هُويتنا أو الهاوية !! (9)

محمد شتيوى

مستشار سابق
علاقة الهوية الإسلامية بالوطنية [ 3 ]

ومصداق ذلك أيضاً أن المسيح_ عليه السلام_ حين ينزل أخر الزمان يحكم بالإسلام , ويصلي أول نزوله مأموماً وراء المهدي , ويقاتل اليهود , ويضع الجزية فلا يقبل إلا الإسلام , ويكسر الصليب , ويقتل الخنزير .
وقال صلى الله عليه وسلم : " أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة , ليس بيني وبينه نبي , والأنبياء أولادُ عَلات , أمهاتهم شتى , ودِينُهم واحد " (1) .
فنحن - المسلمين - أولياء المسيح وأحباؤه , ونحن أتباعه على الإسلام الذي دعا إليه , المقصودون بقولهِ الله تعالى: { وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } (55) سورة آل عمران.

وما أحسن ما قال صاحب" الظلال" _ غفر الله له ورحمه :
( عقيدة المؤمن هي وطنه , وهي قومه , وهي أهله..ومن ثَم يتجمع البشر عليها وحدها , لا على أمثال ما تتجمع عليه البهائم من كلإِ ومرعى وقطيع وسياج .
والمؤمن ذو نسب عريق , ضارب في شعاب الزمان , إنه واحد من ذلك الموكب الكريم , الذي يقود خطا ذلك الرهط الكريم: نوح , وإبراهيم , وإسماعيل , وإسحاق , ويعقوب , ويوسف , وموسى , وعيسى , ومحمد عليهم الصلاة والسلام.... {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} (52) سورة المؤمنون (2).
إن العقيدة التي هي ركن الهوية الأعظم تربط المسلم بأخيه حتى يصيرا كالجسد الواحد إذا أشتكى منه عضو , تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى , فربْطُ الإسلام لك بأخيك كربط يدك بمعصمك , ورجلك بساقك , كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: " مَثَلُ المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو منه , تداعى له سائرالجسد بالحمى والسهر " (3).

ولذلك يكثر في القرآن العظيم , إطلاق النفس , وإرادة الأخ تنبيهاً على أن رابطة الإسلام تجعل أخا المسلم كنفسه , كقوله تعالى: { وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ } ( 84 ) سورة البقرة , أي: لا تخرجون إخوانكم , وكقولهِ تعالى: { لَولا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} (12)سورة النور , أي: بإخوانهم على أصح التفسيرين , وقوله عز وجل { وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ } (11) سورة الحجرات
أي: إخوانكم على أصح التفسيرين .

ومن الآيات الدالة على أن الرابطة الحقيقية هي الدين , وأن تلك الرابطة تتلاشى معها جميع الروابط النسبية والعصبية , قوله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ } (22) سورة المجادلة , إذ لا رابطة نسبية أقرب من رابطة الآباء والأبناء والإخوان والعشائر , وقوله عز وجل: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بعض } (71) سورة التوبة الآية , وقولُه سبحانه: { فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} (103) سورة آل عمران , إلى غير ذلك من الآيات.

إن الرابطة الحقيقية التي تجمع المفترق وتؤلف المختلف هي رابطة " لا إله إلا الله " , ألا ترى أن هذه الرابطة التي تجعل المجتمع الإسلامي كله كأنه جسد واحد , وتجعله كالبنيان يشد بعضه بعضا , عطفت قلوب حامل العرش ومن حوله من الملائكة على بني آدم في الأرض مع ما بينهم من الإختلاف قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} (7) سورة غافر, إلى قوله عز وجل: { وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (9) سورة غافر.
فقد أشار تعالى إلى أن الرابطة التي ربطت بين حملة العرش ومن حوله , وبين بني آدم في الأرض حتى دعوا الله لهم هذا الدعاء الصالح العظيم إنما هي الإيمان بالله جل وعلا , لأنه قال عن الملائكة: {وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} (7) سورة غافر , فوصفهم بالإيمان وقال عن بني آدم في استغفار الملائكة لهم { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} (7) سورة غافر, فوصفهم أيضاً بالإيمان , فدل ذلك على أن الرابطة بينهم هي الإيمان , وهو أعظم رابطة .
ومما يوضح ذلك قوله تعالى في أبي لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ} (3) سورة المسد , ويقابل ذلك بما لسلمان الفارسي رضي الله عنه من الفضل والمكانة عند النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين , ولقد أجاد من قال :

