محمد شتيوى
مستشار سابق
علاقة الهوية الإسلامية بالوطنية [ 3 ]
ومصداق ذلك أيضاً أن المسيح_ عليه السلام_ حين ينزل أخر الزمان يحكم بالإسلام , ويصلي أول نزوله مأموماً وراء المهدي , ويقاتل اليهود , ويضع الجزية فلا يقبل إلا الإسلام , ويكسر الصليب , ويقتل الخنزير .
وقال صلى الله عليه وسلم : " أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة , ليس بيني وبينه نبي , والأنبياء أولادُ عَلات , أمهاتهم شتى , ودِينُهم واحد " (1) .
فنحن - المسلمين - أولياء المسيح وأحباؤه , ونحن أتباعه على الإسلام الذي دعا إليه , المقصودون بقولهِ الله تعالى: { وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } (55) سورة آل عمران.
وما أحسن ما قال صاحب" الظلال" _ غفر الله له ورحمه :
( عقيدة المؤمن هي وطنه , وهي قومه , وهي أهله..ومن ثَم يتجمع البشر عليها وحدها , لا على أمثال ما تتجمع عليه البهائم من كلإِ ومرعى وقطيع وسياج .
والمؤمن ذو نسب عريق , ضارب في شعاب الزمان , إنه واحد من ذلك الموكب الكريم , الذي يقود خطا ذلك الرهط الكريم: نوح , وإبراهيم , وإسماعيل , وإسحاق , ويعقوب , ويوسف , وموسى , وعيسى , ومحمد عليهم الصلاة والسلام.... {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} (52) سورة المؤمنون (2).
إن العقيدة التي هي ركن الهوية الأعظم تربط المسلم بأخيه حتى يصيرا كالجسد الواحد إذا أشتكى منه عضو , تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى , فربْطُ الإسلام لك بأخيك كربط يدك بمعصمك , ورجلك بساقك , كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: " مَثَلُ المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو منه , تداعى له سائرالجسد بالحمى والسهر " (3).
ولذلك يكثر في القرآن العظيم , إطلاق النفس , وإرادة الأخ تنبيهاً على أن رابطة الإسلام تجعل أخا المسلم كنفسه , كقوله تعالى: { وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ } ( 84 ) سورة البقرة , أي: لا تخرجون إخوانكم , وكقولهِ تعالى: { لَولا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} (12)سورة النور , أي: بإخوانهم على أصح التفسيرين , وقوله عز وجل { وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ } (11) سورة الحجرات
أي: إخوانكم على أصح التفسيرين .
ومن الآيات الدالة على أن الرابطة الحقيقية هي الدين , وأن تلك الرابطة تتلاشى معها جميع الروابط النسبية والعصبية , قوله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ } (22) سورة المجادلة , إذ لا رابطة نسبية أقرب من رابطة الآباء والأبناء والإخوان والعشائر , وقوله عز وجل: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بعض } (71) سورة التوبة الآية , وقولُه سبحانه: { فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} (103) سورة آل عمران , إلى غير ذلك من الآيات.
إن الرابطة الحقيقية التي تجمع المفترق وتؤلف المختلف هي رابطة " لا إله إلا الله " , ألا ترى أن هذه الرابطة التي تجعل المجتمع الإسلامي كله كأنه جسد واحد , وتجعله كالبنيان يشد بعضه بعضا , عطفت قلوب حامل العرش ومن حوله من الملائكة على بني آدم في الأرض مع ما بينهم من الإختلاف قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} (7) سورة غافر, إلى قوله عز وجل: { وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (9) سورة غافر.
فقد أشار تعالى إلى أن الرابطة التي ربطت بين حملة العرش ومن حوله , وبين بني آدم في الأرض حتى دعوا الله لهم هذا الدعاء الصالح العظيم إنما هي الإيمان بالله جل وعلا , لأنه قال عن الملائكة: {وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} (7) سورة غافر , فوصفهم بالإيمان وقال عن بني آدم في استغفار الملائكة لهم { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} (7) سورة غافر, فوصفهم أيضاً بالإيمان , فدل ذلك على أن الرابطة بينهم هي الإيمان , وهو أعظم رابطة .
ومما يوضح ذلك قوله تعالى في أبي لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ} (3) سورة المسد , ويقابل ذلك بما لسلمان الفارسي رضي الله عنه من الفضل والمكانة عند النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين , ولقد أجاد من قال :
لقد رفع الإسلام سلمان فارس ... وقد وضع الكفرُ الشريفَ أبا لهبِ
وقد أجمع العلماء على أن الرجل إنْ مات , وليس له من الأقرباء إلا ابن كافر , أن إرثه يكون للمسلمين بأخوة الإسلام , ولا يكون لولده لصلبه الذي هو كافر , والميراث دليل القرابة , فدل ذلك على أن الأخوة الدينية أقرب من البنوة النسبية " .
واعتبر ذلك أيضاً بقول الله تعالى مخاطباً نوحاً_ عليه السلام_ في شأن ابنه الكافر: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} (46) سورة هود , لأن مدار الأهلية هو القرابة الدينية , كما قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه : " ألا وإن ولي محمد من أطاع الله , وإن بعدت لُحْمَتُهُ, ألا وإن عدو محمد من عصى الله وإن قربت لحمته " .
__________________________________
(1) رواه البخاري(6/477_478) , ومسلم (2365) , وأبو داود (4675) .
(2) " في ظلال القرآن " (1/12) .
(3) رواه بنحوه البخاري (10/438) , ومسلم (2586) .
