محمد شتيوى
مستشار سابق
الشعراء الإسلاميون المعاصرون وجهادُهم ضدّ التغريب
الكاتب / فريد أمعضشو
أدرك الشعراء الإسلاميون المعاصرون خطورة التغريب الذي تتعرض إليه أمتنا في اللحظة الحضارية الآنية. فعمدوا إلى مقاومته، ودعوا إلى مجاهدته بكل الوسائل المتاحة سواء المادية منها أم المعنوية. وكان الشعر الملتزم الجاد واحدا من أهم الوسائل التي سُخرت لتحقيق هذا المطلب الهام.
لقد أثبت الشعر الإسلامي قدرته الناجعة على مقاومة التغريب والفكر السَّلبي وكل أشكال التفسخ الخُلُقي، وذلك بالنظر إلى خصوصيات مرجعيته وسلامة تصوره. يقول الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي -رئيس رابطة الأدب الحديث:- "إن الأدب الإسلامي قادر على مواجهة كل فكر سلبي أو يدعو إليه، لأنه يؤدي رسالة ويدعو إلى مُثل كريمة، ويؤمن بالخير والحق والعدل. وعندما يتلقى المتلقي أدبا إسلاميا مرتبطا بأصول الدين وبمُثله، فسوف يكون لذلك أثره العميق في وُجدانه وضميره وفي خلقه وسلوكه، وسيبدأ المتلقي في الإفادة مما يقرأ ويسمع؛ وعندئذٍ ستتغير أفكاره إلى مستوى المثال الرفيع الذي يدعو إليه أدب إسلامي حقيقي، إنما نريد حقائق الدين وجوهره وروحه في كتابة موضوعية ودراسة مؤثرة، وذلك هو السبيل لمواجهة أي فكر سلبي مهما كان". [1]
وقد آمن الشعراء الإسلاميون بضرورة حضور التصور السليم في الإبداع الإسلامي الحقيقي. يقول الباحث عمر الملاحي: "ولقد أدرك الشعراء الإسلاميون أن إبداعهم لن يستوي على عُوده إذا كان التصور مهزوزا، لذلك كان لابد من سلامة التصور".[2]
و ليكون الشعر الإسلامي المعاصر فعالا وقادرا على مجابهة الغزو الفكري ومجاهدة التغريب، وليفرض كِيانه ووزنه…ينبغي له أن يلتزم –ما أمكنه الحال-بهذه الأسس:
1-أن تكون الحكمة والموعظة الحسنة هي كلمة هذا الشعر –الأدب عامة- وشعاره في شتى مجالاته، مصداقا لقوله تعالى ]ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن[.[3]
2-أن يتوفر له الوعي القادر على تصور التيارات المتطاحنة التي تحاول أن تحويه، فيواجهها مواجهة إيجابية واعية.
3-أن يبتعد –قدر المستطاع- عن المواجهة المباشرة، ويعمد –في المقابل- إلى لغة الإيحاء؛ إذ الإيحاء قادر على بعث الشعور والفكر والخيال…وبعث التعاطف الإنساني الإيجابي.
4-أن يتعرف الفكرَ الغربي المعاصر، ويحاول استثمار ما فيه من حسنات. شريطة أن يحذر من مغبّة الت هْيام والانبهار المفرط به إلى درجةٍ تفْقِده هُويته وخصوصيته. مؤدَّى هذا أن الشاعر الإسلامي مطالَب بأن ينفتح انفتاحا واعيا على الغرب، ومطالبا بأن "يقرأ" واقعه قراءة معمقة ودقيقة حتى يكون بمقدوره مقاومته والوقوف في وجهه. يقول الأستاذ أحمد بن عبد الرحمن الصويان: "ولن نستطيع مدافعة الغرب ومنازلته ثم اختراقه ما لم نقرأ واقعه قراءة شاملة ودقيقة وأمينة، وما لم نتعرف عليه التعرف الصحيح الذي يضع الأمور في نصابها وحجمها الصحيح؛ وإنه لمن الخطر البالغ أن ننظر إلى الواقع الغربي ببدائية تفتقر إلى أيسر الأسس العلمية في المواجهة والمدافعة".[4]
5-ألاَّ يركن الشاعر الإسلامي في عمليات الإبداع إلى التراث وحده…بل يجب عليه أن يكون على بصيرة وعلم بما يقتضيه العصر. وهو -بهذا- يوازن بين متطلبات الأنا والآخر، أو بين خطابي الأصالة والمعاصرة. ذلك بأن الشاعر إذا أخلص للتراث وحده (أو الذات)، فإنه سيُتهم بالتزمت والانكماش والانعزالية. وإذا انساق وراء الآخر (أو الغرب)، فإنه سيتهم –لا محالة- بالانسلاخ عن الذات والخيانة والتغرب. وفي هذا الصدد، نردد مع المرحوم محمد هدارة قوله: "نحن لا ندعو للانعزال عن الثقافة العالمية، بل ندعو إلى التواصل معها على أساس مبدإ الانتقاء والاصطفاء الذي يلائم فكرنا وانتماءنا إلى العروبة والإسلام".[5]
وهكذا، فإن الالتزام بهذه الأسس كفيل بأن يجعل الشاعر الإسلامي المعاصر قادرا على مواجهة الغزو والاستلاب الحضاري والتغريب، الذي أخذ يؤرق المسلمين ويهدد كيانهم…والذي يتصفح ديوان الشعر الإسلامي المعاصر يقف عند زخم من القصائد المنظومة لغرض مواجهة التغريب.
فهذا الشاعرُ الموريتاني المعاصر محمد بن بدي يصرح بطول ليل المعاناة والطغيان، ويدعو إلى المواجهة بعد أن تجاوزت يد الطغاة/الغرب الحدَّ؛ فيقول:[6] (الخفيف التام)
طال ليل الطغاة واستفحل الأمـ ... ـر واغتِيل كل داع وهادِ
حطموا مسجدي ومصحف أمي مزقوه بخسة وعناد
حارسات القلاع يوطأن قسرا ... في الزنازين رائحات غَوادِ
إيه يا شعب، أين قبضة سيفي؟ ... أين ترسي وأين مخلاة زادي؟
ناولوني الرصاص فالعرض أضحى ... مستباحا فأين سرج جوادي؟
هل رأيتم يا من شربتم دمانا ... بنفوس إلى الدماء صواد؟
فمصير الفرعون في مصر وجه ... لمصير الطغاة من دهر عاد
و يقول الشاعر الإسلامي المعاصر الكبير حسن الأمراني محذرا من الخنوع والاستسلام لريح التغريب، وداعيا إلى المقاومة والتحلي بالبسالة والصبر والثبات:[7] (الوافر التام)
حذار حذار لا تسلم سلاحك
ولا تسكن –إذا انتشرت- رياحك
طريقك؟ مرهفات الغدر فيها
تود، تود لو قعصت رماحك
فكن فرسا جموحا، ثمت اجعل
جميل الصبر في الهيجا وشاحك
كن السيف انتضي، وجناح نسر
إذا نزلت بغاث الطير ساحك
إذاً، فالشعراء الإسلاميون المعاصرون دعوا ،بالفعل، إلى ضرورة مجاهَدة الغرب ومدافعة التغريب بكافة الطرق والآليات المتاحة والممكنة. ويمكن أن نعبر عن علاقة شعر هؤلاء الشعراء بتيار التغريب بالبيان التالي:
الشعر الإسلامي المعاصر --------- مقاومة ومجاهدة -------- الغرب والتغريب
وللقيام بهذه المهمة العظيمة، كان لامناص من إعداد العدة والتهيؤ لها، مصداقا لقوله جل علاه ]وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم[ .[10] ويتجلى الإعداد في ملمحين اثنين، هما: الإعداد المادي/العسكري، والإعداد المعنوي لجيل مجاهد. وقد تناول الشعراء الإسلاميون المعاصرون في قصيدهم هذين الشكلين من الإعداد، ووصفوهما وصفا معبرا ومؤثرا.
