ماجدة صبّاح
عضو فعال
أعلم ساءلتمونيه قبل ما له من؟
تسارع الأمم ركب الحضارة والتقدم، وتتنافس الدول تنافس الطمِع تجني من ثمار العلم ما اقتتلت عليه. تدفع بأبنائها حبا وشوقا لارتياد صرحه، محبذة إياهم التّيه في غياهب معالمه، مشجعة إياهم السير في طرقات كانت قد ارتادتها الأشباح مستقرا لها من حلكة ليلها المستعر، وهم أنفسهم محبذين دخولها، سائرين في متاهاتها، عابرين بعلمهم صحراء كان قد زرع على جنباتها شوك قتاد، وكأنه ليقال: وجد ليكون العلم.
ففي زمن بات العلم فيه حلما مناله لا يدرك تحقيقه عند كثرة كثيرة من الأمم، وقد صارت فيه الدُّويلات التي كانت أمما تعنى به حين يصادفها في طريقها ترجف منه خيفة، وصارت تبتعد عنه وكأنه العدو لدود هو لها، ومن بعيد حين تراه، ترتع أطرافها على مصابها، حتى صار الجهل مرتادها، والتخلف مجناها، وبدا وكأنه حقا الصدع قد أكل يديها، والتمزق صار ما بينه وصدرها القليل، والعار صار مغموسا في ثناياها، وعرق الذلة والمهانة يتقطر من جبينها، وأموالها التي لا تحصى-والتي طالما حلمت بأقل من عشرها- صارت لعبة في أياديهم، فيباع بها الغالي رخيصا ويشترى التخلف بها، فيباع علماء هذه الأمة لأنهم –دنسها- بيعوا لأنهم حمقى هذه الأمة، بينما قد سارعت أخريات لجني ثماره،وتلقّطته حين تساقط من أيدي منشئيه أرضا، ليس ذا فحسب، بل اقتلعته عنوة من مواطنه وأخذته حلالا عليها، فهو كاليتيم متحسر على أهله، أو كقاطع سبيل نادم على فراق وطنه، قد أخذ من بين أيديهم وهم ينظرون مكتوفي الأيدي، لا يحركون ساكنا، ومن رآهم ظنّ أنه صخرة صماء مضجعة على صدورهم، أو أفعى ملتوية على رقابهم، وآخر قد قال فيهم:
العلم جهل عند أهل الجهل كما الجهل جهل عند أهل العلم
ومنزلة الفقيه من السفيه كمنزلة السفيه من الفقيه
فهذا زاهد في قرب هذا وهذا أزهد منه فيه
وصاروا يتلاشون طريقه ولا يعترفون به، فقاطعوه وأعلنوه عدوّا لهم، وأعلنوا البراءة منه بالنفوس، حتى صاروا هم أهل التّخلف، لا ينظر في وجوههم إلا لضرب المثل أمثال لطلاب علم-فقط- ملّوا للحظات عن مخالطته وتكاسلوا برهة عنه، فيفزعوا من حالهم ويعودوا لبيت مسكن العلم راجين غفرانه والتوبة، فيعودوا مرتادين صهوة فرسه، معلقين سنام العزة على صدورهم، آخذينه ريشة ملساء متباهين بها، خوفا أن يصبحوا مثلهم لا قيمة لوجودهم لا بأخلاق ولا علم، نطق البراءة أمامهم وخلفهم وحتى بعدهم،ورفع إصبع السبابة شاكرا ربه على قدره أن خلصه من أكفانهم، إنهم كمن:
حوى العلم ثم أودعه بجهله عند غيره أهله ظلمه
وكان كالمبتني البناء إذا تم له ما أراده هدمه
فبقاء العلم عند من ليس أهله مفسد لهم، تماما كإطعامك الحلوى من به احتراق وحمّى، أو كتشميمك المسك والعنبر من به صدع من احتدام الصفراء، وعليك بتجنبهم، فلا تغر-بطيب عزائمهم- قوم قد قيل فيهم أمثال وهم من قال ذلك في أنفسهم وأنت لا تدري، فهيهات هيهات له بالغ منّا، إنّه محرم علينا ولو صرنا له الحبرَ...
وانظر، رجال العلم على أربعة....
رجل يدري ويدري أنه يدري ...فذاك عالم فاسألوه
رجل يدري ولا يدري أنه يدري...فذاك ناس فذكروه
رجل لا يدري ويدري أنه لا يدري...فذاك ناس فذكروه
ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري...فذاك جاهل فلا تقربوه
" ليس في الوجود شيء أشرف من العلم، وكيف لا وهو الدليل إذا عدم وقع الضلال، وإنّ من مكائد الشيطان أن يزين في نفس الإنسان التعبد ليشغله عن أفضل التعبد، وهو العلم".
-هذا كلام ابن الجوزي -رحمه الله-.
لذا، فلا جرم أن يرغّب الإسلام فيه أشد ترغيب:
هل العلم في الإسلام إلا فريضة وهل أمة سادت بغير العلم؟
وقد وضح رسول الله –محمد- أنّ كل ما في الدنيا ملعون إلا من كان عالما أو متعلما أو طائعا لله، وقد قال الرسول في نفع العلم:" إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث" صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".
إذن، "فكن عالما أو متعلما ولا تكن الثالثة فتهلك. فإنّ تعلم العلم يقدمك ويسودك صغيرا، ويقدمك ويسودك كبيرا، ويصلح زيفك وفسادك، ويرغم عدوك وحاسدك ويقوّم اعوجاجك وميلك، ويصحح همتك وأملك."
وقد كرّم الله –تعالى- بأن أعطاه عقلا يميّزه عن غيره من المخلوقات، ففيه تكريم للإنسان ، فقد قال تعالى:" ولقد كرّمنا بني آدم". ولم يعط الإنسان عقلا هباء، بل لأن يشغله ويعمل بنفعه، فيفرق بين الحلال والحرام، الحسن والقبيح، فهو أفضل النعم التي وهبنا الله إياها بعد نعمة الإسلام... ولمعلومات القارئ، فإن هناك من يرجئ سبب تسميت العقل بهذا الاسم، هو: الحجر والمنع وعدم الإقدام على القبيح أو الشرور دونا عن الخيّر، فيقال: فلان عقل ناقته، والعقل هنا: هو الربط لمنع شرودها وهروبها وإقدامها على فعل يكرهه سيدها.