المصدر : كتاب ( هُويتنا أو الهاوية ) - الدكتور محمد إسماعيل المقدم
ومصداق ذلك أيضاً أن المسيح_ عليه السلام_ حين ينزل أخر الزمان يحكم بالإسلام , ويصلي أول نزوله مأموماً وراء المهدي , ويقاتل اليهود , ويضع الجزية فلا يقبل إلا الإسلام , ويكسر الصليب , ويقتل الخنزير .
وقال صلى الله عليه وسلم : " أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة , ليس بيني وبينه نبي , والأنبياء أولادُ عَلات , أمهاتهم شتى , ودِينُهم واحد " (1) .
فنحن - المسلمين - أولياء المسيح وأحباؤه , ونحن أتباعه على الإسلام الذي دعا إليه , المقصودون بقولهِ الله تعالى: { وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } (55) سورة آل عمران.
وما أحسن ما قال صاحب" الظلال" _ غفر الله له ورحمه :
( عقيدة المؤمن هي وطنه , وهي قومه , وهي أهله..ومن ثَم يتجمع البشر عليها وحدها , لا على أمثال ما تتجمع عليه البهائم من كلإِ ومرعى وقطيع وسياج .
والمؤمن ذو نسب عريق , ضارب في شعاب الزمان , إنه واحد من ذلك الموكب الكريم , الذي يقود خطا ذلك الرهط الكريم: نوح , وإبراهيم , وإسماعيل , وإسحاق , ويعقوب , ويوسف , وموسى , وعيسى , ومحمد عليهم الصلاة والسلام.... {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} (52) سورة المؤمنون (2).
إن العقيدة التي هي ركن الهوية الأعظم تربط المسلم بأخيه حتى يصيرا كالجسد الواحد إذا أشتكى منه عضو , تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى , فربْطُ الإسلام لك بأخيك كربط يدك بمعصمك , ورجلك بساقك , كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: " مَثَلُ المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو منه , تداعى له سائرالجسد بالحمى والسهر " (3).
ولذلك يكثر في القرآن العظيم , إطلاق النفس , وإرادة الأخ تنبيهاً على أن رابطة الإسلام تجعل أخا المسلم كنفسه , كقوله تعالى: { وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ } ( 84 ) سورة البقرة , أي: لا تخرجون إخوانكم , وكقولهِ تعالى: { لَولا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} (12)سورة النور , أي: بإخوانهم على أصح التفسيرين , وقوله عز وجل { وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ } (11) سورة الحجرات
أي: إخوانكم على أصح التفسيرين .
ومن الآيات الدالة على أن الرابطة الحقيقية هي الدين , وأن تلك الرابطة تتلاشى معها جميع الروابط النسبية والعصبية , قوله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ } (22) سورة المجادلة , إذ لا رابطة نسبية أقرب من رابطة الآباء والأبناء والإخوان والعشائر , وقوله عز وجل: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بعض } (71) سورة التوبة الآية , وقولُه سبحانه: { فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} (103) سورة آل عمران , إلى غير ذلك من الآيات.
إن الرابطة الحقيقية التي تجمع المفترق وتؤلف المختلف هي رابطة " لا إله إلا الله " , ألا ترى أن هذه الرابطة التي تجعل المجتمع الإسلامي كله كأنه جسد واحد , وتجعله كالبنيان يشد بعضه بعضا , عطفت قلوب حامل العرش ومن حوله من الملائكة على بني آدم في الأرض مع ما بينهم من الإختلاف قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} (7) سورة غافر, إلى قوله عز وجل: { وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (9) سورة غافر.
فقد أشار تعالى إلى أن الرابطة التي ربطت بين حملة العرش ومن حوله , وبين بني آدم في الأرض حتى دعوا الله لهم هذا الدعاء الصالح العظيم إنما هي الإيمان بالله جل وعلا , لأنه قال عن الملائكة: {وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} (7) سورة غافر , فوصفهم بالإيمان وقال عن بني آدم في استغفار الملائكة لهم { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} (7) سورة غافر, فوصفهم أيضاً بالإيمان , فدل ذلك على أن الرابطة بينهم هي الإيمان , وهو أعظم رابطة .
ومما يوضح ذلك قوله تعالى في أبي لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ} (3) سورة المسد , ويقابل ذلك بما لسلمان الفارسي رضي الله عنه من الفضل والمكانة عند النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين , ولقد أجاد من قال :
لقد رفع الإسلام سلمان فارس ... وقد وضع الكفرُ الشريفَ أبا لهبِ
وقد أجمع العلماء على أن الرجل إنْ مات , وليس له من الأقرباء إلا ابن كافر , أن إرثه يكون للمسلمين بأخوة الإسلام , ولا يكون لولده لصلبه الذي هو كافر , والميراث دليل القرابة , فدل ذلك على أن الأخوة الدينية أقرب من البنوة النسبية " .
واعتبر ذلك أيضاً بقول الله تعالى مخاطباً نوحاً_ عليه السلام_ في شأن ابنه الكافر: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} (46) سورة هود , لأن مدار الأهلية هو القرابة الدينية , كما قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه : " ألا وإن ولي محمد من أطاع الله , وإن بعدت لُحْمَتُهُ, ألا وإن عدو محمد من عصى الله وإن قربت لحمته " .
__________________________________
(1) رواه البخاري(6/477_478) , ومسلم (2365) , وأبو داود (4675) .
(2) " في ظلال القرآن " (1/12) .
(3) رواه بنحوه البخاري (10/438) , ومسلم (2586) .
المصدر : كتاب ( هُويتنا أو الهاوية ) - الدكتور محمد إسماعيل المقدم