الإعداد المادى
فأما الإعداد المادي فالمقصود به توفير السلاح، وتكوين الجيش اللازم لمواجهة الغرب الغاصب. ويعد هذا الإعداد عنصرا ضروريا لحياة الأمة الإسلامية وضمان استمراريتها…يقول الشاعر الإسلامي الموريتاني المعاصر محمد بن الطلبهْ مبينا أن السلاح المادي هو وحده القمين بحماية حوزة ديننا من المعتدين:[11] (الطويل)
ولم يحم دينا مستباحا حريمه ... من المعتدي إلا القنا والقنابل
إن أبناء الأمة الإسلامية في شتى أمصارها مدعوون إلى نبذ حياة الخمول والكسل والوهن، وإلى الاستعداد العسكري الذي من شأنه أن يقهر الأعداء والطغاة. يقول الشاعر شريف قاسم:[12] (الخفيف التام)
وينادي الصريخ خلف خطاهم ... أيها المسلمون في الأمصار؟
أسرجوا الخيل فالأعادي قيام ... يجتلون الساحات بالأبصار
فأنبذوا الوهن واستعدوا ليوم ... ليس بالغائب البعيد المزار
الإعداد المعنوى
وأما الإعداد المعنوي فيراد به العمل على تكوين وتربية جيل مجاهد يؤمن بالله، ويقتبس من أنوار القرآن، ويحرص على توعية مجتمعه…وذلك حتى يكون في استطاعته الوقوف في وجه الغرب ومخططاته التغريبية النَّكِدة التي ترمي إلى تخريب عقول أبناء أمتنا، وإحداث الاضطراب والفوضى العارمة في مجتمعاتنا،…لذلك نجد أن الشعراء الإسلاميين المعاصرين كثيرو الحرص على التمسك بالقرآن، وطلب المدد والعون من الله سبحانه وتعالى؛ لأنه القادر على كل شيء، ولا يعجزه شيء في السماء والأرض. وإن من الوظائف الرئيسة الموكولة إلى الأديب الإسلامي أن يعمل على توعية مجتمعه وحثه على الصمود في وجه ريح التغريب والإلحاد.
يقول الدكتور عماد الدين خليل: "إن الأديب هو واحد من المدعوين لممارسة المهمة الخطيرة، بفنه القادر على التأثير والتحصين، بل إنه مدعو إلى أكثر من هذا، إلى دعوة المجتمعات الإسلامية لاستعادة ممارستها الأصلية، وقيمها المفقودة، وتكاملها الضائع وتقاليدها الطيبة، وإحساسها المتوحد، وصبغتها الإيمانية التي أبْهتها رياح التشريق والتغريب".[13]
إن الدعوة إلى القومية والوحدة الإسلاميتين، باعتبارهما أنجع الوسائل لمقاومة الغرب الكاسح، لم تقتصر على رجال السياسة فقطُّ، بل نادى الشعراء أيضا بهذه الوحدة وتغنوا بها في كثير من شعرهم. يقول الشاعر المعاصر محمد الت هامي متأسفا على الوضع الراهن للأمة الإسلامية، ومنبها إلى خطوة الاستمرار في حياة التشرذم:[14] (الكامل التام)
إن الذين تعبت في إيقاظهم ... ظلوا على نوم بسمع موصد
قل للموحد في ديانة مسلم ... ويل له إن عاش غير موحد
فالقبل ة الغ راء تجم ع وجهنا ... وتلم شمل القائم المتعبد
من حاد عن صف الجماعة بيننا ... فكأنه لإلهه لم يسجد
الدين يجمعها ونحن نرده ... ونعيش بين مبدد ومبدد
وتشيع أسباب العداوة بيننا ... كالتائهين على الطريق المهتدي
وفي مثل هذا الوضع تنشط حركة الغزو والاستلاب…ولعل من أبشع مظاهر التغريب وأشدها إيلاما لأمتنا أنْ تنشأ منها وفيها فئة من "المثقفين المتغربين العَلمانيين الذين يريدون اجتثاث القيم الإسلامية من جذورها لحساب القيم الغربية العلمانية".[15] يقول التهامي متحدثا عن هذه الفئة التي أوجدها الغرب/العدو لتتعاون معه على نسْف أمتنا، وإقبار كِيانها:[16]
أعداؤنا ساقوا علينا أهلنا ... وتخيروا من بيننا مَن يعتدى
جمعوا الوقود وهيأونا فوقه ... ورموا إلى يدنا فتيل الموقد
وعلا الضرام ففزعت أوطاننا ... وتصادمت تحت الدخان الأسود
ويدعو الشاعر نفسه بصريح العبارة إلى التوحد والوحدة في الله/الدين التي هي مبعث الأمل ومصدر القوة، ويذكر أن الله يحمي عباده إذا تآخوا واتحدوا. يقول:[17]
فتوحدوا في الله يحمي صفكم ... ويرد عنكم صولة المستعبد
فالله فوق العالمين جلاله ... سبحانه من قاهر متفرد
يحمي العباد إذا توحد جمعهم ... في عصبة ويد تشد على يد
لقد تجرأ العدو على المِساس بأحد أقدس الأشياء عند المسلمين (المسجد الأقصى)…وهنا يحث الشاعر على الجهاد، ما دام هذا العدو قد بلغ في اعتدائه وطغيانه حد الرعونة. ويدعو أيضا إلى الثقة بنصر الله العزيز:[18]
فتقدموا والله فوق صفوفكم ... يرمي فيعصف بالغشوم المعتدي
وثقوا بنصر الله واشتدوا له ... فالنصر ليس غنيمة المتردد
لم يبق شئ نستثار لأجله ... جاز التبجح طاقة المتجلد
مسرى رسول الله هز كيانه ... ومشى بساحته ذئاب (المعبد)
ويمكننا أن ندخل مطلب الوحدة هذا ضمن ما أسْميْناه (بالإعداد المعنوي) المطلوب لمواجهة الغرب وتيار التغريب الفتاك.
أدرك الشعراء الإسلاميون المعاصرون أن التمسك بالعقيدة والهوية الإسلاميتين شرط لا غنى عنه لمقاومة التغريب، فحضّوا في أشعارهم على ضرورة الاعتزاز بالإسلام والتشبث بقيمه الفاضلة. يقول محمود مفلح مفْصحا عن انتمائه:[19] (الخفيف التام)
فأنا مسلم وهذا انتمائى ... وكما شتِ يا حياة فكونى
ملء صوتي أقولها ملء نبضي ... ملء شمس الوجود ملء يقيني
مسلم مسلم وتحتفل الأرض ... وتزهر مرابع الزيتون
ويقول أيضا معبرا عن تمسكه بقيم دينه الحنيف، رغم ما قد يعانيه –من جراء ذلك- من مصاعب ومشاكل:[20] (الطويل)
أنا منذ أطلقت العنان لاحرفى
وبدات أطلق بالقلم
أدركت أن الدرب مذأبة
وأن الحرف مسبغة
وإني إن أمت… سأموت من أجل القيم
ولأج ل هذا صنفت في الشكوك…
ووزعت في التهم
إن العقيدة الإسلامية تقود المسلم نحو جزيرة الأمان واليقين، و إن المنحرف عن سكتها يضل الطريق القويم ويتيه بلايقين. يقول الشاعر عماد الدين خليل:[21] (الرجز)
عقيدتي تقودنا عبر الطريق
يصونها اليقين
تكلؤها رعاية الرحمن من مخاطر الطريق
فتطمئن للوصول في يقين
وغيرنا تاهوا على الطريق
إذْ آثروا أن يرحلوا بلا يقين
فاضطربت مسالك المسير…وظل عنهم الطريق.
ويقول أحمد حسن القضاة –عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية- في التأكيد على أهمية التزود بسلاح الإيمان والتقوى، واستمداد العون من الله القدير في سبيل جهاد الغرب والتغريب:[22] (مشطور الرجز)
فدربنا أشواكه (حرير)
جهادنا، قتالنا نفير
سلاحنا الإيمان والتكبير
نستعذب الآلام و(المصير)
ونستمد العون من قدير
و لما رأت الشاعرة أمينة المريني واقع الضعف والتدهور الذي تحياه أمتنا في الوقت الحاضر، من جراء تكالب العدو وإخلاد المسلمين إلى حياة اللهو والمرح، اتجهت إلى طلب المعونة والسند من الله تعالى؛ إذ هو القادر على تكسير شوكة الغرب الذي بالغ في الاعتداء والتطاول على مقدسات المسلمين. تقول:[23]
زلزل وكورهم واقصفهم وزد ... يا خير ملتجإ يرجى ومعتمد
واقذفهم بأبابيل تمزقهم ... شراذما في قصور الويل للأبد
وسخر الريح هوجاء مدمدمة ... تجتثّ أحزابهم وتدا على وتد
يا رب، ضجت رحاب القدس باكية.. من صولة الظلم والطغيان والفند
وأي ن نخوتنا بل أين غضبتنا ... للدين تقعد للبهتان بالرصد؟
وأين منا رجالات ذوو شمم ... وغيرة في سبيل الحق والرشد؟
و تجب الإشارة هاهنا إلى أن الشاعرة الإسلامية مطالبة –هي الأخرى- ببذل قصارى جهودها لجهاد التغريب الذي طال مناحيَ مختلفة من حياتنا، فعلى المستوى الأدبي –مثلا- تعد الأدبية المسلمة مَعْنية بأمر مقاومة التغريب الذي مس جانب الأدب على اختلاف ألوانه. تقول الباحثة السعودية سهيلة حماد: "على الأديبة الإسلامية أن تسهم في تنقية الأدب العربي مما علق به من شوائب التغريب والإلحاد"[24]… ولا يجب أن تقتصر هذه المقاومة على الجانب الأدبي، بل ينبغي لها أن تقف في وجه شتى ضروب التغريب والتشريق.