إذن، فالعقل أفضل مرجو والجهل أنكى عدو، وصديق كل امرئ عقله وعدوه جهله، فلا شرف إلا شرف العقل-العلم-، ولا غنى إلا غنى النفس.
وأفضل قسم الله للمرء عقله فليس من الأشياء شيء يقاربه
إذا أكمل الله للمرء عقله فقد كملت أخلاقه ومآربه
فقد قال قوم في تعريفه:
هو جوهر لطيف يفصل به بين حقائق الأشياء.
وقال آخرون: العقل هو المدرك للأشياء على ما هي عليه من صحة لحقائق المعاني.
وقال آخرون: أنّ العقل هو العلم بالمدركات الضرورية.
وإنا لنعلم أن العقل أهم من القلب، فإن القلب مضغة إن ساءت عملها وجب علينا استشارة العقل لا القلب حينها، فإن الحكمة أبلغ من العاطفة.
والعقل مخلوق وله حق التغذية والصحة الجيدة، فإنه لا يتغذى إلا على العلم، فالعلم غذاء العقل، وقد أحسن القائل في ذلك:
علم العليم وعقل العاقل اختلفا من ذا الذي منهما قد أحرز الشرفا
فالعلم قال أنا أحرزت غايته والعقل قال أنا الرحمن بي عرّفا
فأفصح العلم إفصاحا وقال له: وأيّنا الرحمن في فرقانه اتّصفا؟
فبان للعقل أنّ العلم سيّده فقبل العقل رأس العلم وانصرفا
وإن الرجل العاقل هو من قلّ كلامه، وكثرة إصابته فيه، والعاقل: هو الذي يضع الشيء موضعه، وفي وصف الجاهل: قد فعلت.
ويروى أن غلاما لقي أبا العلاء المعري، فقال: يا شيخ هل أنت القائل في شعرك:
وإني وإن كنت الأخيرَ زمانه لآت بما لم تستطعه الأوائل؟
فقال: نعم، فقال: يا عمّاه، إن الأوائل قد رتبوا ثمانية وعشرين حرفا للهجاء، فهل لك أن تزيد عليها حرفا؟ فدهش منه وقال: إنّ هذا الغلام لا يعيش لشدة حذقه وتوقد فؤاده!
وعلى العكس من هذا، فإنه:
لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها
وهناك من يروي عن نبي الله عيسى-عليه الصلاة والسلام وأتباعه المؤمنين- أنه قال:" عالجت الأبرص والأكمه فأبرأتهما، وعالجت الأحمق فأعياني"!!
والعاقل ضد الأحمق تماما، وبالضد تعرف الأشياء...
فإن من أجر الطابق العلوي، هو كما قال الشعر:
لو وزنت أحلامه خفافا على الميزان ما وزنت ذبابا
وإنك ترى الحمقى مثل الرمل والحصى في تعدادهم، وإن حسبت وجدتهم أصفارا، من كثرتهم يثقلون الأرض، ثم أنهم لا يغنون عن أمر جلل...
- ومع هذا –فإن برأيي- أن الحماقة تجدي أحيانا قليلة جدا ...فإنه قد حدثت بأحدهم حادثة هي كالتالي:
" عانى أحدهم مرضا شديدا، يأس له الجميع، فصاروا يدعون له بالموت، حتى جاء صديق قديم له، فأخذ يأتي رأسه، ويقول شرقا وغربا، ويفعل ما لا يفعل، ويضحك ويبكي، ويكسر كلامه ويتأتئ، فما كان من المولى-تعالى- إلا أن أخذ روح-المريض- رحمه به وأهله!!
وإليك بعض هذه النكت:
- قالت الفتاة لأبيها بعد عودتها من المدرسة: زميلتي في الصف كانت تغش مني إجابات الامتحان، فكتبت جميع الإجابات خطأ ، وأوقعتها في شر أعمالها!!
- واقتيد محكوم عليه بالإعدام للمشنقة، وبينما هو يصعد السلم زلت قدمه فوقع، ثم قال وهو يتحسس جسمه: الحمد لله جاءت سليمة.
وأما ع حكمه في الإسلام:
فإنه فريضة على كل مسلم ومسلمة، وقد فضل الإسلام العلم الديني على الدنيوي، وذلك لأنه الأصل، والأصل فيه هو دين الله، وقد حث عليه المصطفى حين قال:" خيركم من تعلم القرآن وعلّمه". فالعلم الديني، علم يهتم بالروح لا الجسد، فما للجسد من مقام بعد الروح؟ قال تعالى:"فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين". إذن أمرت الملائكة بالسجود للجسد الذي فيه الروح –جسد آدم عليه السلام-..وكذلك حين وفاة أحدهم فإنا نبكي روحه لا جسده، فجسده يكون بين أيدينا...
وإن طلب العلم الديني واجب بل فرض عين، أما الدنيوي فهو فرض كفاية. وفي القديم، كان قد وصل المسلمون قمة العلم، فاخترعوا وابتكروا واكتشفوا وبرهنوا وحددوا الخصائص وفسروا وعللوا وعلوا علوا كبيرا، وقد اهتم الخلفاء والحاكم بالعلم على الوجهين، واحترموا العلماء، وأجلُّوا مسماهم، وقد عملوا بقوله تعالى:"قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون"والله إنهم لا يستوون، ولكنّا في قد تساوينا-والعياذ بالله أن أحرّف كلام الله تعالى- ولكن :
لمثل هذا يذوب القلب من كمد إن كان في القلب إسلام وإيمان
فانظروا من يحمل شهادة الثانوية-بالزور-قد قورن مع دكتور عالي المستوي التعليمي، انظروا مهندسا كبيرا عمل في البلدية لا مديرا ولا موظفا ولكن عمل عامل نظافة! انظروا المدرس الذي أصبح تلميذا، وانظروا التلميذ الذي أصبح مدرسا يهدد مدرسه لأنه يعمل في جهاز المخابرات!! انظروا حالنا اليوم والأمس، الأمس كان المسلمون قد وصلوا قمة العلم، وخرج من بينهم الكثير من العلماء منهم: ابن تيمية، وابن النفيس، وابن سينا والرازي، وكلهم برعوا في العلوم التي صارت اليوم المرجع الأساسي لعلماء الغرب ونحن صدرناها ببخس الأثمان!!وأما في العلم الشرعي-قديما- فقد برع العلماء فيه وتعدد المفقهين في الدين، أما اليوم فهم القلة الأقل، ومع أنه الإسلام الذي يعاديه الجميع، فانظروا الغرب قد استخدموه مرجعهم الأساسي وخاصة في فرنسا ومن معظم تشريعاته استمدوا تشريعاتهم الدستورية!
