أدب الحوار و أدب الاختلاف


بسم الله و الحمد لله و الصلاة والسلام على أشرف خلق الله ..

اللهم اعصم أناملنا من أن تخط ما لا يرضيك و اعصم قلوبنا أن يخطر بها سوء ظن بأحد من خلقك ..


أستعين بفتح الله في طرح سلسلة من القضايا المتعلقة بالاختلاف و آدابه و تحري أسباب التحجر و التشنج الذي يملك على بعض العقول و القلوب قدراتها فيأسرها في نمط فكري موروث و مسلك اعتقادي ضيق .. و لست أقصد الانتقاص مما ورثناه عن سلفنا الصالح من العطاء و الفهم ..فهم في قلوبنا .. و فهمهم مقدم على تجرِِِؤنا.. و إنما أطرح أوهاما استشرت في الأمة خيل لأصحابها أنها الحق الذي لا حق دونه .. بينما الأمر لا يعدو أن يكون هوى متبعا .. و انقيادا و استسلاما لبرمجة فكرية و وجدانية اختلطت بغيرة أصيلة على الدين .. فأثمرت أناسا ملك عليهم فهمهم و قراءتهم للنصوص كلياتهم في ظروف زمكانية و حالية خاصة .. فطفقوا لا يرون الصواب إلا ما عندهم .. و لا يصدرون إلا عن ما ألقموا من فهم استئصالي يصك الآذان عن السمع و القلوب عن التدبر و العقول عن الإنصاف .
أبدأ إن شاء الله بطرح هذه الآية الكريمة التي ترسم معالم الحوار و آداب الاختلاف في صورة إعجازية ربانية ملهمة .. نتأملها ليكون البسط في متعلقاتها في حلقة قادمة بإذن الله .. أما فقه الإقصاء .. و الأنانية المستعلية .. و ذهنية القطيع .. فلا سبيل لها إلى ملامسة هذه اللطائف الربانية ..
قال تعالى : " و إنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين . قل لا تسألون عما أجرمنا و لا نسأل عما تعملون " ..
" ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها و ما يمسك فلا مرسل له من بعده و هو العزيز الحكيم "
اللهم افتح لنا أبواب رحمتك و ألهمنا السداد في القول و العمل ..

إن الحوار أيا كان يقتضي وجود طرفين على الأقل و مع كل طرف معطيات يستند إليها في رؤيته لموضوع الحوار .. و المحاور الذي ينطلق بدءا بإيقان من أن ما لديه هو الصواب الذي لا صواب يخالفه و ما لدى غيره هو حتما إن لم يوافقه باطل فهذا يغلق من البداية باب التلاقح و التواصل .. و يحرم نفسه مما يمكن أن يوجد من الحق مع مخالفيه .. و قد يقول قائلهم إن معي الكتاب و السنة .. و هما معصومان من الخطإ .. نقول : ليس تمة أصدق و لا أيقن من الوحي قرآنا و سنة .. و لكن الخلل قد يأتي من اعتقادي العصمة لفهمي أو فهم شيخ من شيوخي أنا للكتاب و السنة . و نحن لا نستهين باجتهاد مشايخنا حفظهم الله و وفقهم و سددهم .. فلهم الأجر أجران إن اجتهدوا فأصابوا .. و لهم أجر الاجتهاد إن اجتهدوا فأخطأوا .. و إنما بغيتنا توسيع دائرة المؤمنين و استيعاب ما يستوعبه الدين من الاختلافات .. فالدين ليس لي و لا لك " ألا لله الدين الخالص " و إنما " شرع لكم من الدين ما وصى به ..." . فإذا كان الله " واسعا حكيما " فدين الله واسع و حكيم . فلم نضيق ما وسع الله ؟
أشعر بما قد ينازل قلوب بعض إخوتنا من الضيق و الحرج من هذا الكلام .. فاعلم أخي إن كان أول ما تتلقى به هذا الخطاب غضب و استشاطة و ازدراء لهذا القول فأنت لا تتوفر على أهلية المحاور و لا حلم المناور ..
تمعن قول الله تعالى " و إنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين " ... إن لم نتشرب هذا التوجيه الرباني في سلوكيات حوارنا مع مخالفينا و نعتقد جازمين أن الخطأ قد يكون في فهمنا لأننا معدن النقص فحديثنا عن الحوار هو محض ادعاء .. و تصدرنا للدعوة هو مجرد تطفل و أهواء ..
كان كبار أئمة هذه الأمة يقول أحدهم : رأيي صواب يحتمل الخطأ و رأي غيري خطأ يحتمل الصواب . و كان الإمام مالك يقول : ما منا إلا راد و مردود عليه إلا صاحب هذا القبر ( مشيرا إلى قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم ) .
و يزداد البيان القرآني تألقا فيرسم للمحاور ملمحا يتهم فيه المحاور الصادق نفسه و يبرئ خصمه : " قل لا تسألون عما أجرمنا و لا نسأل عما تعملون " .
أرى أن إكراهات الصفحة تستعجلني لأختصر فقرة اليوم .. فليكن ذلك بهذه الإشارة : إن للحق نورا لا تخطئه القلوب الصادقة .. و إن للباطل ظلمة لا يركن إليها إلا قلب استمرأ الباطل من حيث يشعر أو من حيث لا يشعر .. و تربعت نفسه على عرش قلبه فهي تملي له و هو يصدق .. فاتركوا كلا يعبر عن رأيه .. فلن يكون للباطل دولة و لا قوة إذا ظهر الحق : " بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق " " ولكم الويل مما تصفون " . " و قل جاء الحق و زهق الباطل إن الباطل كان زهوقا "
اللهم أرنا الحق حقا و ارزقنا اتباعه .. و أرنا الباطل باطلا و ارزقنا اجتنابه ..
 