إن المرأة الملتزمة المؤمنة الواعية عنصر ضروري، وطرف فعال في معادلة التدافع الإسلامي – الغربي. ولا شك في أن إعداد هذا النمط من النساء يحتاج إلى جهود كبيرة، وإلى العمل المتواصل؛ بغية توعية وتكوين هذا النمط لتحمل المسؤولية الجسيمة المتجلية في جهاد الغرب والتغريب أساساً. يقول محمود مفلح داعيا الفتاة المسلمة إلى التزام الحجاب لما فيه من الفضائل، وناصحا إياها بعدم الاغترار بمظاهر الحضارة الغربية الزائفة:[25] (الخفيف التام).
أسدلي يا ابنة الكرام الحجابا .... وافخري فيه مظهرا ولبابا
إن فيه العفاف والطهر والحشمة ... والمجد والتقى والثوابا
لا تبال ي بما ترين من الزيف ... فليس السراب إلا سرابا
أنت غصن في دوحة الحق فوا ... ح زكي الثمار طابت وطابا
ويدعو الأمراني المرأة المسلمة إلى سد "النوافذ" التي قد تتسرب منها ريح التغريب العاصفة الحاملة عواملَ التغريب والوهن. ويدعوها أيضا إلى التعاون معه – أو مع الرجل عموما- لصد تيار التغريب وهجمة الغرب الشرسة. يقول:[26] (المتقارب)
تأججت النار في شرفات الوطن
فسدي النوافذ، سدي النوافذ،
إن الرياح تجيء من الغرب مثقلة بالرصاص
وطعم الوهن
ومدي الرداء
نفكك – مع الفجر- أزرار حلم يخبئه القلب
مدي الرداء، ولا تعبئي بزئير العواصف
نبايع على أن نقاتل حتى انفراد السوالف
تأججت النار…مدي يديك
فلا صبر لي كي أسافر وحدي
وأرتاد حر الهواجر وحدي
ولا أيد لي كي أقاتل جالوت وحدي
وهذي الرياح تجيء من الغرب مؤذنة بالخراب
ومحو المآذن والعندلات
إذاً، فمقاومة التغريب بصورة فعالة تتطلب تعاونا بين الرجل والمرأة، وتعبئة مجتمعية شاملة؛ أي:
الرجل المسلم + المرأة المسلمة == المقاومة الفعالة == التغريب
يتعرض أبناء الأمة الإسلامية إلى التغريب في أماكنَ مختلفةٍ داخل كيان هذه الأمة وخارجها…وهذا الوضع القاتم يستوجب تضافر الجهود، ومشاركة المسلمين جميعهم مشاركة فعلية في رد الهجوم ودرْء التغريب. وقد كان الشعر الإسلامي المعاصر حاضرا -وبقوة- في ساحة الأحداث، فصورها أصدق تصوير، ودعا المسلمين إلى الاستيقاظ من سباتهم العميق لمناصرة إخوانهم المستضْعَفين في كل مكان، ولتكوين جبهة قوية قادرة على الوقوف في وجه التغريب وشتى أشكال التحدي الغربي الخارجي. يقول فريد الأنصاري في قصيدته "هذا اعترافي!.." التي تعد بمثابة رسالة موجهة إلى مجاهدي أفغانستان:[27] (الكامل التام)
أتمد للشهداء دمع قصيدة ... الجبن تحت بديعها متواري؟
وتظن أن أبرأت ذمة فارس ... أوهاه ظل مدائن الفجار
فدع الكلام لظى لرشاش الردى ... ذاك الهدى يا عابد الأسحار
ودع النشيد لصبية قد غردوا ... للقدس بين مقالع الأحجار
فالشاعر يدعو إلى ترك الكلام اللامجدي ولغة التنديد. وبالمقابل، يحث على اعتماد السلاح (الرشاش) باعتباره أنجع وسائل مقاومة الغرب الذي بسط سيطرته ردحاً غيرَ يسير من الزمن على بلاد الأفغان. ويقول الشاعر مخاطبا نفسه، ومشددا على الحضور الفعلي في ساحة الوغى بدل الاقتصار على الشعر:[28]
إياك يا شعري تقول: أنا هنا ... والقلب في أرض الجهاد الضاري
ما ذاق حر الحرب إلا من قضى ... بين الحديد، وبين ضخ النار!
هو قد مضى روحا مشعا بالسنا ... وبقِيت أنت لدمعك المدرار
لا تعتذر يا قلب واختر واحدا ... لا عيش بعد اليوم للمحتار
إما تكون حقيقة، فلك الثرى! ... أولا تكون، فدعه للأشرار!
كن مسلما، أولا تكن، هذا اختيار ... غير أنْ لا دين تحت ستار
ولكن المؤسف –حقا- أن المسلمين لم يعتبروا بكل ما وقع لهم من أنواع التعذيب والتقتيل. وهكذا نراهم يتمادون في مقارعة كؤوس الخمروالركون إلى الراحة والكسل، في الوقت الذي داهم الغرب كياننا ناشرا فيه سمومه وتلفيقاته. يقول الشاعر أبو فراس القطامي:[29] (البسيط التام)
أعداؤنا لجب والكأس مترعة ... فالكل سكران، والأوطان ترتهن
فهذه الشموس من أفعالنا كسفت .. والبدر في حيرة تجري به الفتن
خيل الأعادي بعقر الدار رابضة ... والخيل من حولنا ضاقت بها الرسن
وقد حث الشعراء الإسلاميون على جهاد التغريب وعدم الانخداع بمراوغات الغرب والصهاينة وحيلهم التي تتخذ أوجها عدة؛ منها التظاهر بالسلام. يقول نبيل محمد قصاب باشي مؤكد أنْ لا سلام مع اليهود الذين عُرفوا بنكْث العهود، ونقض المواثيق عبر التاريخ:[30] (البسيط التام)
قالوا: السلام،..فقلنا: خزية قبحت ... أنرتضي سلم من جاروا ومن ظلموا؟
هل نرتجي ذمة من "قينقاع" بني ... صِهْيون..! يا زيف ما نرجو ونعتزم
و"الصلح خير" ولكن اليهود أذى ... وكم عهود مدى التاريخ قد صرموا
وما نكثنا مدى أيامنا ذمما ... والعهد من طبعنا الميمون والذمم
و إن هذا الغرب الكافر لا يرضى منا سوى حبنا الخالص له، وتبعيتنا المطلقة لركبه الحضاري. يقول المرحوم الزبيري:[31] (الرجز التام)
أليس يرضى الغرب منا سوى ... أن ننزع الأرواح في حبه
و تكون مواجهة التغريب أكثر فاعلية إذا اعتمدت على الجمع بين (المادي) و (المعنوي)؛ أو بين السلاح الحسي بمختلِف أضربه، والتزود بالإيمان والتقوى. ويمكن أن نبرز طبيعة العلاقة التي يجب أن تربط بين الإعدادين المادي والمعنوي ،من أجل مقاومة حقيقية لتيار التغريب، في الجدول أسفله:
إن كلا الإعدادين ضروري لهذه المهمة الجسيمة. فالإعداد المادي، المتمظهر في تهييء وسائل الجهاد الحسية من سيوف وقنابل وطائرات ونحوها، أمر لا بد منه في هذا الإطار. كما أن الإعداد المعنوي، الذي يستلزم التسلح بوهج الإيمان ونور التقوى، ضروري أيضا. ولا يمكن أن نتصور فاعلية أحد الإعدادين في غياب الآخر. إنهما متلازمان ومتكاملان؛ بأسلوب آخر: إن العلاقة القائمة بين الإعدادين علاقة "تعاون" (Coopération)، وبهذا التعاون يستطيع المسلمون جهاد التغريب والوقوف سدا منيعا في وجهه .
