zaki_ch07
Well-Known Member
تعكس مهارة وإبداع الإنسان الفلسطيني
صناعة الفخار في غزة .. واقع صعب وتحد مرير
المواطنون يؤكدون أن صناعة الفخار تمثل عراقة وأصالة شعبنا
صناعة الفخار في غزة .. واقع صعب وتحد مرير
المواطنون يؤكدون أن صناعة الفخار تمثل عراقة وأصالة شعبنا
·المدني:ـ
الفخاريات واحدة من أهم المراجع التاريخية في حياة الأمم ومفتاح معرفة الحضارات المختلفة
تقرير/ محمد المدهون.
التراث الشعبي الفلسطيني يعكس حضارة شعبنا ويجسد شخصيته الوطنية عبر مراحل تطوره الممتدة منذ أمد بعيد، ويحكي قصة الإنسان في مواجهته للتحديات والصعاب ويعبر عن عمق ارتباطه بجذور الأرض وأصالة الإنسان المبدع التي لا تندثر عبر العصور، وتعتبر صناعة الفخار إحدى جوانب التراث الشعبي الفلسطيني التي تآكلت مع مرور الزمان وكادت أن تندثر لولا جهود المخلصين من أبناء هذا الوطن الذين حافظوا على هذه الصناعة وعملوا فيها وتوارثوها عبر الأجيال، ورغم بقاء هذه الصناعة الهامة إلا أنها تراجعت بشكل كبير نتيجة عوامل كثيرة، حيث لم يعد سوى بضع فاخورات في غزة لصناعة الفخار.
كاميرا "الزاوية الاقتصادية" سجلت بالصوت والصورة تحدي هذه الفاخورات للاندثار ومواجهتها للتحديات والصعوبات التي تواجهها، وأهمية هذه الصناعة والمراحل التي تمر بها حتى، حيث كان لها جولة في شارع الفواخير بغزة وزيارة إلى بعض الفواخير المنتشرة فيه.
مراحل تصنيع الفخار
وفي إحدى الفواخير اطلعنا على مراحل تصنيع الفخاريات بأنواعها المختلفة حيث أطلعنا صاحب هذه الفاخورة على الجهود التي يبذلها العاملون في الفاخورة في صناعة الأواني الفخارية، كما استعرض أهم العقبات التي تواجه هذه الصناعة الهامة والتحديات التي تواجهها، وأوضح أن صناعة الفخار تمر بعدة مراحل، أولها الحصول على المادة الخام وهي الطين من مناطق بيت حانون والمناطق الجنوبية لمحافظات غزة، ثم يتم تذويب الطين في حوض كبير ويضاف إليه الماء، وفي حالة الحصول على الطين الأبيض يضاف مع الماء كميات من الملح العادي بنسبة معينة، مشيرًا إلى أنه في فصل الشتاء توضع الطينة الجاهزة في أماكن للتخزين وتغطى بأغطية بلاستيكية مناسبة.مرحلة عجن الطين
أوضح صاحب الفاخورة التي فضل عدم ذكر اسمه أن الهدف من عجن الطين هو جعله طينًا متماسكًا، مشيرًا إلى أن هذه العملية كانت في السابق متعبة وتحتاج إلى مجهود بدني كبير من قبل العامل الذي يقوم بعملية العجن، إضافة إلى استغراقها وقتًا طويلاً، وأوضح أنه في عام 1970 أحضرت إلى مدينة الخليل ماكنة آلية من ألمانيا تقوم بعجن الطين وتليينه بسرعة كبيرة، حيث تم تصنيع هذه الماكنة فيما بعد محليًا في الخليل مما سهل كثيرًا على العمال وأصبحت كميات الطين التي يحتاج عجنها إلى ثمانية ساعات عمل يدوي تعجن في نصف ساعة فقط عن طريق العجانة الآلية، حيث تنتج العجانة أعمدة طينية قطرها 10سم وطولها غير ثابت ويتحكم فيه الصانع حسب ما يريد.مرحلة التشكيل الأولى
وأوضح أن المرحلة التالية هي مرحلة التشكيل الأولى على الدولاب، معتبرًا هذه المرحلة من أهم المراحل وأن الدولاب من الأجزاء الرئيسية التي لا يمكن الاستغناء عنها، مشيرًا إلى أنه لا توجد فاخورة تخلو منه، وهناك فاخورات بها ثلاثة دواليب وحول مهمة هذا الدولاب أوضح أن الدولاب يستخدم في تصنيع الطين يدويًا، حيث يستخدم الصانع قدمه ويديه في عملية تشكيل الطين وتحويله من قطعة إلى أشكال متعددة ومتنوعة من الأواني والأدوات الفخارية، مؤكدًا أن مهارة الصانع وخبرته تلعب هنا أهمية بارزة في عملية تشكيل القطع الطينية ليجعل منها إبريقًا أو جرة أو زيرًا أو زبدية أو أي أواني أخرى.
