مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم (طلب قريش المعجزات والايات )..19

Alhashemiah

مشرفة بالمنتدى ملكة كتاب العرب
طاقم الإدارة
70769_1200765627.gif

طلب قريش المعجزات والايات

والله سبحانه قد يظهر الآيات الكثيرة, مع طبعه على قلب الكافر, كفرعون, قال تعالى : ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها)- إلى قوله- (ولكن أكثرهم يجهلون ) وقال تعالى: ( وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون) الآية .
بين سبحانه وتعالى: أنه إنما منعه أن يرسل بها إلا أن كذب بها الأولون, فإذا كذب هؤلاء كذلك: استحقوا عذاب الاستئصال.
وروي أهل التفسير, وأهل الحديث عن ابن عباس. قال: ( سأله أهل مكة أن يجعل لهم الصفا ذهباً, وأن ينحي عنهم الجبال حتى يزرعوا. فقيل له: إن شئت نستأني بهم, وإن شئت أن نؤتيهم الذي سألوا, فإن كفروا هلكوا, كما هلك من قبلهم. فقال: بل أستأني بهم, فأنزل الله: ( وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون ) الآية.
وروي ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية. قال: رحمة لكم أيها الأمة, إنا لو أرسلنا بالآيات, فكذبتم بها: أصابكم من قبلكم. وكانت الآيات تأتيهم آية بعد آية. فلا يؤمنون بها, قال تعالى: ( وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين- الآيات).
أخبر سبحانه بأن الآيات تأتيهم فيعرضون عنها, وأنهم يسرون صدق ما جاءت به الرسل, كما أهلك الله من كان قبلهم بالذنوب التي هي تكذيب الرسول, فإن الله سبحانه وتعالى يقول : (وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا ) الآية, وأخبر بشدة كفرهم بأنهم لو أنزل عليهم كتاباً في قرطاس فلمسوه بأيديهم, لكذبوا به. وبين سبحانه أنه لو جعل الرسول ملكاً لجعله على صورة الرجل, إذ كانوا لا يستطيعون أن يروا الملائكة في صورهم التي خلقوا عليها. وحينئذ يقع اللبس عليهم, لظنهم الرسول بشراً لا ملكاً. وقال تعالى :( وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً) الآيات.

وهذه الآيات لو أجيبوا إليها, ثم لم يؤمنوا: لأتاهم عذاب الاستئصال, وهي لا توجب الإيمان, بل إقامة للحجة, والحجة قائمة بغيرها. وهي أيضاً مما لا يصلح فإن قولهم: (( حتي تفجر لنا من الأرض ينبوعاً)) يقتضي تفجيرها بمكة, فيصير وادياً ذا ذرع. والله سبحانه وتعالى قضي بسابق حكمته: أن جعل بيته بواد غير ذي ذرع, لئلا يكون عنده ما ترغب النفوس فيه من الدنيا. فيكون حجهم للدنيا.
وإذا كانت له جنة من نخيل وعنب كان في هذا من التوسع في الدنيا ما يقتضي نقص درجته.
وكذلك إذا كان له قصر من زخرف. وهو الذهب.
أما إسقاط السماء كسفاً: فهذا لا يكون إلا يوم القيامة.
وأما إلاتيان بالله والملائكة قبيلا: فهذا لما سأل قوم موسى ما هو دونه: أخذتهم الصاعقة, وقال تعالى: ( يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتاباً من السماء) الآيات.
بين سبحانه: أن المشركين وأهل الكتاب سألوه إنزال كتاب من السماء, وبين أن الطائفين لا يؤمنون إذا جاءهم ذلك, وأنهم إنما سألوه تعنتاً, فقال المشركين: ( لو نزلنا عليك كتاباً في قرطاس) الآية.
وقال عن أهل الكتاب: ( فقد سألوا موسى أكبر من ذلك )– إلى قوله- (ميثاقاً غليظاً) فهم – مع هذا – نقضوا الميثاق, وكفروا بآيات الله, وقتلوا النبيين. فكان فيه من الاعتبار: أن الذين لا يهتدون إذا جاءتهم الآيات المقترحة لم يكن في مجيئها منفعة لهم, بل فيها وجوب عقوبة عذاب الاستئصال إذا لم يؤمنوا, وتغليظ الأمر عليهم, كما قال تعالى: ( فبظلم من الذين هادوا)- الآية.