لقد كان المغرب واحدا من الأصقاع الإسلامية التي وقعت، في فترة زمنية معينة، فريسة المستعمِر الغربي الذي استنزف خيراته، وعبث بحدوده الجغرافية، وغرّب كثيرا من جوانب حياته العامة. وكان شعراؤه الأفذاذ بالمرصاد لهذا الغرب وتياره التغريبي الذي لا يحترم الخصوصيات ولا الهوية الوطنية؛ إذ جاهدوه وقاوموه بشتى الطرق سواء المباشرة منها أم غير المباشرة. يقول ( بلقاسم الجطاري ) واصفا جهود أسلافه المغاربة في مقاومة الأعادي الذين طالما حاولوا المعابثة بحدودنا وميراثنا الحضاري ومقوماتنا المجتمعية:[32] (الكامل التام)
أكبرت فيك [33]الفاتحين مغاورا ... المجد في يدهم كتاب جهاد
أسد مغاور منهل وجبلة ... كسروا جبابرة وكيد أعاد
رسموا تخوم بلادهم بدمائهم ... في شاطئيه شهادة والوادي
في كل شبر قصة وبطولة ... صفحاتها كتبت بسبر[34] مداد
فالشاعر يقدم صورة ناطقة عن جهاد أسلافه وصمودهم في وجه الغرب والتغريب…والشاعر نفسه يعتز بمغربه وبمغربيته؛ إذْ نظم قصيدة كاملية دالية بعنوان "وطني…أهواك" – واحد وأربعون بيتا موزعا على سبعة مقاطع-، أفردها للتعبير عن حبه العميق وهواه الكبير لوطنه الحبيب/مغرب الأمجاد، وهو يرفض رفضا قاطعا أي مِساسٍ بوحدته الترابية، مؤكدا في الوقت نفسِه تشبث المغرب بوحدته التي حاول خصومه (الغرب وغير الغرب) العبث بها. يقول:[35]
بشمالنا وجنوبنا كنا ونبقى ... مغربا في وحدة وتوادّ
نحيا على العهد الوثيق رباطه ... نفديه بالأرواح والأكباد
إذاً، فهو معتز بانتمائه، ومتمسك بوحدة المغرب، ولايرضى بأي مساومة فيما يخص وحدة وطنه الترابية التي أخذت تطفو على سطح الأحداث في الآونة الأخيرة.
وقد نظم الأمراني –في السياق نفسه- قصائد كثيرة؛ بحيث عبر في أكثر من موضع عن حبه العميق لمغربه، وحاول رد الأعداء عنه بشعره الجزل المؤثر. وهكذا، فقد سخر الشاعر أدبه المتألق في خدمة وطنه، ومجاهدة التغريب والطاغوت. يقول الدكتور عماد الدين خليل في تلك القراءة النقدية التي أنجزها لثلاثية الأمراني: "الأمراني يملك مفرداته الإيمانية الواضحة المتألقة كالشمس في رابعة النهار، وهو يقولها صراحة من أجل ألا يخطر على البال أي التباس، بأية صيغة أو درجة…بل إنه يعرف كيف يوظف المفردة الإيمانية..الشعار الإسلامي الأصيل، ويمضي به، شعلة متوهجة في مشارق الأرض ومغاربها لمجابهة الطاغوت.."[36]
يقول الأمراني في مطولته "أحلام حفيد صاحب الرأس" مصورا حال وطنه المكلوم، وداعيا إلى الاستعداد لمجابهة الطغاة والمعتدين:[37] (الكامل)
يا أيها القلب الشريد بكل دار
وعلى الجبين أطل جرح ثم جرح
بح باسم من تهوى فإن العشق بوح
أسرج جيادك، واقتحم مدن الحصار
يا أيها الوطن المبلل بالخيانة
من يفك القيد عنك
ومن يرد مخالب الروم الضواري
هذا يشق الثوب عنك
وذلك يستعدي البغاة
وذا يكسر نصله فوق النصال
ويستبيح دمي المكلل بالغبار
من الواضح أن قصيدة النثر أخذت تكتسح المشهد الشعري العربي من محيطه إلى خليجه، وذلك منذ سنوات التسعين.[38] وقد تفطن الشاعر الإسلامي المعاصر إلى هذا الأمر، وأدرك أن هذا النمط من الشعر –الثائر على الوزن العروضي- ما هو إلا تجلٍّ من تجليات التغريب والتأثر بشعراء الغرب الذين تمردوا على القصيدة الكلاسيكية الموزونة لاعتبارات خاصة ببيئتهم الحضارية العامة…وعليه، فقد نُظم شعر إسلامي كثير في تبيان مساوئ قصيدة النثر، وفي مجاهدتها أو الدعوة إلى مجاهدتها.
يحلو للشاعر( جابر قميحة ) أن يسمي قصيدة النثر (بالكلام الخنثى)؛ لأنها ليست بشعر ولا بنثر. ثم إنها تسيء إلى البيان، وتستخف بأوزان الشعر الخليلية، وتفتقد إلى الأصالة والصدق. يقول:[39] (المتقارب التام)
وخنثى الكلام قصيد النثير ... تهين البيان.. وتزري الخليلا
على رِسْلكم يا أفاعي البيان ... فهيهات يعلو الفحيحُ الصهيلا
ولست أرى فيكم من أصيل ... ولكن أرى المستهين الدخيلا
ولأنصار قصيدة النثر قناعاتهم وحججُهم في تسويع مذهبهم الشعري الجديد، وهي حجج أحسبها واهية؛ لذا نجد جابرا يتعجب منها قائلا:[40]
فقالوا أردنا حياة البيان ... نقيا.. صفيا..كريما..ذلولا
فواعجبا كيف يحيا البيان ... وقد ذبحوه فأهوى قتيلا؟!
وينبه الشاعر إلى الحال المزرية التي آل إليها الشعر العربي المعاصر، داعيا في الوقت نفسه الغيورين على هذا الشعر إلى جهاد قصيدة النثر والمروِّجين لها؛ بغية حماية البيان، وحرمة الشعر العربي. يقول:[41]
فيا حرس الأدب اليَعْرُبي ... حماة البيان الثقات العُدولا
لقد بلغ السيل هام الزبى ... وعاث فسادا خطيرا مَهولا
وإن وراءكم ما يهول .... جهادا مريرا وهما ثقيلا
لنبق وإياكم في رباط ... لنحمي البيان الصدوق النبيلا
بل إن الشاعر نفسَه قد جاهد هذه القصيدة بكل الإمكانات المتاحة، مبرزا أنه لا يمكن أن يعلو الفحيحُ/القصيدة النثرية الصهيلَ/القصيدة الموزونة.
وفي المضمار نفسه، كتب الدكتور حسن الأمراني مقالات عدة في إبراز نقائص قصيدة النثر وتناقضاتها، رافضا إدراجها ضمن خانة "الشعر". يقول: "إن قصيدة النثر تفقد شرعيتها انطلاقا من اسمها المركب الذي يكشف عن التناقض، إذ القصيدة تحيل على الشعر، والنثر لا يحيل إلا على النثر، ولذلك يمكن قبول هذا النمط باعتباره جنسا من الأجناس الأدبية النثرية، أما أن يحشر ضمن الشعر فلا".[42]
ويدعو الشاعر علي فريد في قصيدته "الأدعياء والشعر" المتطفلين على الشعر، والمنادين بقصيدة النثر الذين يزعمون أنهم مجددون يحسنون الصنيع، إلى ترك صنعة الشعر والتحول إلى صنعة أخرى يتقنونها. يقول:[43] (الطويل)
دعوا الشعر وابغوا صنعة تحسنوها ... وقولوا لأقلام الغباء: ترفقي
تقولون تجديد ونحن دعاته ... وهل في جديد الشعر غير التحذلق
أقمتم له الدنيا ولم تقعدوا بها ... وجئتم لنا من كل غث بفيلق
وأشبعتمونا بالنشاز حماقة ... وقلتم لأسماع الأنام: تذوقي
فهو يقر بغثاثة شعر هؤلاء ورداءته…ويصرح –جازما- بأن هذا الشعر آيل للهدم والسقوط. يقول في البيت الأخير من قصيدته المذكورة سابقا:[44]
سيهدم ما تبنون معول لاحق ... كما تهدمون الآن صرحا لأسبق
إذاً، فالشعر الإسلامي المعاصر جاهَد قصيدة النثر ووقف في وجه الأبواق التي تروج لها. ويمكن أن نعبر عن ذلك جدوليا كالتالي:
وفي ختام هذا المقال، يتأكد لنا أن الشعراء الإسلاميين المعاصرين –فعلا- قد جاهدوا التغريب على اختلاف أشكاله وصوره، سواء بطريقة مباشرة أم غير مباشرة؛ لأنهم يدركون أن ذلك واجبٌ عليهم…وإذا كان الغرب يتهم جهادهم المقدس بكونه إرهابا وتعصبا، فإنهم يصرون على المضي قدما في هذا المَهْيع اللاّحب. يقول الشاعر الإسلامي الموريتاني الشيخ إبراهيم بن يا مختار:[45] (الطويل)
وإن كان إرهابا جهاد مجاهد ... فإنا على الإرهاب لا نتحول
وإن كان يعزى للتعصب تارة ... فإنا على ذاك التعصب نقتل
ولا أجد أفضل من كلام (لا توش) لختم هذا الموضوع، حيث يقول في مقالٍ له: "إن أشكال الصمود القائم في وجه الغرب يمكن اعتبارها منبع أمل، ولولا ذلك لكان من الممكن أن نتصور أن مصير هؤلاء الذين همَّشتهم الحداثة الغربية يؤول إلى نفس المصير الذي آل إليه هنود أمريكا الشمالية؛ بكلمة: الانمحاء التام".[46]
_________________________________
الهوامش:
[1] - أحمد فؤاد أمين حسن: كيف يواجه الأدب الإسلامي تحديات العصر ومحاولات الغزو الفكري؟، مجلة "الأدب الإسلامي"، مج6، ع23، 1420ه /1999م، ص ص: 32-33.