لقد رفع الإسلام سلمان فارس ... وقد وضع الكفرُ الشريفَ أبا لهبِ

وقد أجمع العلماء على أن الرجل إنْ مات , وليس له من الأقرباء إلا ابن كافر , أن إرثه يكون للمسلمين بأخوة الإسلام , ولا يكون لولده لصلبه الذي هو كافر , والميراث دليل القرابة , فدل ذلك على أن الأخوة الدينية أقرب من البنوة النسبية " .
واعتبر ذلك أيضاً بقول الله تعالى مخاطباً نوحاً_ عليه السلام_ في شأن ابنه الكافر: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} (46) سورة هود , لأن مدار الأهلية هو القرابة الدينية , كما قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه : " ألا وإن ولي محمد من أطاع الله , وإن بعدت لُحْمَتُهُ, ألا وإن عدو محمد من عصى الله وإن قربت لحمته " .

__________________________________
(1) رواه البخاري(6/477_478) , ومسلم (2365) , وأبو داود (4675) .
(2) " في ظلال القرآن " (1/12) .
(3) رواه بنحوه البخاري (10/438) , ومسلم (2586) .


المصدر : كتاب ( هُويتنا أو الهاوية ) - الدكتور محمد إسماعيل المقدم
 


وما أحسن ما قال صاحب" الظلال" _ غفر الله له ورحمه :


( عقيدة المؤمن هي وطنه , وهي قومه , وهي أهله..ومن ثَم يتجمع البشر عليها وحدها , لا على أمثال ما تتجمع عليه البهائم من كلإِ ومرعى وقطيع وسياج .
والمؤمن ذو نسب عريق , ضارب في شعاب الزمان , إنه واحد من ذلك الموكب الكريم , الذي يقود خطا ذلك الرهط الكريم: نوح , وإبراهيم , وإسماعيل , وإسحاق , ويعقوب , ويوسف , وموسى , وعيسى , ومحمد عليهم الصلاة والسلام.... {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}

جزاك الله خيراً أخي الكريم محمد شتيوي على هذا الموضوع القيم وعلى هذه السلسلة
المتميزة والرائعة ...
واسمح لي أخي الكريم بإضافة العبارات القليلة القادمة إلى موضوعك الجميل ...
يقول صاحب الظلال ـ رحمه الله ـ في مقدمته :
( فعقيدة المؤمن هي وطنه ، وهي قومه ، وهي أهله . . ومن ثم يتجمع البشر عليها وحدها ، لا
على أمثال ما تتجمع عليه البهائم من كلأ ومرعى وقطيع وسياج !!..
والمؤمن ذو نسب عريق ، ضارب في شعاب الزمان .. إنه واحد من ذلك الموكب الكريم ، الذي
يقود خطاه ذلك الرهط الكريم : نوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ، ويعقوب ويوسف ، وموسى
وعيسى ، ومحمد . . عليهم الصلاة والسلام . . [ وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون ] ..
هذا الموكب الكريم ، الممتد في شعاب الزمان من قديم ، يواجه ـ كما يتجلى في ظلال القرآن ـ
مواقف متشابهة ، وأزمات متشابهة ، وتجارب متشابهة على تطاول العصور وكر الدهور ، وتغير
المكان ، وتعدد الأقوام .. يواجه الضلال والعمى والطغيان والهوى ، والإضطهاد والبغي ، والتهديد
والتشريد .. ولكنه يمضي في طريقه ثابت الخطو ، مطمئن الضمير ، واثقاً من نصر الله ، متعلقاً
بالرجاء فيه ، متوقعاً في كل لحظة وعد الله الصادق الأكيد : [ وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم
من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم
ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ].. موقف واحد وتجربة واحدة ، وتهديد واحد ، ويقين واحد ،
ووعد واحد للموكب الكريم ، وعاقبة واحدة ينتظرها المؤمنون في نهاية المطاف .. وهم يتلقون
الاضطهاد والتهديد والوعيد ) ..
بوركت شتيوي ودمت بكل خير !!..
 