70769_1203254252.gif


ولما طلب الحواريون من المسيح المائدة, كانت من الآيات الموجبة لمن كفر بها عذاباً, لم يعذب الله به أحداً من العالمين. وكان قبل نزول التوارة يهلك الله المكذبين بالرسل بعذاب الاستئصال عاجلا. وأظهر آيات كثيرة لما أرسل موسى ليبقى ذكرها في الأرض. إذ كان بعد نزول التوراة لم يهلك أمة بعذاب الاستئصال كما قال تعالى : ( ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى ) بل كانوا بنو إسرائيل لما كانوا يفعلون ما يفعلون – من الكفر والمعاصي- يعذب الله بعضهم ويبقي بعضهم, إذ كانوا لا يتفقون على الكفر, ولم يزل في الأرض منهم أمة باقية على الصلاح. قال تعالى: ( وقطعناهم في الأرض أمماً منهم الصالحون. ومنهم دون ذلك)- الآية, وقال: ( من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون) – الآية.
وكان من حكمته تعالى ورحمته- لما أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم المرسلين- أن لا يهلك قومه بعذاب الاستئصال, بل عذب بعضهم بأنواع العذاب كالمستهزئين الذين قال الله فيهم: ( إنا كفيناك المستهزئين)- الآيات.
والذي دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يسلط عليها كلباً من كلابه فافترسه الأسد, كما قال تعالى: (( قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ؟ ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده )– الآية .
فأخبر سبحانه أنه يعذب الكفار تارة بأيدي المؤمنين بالجهاد والحدود, وتارة بغير ذلك. فكان ذلك مما يوجب إيمان أكثرهم, كما جرى لقريش وغيرهم. فإنه لو أهلكهم لبادوا, وانقطعت المنفعة بهم, ولم يبق لهم ذرية تؤمن, بخلاف ما عذبهم به من الإذلال والقهر, فإن في ذلك ما يوجب عجزهم, والنفوس إذا كانت قادرة على كمال أغراضها, فلا تكاد تنصرف عنها. بخلاف عجزها عنها. فإنه يدعوها إلى التوبة , كما قيل: من العصمة أن لا تقدر, ولهذا آمن عامتهم.
وقد ذكر الله في التوراة لموسى: (( إني أقسي قلب فرعون. فلا يؤمن بك لتظهر آياتي وعجائبي)).
بين أن في ذلك من الحكمة: انتشار آياته الدالة على صدق أنبيائه في الأرض إذا كان موسى أخبر بتكليم الله له, وبكتابة التوراة له, فأظهر له من الآيات ما يبقي ذكره في الأرض. وكان في ضمن ذلك: ومن تقسيه قلب فرعون ما أوجب هلاكه وهلاك قومه.
وفرعون كان جاحداً للصانع. فلذلك أوتي موسى من الآيات ما يناسب حاله.