[2] - عمر الملاحي: تجليات الوعي في القصيدة الإسلامية المعاصرة ، رسالة جامعية لنيل د.د.ع. مرقونة مسجلة بخزانة كلية الآداب والعلوم الإنسانية (وجدة) تحت رقم 50. (نوقشت يوم الأحد: 19/12/1999م، و أشرف عليها الدكتور حسن الأمراني)،ص: 106.
[3] - سورة النحل، من الآية: 125. رواية الإمام ورش.
[4] - أحمد بن عبد الرحمن الصويان: في البناء الدعوي (المجموعة الأولى)، من منشورات المنتدى الإسلامي، ط1 (2002)، ص: 104.
[5] - محمد مصطفى هدارة: التغريب وأثره في الشعر العربي الحديث، مجلة "الأدب الإسلامي"، مج 1، ع 2، 1994،ص 64.
[6] - عبد الله بن أحمد بن حمدي: المضمون الإصلاحي في الشعر الإسلامي الموريتاني- مقاربة أولية، مجلة "الأدب الإسلامي"، مج6،ع 22، 1420ه /1999م، ص64 .
[7] - حسن الأمراني: الزمان الجديد، دار الأمان (الرباط)، ط1 ( 1988 ) ، ص: 166-167.
[8] - محمد بنعمارة: نشيد الغرباء، مطبعة النور (تطوان)، ط1 (1981)، ص 65.
[9] - بنعمارة: نشيد الغرباء، ص ص: 56-57.
[10] - سورة الأنفال، من الآية: 61.
[11] - د. عبد الله بن أحمد بن حمدي: المضمون الإصلاحي في الشعر الإسلامي الموريتاني…، ص: 68.
[12] - مجلة "الأديب الإسلامي"، مج 5، ع19، 1419ه ، ص 94.
[13] - عماد الدين خليل: وظيفة الأدب في المفهوم الإسلامي، مجلة "الأمة" قطر، ع 28، س 3، يناير 1983، ص: 10.
[14] - مجلة "الأدب الإسلامي"، مج6، ع 23، 1420ه /1999م، ص: 14.
[15] - إدريس الكنبوري: الصراع بين الإسلام والتغريب في قضية المرأة، مجلة "الوعي الإسلامي"، الكويت،ع.413، س37.، أبريل + مايو2000، ص:71.
[16] - مجلة "الأدب الإسلامي"، مج6، ع 23، 1420ه ، ص: 14.
[17] - مجلة "الأدب الإسلامي"، مج6، ع 23، 1420ه ، ص: 15.
[18] - المجلة نفسها، الصفحة نفسها.
[19] - عبد القادر عبار: الوعي والمعاناة في شعر محمود مفلح،مجلة "المشكاة"،وجدة،ع. 13، س.4، 1990،ص: 93.
[20] - عبد القادر عبار: الوعي والمعاناة في شعر محمود مفلح، ص: 82.
[21] - مجلة "الأدب الإسلامي"، مج 5، ع19، 1419ه ، ص:55.
[22] - مجلة "المشكاة"،ع8، س2، 1988م، ص: 60.
[23] - مجلة "الأدب الإسلامي"،مج5، ع19، ص: 69.
[24] - مجلة "الأدب الإسلامي"، مج6، ع 23، 1420ه ، ص: 70.
[25] - مجلة "المشكاة"،ع14، س 4، ص: 44.
[26] - الأمراني: سآتيك بالسيف والأقحوان، مؤسسة الرسالة (بيروت)، ط1 (1996)، ص ص: 36-37.
[27] - فريد الأنصاري: ديوان القصائد، مطبوعات الأفق (البيضاء)، ط1 (1992)، 1/42.
[28] - فريد الأنصاري: ديوان القصائد، 1/43.
[29] - مجلة "الأدب الإسلامي" مج5، ع 19، 1419ه ، ص: 73.
[30] - المجلة نفسها، ص 77.
[31] - المرحوم محمد محمود الزبيري: ديوانه، دار العودة (بيروت)، ط1 (1978)، ص: 358.
[32] - بلقاسم الجطاري: قبس(نصوص شعرية)، دار النشر الجسور (وجدة)، ط1 (1999)،ص ص: 11-12.
[33] - الخطاب موجَّه إلى الوطن/المغرب.
[34] - السبر: الهيئة. يقال: فلان حسن الحبر والسبر إذا كان جميلا حسن الهيئة.
[35] - الجطاري: قبس، ص 11.
[36] - الأمراني: ثلاثية الغيب والشهادة، المطبعة المركزية (وجدة)، ط1 (1989)، ص ص:61-62.
[37] - الأمراني: القصائد السبع، المطبعة المركزية (وجدة)، ط1 (1984)، ص: 18.
[38] - أقصد "بسنوات التسعين" سنوات82،81…90.
[39] - مجلة "الأدب الإسلامي"، مج 5، ع 19، 1419ه ، ص 85.
[40] - مجلة "الأدب الإسلامي"، مج 5، ع 19، 1419ه ، ص 85.
[41] - المجلة نفسها، الصفحة نفسها.
[42] - الأمراني: الشكل في القصيدة..وتحديات الشعراء الإسلاميين، مجلة "الأدب الإسلامي"مج5، ع 19، ص: 12.
[43] - مجلة "الأدب الإسلامي" مج6، ع 23، 1420ه ، ص: 35.
[44] - مجلة "الأدب الإسلامي" مج6، ع 23، 1420ه ، ص: 35.
[45] - د. عبد الله بن أحمد بن حمدي: المضمون الإصلاحي في الشعر الإسلامي الموريتاني…(م.س)، ص: 69.
[46] - سيرج لاتوش: "تنميط العالم: محاولة في فهم آليات التغريب ومحدودياته"، تر: ذ. مصطفى المرابط+ ذ. محمد أمزيان، مجلة "المنعطف"، وجدة، ع.11، 1995، ص: 49.
المصدر : موقع رابطة ادباء الشام - بتصرف واختصار
الكاتب / فريد أمعضشو
أدرك الشعراء الإسلاميون المعاصرون خطورة التغريب الذي تتعرض إليه أمتنا في اللحظة الحضارية الآنية. فعمدوا إلى مقاومته، ودعوا إلى مجاهدته بكل الوسائل المتاحة سواء المادية منها أم المعنوية. وكان الشعر الملتزم الجاد واحدا من أهم الوسائل التي سُخرت لتحقيق هذا المطلب الهام.
لقد أثبت الشعر الإسلامي قدرته الناجعة على مقاومة التغريب والفكر السَّلبي وكل أشكال التفسخ الخُلُقي، وذلك بالنظر إلى خصوصيات مرجعيته وسلامة تصوره. يقول الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي -رئيس رابطة الأدب الحديث:- "إن الأدب الإسلامي قادر على مواجهة كل فكر سلبي أو يدعو إليه، لأنه يؤدي رسالة ويدعو إلى مُثل كريمة، ويؤمن بالخير والحق والعدل. وعندما يتلقى المتلقي أدبا إسلاميا مرتبطا بأصول الدين وبمُثله، فسوف يكون لذلك أثره العميق في وُجدانه وضميره وفي خلقه وسلوكه، وسيبدأ المتلقي في الإفادة مما يقرأ ويسمع؛ وعندئذٍ ستتغير أفكاره إلى مستوى المثال الرفيع الذي يدعو إليه أدب إسلامي حقيقي، إنما نريد حقائق الدين وجوهره وروحه في كتابة موضوعية ودراسة مؤثرة، وذلك هو السبيل لمواجهة أي فكر سلبي مهما كان". [1]
وقد آمن الشعراء الإسلاميون بضرورة حضور التصور السليم في الإبداع الإسلامي الحقيقي. يقول الباحث عمر الملاحي: "ولقد أدرك الشعراء الإسلاميون أن إبداعهم لن يستوي على عُوده إذا كان التصور مهزوزا، لذلك كان لابد من سلامة التصور".[2]
و ليكون الشعر الإسلامي المعاصر فعالا وقادرا على مجابهة الغزو الفكري ومجاهدة التغريب، وليفرض كِيانه ووزنه…ينبغي له أن يلتزم –ما أمكنه الحال-بهذه الأسس:
1-أن تكون الحكمة والموعظة الحسنة هي كلمة هذا الشعر –الأدب عامة- وشعاره في شتى مجالاته، مصداقا لقوله تعالى ]ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن[.[3]
2-أن يتوفر له الوعي القادر على تصور التيارات المتطاحنة التي تحاول أن تحويه، فيواجهها مواجهة إيجابية واعية.
3-أن يبتعد –قدر المستطاع- عن المواجهة المباشرة، ويعمد –في المقابل- إلى لغة الإيحاء؛ إذ الإيحاء قادر على بعث الشعور والفكر والخيال…وبعث التعاطف الإنساني الإيجابي.