سحقا لنا، فقد انهارت جدران حياتنا، ويبست شرايين إباهنا...
ولعلّ أن ضياع العز منّا، وقلة الاهتمام بعلمائنا هو ما أوصلنا إلى ما نحن فيه، فهرب علماؤنا إلى الدول التي تقدرهم وتهتم بهم، وحتى وإن لم يظفروا بعمل يليق بهم، فإنه لا هروب من أن يظفروا بمكانة اجتماعية واحترام يليق بهم...
يقول يحيى بن أبي كثير البصري: ميراث العلم خير من ميراث الذهب ، والنفس الصالحة خير من اللؤلؤ، ولا يستطاع العلم براحة الجسم.
ولمن أراد الوصول لباب العلم ودخوله، عليه بالإخلاص في طلبه لوجه الله تعالى، وعليه بمجالسة العلماء ،والتحمل والصبر كله ضروري، حيث يقول شاعرنا...
إن المعلم والطبيب كلاهما لا ينصحان إذا هما لا يكرما
فاصبر لدائك إن أهنت طبيبه واصب لجهلك إن جفوت معلما
والتواضع ضروري، فكلما زيد العبد في علمه وزيد في تواضعه كان ذلك من علام الفلاح، وأما إن زيد في كبره وتيهه كان ذلك من علام المقت والتعاسة.
فبمعرفة قدر النفس يوجب الاحترام، ولا يودي بالتورط ذلك فيما له نتاج عكسي.
وإن كثرة الكتابة تشيد على الحفظ والإتقان والفهم والإمعان، وإنه ليبدأ المتعلم بالشرح الموجز ثم المفصل ثم الحفظ لكان ذلك أسهل من أن يعيده مرات ثم يعود ليفهمه...فإن ما وصل المتعلم لدرجة كافية فعليه بالاجتهاد ونشر ما فعل حتى يلَّقح ويبدى فيه الرأي ويصحح، فالعلم لا ينال لا بكسل ولا خمول وإنما بعلو الهمة...
فائدة مقتبسة
قد قال البعض:" إذا أردت أن لا تنسى حرفا فقل قبل القراءة"اللهم افتح علينا حكمتك وانشر علينا رحمتك يا ذا الجلال والإكرام".
وإذا أردت أن ترزق الحفظ فقل بعد كل صلاة مكتوبة:" أمنت بالله الواحد الأحد الحق لا شريك له، وكفرت بمن سواه".
ولعلّ من أهم أسباب افتقارنا للعلم، وتراجعنا عن الدعوة إليه...
-قلة الدعاية المروجة للكتابات والمنشورات وللقراءة المفهومة والمعرفة المتبوعة، فهذا حمل كبير يقع على عاتق السلطة الحاكمة، والإدارة المختصة، فوزارة التربية والتعليم وكذلك الشباب والرياضة، تتحملان المسؤولية المباشرة عن النقص الذي نعانيه من حيث قلة المكتبات الحكومية التي يجب أن توجد في كل وقت والتي يجب أن تتوافر فيها المجانية للكتب المستعارة، فنحن وعلى وجه خاص وعام في الوطن العربي كافة نعاني مشكلة غلاء الكتب والقصص والسبب في ذلك هو انصراف السلطة الحاكمة عن استثمار أموالها في المشاريع التي في وجهة نظرهم معرضة للخسارة، ولكن الأمر بحاجة ماسة للمجازفة، فإنّ تعلم ما تم ذلك وجب على المجتمع بداية من المدرسة ثم الأسرة- والسبب في هذا الترتيب هو التخلف في الكثير من الأسر وبعدها عن القراءة المستمرة- وجب على الطرفين أن يقدروا حساسية الواقع الذي نعتاش، لذا فالعاتق واقع بشكل أكبر على المدرسة التي بدورها يجب أن تنمي روح القراءة لدى الطلاب، فلا مانع من تخصيص حصة إضافية أسبوعية للطلاب للقراءة، -وبرأيي- أن القراءة لا يجب أن تتم في الحصة، وإنما في البيت ونتاجها يقدم للمدرس المشرف في هذه الحصة ويتم مناقشة النتاج والآراء، وذلك ينمي روح الصداقة المفقودة بين الكتاب والطالب، وإن ما تم لك للطالب فإنه ولا شك سيحاول نقل هذه الفكرة لأسرته وثم من الأسرة-التي هي اللبنة الأساسية للمجتمع- ينقل الأمر-وإن كان صعبا بداية-إلى المجتمع ككل.
ومن هنا، يجدر الإشارة إلى دور المؤسسات الثقافية والعالمية، خاصة في فلسطين ك: الهلال الأحمر، الصليب الدولي، اليونيسيف، اليونسكو ووكالة الغوث، في تفعيل هذا الدور، وخاصة أن يتم إتمام عقود بين هذه المؤسسات والحكومة المختصة لتفعيل دور المكتبات الحكومية وإسنادها على قوامها واقفة لا أن تبقى هامدة.
تدهور الاهتمام بالكتابات المحلية، وذلك يرجع لوجود اهتزاز بين القارئ والكاتب العربي، فالقارئ
ما عاد يهتم بالانجاز العربي، لاعتماده على طابع واحد من الكتابات التي صارت خالية من الصورة الجذابة والتعبيرات الدقيقة، بل اختلطت بالكلام العامي، والثقافة الأدبية الغربية، سواء أكان العمل نثريا أم شعريا.