مرحلة التجفيف
بعد عملية التشكيل الأولى يضيف صاحب الفاخورة يؤخذ المنتج من الأواني ويوضع على رفوف في جو مناسب ويترك حوالي خمسة أيام في فصل الصيف وعشرة أيام في فصل الشتاء.مرحلة التسخين
أما في مرحلة التسخين فتؤخذ بعض الكميات المنتجة والمجففة وتوضع داخل فرن حسب اتساعه، حيث تبدأ عملية التسخين بواسطة إشعال التنور بحيث تتباعد درجة الحرارة تدريجيًا وتستمر عملية التسخين حوالي خمسة أيام متتالية.مرحلة حرق الفخار
تأتي هذه العملية كمرحلة نهائية في صناعة الفخار وتستغرق حوالي أسبوع، حيث تتصاعد درجة الحرارة لتصل حوالي من 700 إلى 800 درجة مئوية، وأضاف صاحب الفاخورة أنه في هذه الحالة يستوي الفخار، مؤكدًا في الوقت نفسه أن عملية الحرق تعتمد أساسًا على مدى خبرة ودراية ومعرفة الصانع، مشيرًا إلى أنه بعد إتمام عملية الحرق يترك الفرن لمدة يوم واحد لكي يبرد التنور وتبرد الأواني الفخارية، حيث يتم إخراج القطع الفخارية وتوضع في مكان معين، أو يتم نقلها إلى الفاخورة للبيع.
عقبات وصعاب
ومن جهة ثانية استعرض صاحب الفاخورة العديد من العقبات والصعاب التي تواجه صناعة الفخار خاصة قلة الأيدي العاملة المهرة، وانصرافهم إلى مزاولة مهن أخرى بعد تراجع صناعة الفخار، وبعد أن طغت الصناعات البلاستيكية على هذه الصناعة الهامة، مؤكدًا أنه هذه الصناعة تمثل جانبًا هامًا من تراثنا الشعبي الفلسطيني، لذلك يجب الحفاظ عليها وحمايتها من الاندثار، كما أشار إلى عدم تفهم الكثير من المواطنين إلى أهمية هذه الصناعة، داعيًا في الوقت نفسه إلى بذل المزيد من الجهود من أجل إحياء هذه الصناعة، وأشار إلى أن فرض الضرائب الباهظة في زمن الاحتلال على هذه الفواخير كان سببًا رئيسيًا في تراجع هذه الصناعة، حيث أغلقت الكثير من الفواخير نتيجة عدم مقدرتها على دفع الضرائب التي فرضها الاحتلال عليها.أصالة وعراقة شعبنا
وفي فاخورة مجاورة التقت "الزاوية الاقتصادية" بعض المواطنين الذين تواجدوا في الفاخورة لشراء بعض الأواني الفخارية، وبسؤالهم حول ما تعنيه لهم هذه الفخاريات أجمع المواطنون على أهمية الحفاظ على صناعة الفخار لأنها كما قالوا تمثل عنوانًا بارزًا من عناوين تراثنا الفلسطيني الذي حاول الاحتلال مرارًا وبكل السبل طمسه في سبيل القضاء على الهوية الوطنية الفلسطينية، واعتبر المواطن حسن عيد صناعة الفخار من أهم الصناعات الوطنية التي تعكس أصالة وعراقة شعبنا، وتبرز إبداعات الصانع الفلسطيني الذي يتفنن في تشكيل الأواني الفخارية ويخرجها بأروع وأجمل أشكالها، مشيرًا إلى أنه يحرص على اقتناء الفخاريات لما لها من أهمية وحفاظًا منه على هذه الحرفة التراثية.أما المواطن محمد أحمد فقد رأى أن صناعة الفخار تحتاج الكثير من العناية والاهتمام من قبل كافة شرائح المجتمع الفلسطيني، وقال: المواطن يقع عليه دور يتمثل في تشجيع هذه الصناعة من خلال شراء الأواني الفخارية، وكذلك المؤسسات والمراكز الثقافية التي تعنى بالتراث عليها واجب في دعم وحماية هذه الصناعة وغرسها في نفوس الأجيال الفلسطينية الصاعدة، مؤكدًا في الوقت ذاته على أهمية دور المؤسسات الرسمية وخاصة وزارة الثقافة في دعم هذه الصناعة من خلال إقامة المعارض والمتاحف الدائمة التي تحتوي على أشكال مختلفة من الصناعات الفخارية، وتطلع أحمد إلى إمكانية تصدير هذه الصناعات إلى الخارج في حال تحسن الوضع السياسي لتكون بمثابة سفيرًا فلسطينيًا يتحدث عن عراقة وحضارة شعبنا، ويبرز إبداعات الإنسان الفلسطيني للعالم.