أستعين بفتح الله في طرح سلسلة من القضايا المتعلقة بالاختلاف و آدابه و تحري أسباب التحجر و التشنج الذي يملك على بعض العقول و القلوب قدراتها فيأسرها في نمط فكري موروث و مسلك اعتقادي ضيق .. و لست أقصد الانتقاص مما ورثناه عن سلفنا الصالح من العطاء و الفهم ..فهم في قلوبنا .. و فهمهم مقدم على تجرِِِؤنا.. و إنما أطرح أوهاما استشرت في الأمة خيل لأصحابها أنها الحق الذي لا حق دونه .. بينما الأمر لا يعدو أن يكون هوى متبعا .. و انقيادا و استسلاما لبرمجة فكرية و وجدانية اختلطت بغيرة أصيلة على الدين .. فأثمرت أناسا ملك عليهم فهمهم و قراءتهم للنصوص كلياتهم في ظروف زمكانية و حالية خاصة .. فطفقوا لا يرون الصواب إلا ما عندهم .. و لا يصدرون إلا عن ما ألقموا من فهم استئصالي يصك الآذان عن السمع و القلوب عن التدبر و العقول عن الإنصاف .
ما شاء الله .. لا قوة إلا بالله ...
حديثك ذو شجون .. تصويباتك تصيب هدفها بكل دقة وعمق ...
عباراتك تأتي على الجرح ( علها تعجل بالشفاء ) ...
أحييك من أعماق قلبي على روعة فهمك وعلى دقة استنباطاتك ...
واصل بارك الله فيك وعليك ...
فالمصاب الأكبر والخطب الجلل الذي تعاني منه الأمة ...
هو ضيق الأفق وقصر الرؤية وضحالة التفكير ( أو الفكر الإقصائي ) ...
وإن شئت الدقة فقل : ( فهم وتفكير وتسلط " الرويبضة " ) ...
وما أدراك ما الرويبضة ؟؟؟
الرجل التافه يتكلم في أمر العامة ...
جزاك الله خيراً أخي الحبيب مهدي ...
والتقييم +1
 


جزاك الله خيرا
موضوعك قيم ومفيد
تحياتي
 


السلام عليكم و رحمة الله

أخي الفاضل " أبو قصي " ..
ليس البديع أن تسعفك الكلمات في التعبير عن قضية تؤرقك أو عن منهج تغلغلت أسسه في أعماقك أو آمال تحرك وجدانك .. و إنما البديع أن تعثر على قلوب صافية نقية تنطبع فيها روح كلماتك و آذان لم يتراكم عليها وقر يحجب عنها سماع صوت الحق و الصدق .. فتسهم في بعث الحياة في الأمة ..
أخي الكريم .. بارك الله في قلبك و في جوارحك .. و ألان قيادها للحق ..
 