4-أن يتعرف الفكرَ الغربي المعاصر، ويحاول استثمار ما فيه من حسنات. شريطة أن يحذر من مغبّة الت هْيام والانبهار المفرط به إلى درجةٍ تفْقِده هُويته وخصوصيته. مؤدَّى هذا أن الشاعر الإسلامي مطالَب بأن ينفتح انفتاحا واعيا على الغرب، ومطالبا بأن "يقرأ" واقعه قراءة معمقة ودقيقة حتى يكون بمقدوره مقاومته والوقوف في وجهه. يقول الأستاذ أحمد بن عبد الرحمن الصويان: "ولن نستطيع مدافعة الغرب ومنازلته ثم اختراقه ما لم نقرأ واقعه قراءة شاملة ودقيقة وأمينة، وما لم نتعرف عليه التعرف الصحيح الذي يضع الأمور في نصابها وحجمها الصحيح؛ وإنه لمن الخطر البالغ أن ننظر إلى الواقع الغربي ببدائية تفتقر إلى أيسر الأسس العلمية في المواجهة والمدافعة".[4]
5-ألاَّ يركن الشاعر الإسلامي في عمليات الإبداع إلى التراث وحده…بل يجب عليه أن يكون على بصيرة وعلم بما يقتضيه العصر. وهو -بهذا- يوازن بين متطلبات الأنا والآخر، أو بين خطابي الأصالة والمعاصرة. ذلك بأن الشاعر إذا أخلص للتراث وحده (أو الذات)، فإنه سيُتهم بالتزمت والانكماش والانعزالية. وإذا انساق وراء الآخر (أو الغرب)، فإنه سيتهم –لا محالة- بالانسلاخ عن الذات والخيانة والتغرب. وفي هذا الصدد، نردد مع المرحوم محمد هدارة قوله: "نحن لا ندعو للانعزال عن الثقافة العالمية، بل ندعو إلى التواصل معها على أساس مبدإ الانتقاء والاصطفاء الذي يلائم فكرنا وانتماءنا إلى العروبة والإسلام".[5]
وهكذا، فإن الالتزام بهذه الأسس كفيل بأن يجعل الشاعر الإسلامي المعاصر قادرا على مواجهة الغزو والاستلاب الحضاري والتغريب، الذي أخذ يؤرق المسلمين ويهدد كيانهم…والذي يتصفح ديوان الشعر الإسلامي المعاصر يقف عند زخم من القصائد المنظومة لغرض مواجهة التغريب.
فهذا الشاعرُ الموريتاني المعاصر محمد بن بدي يصرح بطول ليل المعاناة والطغيان، ويدعو إلى المواجهة بعد أن تجاوزت يد الطغاة/الغرب الحدَّ؛ فيقول:[6] (الخفيف التام)
طال ليل الطغاة واستفحل الأمـ ... ـر واغتِيل كل داع وهادِ
حطموا مسجدي ومصحف أمي مزقوه بخسة وعناد
حارسات القلاع يوطأن قسرا ... في الزنازين رائحات غَوادِ
إيه يا شعب، أين قبضة سيفي؟ ... أين ترسي وأين مخلاة زادي؟
ناولوني الرصاص فالعرض أضحى ... مستباحا فأين سرج جوادي؟
هل رأيتم يا من شربتم دمانا ... بنفوس إلى الدماء صواد؟
فمصير الفرعون في مصر وجه ... لمصير الطغاة من دهر عاد
و يقول الشاعر الإسلامي المعاصر الكبير حسن الأمراني محذرا من الخنوع والاستسلام لريح التغريب، وداعيا إلى المقاومة والتحلي بالبسالة والصبر والثبات:[7] (الوافر التام)
حذار حذار لا تسلم سلاحك
ولا تسكن –إذا انتشرت- رياحك
طريقك؟ مرهفات الغدر فيها
تود، تود لو قعصت رماحك
فكن فرسا جموحا، ثمت اجعل
جميل الصبر في الهيجا وشاحك
كن السيف انتضي، وجناح نسر
إذا نزلت بغاث الطير ساحك
إذاً، فالشعراء الإسلاميون المعاصرون دعوا ،بالفعل، إلى ضرورة مجاهَدة الغرب ومدافعة التغريب بكافة الطرق والآليات المتاحة والممكنة. ويمكن أن نعبر عن علاقة شعر هؤلاء الشعراء بتيار التغريب بالبيان التالي:
الشعر الإسلامي المعاصر --------- مقاومة ومجاهدة -------- الغرب والتغريب
وللقيام بهذه المهمة العظيمة، كان لامناص من إعداد العدة والتهيؤ لها، مصداقا لقوله جل علاه ]وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم[ .[10] ويتجلى الإعداد في ملمحين اثنين، هما: الإعداد المادي/العسكري، والإعداد المعنوي لجيل مجاهد. وقد تناول الشعراء الإسلاميون المعاصرون في قصيدهم هذين الشكلين من الإعداد، ووصفوهما وصفا معبرا ومؤثرا.
الإعداد المادى
فأما الإعداد المادي فالمقصود به توفير السلاح، وتكوين الجيش اللازم لمواجهة الغرب الغاصب. ويعد هذا الإعداد عنصرا ضروريا لحياة الأمة الإسلامية وضمان استمراريتها…يقول الشاعر الإسلامي الموريتاني المعاصر محمد بن الطلبهْ مبينا أن السلاح المادي هو وحده القمين بحماية حوزة ديننا من المعتدين:[11] (الطويل)
ولم يحم دينا مستباحا حريمه ... من المعتدي إلا القنا والقنابل
إن أبناء الأمة الإسلامية في شتى أمصارها مدعوون إلى نبذ حياة الخمول والكسل والوهن، وإلى الاستعداد العسكري الذي من شأنه أن يقهر الأعداء والطغاة. يقول الشاعر شريف قاسم:[12] (الخفيف التام)
وينادي الصريخ خلف خطاهم ... أيها المسلمون في الأمصار؟
أسرجوا الخيل فالأعادي قيام ... يجتلون الساحات بالأبصار
فأنبذوا الوهن واستعدوا ليوم ... ليس بالغائب البعيد المزار
الإعداد المعنوى
وأما الإعداد المعنوي فيراد به العمل على تكوين وتربية جيل مجاهد يؤمن بالله، ويقتبس من أنوار القرآن، ويحرص على توعية مجتمعه…وذلك حتى يكون في استطاعته الوقوف في وجه الغرب ومخططاته التغريبية النَّكِدة التي ترمي إلى تخريب عقول أبناء أمتنا، وإحداث الاضطراب والفوضى العارمة في مجتمعاتنا،…لذلك نجد أن الشعراء الإسلاميين المعاصرين كثيرو الحرص على التمسك بالقرآن، وطلب المدد والعون من الله سبحانه وتعالى؛ لأنه القادر على كل شيء، ولا يعجزه شيء في السماء والأرض. وإن من الوظائف الرئيسة الموكولة إلى الأديب الإسلامي أن يعمل على توعية مجتمعه وحثه على الصمود في وجه ريح التغريب والإلحاد.