ومن جانبه أوضح المواطن حسين سمور أنه يرغب في شراء الأواني الفخارية لأنها جميلة ورخيصة الثمن مقارنة بالصناعات الأخرى، وأوضح أن يحرص دومًا على شراء إبريق الفخار وخاصة في فصل الصيف لأنه يمتص حرارة الجو، مشيرًا إلى أنه يجد طعمًا لذيذًا للماء من إبريق الفخار.
وفي الفاخورة نفسها كانت امرأة عجوز تتنقل ما بين الأواني الفخارية المصنعة وتقلب بيديها الأباريق والجرار والزبديات، وعندما اقتربنا منها سألناها عما تفعل فأجابت العجوز الذي يقترب عمرها من السبعين عامًا: يا بني هذه الفخاريات لها طعم آخر، فهي تذكرني بأيام العز والهناء التي قضيناها في بلادنا قبل النكبة، لذلك فأنا حريصة على استخدامها في البيت، حيث أجد نكهة خاصة للطعام والشراب في هذه الأواني.
هذا ولم تقتصر صناعة الفخار على الأواني التي تستخدم للطعام، بل إن هناك الكثير من الصناعات الفخارية مثل قواوير الشجر والورود التي تزين المنزل فهي تصنع من الفخار وعليه إقبال شديد، بالإضافة إلى أدوات الزينة والأشكال الجميلة والمجسمات بأشكالها المختلف.
لمحة تاريخية
هذا وللوقوف على أهمية هذه الصناعة وأبعادها التاريخية التقت "الزاوية الاقتصادية" الباحث رشاد المدني رئيس الجمعية الوطنية للتراث الشعبي الفلسطيني حيث أكد أن </SPAN>الفخاريات تعتبر واحدة من أهم المراجع التاريخية في حياة الأمم وهي من مفاتيح معرفة الحضارات المختلفة، ولم تقتصر على شعب من الشعوب، بل انتشرت في أماكن كثيرة من العالم، مشيرًا إلى أن هذه الصناعة ظهرت في العصر الحجري الحديث الذي يطلق عليه اسم " العصر الفخاري" الممتد منذ 4500-1000 قبل الميلاد، وأضاف أن الحفريات الأثرية دلت على أن الفخار ظهر في فلسطين لأول مرة في هذه الفترة وخاصة في أريحا وغزة، وأنها أدخلت إلى فلسطين من قبل مجموعات بشرية قادمة من سوريا، مؤكدًا أن صناعة الفخار هي أقدم صناعة يدوية عرفتها غزة على مر العصور، وأوضح أن كتب التاريخ تشير إلى أن فخار غزة كان موجودًا في عهد اليونان عندما استولى الفاتح المقدوني الإسكندر الأكبر على غزة عام 232 قبل الميلاد، حيث استخدم الغزيون الفخار في صناعة الأواني والأدوات المنزلية وفي عمليات البناء مثل الجدران والأسوار والمزاريب، وأشار المدني إلى أن والمزاريب الغزية دخلت التاريخ عندما ذكر نابليون بونابرت فخار غزة في مذكراته، حيث اعتقد نابليون أن العدد الكبير من والمزاريب التي كانت منصوبة على أسطح المنازل الغزية هي مدافع جاهزة لمقاومة الجيش الفرنسي الذي دخل غزة عام 1799م.وأضاف المدني أن الوثائق الشرعية الموجودة في أحد سجلات المحاكم الشرعية بغزة في الفترة من 1854م إلى 1861 تذكر أنه كان في غزة أسواق متعددة منها" سوق الفخار أو أسواق الفواخير البرجيلية، وهناك شارع يعرف بشارع الفواخير، كما ذكرت هذه الوثائق أسماء بعض العائلات التي كانت متخصصة في صناعة الفخار وتمتلك عددًا من الفواخير أنذاك ومن هذه العائلات " الشوبكي ـ قعود ـ المشهراوي ـ الأزعر ـ عطا الله " مؤكدًا أن المنطقة التي كان يصنع فيها الفخار سميت بحارة الفواخير وهي مازالت قائمة حتى الآن.
