= العبادة و الحياة = .. في فكر المسلم .. ( 3 ) .

بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على أشرف خلق الله
لقد وصل بنا الكلام في المحور السابق إلى أن استقراء واقع الأمة يفرز ثلاث توجهات عامة عند الخلق .. هناك من يعيش لنفسه .. و هناك من يعيش للخلق .. و هناك من يعيش لله عز و جل ..
فأما الذي يعيش لنفسه .. فتجد فكره و جهده و وقته و حاله و همته كلها مصروفة إلى ما تطلبه نفسه و تتمناه .. أطماعه .. شهواته .. رغباته .. آماله .. فهو يسخر كل ما أعطاه الله لتحقيق رغبات نفسه .. فالله سخر له الكون و ما حوى للقيام بمهمة .. فإذا حول ما سخر الله له إلى خدمة نفسه و أهوائه عاش عبدا لنفسه ..
و الذي يعيش للناس يكون همه مكانته و منزلته عند الناس .. كيف يلفت اهتمام الناس إليه .. و كيف يحصل على تقديرهم له .. فتجد فكره و عقله مشغول بالخلق لا على أساس خدمتهم تقربا إلى الله و إنما طلبا لمنزلة عندهم .. لهذا نجد حتى عند غير المسلمين بعض الأساليب الحسنة في معاملة الناس .. نجد ضبط المواعيد .. و نجد الرحمة .. و نجد الكرم .. و غير ذلك .. فجزء من هذه الصفات الحسنة هو فطرة فطر الله الناس عليها .. و جزء آخر منها هو من أثر التفاعل مع الناس .. لقد جربوا أن الذي يكرم و الذي يرحم و .. يحبه الناس و يطلبون القرب منه .. فصاروا يكرمون و يرحمون و .. لكي يقبل الناس إليهم .. فصارت وجهتهم في تعاملاتهم إلى الخلق لا إلى الله ..
و الذي يجمع بين الذي يعيش لنفسه و الذي يعيش للناس أنهما معا على غير الأمر الذي من أجله خلقهما الله و سخر لهما هذا الوجود .. فالنتيجة في الحالتين متقاربة ..
-- هناك غفلة عن الله و جرأة عليه .. مما يؤدي إلى تعاسة في الحياة .. إن فرح ساعة حزن أياما .. و لا جرم أن نجد أكثر من يقبل على الانتحار هم من الأغنياء و من أصحاب الشهرة و ممن تتوفر لديهم أسباب الملذات ..
لماذا إذن ينتحر من نال المال و الشهرة و الملذات ؟ لأنه ما وجه جهده و عمله و فكره و ما سخر الله له لخدمة المهمة التي من أجلها خلقه الله .. و إنما وجه كل ذلك إلى نفسه و إلى الناس ..
-- و النتيجة أيضا أن يتحول الإنسلن من التكريم الذي كرمه الله به إلى المهانة .. فلننظر مثلا إلى الموظف و إلى التاجر .. فالموظف إذا جئته بعد انقضاء وقت عمله ( و ربما قبل ذلك ) تجده عموما يعتذر إليك و يطلب منك أن ترجع إليه في الغد حتى يؤدي لك الخدمة التي جئت من أجلها .. لكن التاجر الذي يدير المال لنفسه فقد تأتيه متى شئت .. و ربما و هو نائم لتوقظه .. لأن معك صفقة هو يطلبها .. فستجده يستجيب .. و تجده أيضا يتعب و يسافر و يتحمل المشقة و ربما يكذب و يرابي و يخون و يسرق و يقبل المهانة من أجل صفقة ..
فالإنسان كلما مكن من أسباب الحياة فما دام متجها إلى النفس أو إلى الخلق .. لا إلى الله .. في تعاملاته .. تحول و هو لا يشعر إلى أسير لهذه الوسائل ..
الأصل أن هذه الوسائل مسخرة له أي خادمة له .. بمقتضى خلافته .. فكيف يتحول إلى خادم لها ؟ " يا دنيا من خدمنا فاخدميه .. و من خدمك فاستخدميه ".. فبقدر ما في وجهة الإنسان من خدمة لنفسه أو للناس يتحول إلى خادم لهذه الوسائل .. و تتحول الوسائل عنده إلى غايات ..