والكاتب وخاصة المحلي المغمور والمبتدأ يعاني من نقصان الثقة من دور النشر، فدور النشر تؤثر أن تنشر للعالميين أو المشهورين على المبتدئين، ولو كان لديهم القدرة على جذب الجمهور، سارعت هذه الدور لتنشر له، وهذا يدعو لنقص إمكانياتها المادية خاصة في فلسطين، وبسبب غلاء الحبور والأوراق، إذن، فالمشكلة أساسا اقتصادية وكذلك ثقافية. ولكن-برأيي- أنها ثقافية أكثر من اقتصادية...
فإنه يوجد في غزة مثلا، الكثير من المؤسسات الأهلية، كالهلال الأحمر التي تقدم فرصة كبيرة للشباب حتى يقرأ ويعيد الكتاب. إذن، فلا يوجد مشكلة، إنها مشكلة واحدة قائمة على التخلف الثقافي، ومن هنا لا بدّ من الإشارة إلى دور الإعلام التثقيفي، فلو-على سبيل المثال لا الحصر-تلفزيون فلسطين، لو قام بدلا من البث الغير منشود، كبث برامج سياسية هدفها تقسيم الشعب أو برامج غير هذه لا فائدة منها، لو قام ببث برنامج تثقيفي يجمع الطلاب الموهوبين من المدارس الحكومية والوكالة والخاصة ويقيم مسابقة لكتابة الشعر أو القصص القصيرة أو شرحهم، على أن تقدم جائزة –لن أقول مادية بل معنوية- مثلا، شهادة تقدير، فإن هذا سيكون حافزا مشوقا لأن يقدم الطلاب على القراءة والكتابة.
وكذلك ضرورة وجود نقد لهذه الكتابات بالمستوى الذي يتلاءم مع الطلاب وإمكاناتهم، فهذا يشعرهم بقيمة كتاباتهم وأن هناك من يهتم بها،فنحن لو قمنا بعمل ذلك لاكتشفنا الكثير من المواهب لدى طلابنا وشبابنا، ولكن ينقصنا الدور التثقيفي المحلي والإعلامي المسئول، وهنا، أشيد بدور الإذاعات المحلية(fm) والتي تقدم برامج عن المبدعين، ولكنها قلة، وهي مهتمة بالكتابات الشعرية أكثر من القصصية، والمشكلة أيضا تكمن في المدارس، فالمدرسين غير معنيين بالمبدعين من الطلاب، فكل الهم هو إنهاء المنهاج الذي بين أيديهم، ومن هنا نفس الموضوع الذي تقدمت به-التلفاز- يجب أن ينفذ في المدارس، فالمسابقات الروحية تجذب الطلاب للقراءة والكتابة والابتكار. وأنا وطوال دراستي في المرحلة الإعدادية لم أسمع بمسابقة لغة عربية! بل كل الاهتمام كامن فقط في المواد الأخريات، ك: الرياضيات والعلوم والدراسات الاجتماعية والرياضة، وغيرها...
إذن، فالمشكلة ثقافية قبل أن تكون اقتصادية أو غيرها.
ومن هنا يجب أن أشير إلى أن المشكلة تقع على عاتقنا وحدنا فحسب وليس الاحتلال، فلا داعي إذا فشلنا في شيء أن نضع طرف السلسة في يد الاحتلال، فالاحتلال صحيح يهمه تدمير الثقافة الإسلامية العربية،ولكنه لا يستطيع الوقوف طويلا أمام التحديات التي نقدمها نحن ومؤسساتنا لو عملنا بجد.
وأيضا، دور الإعلام العربي، ولكني لن أتطرق لهذا الموضوع كثيرا، لأني أدرك أن موضوعي لن يصل للجميع، ولن يقرأه الجميع، ولكن أود لو أن ذلك يكون بادرة خير مني..
فالإعلام العربي ممزوج بنسبة كبيرة بالإعلام الغربي والشرقي المستغرب، فلا يكترث لما يقدم، بل جلّ همه أن يقدم برامج ترفيهية لا فائدة منها، فمثلا-وأعود مجددا لإعلامنا المحلي وخاصة في القطاع- هناك إذاعات تستثمر أموالها بشكل _نوعا ما_ غير صحيح.
فالبرامج المقدمة، لطلب أغنية وإهدائها، ماذا لو استخدمت واستبدلت لإتاحة الفرصة للمبدعين بأن يلقوا ما لديهم من كتابات، ولو على الهاتف؟!
وبالعودة للإعلام العربي، فإن ما يزيد على 30 قناة بين مشفرة وغير مشفرة على القمرين نايل سان وهوتبيرد وغيرهم، تقدم الأغاني المفسدة للشباب وأخلاقهم، والتي جعلتهم يفقدون ثقافتهم الإسلامية العربية، فلو قدرنا بأن القناة_مثلا_ تشتري الأغنية بمبلغ 300 دولا –لا أدري المبلغ بالضبط- وباعتها بمبلغ 500 دولار، ماذا لو اشترت مجموعة قصصية أو ديوان شعري أو كتاب تجعله خاصة بها-قبل أن ينشر- على هيئة برنامج ومقابلة مع الكاتب وباعته بمبلغ تستفيد منه، هل تخسر؟
إذن، وبالعودة لأهم المشاكل، يجدر بي الإشارة إلى المشكلة الدينية التي نعاني وسببها كل ما ذكرت في الأعلى...
ومن هنا:
أخي لن تنال العلم إلا بستة سأنبيك عن تفصيلها ببيان
ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة وصحبة أستاذ وطول زمان
إذن، وبعد كل ما آلت له نفسنا، وحال له حالنا، أما آن للنهوض مآن؟ بلى، فيا قلب تب، ويا عقل نب، وعودوا إخوانا لخير ما قدّر أن يحدثه واجد البرية، هو: علم نزكى به، وأنفسنا تتزكى له. وخذ هذه:
من نال شبرا منه شمخ بأنفه وظن أنه ناله، ومن نال الشبر الثاني صغرت إليه نفسه وعلم أنه لم ينله، وأما الشبر الثالث، فهيهات هيهات أن يناله أحد أبداً.
