مهدي عبد الوفي
New Member
بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على أشرف خلق الله
لقد وصل بنا الكلام في المحور السابق إلى أن استقراء واقع الأمة يفرز ثلاث توجهات عامة عند الخلق .. هناك من يعيش لنفسه .. و هناك من يعيش للخلق .. و هناك من يعيش لله عز و جل ..
فأما الذي يعيش لنفسه .. فتجد فكره و جهده و وقته و حاله و همته كلها مصروفة إلى ما تطلبه نفسه و تتمناه .. أطماعه .. شهواته .. رغباته .. آماله .. فهو يسخر كل ما أعطاه الله لتحقيق رغبات نفسه .. فالله سخر له الكون و ما حوى للقيام بمهمة .. فإذا حول ما سخر الله له إلى خدمة نفسه و أهوائه عاش عبدا لنفسه ..
و الذي يعيش للناس يكون همه مكانته و منزلته عند الناس .. كيف يلفت اهتمام الناس إليه .. و كيف يحصل على تقديرهم له .. فتجد فكره و عقله مشغول بالخلق لا على أساس خدمتهم تقربا إلى الله و إنما طلبا لمنزلة عندهم .. لهذا نجد حتى عند غير المسلمين بعض الأساليب الحسنة في معاملة الناس .. نجد ضبط المواعيد .. و نجد الرحمة .. و نجد الكرم .. و غير ذلك .. فجزء من هذه الصفات الحسنة هو فطرة فطر الله الناس عليها .. و جزء آخر منها هو من أثر التفاعل مع الناس .. لقد جربوا أن الذي يكرم و الذي يرحم و .. يحبه الناس و يطلبون القرب منه .. فصاروا يكرمون و يرحمون و .. لكي يقبل الناس إليهم .. فصارت وجهتهم في تعاملاتهم إلى الخلق لا إلى الله ..
و الذي يجمع بين الذي يعيش لنفسه و الذي يعيش للناس أنهما معا على غير الأمر الذي من أجله خلقهما الله و سخر لهما هذا الوجود .. فالنتيجة في الحالتين متقاربة ..
-- هناك غفلة عن الله و جرأة عليه .. مما يؤدي إلى تعاسة في الحياة .. إن فرح ساعة حزن أياما .. و لا جرم أن نجد أكثر من يقبل على الانتحار هم من الأغنياء و من أصحاب الشهرة و ممن تتوفر لديهم أسباب الملذات ..
لماذا إذن ينتحر من نال المال و الشهرة و الملذات ؟ لأنه ما وجه جهده و عمله و فكره و ما سخر الله له لخدمة المهمة التي من أجلها خلقه الله .. و إنما وجه كل ذلك إلى نفسه و إلى الناس ..
-- و النتيجة أيضا أن يتحول الإنسلن من التكريم الذي كرمه الله به إلى المهانة .. فلننظر مثلا إلى الموظف و إلى التاجر .. فالموظف إذا جئته بعد انقضاء وقت عمله ( و ربما قبل ذلك ) تجده عموما يعتذر إليك و يطلب منك أن ترجع إليه في الغد حتى يؤدي لك الخدمة التي جئت من أجلها .. لكن التاجر الذي يدير المال لنفسه فقد تأتيه متى شئت .. و ربما و هو نائم لتوقظه .. لأن معك صفقة هو يطلبها .. فستجده يستجيب .. و تجده أيضا يتعب و يسافر و يتحمل المشقة و ربما يكذب و يرابي و يخون و يسرق و يقبل المهانة من أجل صفقة ..
فالإنسان كلما مكن من أسباب الحياة فما دام متجها إلى النفس أو إلى الخلق .. لا إلى الله .. في تعاملاته .. تحول و هو لا يشعر إلى أسير لهذه الوسائل ..
الأصل أن هذه الوسائل مسخرة له أي خادمة له .. بمقتضى خلافته .. فكيف يتحول إلى خادم لها ؟ " يا دنيا من خدمنا فاخدميه .. و من خدمك فاستخدميه ".. فبقدر ما في وجهة الإنسان من خدمة لنفسه أو للناس يتحول إلى خادم لهذه الوسائل .. و تتحول الوسائل عنده إلى غايات ..
إن كل أعمال المؤمن يجب أن تكون عبادة .. و هذا يتحقق بأمرين ..
1 - النية .. أن تكون للمؤمن نية في كل ما يفعل .. و هي عبادة الله تعالى ..
فالطالب الذي يدرس الطب مثلا قد يجيبك إذا سألته .. لماذا تدرس الطب ؟ فيقول .. أريد أن أصير دكتورا" قد الدنيا " .. فهو طلب منزلة .. و هي إهانة .. فالدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة ..
لكن إذا كان القصد طلب رضوان الله بالسعي في علاج مرضى المسلمين و تحقيق استغناء الأمة عن أطباء غير مسلمين .. فتلك بإذن الله عبادة ..
2 - الكيفية .. و هي الاتباع لهدي رسول الله صلى الله عليه و سلم .. و تلكم الخلافة ( على منهاج النبوة ) .
الخلاصة ..
إذا فصلت الحياة عن العبادة صارت العبادة ميتة ..و إذا فصلت العبادة عن الحياة صارت الحياة تمردا على الله و جحودا لله عز و جل ..
فكيف تكون عبادتنا حياة و حياتنا عبادة ؟
ذلك ما نرغب في بسطه خلال الفقرة الموالية بإذن الله تعالى ..