يقول الدكتور عماد الدين خليل: "إن الأديب هو واحد من المدعوين لممارسة المهمة الخطيرة، بفنه القادر على التأثير والتحصين، بل إنه مدعو إلى أكثر من هذا، إلى دعوة المجتمعات الإسلامية لاستعادة ممارستها الأصلية، وقيمها المفقودة، وتكاملها الضائع وتقاليدها الطيبة، وإحساسها المتوحد، وصبغتها الإيمانية التي أبْهتها رياح التشريق والتغريب".[13]
إن الدعوة إلى القومية والوحدة الإسلاميتين، باعتبارهما أنجع الوسائل لمقاومة الغرب الكاسح، لم تقتصر على رجال السياسة فقطُّ، بل نادى الشعراء أيضا بهذه الوحدة وتغنوا بها في كثير من شعرهم. يقول الشاعر المعاصر محمد الت هامي متأسفا على الوضع الراهن للأمة الإسلامية، ومنبها إلى خطوة الاستمرار في حياة التشرذم:[14] (الكامل التام)
إن الذين تعبت في إيقاظهم ... ظلوا على نوم بسمع موصد
قل للموحد في ديانة مسلم ... ويل له إن عاش غير موحد
فالقبل ة الغ راء تجم ع وجهنا ... وتلم شمل القائم المتعبد
من حاد عن صف الجماعة بيننا ... فكأنه لإلهه لم يسجد
الدين يجمعها ونحن نرده ... ونعيش بين مبدد ومبدد
وتشيع أسباب العداوة بيننا ... كالتائهين على الطريق المهتدي
وفي مثل هذا الوضع تنشط حركة الغزو والاستلاب…ولعل من أبشع مظاهر التغريب وأشدها إيلاما لأمتنا أنْ تنشأ منها وفيها فئة من "المثقفين المتغربين العَلمانيين الذين يريدون اجتثاث القيم الإسلامية من جذورها لحساب القيم الغربية العلمانية".[15] يقول التهامي متحدثا عن هذه الفئة التي أوجدها الغرب/العدو لتتعاون معه على نسْف أمتنا، وإقبار كِيانها:[16]
أعداؤنا ساقوا علينا أهلنا ... وتخيروا من بيننا مَن يعتدى
جمعوا الوقود وهيأونا فوقه ... ورموا إلى يدنا فتيل الموقد
وعلا الضرام ففزعت أوطاننا ... وتصادمت تحت الدخان الأسود
ويدعو الشاعر نفسه بصريح العبارة إلى التوحد والوحدة في الله/الدين التي هي مبعث الأمل ومصدر القوة، ويذكر أن الله يحمي عباده إذا تآخوا واتحدوا. يقول:[17]
فتوحدوا في الله يحمي صفكم ... ويرد عنكم صولة المستعبد
فالله فوق العالمين جلاله ... سبحانه من قاهر متفرد
يحمي العباد إذا توحد جمعهم ... في عصبة ويد تشد على يد
لقد تجرأ العدو على المِساس بأحد أقدس الأشياء عند المسلمين (المسجد الأقصى)…وهنا يحث الشاعر على الجهاد، ما دام هذا العدو قد بلغ في اعتدائه وطغيانه حد الرعونة. ويدعو أيضا إلى الثقة بنصر الله العزيز:[18]
فتقدموا والله فوق صفوفكم ... يرمي فيعصف بالغشوم المعتدي
وثقوا بنصر الله واشتدوا له ... فالنصر ليس غنيمة المتردد
لم يبق شئ نستثار لأجله ... جاز التبجح طاقة المتجلد
مسرى رسول الله هز كيانه ... ومشى بساحته ذئاب (المعبد)
ويمكننا أن ندخل مطلب الوحدة هذا ضمن ما أسْميْناه (بالإعداد المعنوي) المطلوب لمواجهة الغرب وتيار التغريب الفتاك.
أدرك الشعراء الإسلاميون المعاصرون أن التمسك بالعقيدة والهوية الإسلاميتين شرط لا غنى عنه لمقاومة التغريب، فحضّوا في أشعارهم على ضرورة الاعتزاز بالإسلام والتشبث بقيمه الفاضلة. يقول محمود مفلح مفْصحا عن انتمائه:[19] (الخفيف التام)
فأنا مسلم وهذا انتمائى ... وكما شتِ يا حياة فكونى
ملء صوتي أقولها ملء نبضي ... ملء شمس الوجود ملء يقيني
مسلم مسلم وتحتفل الأرض ... وتزهر مرابع الزيتون
ويقول أيضا معبرا عن تمسكه بقيم دينه الحنيف، رغم ما قد يعانيه –من جراء ذلك- من مصاعب ومشاكل:[20] (الطويل)
أنا منذ أطلقت العنان لاحرفى
وبدات أطلق بالقلم
أدركت أن الدرب مذأبة
وأن الحرف مسبغة
وإني إن أمت… سأموت من أجل القيم
ولأج ل هذا صنفت في الشكوك…
ووزعت في التهم
إن العقيدة الإسلامية تقود المسلم نحو جزيرة الأمان واليقين، و إن المنحرف عن سكتها يضل الطريق القويم ويتيه بلايقين. يقول الشاعر عماد الدين خليل:[21] (الرجز)
عقيدتي تقودنا عبر الطريق
يصونها اليقين
تكلؤها رعاية الرحمن من مخاطر الطريق
فتطمئن للوصول في يقين
وغيرنا تاهوا على الطريق
إذْ آثروا أن يرحلوا بلا يقين
فاضطربت مسالك المسير…وظل عنهم الطريق.
ويقول أحمد حسن القضاة –عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية- في التأكيد على أهمية التزود بسلاح الإيمان والتقوى، واستمداد العون من الله القدير في سبيل جهاد الغرب والتغريب:[22] (مشطور الرجز)
فدربنا أشواكه (حرير)
جهادنا، قتالنا نفير
سلاحنا الإيمان والتكبير
نستعذب الآلام و(المصير)
ونستمد العون من قدير
و لما رأت الشاعرة أمينة المريني واقع الضعف والتدهور الذي تحياه أمتنا في الوقت الحاضر، من جراء تكالب العدو وإخلاد المسلمين إلى حياة اللهو والمرح، اتجهت إلى طلب المعونة والسند من الله تعالى؛ إذ هو القادر على تكسير شوكة الغرب الذي بالغ في الاعتداء والتطاول على مقدسات المسلمين. تقول:[23]
زلزل وكورهم واقصفهم وزد ... يا خير ملتجإ يرجى ومعتمد
واقذفهم بأبابيل تمزقهم ... شراذما في قصور الويل للأبد
وسخر الريح هوجاء مدمدمة ... تجتثّ أحزابهم وتدا على وتد
يا رب، ضجت رحاب القدس باكية.. من صولة الظلم والطغيان والفند
وأي ن نخوتنا بل أين غضبتنا ... للدين تقعد للبهتان بالرصد؟
وأين منا رجالات ذوو شمم ... وغيرة في سبيل الحق والرشد؟
و تجب الإشارة هاهنا إلى أن الشاعرة الإسلامية مطالبة –هي الأخرى- ببذل قصارى جهودها لجهاد التغريب الذي طال مناحيَ مختلفة من حياتنا، فعلى المستوى الأدبي –مثلا- تعد الأدبية المسلمة مَعْنية بأمر مقاومة التغريب الذي مس جانب الأدب على اختلاف ألوانه. تقول الباحثة السعودية سهيلة حماد: "على الأديبة الإسلامية أن تسهم في تنقية الأدب العربي مما علق به من شوائب التغريب والإلحاد"[24]… ولا يجب أن تقتصر هذه المقاومة على الجانب الأدبي، بل ينبغي لها أن تقف في وجه شتى ضروب التغريب والتشريق.
إن المرأة الملتزمة المؤمنة الواعية عنصر ضروري، وطرف فعال في معادلة التدافع الإسلامي – الغربي. ولا شك في أن إعداد هذا النمط من النساء يحتاج إلى جهود كبيرة، وإلى العمل المتواصل؛ بغية توعية وتكوين هذا النمط لتحمل المسؤولية الجسيمة المتجلية في جهاد الغرب والتغريب أساساً. يقول محمود مفلح داعيا الفتاة المسلمة إلى التزام الحجاب لما فيه من الفضائل، وناصحا إياها بعدم الاغترار بمظاهر الحضارة الغربية الزائفة:[25] (الخفيف التام).
أسدلي يا ابنة الكرام الحجابا .... وافخري فيه مظهرا ولبابا
إن فيه العفاف والطهر والحشمة ... والمجد والتقى والثوابا
لا تبال ي بما ترين من الزيف ... فليس السراب إلا سرابا
أنت غصن في دوحة الحق فوا ... ح زكي الثمار طابت وطابا
ويدعو الأمراني المرأة المسلمة إلى سد "النوافذ" التي قد تتسرب منها ريح التغريب العاصفة الحاملة عواملَ التغريب والوهن. ويدعوها أيضا إلى التعاون معه – أو مع الرجل عموما- لصد تيار التغريب وهجمة الغرب الشرسة. يقول:[26] (المتقارب)
تأججت النار في شرفات الوطن
فسدي النوافذ، سدي النوافذ،
إن الرياح تجيء من الغرب مثقلة بالرصاص
وطعم الوهن
ومدي الرداء
نفكك – مع الفجر- أزرار حلم يخبئه القلب
مدي الرداء، ولا تعبئي بزئير العواصف
نبايع على أن نقاتل حتى انفراد السوالف
تأججت النار…مدي يديك
فلا صبر لي كي أسافر وحدي
وأرتاد حر الهواجر وحدي
ولا أيد لي كي أقاتل جالوت وحدي
وهذي الرياح تجيء من الغرب مؤذنة بالخراب
ومحو المآذن والعندلات
إذاً، فمقاومة التغريب بصورة فعالة تتطلب تعاونا بين الرجل والمرأة، وتعبئة مجتمعية شاملة؛ أي:
الرجل المسلم + المرأة المسلمة == المقاومة الفعالة == التغريب
يتعرض أبناء الأمة الإسلامية إلى التغريب في أماكنَ مختلفةٍ داخل كيان هذه الأمة وخارجها…وهذا الوضع القاتم يستوجب تضافر الجهود، ومشاركة المسلمين جميعهم مشاركة فعلية في رد الهجوم ودرْء التغريب. وقد كان الشعر الإسلامي المعاصر حاضرا -وبقوة- في ساحة الأحداث، فصورها أصدق تصوير، ودعا المسلمين إلى الاستيقاظ من سباتهم العميق لمناصرة إخوانهم المستضْعَفين في كل مكان، ولتكوين جبهة قوية قادرة على الوقوف في وجه التغريب وشتى أشكال التحدي الغربي الخارجي. يقول فريد الأنصاري في قصيدته "هذا اعترافي!.." التي تعد بمثابة رسالة موجهة إلى مجاهدي أفغانستان:[27] (الكامل التام)
أتمد للشهداء دمع قصيدة ... الجبن تحت بديعها متواري؟
وتظن أن أبرأت ذمة فارس ... أوهاه ظل مدائن الفجار
فدع الكلام لظى لرشاش الردى ... ذاك الهدى يا عابد الأسحار
ودع النشيد لصبية قد غردوا ... للقدس بين مقالع الأحجار
فالشاعر يدعو إلى ترك الكلام اللامجدي ولغة التنديد. وبالمقابل، يحث على اعتماد السلاح (الرشاش) باعتباره أنجع وسائل مقاومة الغرب الذي بسط سيطرته ردحاً غيرَ يسير من الزمن على بلاد الأفغان. ويقول الشاعر مخاطبا نفسه، ومشددا على الحضور الفعلي في ساحة الوغى بدل الاقتصار على الشعر:[28]
إياك يا شعري تقول: أنا هنا ... والقلب في أرض الجهاد الضاري
ما ذاق حر الحرب إلا من قضى ... بين الحديد، وبين ضخ النار!