التوقيع:
ماجدة صبّاح
8/8/2007م
الأربعاء
تسارع الأمم ركب الحضارة والتقدم، وتتنافس الدول تنافس الطمِع تجني من ثمار العلم ما اقتتلت عليه. تدفع بأبنائها حبا وشوقا لارتياد صرحه، محبذة إياهم التّيه في غياهب معالمه، مشجعة إياهم السير في طرقات كانت قد ارتادتها الأشباح مستقرا لها من حلكة ليلها المستعر، وهم أنفسهم محبذين دخولها، سائرين في متاهاتها، عابرين بعلمهم صحراء كان قد زرع على جنباتها شوك قتاد، وكأنه ليقال: وجد ليكون العلم.
ففي زمن بات العلم فيه حلما مناله لا يدرك تحقيقه عند كثرة كثيرة من الأمم، وقد صارت فيه الدُّويلات التي كانت أمما تعنى به حين يصادفها في طريقها ترجف منه خيفة، وصارت تبتعد عنه وكأنه العدو لدود هو لها، ومن بعيد حين تراه، ترتع أطرافها على مصابها، حتى صار الجهل مرتادها، والتخلف مجناها، وبدا وكأنه حقا الصدع قد أكل يديها، والتمزق صار ما بينه وصدرها القليل، والعار صار مغموسا في ثناياها، وعرق الذلة والمهانة يتقطر من جبينها، وأموالها التي لا تحصى-والتي طالما حلمت بأقل من عشرها- صارت لعبة في أياديهم، فيباع بها الغالي رخيصا ويشترى التخلف بها، فيباع علماء هذه الأمة لأنهم –دنسها- بيعوا لأنهم حمقى هذه الأمة، بينما قد سارعت أخريات لجني ثماره،وتلقّطته حين تساقط من أيدي منشئيه أرضا، ليس ذا فحسب، بل اقتلعته عنوة من مواطنه وأخذته حلالا عليها، فهو كاليتيم متحسر على أهله، أو كقاطع سبيل نادم على فراق وطنه، قد أخذ من بين أيديهم وهم ينظرون مكتوفي الأيدي، لا يحركون ساكنا، ومن رآهم ظنّ أنه صخرة صماء مضجعة على صدورهم، أو أفعى ملتوية على رقابهم، وآخر قد قال فيهم:
العلم جهل عند أهل الجهل كما الجهل جهل عند أهل العلم
ومنزلة الفقيه من السفيه كمنزلة السفيه من الفقيه
فهذا زاهد في قرب هذا وهذا أزهد منه فيه
وصاروا يتلاشون طريقه ولا يعترفون به، فقاطعوه وأعلنوه عدوّا لهم، وأعلنوا البراءة منه بالنفوس، حتى صاروا هم أهل التّخلف، لا ينظر في وجوههم إلا لضرب المثل أمثال لطلاب علم-فقط- ملّوا للحظات عن مخالطته وتكاسلوا برهة عنه، فيفزعوا من حالهم ويعودوا لبيت مسكن العلم راجين غفرانه والتوبة، فيعودوا مرتادين صهوة فرسه، معلقين سنام العزة على صدورهم، آخذينه ريشة ملساء متباهين بها، خوفا أن يصبحوا مثلهم لا قيمة لوجودهم لا بأخلاق ولا علم، نطق البراءة أمامهم وخلفهم وحتى بعدهم،ورفع إصبع السبابة شاكرا ربه على قدره أن خلصه من أكفانهم، إنهم كمن:
حوى العلم ثم أودعه بجهله عند غيره أهله ظلمه
وكان كالمبتني البناء إذا تم له ما أراده هدمه
فبقاء العلم عند من ليس أهله مفسد لهم، تماما كإطعامك الحلوى من به احتراق وحمّى، أو كتشميمك المسك والعنبر من به صدع من احتدام الصفراء، وعليك بتجنبهم، فلا تغر-بطيب عزائمهم- قوم قد قيل فيهم أمثال وهم من قال ذلك في أنفسهم وأنت لا تدري، فهيهات هيهات له بالغ منّا، إنّه محرم علينا ولو صرنا له الحبرَ...
وانظر، رجال العلم على أربعة....
رجل يدري ويدري أنه يدري ...فذاك عالم فاسألوه
رجل يدري ولا يدري أنه يدري...فذاك ناس فذكروه
رجل لا يدري ويدري أنه لا يدري...فذاك ناس فذكروه
ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري...فذاك جاهل فلا تقربوه
" ليس في الوجود شيء أشرف من العلم، وكيف لا وهو الدليل إذا عدم وقع الضلال، وإنّ من مكائد الشيطان أن يزين في نفس الإنسان التعبد ليشغله عن أفضل التعبد، وهو العلم".
-هذا كلام ابن الجوزي -رحمه الله-.
لذا، فلا جرم أن يرغّب الإسلام فيه أشد ترغيب:
هل العلم في الإسلام إلا فريضة وهل أمة سادت بغير العلم؟
وقد وضح رسول الله –محمد- أنّ كل ما في الدنيا ملعون إلا من كان عالما أو متعلما أو طائعا لله، وقد قال الرسول في نفع العلم:" إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث" صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".
إذن، "فكن عالما أو متعلما ولا تكن الثالثة فتهلك. فإنّ تعلم العلم يقدمك ويسودك صغيرا، ويقدمك ويسودك كبيرا، ويصلح زيفك وفسادك، ويرغم عدوك وحاسدك ويقوّم اعوجاجك وميلك، ويصحح همتك وأملك."
وقد كرّم الله –تعالى- بأن أعطاه عقلا يميّزه عن غيره من المخلوقات، ففيه تكريم للإنسان ، فقد قال تعالى:" ولقد كرّمنا بني آدم". ولم يعط الإنسان عقلا هباء، بل لأن يشغله ويعمل بنفعه، فيفرق بين الحلال والحرام، الحسن والقبيح، فهو أفضل النعم التي وهبنا الله إياها بعد نعمة الإسلام... ولمعلومات القارئ، فإن هناك من يرجئ سبب تسميت العقل بهذا الاسم، هو: الحجر والمنع وعدم الإقدام على القبيح أو الشرور دونا عن الخيّر، فيقال: فلان عقل ناقته، والعقل هنا: هو الربط لمنع شرودها وهروبها وإقدامها على فعل يكرهه سيدها.