وأما بنو إسرائيل- مع المسيح- فكانوا مقرين بالكتاب الأول. فلم يحتاجوا إلى مثل ما احتاج إليه موسى. ولم يكن محتاجاً إلى جنس تقرير النبوة, إذ كانت الرسل قبله جاءت بما يثبت ذلك. وإنما الحاجة إلى تثبيت نبوته.
ومع هذا فقد أظهر الله على يديه من الآيات مثل آيات من قبله وأعظم, ومع هذا لم يأت بآيات الاستئصال. بل بين الله في القرآن: أنها لا تنفعهم بل تضرهم . لأنه علم أن قلوبهم كقلوب الأولين.كما قال تعالى: ( كذلك ما أتي الذين من قبلهم من رسول, إلا قالوا: ساحر أو مجنون, أتواصوا به) – الآية, وقال تعالى: ( كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم) – الآية, وقال تعالى : ( أكفاركم خير من أولئكم) – الآية, وسورة اقتربت التي ذكر فيها انشقاق القمر, وإعراضهم عن الآيات, وقولهم : (( سحر مستمر)) وقال فيها: ( ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر).
أي يزجرهم عن الكفر زجراً شديداً , إذا كان في تلك الأنباء صدق الرسل والإنذار بالعذاب الذي وقع بالمتقدمين.
ولهذا يقول عقيب كل قصة ( فكيف كان عذابي ونذر) أي عذابي لمن كذب رسلي, وإنذاري لهم بذلك قبل مجيئه.
ثم قال: (( أكفاركم)) أيتها الأمة (( خير من أولئكم)) الذين كذبوا الرسول من قبلكم: (( أم لكم براءة في الزبر, أم يقولون نحن جميع منتصر)) وذلك: أن كونكم تعذبون مثلهم. إما لكونكم لا تستحقون ما استحقوا, أو لكون الله أخبر أنه لا يعذبكم: فهذا بالنظر إلى فعل الله. وأما بالنظر إلى قوة الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه, فيقولون: (( نحن جميع منتصر)) فإنهم أكثر وأقوى, كما قالوا ( أي الفريقين خير مقاماً وأحسن ندياً- إلى قوله- أثاثاً ورئياً) أي أموالاً ومنظراً. فقال تعالى: ( سيهزم الجمع ويولون الدبر).
أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم بهزيمتهم, وهو بمكة, في قلة من الأتباع, وضعف منهم. ولا يظن أحد – قبل أن يهاجر- بالعبادة المعروفة: أن أمره يعلو, ويقاتلهم. فما كان كما أخبر. وذلك ببدر, وتلك سنة الله, كما قال تعالى: ( سنة الله التي قد خلت من قبل).
وحيث يظهر الكفار ويغلبون, فإنما يكون ذلك لذنوب المؤمنين التي أوجبت نقص إيمانهم, فإذا تابوا نصرهم الله, كما قال تعالى: ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) .

فإذا كان من تمام الحكمة والرحمة : أن لا يهلكهم بالاستئصال كالذين من قبلهم, قال تعالى : ( أكفاركم خير من أولئلكم ؟ أم لكم براءة في الزبر؟) كان لا يأتي بموجب ذلك, مع إتيانه سبحانه بما يقيم الحجة أكمل في الحكمة والرحمة, إذ كان ما أتي به حصل به كمال الهدى والحجة, وما امتنع منه دفع من عذاب الاستئصال ما أوجب بقاء جمهور الأمة, حتى يهتدوا ويؤمنوا. وكان في إرسال خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم من الحكمة البالغة, والمنن السابغة, ما لم يكن في رسالة غيره. صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.

70769_1203254252.gif

من كتاب مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم .. تأليف مجدد الدعوة الاسلامية شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب
70769_1203254252.gif

لمن فاته قرءاة :مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ( موقف الوليد بن المغيرة واسئلة اهل الكتاب) ...18
 
جزاكِ الله خيراً أختي الفاضلة الكريمة مريم على هذه السلسلة الرائعة
موضوع قيم واكثر من ممتاز
العرض والتنسيق بديعان
مجهود كبير ومتميز تستحقين عليه كل تقدير
أتمنى لكِ كل توفيق ونجاح وسعادة
دمتِ بكل خير
 
جزاكِ الله خيراً أختي الفاضلة الكريمة مريم على هذه السلسلة الرائعة

موضوع قيم واكثر من ممتاز
العرض والتنسيق بديعان
مجهود كبير ومتميز تستحقين عليه كل تقدير
أتمنى لكِ كل توفيق ونجاح وسعادة

دمتِ بكل خير
اشكرك اخي الاكبر على المرور الكريم
اسال الله ان يعينك على فعل البر دوما
ويجزيك خير الجزاء
 