أبو قصى
موقف واحد وتجربة واحدة ، وتهديد واحد ، ويقين واحد ،
ووعد واحد للموكب الكريم ، وعاقبة واحدة ينتظرها المؤمنون في نهاية المطاف .. وهم يتلقون
الاضطهاد والتهديد والوعي
اشكرك كثيرا على هذا النقل الطيب
دمت بخير

العضو النشيط zaki_ch07
مرحبا بك
 


بارك الله فيك على هذه السلسلة القيمة والهادفة وجعلها الله في ميزان حسناتك
 


إن الرابطة الحقيقية التي تجمع المفترق وتؤلف المختلف هي رابطة " لا إله إلا الله "

بارك الله فيك اخي محمد على السلسلة الرائعة والمتميزة ...
جعلها الله في موازين حسناتك

لقد رفع الإسلام سلمان الفارسي ... وقد وضع الكفرُ الشريفَ أبا لهبِ
فدل ذلك على أن الأخوة الدينية أقرب من الأخوة النسبية
 


الأخ الفاضل / محمد راقى
وفيك بارك الله

الأخت الفاضلة / maery
آمين على الدعاء , واشكرك على المرور الطيب

أما بالنسبة للملحوظات :
1- أما الشعر فلا خطأ به , وهو هكذا صحيح
لقد رفع الإسلامُ سلمان فارسٍ
وهو مضاف ومضاف إليه , أى : لقد رفع الإسلام سلمان الذى ينتسب إلى فارس , أو الفارسى كما قلت

والبيت منسوب لأمير المؤمنين على رضى الله عنه , أو الصاحب بن عباد :
لَعَمرُكَ ما الإِنسانُ إِلا بِدينِهِ ... فَلا تَترُكِ التَقوى اِتِّكالاً عَلى النَسَب
فَقَد رَفَعَ الإِسلامُ سَلمانَ فارِسٍ ... وَقَد وَضَعَ الشِركُ الشَريفَ أَبا لَهَب
والسر فى الامر أن الشاعر محدود بقالب معين من الوزن لا يستطيع أن يتخطاه , ولهذا نجد فى الشعر كثيرا من الإسقاط والحذف , لكى يتناسب مع الوزن , فإن الوزن إنما يفسد بزيادة حرف أو نقصانه
والشاعر البارع هو الذى يستطيع أن يتحرك بحرية مع هذه الحدود العروضية , ويسمونه ( الرقص بالأغلال )
فكان الشاعر مقيد بقيود معينة , ويتحرك فى مجالها فقط , وعليه أن يعبر عما يريد وهو داخل تلك القيود ودون أن يتعداها
ولهذا فالأوزان القصيرة تكون أشق فى النظم على الشاعر , لأنه مضطر إلى إجمال المعنى فى أقل لفظ , وهذا سر جمال الشعر ..
2- أما العبارة ( الأخوة الدينية أقرب من البنوة النسبية ) فلا أرى هنالك مشكلة و ولعله يقصد بـ ( البنوة النسبية ) تلك التى كانت بين نوح وابنه , حيث قال له الله تعالى ( إنه ليس من أهلك ) مدللا على أن الكفر يلغى أخوة النسب

أشكرك كثيرا على الملحوظات

والسلام
 


جزاك الله خيرا خي محمد على التوضيح :)
 


بارك الله فيك اخي محمد على سلسلتك المميزة
أن الرجل إنْ مات وليس له من الأقرباء إلا ابن كافر , أن إرثه يكون للمسلمين بأخوة الإسلام , ولا يكون لولده لصلبه الذي هو كافر , والميراث دليل القرابة , فدل ذلك على أن الأخوة الدينية أقرب من البنوة النسبية " .
نعم فصلة الدين أعلى من صلة القرابة إن كان قريبك كافرا
 


الفاضلة مريم
جزانا وإياك

أخى حضرموت
كم هو مرورك هادئ ندىِّ

فقط اتمنى أن يكون عرض الموضوع جيد بحيث يستطيع المرء أن يقرأ الموضوع كله بتركيز وإمعان لتحصل الفائدة يا أحباب
 
عودة
أعلى