إذن، فالعقل أفضل مرجو والجهل أنكى عدو، وصديق كل امرئ عقله وعدوه جهله، فلا شرف إلا شرف العقل-العلم-، ولا غنى إلا غنى النفس.
وأفضل قسم الله للمرء عقله فليس من الأشياء شيء يقاربه
إذا أكمل الله للمرء عقله فقد كملت أخلاقه ومآربه
فقد قال قوم في تعريفه:
هو جوهر لطيف يفصل به بين حقائق الأشياء.
وقال آخرون: العقل هو المدرك للأشياء على ما هي عليه من صحة لحقائق المعاني.
وقال آخرون: أنّ العقل هو العلم بالمدركات الضرورية.
وإنا لنعلم أن العقل أهم من القلب، فإن القلب مضغة إن ساءت عملها وجب علينا استشارة العقل لا القلب حينها، فإن الحكمة أبلغ من العاطفة.
والعقل مخلوق وله حق التغذية والصحة الجيدة، فإنه لا يتغذى إلا على العلم، فالعلم غذاء العقل، وقد أحسن القائل في ذلك:
علم العليم وعقل العاقل اختلفا من ذا الذي منهما قد أحرز الشرفا
فالعلم قال أنا أحرزت غايته والعقل قال أنا الرحمن بي عرّفا
فأفصح العلم إفصاحا وقال له: وأيّنا الرحمن في فرقانه اتّصفا؟
فبان للعقل أنّ العلم سيّده فقبل العقل رأس العلم وانصرفا
وإن الرجل العاقل هو من قلّ كلامه، وكثرة إصابته فيه، والعاقل: هو الذي يضع الشيء موضعه، وفي وصف الجاهل: قد فعلت.
ويروى أن غلاما لقي أبا العلاء المعري، فقال: يا شيخ هل أنت القائل في شعرك:
وإني وإن كنت الأخيرَ زمانه لآت بما لم تستطعه الأوائل؟
فقال: نعم، فقال: يا عمّاه، إن الأوائل قد رتبوا ثمانية وعشرين حرفا للهجاء، فهل لك أن تزيد عليها حرفا؟ فدهش منه وقال: إنّ هذا الغلام لا يعيش لشدة حذقه وتوقد فؤاده!
وعلى العكس من هذا، فإنه:
لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها
وهناك من يروي عن نبي الله عيسى-عليه الصلاة والسلام وأتباعه المؤمنين- أنه قال:" عالجت الأبرص والأكمه فأبرأتهما، وعالجت الأحمق فأعياني"!!
والعاقل ضد الأحمق تماما، وبالضد تعرف الأشياء...
فإن من أجر الطابق العلوي، هو كما قال الشعر:
لو وزنت أحلامه خفافا على الميزان ما وزنت ذبابا
وإنك ترى الحمقى مثل الرمل والحصى في تعدادهم، وإن حسبت وجدتهم أصفارا، من كثرتهم يثقلون الأرض، ثم أنهم لا يغنون عن أمر جلل...
- ومع هذا –فإن برأيي- أن الحماقة تجدي أحيانا قليلة جدا ...فإنه قد حدثت بأحدهم حادثة هي كالتالي:
" عانى أحدهم مرضا شديدا، يأس له الجميع، فصاروا يدعون له بالموت، حتى جاء صديق قديم له، فأخذ يأتي رأسه، ويقول شرقا وغربا، ويفعل ما لا يفعل، ويضحك ويبكي، ويكسر كلامه ويتأتئ، فما كان من المولى-تعالى- إلا أن أخذ روح-المريض- رحمه به وأهله!!
وإليك بعض هذه النكت:
- قالت الفتاة لأبيها بعد عودتها من المدرسة: زميلتي في الصف كانت تغش مني إجابات الامتحان، فكتبت جميع الإجابات خطأ ، وأوقعتها في شر أعمالها!!
- واقتيد محكوم عليه بالإعدام للمشنقة، وبينما هو يصعد السلم زلت قدمه فوقع، ثم قال وهو يتحسس جسمه: الحمد لله جاءت سليمة.
وأما ع حكمه في الإسلام:
فإنه فريضة على كل مسلم ومسلمة، وقد فضل الإسلام العلم الديني على الدنيوي، وذلك لأنه الأصل، والأصل فيه هو دين الله، وقد حث عليه المصطفى حين قال:" خيركم من تعلم القرآن وعلّمه". فالعلم الديني، علم يهتم بالروح لا الجسد، فما للجسد من مقام بعد الروح؟ قال تعالى:"فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين". إذن أمرت الملائكة بالسجود للجسد الذي فيه الروح –جسد آدم عليه السلام-..وكذلك حين وفاة أحدهم فإنا نبكي روحه لا جسده، فجسده يكون بين أيدينا...
وإن طلب العلم الديني واجب بل فرض عين، أما الدنيوي فهو فرض كفاية. وفي القديم، كان قد وصل المسلمون قمة العلم، فاخترعوا وابتكروا واكتشفوا وبرهنوا وحددوا الخصائص وفسروا وعللوا وعلوا علوا كبيرا، وقد اهتم الخلفاء والحاكم بالعلم على الوجهين، واحترموا العلماء، وأجلُّوا مسماهم، وقد عملوا بقوله تعالى:"قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون"والله إنهم لا يستوون، ولكنّا في قد تساوينا-والعياذ بالله أن أحرّف كلام الله تعالى- ولكن :
لمثل هذا يذوب القلب من كمد إن كان في القلب إسلام وإيمان
فانظروا من يحمل شهادة الثانوية-بالزور-قد قورن مع دكتور عالي المستوي التعليمي، انظروا مهندسا كبيرا عمل في البلدية لا مديرا ولا موظفا ولكن عمل عامل نظافة! انظروا المدرس الذي أصبح تلميذا، وانظروا التلميذ الذي أصبح مدرسا يهدد مدرسه لأنه يعمل في جهاز المخابرات!! انظروا حالنا اليوم والأمس، الأمس كان المسلمون قد وصلوا قمة العلم، وخرج من بينهم الكثير من العلماء منهم: ابن تيمية، وابن النفيس، وابن سينا والرازي، وكلهم برعوا في العلوم التي صارت اليوم المرجع الأساسي لعلماء الغرب ونحن صدرناها ببخس الأثمان!!وأما في العلم الشرعي-قديما- فقد برع العلماء فيه وتعدد المفقهين في الدين، أما اليوم فهم القلة الأقل، ومع أنه الإسلام الذي يعاديه الجميع، فانظروا الغرب قد استخدموه مرجعهم الأساسي وخاصة في فرنسا ومن معظم تشريعاته استمدوا تشريعاتهم الدستورية!
