولي المتقرب بالفرض و النفل حتى يحبه الله ) و أسماؤه مشهدا لقلبه أنسته ذكر غيره .. و شغلته عن حب سواه ( ... ) . فحينئذ يكون الرب سبحانه سمعه الذي يسمع به .. و بصره الذي يبصر به .. و يده التي يبطش بها .. و رجله التي يمشي بها . فبه يسمع و به يبصر و به يبطش و به يمشي كما أخبر عن نفسه بلسان رسوله . و من غلظ حجابه .. و كثف طبعه .. وصلب عوده .. فهو عن فهم هذا في معزل ( ... ) . و بالجملة فيبقى قلب العبد الذي هذا شأنه عرشا للمثل الأعلى .. أي عرشا لمعرفة محبوبه و محبته و عظمته و جلاله و كبريائه . و ناهيك بقلب هذا شأنه ! فيا له من قلب من ربه ما أدناه ! و من قربه ما أحظاه ! فهو ينزه قلبه أن يساكن أو يطمئن إلى غيره . فهؤلاء قلوبهم قد قطعت الأكوان و سجدت تحت العرش .. و أبدانهم على فرشهم كما قال أبو الدرداء : إذا نام العبد المؤمن عرج بروحه حتى تسجد تحت العرش " . طريق الهجرتين ص 264 .

و قال رحمه الله : " ينجذب ( المريد ) إليها ( الآخرة ) بالكلية .. و يزهد في التعلقات الفانية .. و يدأب في تصحيح التوبة و القيام بالمأمورات الظاهرة و الباطنة ( ... ) . فحينئذ يجتمع قلبه و خواطره و حديث نفسه على إرادة ربه و طلبه و الشوق إليه . فإذا صدق في ذلك رزق محبة رسول الله صلى الله عليه و سلم و استولت روحانيته على قلبه ( ... ) . فإذا رسخ في ذلك فتح له في فهم الوحي المنزل ( ... ) . فإذا تمكن من ذلك انفتح في قلبه عين أخرى .. يشاهد بها صفات الرب جل جلاله .. حتى تصير لقلبه بمنزلة المرئي لعينه . فيشهد علو الرب سبحانه فوق خلقه .. و استواءه على عرشه .. و نزول الأمر من عنده بتدبير مملكته .. و تكليمه بالوحي .. و تكليمه لعبده جبريل به .. و إرساله إلى من يشاء بما يشاء .. و صعود الأمور إليه .. و عرضها عليه " . مدارج السالكين ج 3 ص 268 .

و قال رحمه الله : " إن الله سبحانه جعل في العين قوة باصرة .. كما جعل في الأذن قوة سامعة .. و في الأنف قوة شامة .. و في اللسان قوة ناطقة و قوة ذائقة ( ... ) . و أما معاينة القلب فهي انكشاف صورة المعلوم له .. بحيث تكون نسبته إلى القلب كنسبة المرئي إلى العين . و قد جعل الله سبحانه القلب يبصر و يعمى . قال تعالى : " فإنها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور " . فالقلب يرى و يسمع .. و يعمى و يصم .. و عماه و صممه أبلغ من عمى البصر و صممه " . مدارج السالكين ج 3 ص 246 .

و قال رحمه الله : ... ( ترقبوا ذلك في الصفحة الموالية بإذن الله ) .
 
عودة
أعلى