إن كل أعمال المؤمن يجب أن تكون عبادة .. و هذا يتحقق بأمرين ..
1 - النية .. أن تكون للمؤمن نية في كل ما يفعل .. و هي عبادة الله تعالى ..
فالطالب الذي يدرس الطب مثلا قد يجيبك إذا سألته .. لماذا تدرس الطب ؟ فيقول .. أريد أن أصير دكتورا" قد الدنيا " .. فهو طلب منزلة .. و هي إهانة .. فالدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة ..
لكن إذا كان القصد طلب رضوان الله بالسعي في علاج مرضى المسلمين و تحقيق استغناء الأمة عن أطباء غير مسلمين .. فتلك بإذن الله عبادة ..
2 - الكيفية .. و هي الاتباع لهدي رسول الله صلى الله عليه و سلم .. و تلكم الخلافة ( على منهاج النبوة ) .

الخلاصة ..
إذا فصلت الحياة عن العبادة صارت العبادة ميتة ..و إذا فصلت العبادة عن الحياة صارت الحياة تمردا على الله و جحودا لله عز و جل ..
فكيف تكون عبادتنا حياة و حياتنا عبادة ؟
ذلك ما نرغب في بسطه خلال الفقرة الموالية بإذن الله تعالى ..

اللهم ارزقنا الحكمة و فصل الخطاب ..
 


الخلاصة ..
إذا فصلت الحياة عن العبادة صارت العبادة ميتة ..و إذا فصلت العبادة عن الحياة صارت الحياة تمردا على الله و جحودا لله عز و جل ..
فكيف تكون عبادتنا حياة و حياتنا عبادة ؟
جزاك الله كل الخير أخي الغالي مهدي وبارك فيك وعليك
سلسلة أكثر من رائعة وموضوعات متميزة وقيمة جداً
رزقك الله من خيري الدنيا وألاخرة بغير حساب
نتنظر منك المزيد والمزيد
واصل سيرك على بركة الله
دمت بكل خير !!..
 


اخي اشكرك على هذه الحلقة الطيبة من هذه السلسلة الممتعة
اخي وانا اقرا الموضوع تذكرت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم​
باب فضل من علم وعلم.
قال: حدثنا محمد بن العلاء قال: حدثنا حماد بن أسامة عن بريد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
h2.gif
مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا؛ فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ؛ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به .
قال أبو عبد الله قال إسحاق وكان منها طائفة قبلت الماء قاع يعلوه الماء والصفصف المستوي من الأرض.

ولنا وقفات مع هذا الحديث ان شاء الله

والشاه من ذلك الحث على العطاء والايثار حتى تسعد النفس ويستقيم الحال
لابتغاء رضا الله​
 


السلام عليكم و رحمة الله

أخي أبو قصي .. لو لم يكن في ما نتواصل من خلاله إلا أنفاس الأدب الراقي و عبارات المودة الصادقة التي توشح بها ردودك لكان حريا بمن يرجو التحاب في الله أن يلج هذه الصفحات ..
زادك الله أدبا و رفعة ..
 


السلام عليكم و رحمة الله

أختي maery ..
بارك الله فيك و في علمك .. و أنار سبيلك .. و زادك تعلقا بهدي رسول الله صلى الله عليه و سلم ..
 


السلام عليكم و رحمة الله
أخي أبو قصي .. لو لم يكن في ما نتواصل من خلاله إلا أنفاس الأدب الراقي و عبارات المودة الصادقة التي توشح بها ردودك لكان حريا بمن يرجو التحاب في الله أن يلج هذه الصفحات ..
زادك الله أدبا و رفعة ..
أخي الحبيب الغالي مهدي :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أحبك في الله ...
زادك الله أدباً ورفعة وعلماً وبصيرة ...
جمعنا الله وإياك في أعلى درجات الجنة ...
أخي الكريم :
اسمح لي أخي وحبيبي أن أقيم سلسلتك الراقية هذه بـ +1
وهذا أقصى المسموح لي به وإلا فإنها تستحق أكثر من ذلك بكثير ...
بوركت يا حبة الفؤاد ، وسلمك الله من كل مكروه !!..
 


أخي الكريم موضوع يلمس الهدف لكل انسان ويجعل نصب عينيه تطويع كل فعل وسلوك لوجه الله وهذا ما وضحته في مقالتك الرائعة
كل الشكر والتقدير على الدراسة العميقة بين العبادة والحياة
دمت بكل ود
 


السلام عليكم و رحمة الله

أخي ( أختي ! ) أمل فلسطين .. سعدت بمرورك و بانطباعك ..
و كان حقا على المزور إكرام زائره .. هو وعد بالاطلاع على إبداعاتك في هذا المنتدى ..
بارك الله فيك و في إيمانك ..
 
عودة
أعلى