سحقا لنا، فقد انهارت جدران حياتنا، ويبست شرايين إباهنا...
ولعلّ أن ضياع العز منّا، وقلة الاهتمام بعلمائنا هو ما أوصلنا إلى ما نحن فيه، فهرب علماؤنا إلى الدول التي تقدرهم وتهتم بهم، وحتى وإن لم يظفروا بعمل يليق بهم، فإنه لا هروب من أن يظفروا بمكانة اجتماعية واحترام يليق بهم...
يقول يحيى بن أبي كثير البصري: ميراث العلم خير من ميراث الذهب ، والنفس الصالحة خير من اللؤلؤ، ولا يستطاع العلم براحة الجسم.
ولمن أراد الوصول لباب العلم ودخوله، عليه بالإخلاص في طلبه لوجه الله تعالى، وعليه بمجالسة العلماء ،والتحمل والصبر كله ضروري، حيث يقول شاعرنا...
إن المعلم والطبيب كلاهما لا ينصحان إذا هما لا يكرما
فاصبر لدائك إن أهنت طبيبه واصب لجهلك إن جفوت معلما
والتواضع ضروري، فكلما زيد العبد في علمه وزيد في تواضعه كان ذلك من علام الفلاح، وأما إن زيد في كبره وتيهه كان ذلك من علام المقت والتعاسة.
فبمعرفة قدر النفس يوجب الاحترام، ولا يودي بالتورط ذلك فيما له نتاج عكسي.
وإن كثرة الكتابة تشيد على الحفظ والإتقان والفهم والإمعان، وإنه ليبدأ المتعلم بالشرح الموجز ثم المفصل ثم الحفظ لكان ذلك أسهل من أن يعيده مرات ثم يعود ليفهمه...فإن ما وصل المتعلم لدرجة كافية فعليه بالاجتهاد ونشر ما فعل حتى يلَّقح ويبدى فيه الرأي ويصحح، فالعلم لا ينال لا بكسل ولا خمول وإنما بعلو الهمة...
فائدة مقتبسة
قد قال البعض:" إذا أردت أن لا تنسى حرفا فقل قبل القراءة"اللهم افتح علينا حكمتك وانشر علينا رحمتك يا ذا الجلال والإكرام".
وإذا أردت أن ترزق الحفظ فقل بعد كل صلاة مكتوبة:" أمنت بالله الواحد الأحد الحق لا شريك له، وكفرت بمن سواه".
ولعلّ من أهم أسباب افتقارنا للعلم، وتراجعنا عن الدعوة إليه...
-قلة الدعاية المروجة للكتابات والمنشورات وللقراءة المفهومة والمعرفة المتبوعة، فهذا حمل كبير يقع على عاتق السلطة الحاكمة، والإدارة المختصة، فوزارة التربية والتعليم وكذلك الشباب والرياضة، تتحملان المسؤولية المباشرة عن النقص الذي نعانيه من حيث قلة المكتبات الحكومية التي يجب أن توجد في كل وقت والتي يجب أن تتوافر فيها المجانية للكتب المستعارة، فنحن وعلى وجه خاص وعام في الوطن العربي كافة نعاني مشكلة غلاء الكتب والقصص والسبب في ذلك هو انصراف السلطة الحاكمة عن استثمار أموالها في المشاريع التي في وجهة نظرهم معرضة للخسارة، ولكن الأمر بحاجة ماسة للمجازفة، فإنّ تعلم ما تم ذلك وجب على المجتمع بداية من المدرسة ثم الأسرة- والسبب في هذا الترتيب هو التخلف في الكثير من الأسر وبعدها عن القراءة المستمرة- وجب على الطرفين أن يقدروا حساسية الواقع الذي نعتاش، لذا فالعاتق واقع بشكل أكبر على المدرسة التي بدورها يجب أن تنمي روح القراءة لدى الطلاب، فلا مانع من تخصيص حصة إضافية أسبوعية للطلاب للقراءة، -وبرأيي- أن القراءة لا يجب أن تتم في الحصة، وإنما في البيت ونتاجها يقدم للمدرس المشرف في هذه الحصة ويتم مناقشة النتاج والآراء، وذلك ينمي روح الصداقة المفقودة بين الكتاب والطالب، وإن ما تم لك للطالب فإنه ولا شك سيحاول نقل هذه الفكرة لأسرته وثم من الأسرة-التي هي اللبنة الأساسية للمجتمع- ينقل الأمر-وإن كان صعبا بداية-إلى المجتمع ككل.
ومن هنا، يجدر الإشارة إلى دور المؤسسات الثقافية والعالمية، خاصة في فلسطين ك: الهلال الأحمر، الصليب الدولي، اليونيسيف، اليونسكو ووكالة الغوث، في تفعيل هذا الدور، وخاصة أن يتم إتمام عقود بين هذه المؤسسات والحكومة المختصة لتفعيل دور المكتبات الحكومية وإسنادها على قوامها واقفة لا أن تبقى هامدة.
تدهور الاهتمام بالكتابات المحلية، وذلك يرجع لوجود اهتزاز بين القارئ والكاتب العربي، فالقارئ
ما عاد يهتم بالانجاز العربي، لاعتماده على طابع واحد من الكتابات التي صارت خالية من الصورة الجذابة والتعبيرات الدقيقة، بل اختلطت بالكلام العامي، والثقافة الأدبية الغربية، سواء أكان العمل نثريا أم شعريا.