ولكن المصيبة أن يغتر كل طرف بما أوتي ويكثر الجدل وبالتالي البعد عن السنة ..ولا اسلم من اتباع منهج السلف في ذم الجدال وتركه....
وفي ذلك يقول الإمام ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى في كلام قيم:
‏ومن هؤلاء من اقتصر على علم الخلاف , ولم يهمه الا طريق المجادلة، والالزام، والافحام، ودفع الحق لاجل الغلبة، فهو اسوا حالاً ممن ذكر قبلهم، وجميع دقائق الجدل فى الفقه بدعة لم يعرفها السلف‏.‏واما ادلة الاحكام، فيشتمل عليها علم المذهب، وهى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه واله وسلم‏.‏واما حيل الجدل، من الكسر، والقلب، وفساد الوضع والتركيب، والتعدية فانما ابدعت لاظهار الغلبة والافحام‏.‏وفرقة اخرى اشتغلوا بعلم الكلام والمجادلة فى الاهواء، والرد على المخالفين‏.‏ثم هؤلاء طائفتان‏:‏ ضالة، ومحقة، فالضالة التي تدعو الى غير السنة، والمحقة التي تدعو الى السنة، والغرور شامل لجميعهم‏.‏اما الضالة، فاغترارها ظاهر، واما المحقة فاغترارها من حيث انها ظنت ان الجدال اهم الامور، وافضل القربات فى دين الله تعالى، وزعمت انه لا يتم لا حد دينه ما لم يبحث، وان من صدق الله ورسوله من غير تحرير دليل، فليس بكامل الايمان، فلهذا الظن الفاسد قطعوا اعمارهم فى تعلم الجدل والبحث عن المقالات، وعميت بصائرهم، فلم يلتفتوا الى القرن الاول، وان النبى صلى الله عليه واله وسلم شهد لهم بانهم خير الخلق، وانهم قد ادركوا كثيراً من البدع والهوى، فلم يجعلوا اعمارهم ودينهم عرضاً للخصومات والمجادلات، ولم يشتغلوا بذلك عن تفقد قلوبهم وجوارحهم، بل لم يتكلموا فيه الا لضرورة رد الضلال، فان راوه مصراً على بدعته هجروه من غير مماراة ولا جدل‏.‏وقد روى فى الحديث‏:‏ ‏"‏ما ضل قوم بعد هدى الا اوتوا الجدل‏"‏وفرقة اخرى اشتغلوا بالوعظ، واعلاهم رتبة من يتكلم فى اخلاق النفس وصفات القلب، من الخوف والرجاء والصبر والشكر والتوكل والزهد واليقين والاخلاص، وهم يظنون انهم اذا تكلموا بهذه الصفات وهم منفكون عنها انهم من اهلها، فهؤلاء يدعون الى الله وهم هاربون منه، فهم اعظم الناس غرة‏.‏ومن هؤلاء من يعدل عن المنهاج الواجب فى الوعظ الى الشطح وتلفيق كلام خارج عن قانون الشرع والعقل طلباً للاغراب ومنهم من يستشهد باشعار الوصال والفراق، وغرضهم ان يكثر الصياح مجالسهم والتواجد، ولو على اغراض فاسدة، فهؤلاء شياطين الانس‏.‏ومنهم فرقة استغرقوا اوقاتهم فى سماع الحديث، وجمع رواياته، واسانيده الغريبة والعالية، فهم احدهم ان يدور البلاد، ويرى الشيوخ ليقول‏:‏ انا اروى عن فلان، ولقيت فلاناً، ولى من الاسناد ما ليس لغيري‏.‏ومنهم فرقة اشتغلوا بعلم النحو واللغة والشعر، وزعموا انهم علماء الامة، واذهبوا اعمارهم فى دقائق النحو واللغة، ولو عقلوا لعلموا ان مضيع عمره فى معرفة لغة العرب كالمضيع عمره فى معرفة لغة الترك، وانما فارقتها لغة العرب لاجل ورود الشريعة بها، فيكفى من اللغة على الغريبين‏:‏ غريب القران، والحديث، ومن النحو ما يقوم به اللسان‏.‏فاما التعمق الى درجات لا تتناهى، فذلك يشغل عما هو اجود منه والزم‏.‏ومثال التعمق فى ذلك، مثال من ضيع عمره فى تصحيح مخارج الحروف فى القران، مقتصراً على ذلك، وذلك غرور، لان المقصود من الحروف المعاني، وانما الحروف ظروف وادوات، ومن احتاج الى شرب السكنجبين لازالة الصفراء، فضيع عمره فى تحسين القدح الذي يشرب فيه، فهو مغرور، والسعيد من اخذ من كل شئ من هذا حاجته المهمة لا غير، وتجاوز الى العمل، واجتهد فيه وفى تصفيته من الشوائب، فهذا هو المقصود‏.‏وفرقة اخرى عظم غرورهم، فوضعوا الحيل فى دفع الحقوق، وظنوا ان ذلك ينفعهم، بل ذلك غرور، فان الانسان اذا الجا زوجته الى ان تبرئه من حقها لم يبرا فيما بينه وبين الله تعالى‏.‏وكذلك هبة الرجل مال الزكاة فى اخر الحول لزوجته، واتهابه مالها لاسقاط الزكاة، ونحو ذلك من انواع الحيل‏.‏
=============
مختصر منهاج القاصدين
للإمام ابن قدامة المقدسي
=============
 