بارك الله فيك أختي الكريمة مريم ، وجزاك الله كل خير على الموضوع الجميل

وانت اخي محمد راقي بارك الله فيك وزادك ايمانا وتقوى
 
أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم بهزيمتهم, وهو بمكة, في قلة من الأتباع, وضعف منهم. ولا يظن أحد – قبل أن يهاجر- بالعبادة المعروفة: أن أمره يعلو, ويقاتلهم. فما كان كما أخبر. وذلك ببدر, وتلك سنة الله, كما قال تعالى: ( سنة الله التي قد خلت من قبل).
وحيث يظهر الكفار ويغلبون, فإنما يكون ذلك لذنوب المؤمنين التي أوجبت نقص إيمانهم, فإذا تابوا نصرهم الله, كما قال تعالى: ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) .

وها قد دار الزمان دورته وصرنا فى مثل هذا الموقف مرة اخرى ونحتاج إلى نفس الحل كذلك
من المبشرات الطيبة فى هذه الايام أن أكثر المسلمين صاروا يتفقون على هذه المسألة .. أن ما اصابنا إنما هو بذنوبنا فإن تبنا جميعا أعاد الله لنا عزتنا .. ومعرفة الداء أول طريق لعلاجه
أشكرك على هذه القراءة الطيبة فى أفياء السيرة
 
وها قد دار الزمان دورته وصرنا فى مثل هذا الموقف مرة اخرى ونحتاج إلى نفس الحل كذلك
من المبشرات الطيبة فى هذه الايام أن أكثر المسلمين صاروا يتفقون على هذه المسألة .. أن ما اصابنا إنما هو بذنوبنا فإن تبنا جميعا أعاد الله لنا عزتنا .. ومعرفة الداء أول طريق لعلاجه
أشكرك على هذه القراءة الطيبة فى أفياء السيرة

اشكرك اخي محمد على القراءة الطيبة من
70769_1205815261.gif
 
ومع هذا فقد أظهر الله على يديه من الآيات مثل آيات من قبله وأعظم, ومع هذا لم يأت بآيات الاستئصال. بل بين الله في القرآن: أنها لا تنفعهم بل تضرهم .
فأخبر سبحانه أنه يعذب الكفار تارة بأيدي المؤمنين بالجهاد والحدود, وتارة بغير ذلك. فكان ذلك مما يوجب إيمان أكثرهم, كما جرى لقريش وغيرهم. فإنه لو أهلكهم لبادوا, وانقطعت المنفعة بهم, ولم يبق لهم ذرية تؤمن, بخلاف ما عذبهم به من الإذلال والقهر, فإن في ذلك ما يوجب عجزهم, والنفوس إذا كانت قادرة على كمال أغراضها, فلا تكاد تنصرف عنها. بخلاف عجزها عنها. فإنه يدعوها إلى التوبة , كما قيل: من العصمة أن لا تقدر, ولهذا آمن عامتهم.
كلام أبحث عنه ..ودائما اسئل نفسي ..قد طلب كفار قريش من الآيات ما أظهر الله به صدق نبيهم ..ولكن لماذا لم يهلكهم كما أهلك الذين من قبلهم لما كذبوا بآيات الله تعالى..
وقد أتيت بالإجابة..بارك الله فيك أختي...لا تدرين مدى سعادتي بمعرفة الجواب...
 
كلام أبحث عنه ..ودائما اسئل نفسي ..قد طلب كفار قريش من الآيات ما أظهر الله به صدق نبيهم ..ولكن لماذا لم يهلكهم كما أهلك الذين من قبلهم لما كذبوا بآيات الله تعالى..
وقد أتيت بالإجابة..بارك الله فيك أختي...لا تدرين مدى سعادتي بمعرفة الجواب...
الحمد لله وجد ضالتك التي تبحث عنها ..اسعدتني بهذا الخبر
جميل ان تقرا للترجم مابين السطور ... فهذه سعادتي قد كملت بتحقق هدفي من هذه السلسلة لسيرة النبوية على صاحبها افضل الصلاة والسلام ..
اشكرك اخي الحضرمي على زيارتك المفيدة والطيبة ..بارك الله فيك
 
عودة
أعلى