اللهم ارزقنا الحكمة و فصل الخطاب ..
لقد وصل بنا الكلام في المحور السابق إلى أن استقراء واقع الأمة يفرز ثلاث توجهات عامة عند الخلق .. هناك من يعيش لنفسه .. و هناك من يعيش للخلق .. و هناك من يعيش لله عز و جل ..
فأما الذي يعيش لنفسه .. فتجد فكره و جهده و وقته و حاله و همته كلها مصروفة إلى ما تطلبه نفسه و تتمناه .. أطماعه .. شهواته .. رغباته .. آماله .. فهو يسخر كل ما أعطاه الله لتحقيق رغبات نفسه .. فالله سخر له الكون و ما حوى للقيام بمهمة .. فإذا حول ما سخر الله له إلى خدمة نفسه و أهوائه عاش عبدا لنفسه ..
و الذي يعيش للناس يكون همه مكانته و منزلته عند الناس .. كيف يلفت اهتمام الناس إليه .. و كيف يحصل على تقديرهم له .. فتجد فكره و عقله مشغول بالخلق لا على أساس خدمتهم تقربا إلى الله و إنما طلبا لمنزلة عندهم .. لهذا نجد حتى عند غير المسلمين بعض الأساليب الحسنة في معاملة الناس .. نجد ضبط المواعيد .. و نجد الرحمة .. و نجد الكرم .. و غير ذلك .. فجزء من هذه الصفات الحسنة هو فطرة فطر الله الناس عليها .. و جزء آخر منها هو من أثر التفاعل مع الناس .. لقد جربوا أن الذي يكرم و الذي يرحم و .. يحبه الناس و يطلبون القرب منه .. فصاروا يكرمون و يرحمون و .. لكي يقبل الناس إليهم .. فصارت وجهتهم في تعاملاتهم إلى الخلق لا إلى الله ..
و الذي يجمع بين الذي يعيش لنفسه و الذي يعيش للناس أنهما معا على غير الأمر الذي من أجله خلقهما الله و سخر لهما هذا الوجود .. فالنتيجة في الحالتين متقاربة ..
-- هناك غفلة عن الله و جرأة عليه .. مما يؤدي إلى تعاسة في الحياة .. إن فرح ساعة حزن أياما .. و لا جرم أن نجد أكثر من يقبل على الانتحار هم من الأغنياء و من أصحاب الشهرة و ممن تتوفر لديهم أسباب الملذات ..
لماذا إذن ينتحر من نال المال و الشهرة و الملذات ؟ لأنه ما وجه جهده و عمله و فكره و ما سخر الله له لخدمة المهمة التي من أجلها خلقه الله .. و إنما وجه كل ذلك إلى نفسه و إلى الناس ..
-- و النتيجة أيضا أن يتحول الإنسلن من التكريم الذي كرمه الله به إلى المهانة .. فلننظر مثلا إلى الموظف و إلى التاجر .. فالموظف إذا جئته بعد انقضاء وقت عمله ( و ربما قبل ذلك ) تجده عموما يعتذر إليك و يطلب منك أن ترجع إليه في الغد حتى يؤدي لك الخدمة التي جئت من أجلها .. لكن التاجر الذي يدير المال لنفسه فقد تأتيه متى شئت .. و ربما و هو نائم لتوقظه .. لأن معك صفقة هو يطلبها .. فستجده يستجيب .. و تجده أيضا يتعب و يسافر و يتحمل المشقة و ربما يكذب و يرابي و يخون و يسرق و يقبل المهانة من أجل صفقة ..
فالإنسان كلما مكن من أسباب الحياة فما دام متجها إلى النفس أو إلى الخلق .. لا إلى الله .. في تعاملاته .. تحول و هو لا يشعر إلى أسير لهذه الوسائل ..
الأصل أن هذه الوسائل مسخرة له أي خادمة له .. بمقتضى خلافته .. فكيف يتحول إلى خادم لها ؟ " يا دنيا من خدمنا فاخدميه .. و من خدمك فاستخدميه ".. فبقدر ما في وجهة الإنسان من خدمة لنفسه أو للناس يتحول إلى خادم لهذه الوسائل .. و تتحول الوسائل عنده إلى غايات ..
إن كل أعمال المؤمن يجب أن تكون عبادة .. و هذا يتحقق بأمرين ..
1 - النية .. أن تكون للمؤمن نية في كل ما يفعل .. و هي عبادة الله تعالى ..
فالطالب الذي يدرس الطب مثلا قد يجيبك إذا سألته .. لماذا تدرس الطب ؟ فيقول .. أريد أن أصير دكتورا" قد الدنيا " .. فهو طلب منزلة .. و هي إهانة .. فالدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة ..
لكن إذا كان القصد طلب رضوان الله بالسعي في علاج مرضى المسلمين و تحقيق استغناء الأمة عن أطباء غير مسلمين .. فتلك بإذن الله عبادة ..
2 - الكيفية .. و هي الاتباع لهدي رسول الله صلى الله عليه و سلم .. و تلكم الخلافة ( على منهاج النبوة ) .
الخلاصة ..
إذا فصلت الحياة عن العبادة صارت العبادة ميتة ..و إذا فصلت العبادة عن الحياة صارت الحياة تمردا على الله و جحودا لله عز و جل ..
فكيف تكون عبادتنا حياة و حياتنا عبادة ؟
ذلك ما نرغب في بسطه خلال الفقرة الموالية بإذن الله تعالى ..
اللهم ارزقنا الحكمة و فصل الخطاب ..