والكاتب وخاصة المحلي المغمور والمبتدأ يعاني من نقصان الثقة من دور النشر، فدور النشر تؤثر أن تنشر للعالميين أو المشهورين على المبتدئين، ولو كان لديهم القدرة على جذب الجمهور، سارعت هذه الدور لتنشر له، وهذا يدعو لنقص إمكانياتها المادية خاصة في فلسطين، وبسبب غلاء الحبور والأوراق، إذن، فالمشكلة أساسا اقتصادية وكذلك ثقافية. ولكن-برأيي- أنها ثقافية أكثر من اقتصادية...
فإنه يوجد في غزة مثلا، الكثير من المؤسسات الأهلية، كالهلال الأحمر التي تقدم فرصة كبيرة للشباب حتى يقرأ ويعيد الكتاب. إذن، فلا يوجد مشكلة، إنها مشكلة واحدة قائمة على التخلف الثقافي، ومن هنا لا بدّ من الإشارة إلى دور الإعلام التثقيفي، فلو-على سبيل المثال لا الحصر-تلفزيون فلسطين، لو قام بدلا من البث الغير منشود، كبث برامج سياسية هدفها تقسيم الشعب أو برامج غير هذه لا فائدة منها، لو قام ببث برنامج تثقيفي يجمع الطلاب الموهوبين من المدارس الحكومية والوكالة والخاصة ويقيم مسابقة لكتابة الشعر أو القصص القصيرة أو شرحهم، على أن تقدم جائزة –لن أقول مادية بل معنوية- مثلا، شهادة تقدير، فإن هذا سيكون حافزا مشوقا لأن يقدم الطلاب على القراءة والكتابة.
وكذلك ضرورة وجود نقد لهذه الكتابات بالمستوى الذي يتلاءم مع الطلاب وإمكاناتهم، فهذا يشعرهم بقيمة كتاباتهم وأن هناك من يهتم بها،فنحن لو قمنا بعمل ذلك لاكتشفنا الكثير من المواهب لدى طلابنا وشبابنا، ولكن ينقصنا الدور التثقيفي المحلي والإعلامي المسئول، وهنا، أشيد بدور الإذاعات المحلية(fm) والتي تقدم برامج عن المبدعين، ولكنها قلة، وهي مهتمة بالكتابات الشعرية أكثر من القصصية، والمشكلة أيضا تكمن في المدارس، فالمدرسين غير معنيين بالمبدعين من الطلاب، فكل الهم هو إنهاء المنهاج الذي بين أيديهم، ومن هنا نفس الموضوع الذي تقدمت به-التلفاز- يجب أن ينفذ في المدارس، فالمسابقات الروحية تجذب الطلاب للقراءة والكتابة والابتكار. وأنا وطوال دراستي في المرحلة الإعدادية لم أسمع بمسابقة لغة عربية! بل كل الاهتمام كامن فقط في المواد الأخريات، ك: الرياضيات والعلوم والدراسات الاجتماعية والرياضة، وغيرها...
إذن، فالمشكلة ثقافية قبل أن تكون اقتصادية أو غيرها.
ومن هنا يجب أن أشير إلى أن المشكلة تقع على عاتقنا وحدنا فحسب وليس الاحتلال، فلا داعي إذا فشلنا في شيء أن نضع طرف السلسة في يد الاحتلال، فالاحتلال صحيح يهمه تدمير الثقافة الإسلامية العربية،ولكنه لا يستطيع الوقوف طويلا أمام التحديات التي نقدمها نحن ومؤسساتنا لو عملنا بجد.
وأيضا، دور الإعلام العربي، ولكني لن أتطرق لهذا الموضوع كثيرا، لأني أدرك أن موضوعي لن يصل للجميع، ولن يقرأه الجميع، ولكن أود لو أن ذلك يكون بادرة خير مني..
فالإعلام العربي ممزوج بنسبة كبيرة بالإعلام الغربي والشرقي المستغرب، فلا يكترث لما يقدم، بل جلّ همه أن يقدم برامج ترفيهية لا فائدة منها، فمثلا-وأعود مجددا لإعلامنا المحلي وخاصة في القطاع- هناك إذاعات تستثمر أموالها بشكل _نوعا ما_ غير صحيح.
فالبرامج المقدمة، لطلب أغنية وإهدائها، ماذا لو استخدمت واستبدلت لإتاحة الفرصة للمبدعين بأن يلقوا ما لديهم من كتابات، ولو على الهاتف؟!
وبالعودة للإعلام العربي، فإن ما يزيد على 30 قناة بين مشفرة وغير مشفرة على القمرين نايل سان وهوتبيرد وغيرهم، تقدم الأغاني المفسدة للشباب وأخلاقهم، والتي جعلتهم يفقدون ثقافتهم الإسلامية العربية، فلو قدرنا بأن القناة_مثلا_ تشتري الأغنية بمبلغ 300 دولا –لا أدري المبلغ بالضبط- وباعتها بمبلغ 500 دولار، ماذا لو اشترت مجموعة قصصية أو ديوان شعري أو كتاب تجعله خاصة بها-قبل أن ينشر- على هيئة برنامج ومقابلة مع الكاتب وباعته بمبلغ تستفيد منه، هل تخسر؟
إذن، وبالعودة لأهم المشاكل، يجدر بي الإشارة إلى المشكلة الدينية التي نعاني وسببها كل ما ذكرت في الأعلى...
ومن هنا:
أخي لن تنال العلم إلا بستة سأنبيك عن تفصيلها ببيان
ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة وصحبة أستاذ وطول زمان
إذن، وبعد كل ما آلت له نفسنا، وحال له حالنا، أما آن للنهوض مآن؟ بلى، فيا قلب تب، ويا عقل نب، وعودوا إخوانا لخير ما قدّر أن يحدثه واجد البرية، هو: علم نزكى به، وأنفسنا تتزكى له. وخذ هذه:
من نال شبرا منه شمخ بأنفه وظن أنه ناله، ومن نال الشبر الثاني صغرت إليه نفسه وعلم أنه لم ينله، وأما الشبر الثالث، فهيهات هيهات أن يناله أحد أبداً.
التوقيع:
ماجدة صبّاح
8/8/2007م
الأربعاء