السلام عليكم و رحمة الله

أخي " حضر موت " بارك الله فيك .. لقد أنرت بمقتطفك هذا مسلك الصواب و الاعتدال و الوسطية ..
فالحق لا يصدر إلا عن الحق سبحانه " و قل الحق من ربكم ..." .. و غاية ما يمكن أن يوفق إليه المرء هو الصواب بعد أن يأذن الله تعالى .. " يوم يقوم الروح و الملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمان و قال صوابا " .. و عليه فالصواب قد يتعدد في غير ما تعارض .. لأن كل واحد ينظر من موقعه و يحكم بفهمه لخطاب من أخذ عنهم .. فيكون بذلك قد أدرك جانبا من الصواب في غير إحاطة به .. و لا تكتمل الدلالات إلا بصهر المعطيات الواردة من جهات متعددة في قالب يحقق التوافق و الانسجام في غير ما إخلال بالثوابت ..
و الله الهادي إلى أقوم السبل ..
 


و المحاور الذي ينطلق بدءا بإيقان من أن ما لديه هو الصواب الذي لا صواب يخالفه و ما لدى غيره هو حتما إن لم يوافقه باطل فهذا يغلق من البداية باب التلاقح و التواصل .. و يحرم نفسه مما يمكن أن يوجد من الحق مع مخالفيه .. و قد يقول قائلهم إن معي الكتاب و السنة .. و هما معصومان من الخطإ .. نقول : ليس تمة أصدق و لا أيقن من الوحي قرآنا و سنة .. و لكن الخلل قد يأتي من اعتقادي العصمة لفهمي أو فهم شيخ من شيوخي أنا للكتاب و السنة . و نحن لا نستهين باجتهاد مشايخنا حفظهم الله و وفقهم و سددهم .. فلهم الأجر أجران إن اجتهدوا فأصابوا .. و لهم أجر الاجتهاد إن اجتهدوا فأخطأوا .. و إنما بغيتنا توسيع دائرة المؤمنين و استيعاب ما يستوعبه الدين من الاختلافات .. فالدين ليس لي و لا لك " ألا لله الدين الخالص " و إنما " شرع لكم من الدين ما وصى به ..." . فإذا كان الله " واسعا حكيما " فدين الله واسع و
أخي العزيز مهدي عبد الوفي بارك الله فيك وزادك من علمه وفيض معرفته ، فعلا إنه موضوع هادف ونبيل ينبع من قلب صادق مخلص ، بأسلوب ذكي متزن ، لا يركن إلى التشنجات ولا يعرف المداهنة ، موضوع ترتكز عليه دعائم الأمة ، وتبنى عليه اللبنات الأساسية للنهوض بها نحو الإصلاح والمحبة والأخوة والألفة بين شرائح المجتمع دون تعصب أوتشنج
أوأنانية ، موضوع به يستقيم أمر الامة لو فهمت مغزاه وطبقت محتواه ووصلت مستواه ، والله لن تضيع أو تذل . بارك الله فيك أخي مرة أخرى
 
عودة
أعلى