وأوضح الباحث المدني أن صناعة الفخار استمرت حتى أواخر العهد التركي، وكان فخار غزة الأسود ينقل بواسطة الجمال إلى معظم المدن والقرى الفلسطينية، مشيرًا إلى أنه اشتهرت عائلات حجازي وعطا الله الشوبكي بصناعة الفخار في عهد الانتداب البريطاني في أوائل الأربعينات.
تراجع عدد الفواخير
وحول عدد الفواخير التي كانت منتشرة في ذلك الوقت في غزة أوضح المدني أنه في فترة ازدهار صناعة الفخار بلغ عدد الفواخير 69 فاخورة، مشيرًا إلى أنه في أواخر الستينات إبان العهد المصري كان عدد الفواخير 44 فاخورة، وبعد عام 1967 وحتى أواخر السبعينات كان في غزة 25 فاخورة، ثم تناقص العدد منذ بداية الثمانينات حتى أصبح عددها في الوقت الحالي حوالي أربع فواخير.
وفي معرض إجابته على سؤال حول أسباب ودوافع تراجع صناعة الفخار في غزة والنقص المستمر في عدد الفواخير ذكر المدني العديد من الأسباب التي أدت إلى ذلك خاصة عدم وجود دعم وتشجيع لهذه الصناعة الحرفية التراثية من قبل أي جهة في الفترة السابقة، وكذلك منافسة الصناعات البلاستيكية التي أصبحت بديلاً عن الفخار وبخاصة الأدوات المنزلية، فضلاً عن ظهور الثلاجات وأجهزة التبريد حيث ساهم ذلك في الاستغناء عن الكثير من الأواني الفخارية، بالإضافة إلى سياسة فرض الضرائب التي فرضتها سلطات الاحتلال على أصحاب الفواخير في وقت أصبح فيه دخل هذه الفواخير لا يغطي مصاريفها مما شجع أصحاب الفواخير على إغلاقها، وأيضًا عدم توفر الأيدي العاملة المهرة في هذه المهنة.
وحول سبل إحياء هذه الصناعة وتشجيعها خاصة وأنها في طريقها إلى الزوال أكد الباحث المدني على أهمية إقامة مدرسة شعبية تراثية لتعليم الحرف والصناعات اليدوية كالفخار والبسط والخزيران والقش وغيرها، وتوفير كل الإمكانيات اللازمة لها من أموال وأجهزة ومدربين أكفاء، وتكثيف إقامة معارض تراثية للصناعات اليدوية لتعميق الوعي التراثي عند الجماهير، مشددًا على ضرورة بذل الجهود لإيجاد الأسواق لتصريف المنتجات، داعيًا وزارة الثقافة إلى بذل الجهود المتواصلة والمساهمة في إحياء وتشجيع هذه الصناعات من خلال إقامة المعارض، وحث المدني الفنانين التشكيليين على القيام برسم المزيد من اللوحات الفنية المتعلقة بتراثنا الشعبي الفلسطيني وخاصة الصناعات الشعبية اليدوية.
تحية لاهل غزة الصامدين
و ادعو الله ان يفرج كربهم
و ادعو الله ان يفرج كربهم