هو قد مضى روحا مشعا بالسنا ... وبقِيت أنت لدمعك المدرار
لا تعتذر يا قلب واختر واحدا ... لا عيش بعد اليوم للمحتار
إما تكون حقيقة، فلك الثرى! ... أولا تكون، فدعه للأشرار!
كن مسلما، أولا تكن، هذا اختيار ... غير أنْ لا دين تحت ستار
ولكن المؤسف –حقا- أن المسلمين لم يعتبروا بكل ما وقع لهم من أنواع التعذيب والتقتيل. وهكذا نراهم يتمادون في مقارعة كؤوس الخمروالركون إلى الراحة والكسل، في الوقت الذي داهم الغرب كياننا ناشرا فيه سمومه وتلفيقاته. يقول الشاعر أبو فراس القطامي:[29] (البسيط التام)
أعداؤنا لجب والكأس مترعة ... فالكل سكران، والأوطان ترتهن
فهذه الشموس من أفعالنا كسفت .. والبدر في حيرة تجري به الفتن
خيل الأعادي بعقر الدار رابضة ... والخيل من حولنا ضاقت بها الرسن
وقد حث الشعراء الإسلاميون على جهاد التغريب وعدم الانخداع بمراوغات الغرب والصهاينة وحيلهم التي تتخذ أوجها عدة؛ منها التظاهر بالسلام. يقول نبيل محمد قصاب باشي مؤكد أنْ لا سلام مع اليهود الذين عُرفوا بنكْث العهود، ونقض المواثيق عبر التاريخ:[30] (البسيط التام)
قالوا: السلام،..فقلنا: خزية قبحت ... أنرتضي سلم من جاروا ومن ظلموا؟
هل نرتجي ذمة من "قينقاع" بني ... صِهْيون..! يا زيف ما نرجو ونعتزم
و"الصلح خير" ولكن اليهود أذى ... وكم عهود مدى التاريخ قد صرموا
وما نكثنا مدى أيامنا ذمما ... والعهد من طبعنا الميمون والذمم
و إن هذا الغرب الكافر لا يرضى منا سوى حبنا الخالص له، وتبعيتنا المطلقة لركبه الحضاري. يقول المرحوم الزبيري:[31] (الرجز التام)
أليس يرضى الغرب منا سوى ... أن ننزع الأرواح في حبه
و تكون مواجهة التغريب أكثر فاعلية إذا اعتمدت على الجمع بين (المادي) و (المعنوي)؛ أو بين السلاح الحسي بمختلِف أضربه، والتزود بالإيمان والتقوى. ويمكن أن نبرز طبيعة العلاقة التي يجب أن تربط بين الإعدادين المادي والمعنوي ،من أجل مقاومة حقيقية لتيار التغريب، في الجدول أسفله:
إن كلا الإعدادين ضروري لهذه المهمة الجسيمة. فالإعداد المادي، المتمظهر في تهييء وسائل الجهاد الحسية من سيوف وقنابل وطائرات ونحوها، أمر لا بد منه في هذا الإطار. كما أن الإعداد المعنوي، الذي يستلزم التسلح بوهج الإيمان ونور التقوى، ضروري أيضا. ولا يمكن أن نتصور فاعلية أحد الإعدادين في غياب الآخر. إنهما متلازمان ومتكاملان؛ بأسلوب آخر: إن العلاقة القائمة بين الإعدادين علاقة "تعاون" (Coopération)، وبهذا التعاون يستطيع المسلمون جهاد التغريب والوقوف سدا منيعا في وجهه .
لقد كان المغرب واحدا من الأصقاع الإسلامية التي وقعت، في فترة زمنية معينة، فريسة المستعمِر الغربي الذي استنزف خيراته، وعبث بحدوده الجغرافية، وغرّب كثيرا من جوانب حياته العامة. وكان شعراؤه الأفذاذ بالمرصاد لهذا الغرب وتياره التغريبي الذي لا يحترم الخصوصيات ولا الهوية الوطنية؛ إذ جاهدوه وقاوموه بشتى الطرق سواء المباشرة منها أم غير المباشرة. يقول ( بلقاسم الجطاري ) واصفا جهود أسلافه المغاربة في مقاومة الأعادي الذين طالما حاولوا المعابثة بحدودنا وميراثنا الحضاري ومقوماتنا المجتمعية:[32] (الكامل التام)
أكبرت فيك [33]الفاتحين مغاورا ... المجد في يدهم كتاب جهاد
أسد مغاور منهل وجبلة ... كسروا جبابرة وكيد أعاد
رسموا تخوم بلادهم بدمائهم ... في شاطئيه شهادة والوادي
في كل شبر قصة وبطولة ... صفحاتها كتبت بسبر[34] مداد
فالشاعر يقدم صورة ناطقة عن جهاد أسلافه وصمودهم في وجه الغرب والتغريب…والشاعر نفسه يعتز بمغربه وبمغربيته؛ إذْ نظم قصيدة كاملية دالية بعنوان "وطني…أهواك" – واحد وأربعون بيتا موزعا على سبعة مقاطع-، أفردها للتعبير عن حبه العميق وهواه الكبير لوطنه الحبيب/مغرب الأمجاد، وهو يرفض رفضا قاطعا أي مِساسٍ بوحدته الترابية، مؤكدا في الوقت نفسِه تشبث المغرب بوحدته التي حاول خصومه (الغرب وغير الغرب) العبث بها. يقول:[35]
بشمالنا وجنوبنا كنا ونبقى ... مغربا في وحدة وتوادّ
نحيا على العهد الوثيق رباطه ... نفديه بالأرواح والأكباد
إذاً، فهو معتز بانتمائه، ومتمسك بوحدة المغرب، ولايرضى بأي مساومة فيما يخص وحدة وطنه الترابية التي أخذت تطفو على سطح الأحداث في الآونة الأخيرة.
وقد نظم الأمراني –في السياق نفسه- قصائد كثيرة؛ بحيث عبر في أكثر من موضع عن حبه العميق لمغربه، وحاول رد الأعداء عنه بشعره الجزل المؤثر. وهكذا، فقد سخر الشاعر أدبه المتألق في خدمة وطنه، ومجاهدة التغريب والطاغوت. يقول الدكتور عماد الدين خليل في تلك القراءة النقدية التي أنجزها لثلاثية الأمراني: "الأمراني يملك مفرداته الإيمانية الواضحة المتألقة كالشمس في رابعة النهار، وهو يقولها صراحة من أجل ألا يخطر على البال أي التباس، بأية صيغة أو درجة…بل إنه يعرف كيف يوظف المفردة الإيمانية..الشعار الإسلامي الأصيل، ويمضي به، شعلة متوهجة في مشارق الأرض ومغاربها لمجابهة الطاغوت.."[36]
يقول الأمراني في مطولته "أحلام حفيد صاحب الرأس" مصورا حال وطنه المكلوم، وداعيا إلى الاستعداد لمجابهة الطغاة والمعتدين:[37] (الكامل)
يا أيها القلب الشريد بكل دار
وعلى الجبين أطل جرح ثم جرح
بح باسم من تهوى فإن العشق بوح
أسرج جيادك، واقتحم مدن الحصار
يا أيها الوطن المبلل بالخيانة
من يفك القيد عنك
ومن يرد مخالب الروم الضواري
هذا يشق الثوب عنك
وذلك يستعدي البغاة
وذا يكسر نصله فوق النصال
ويستبيح دمي المكلل بالغبار
من الواضح أن قصيدة النثر أخذت تكتسح المشهد الشعري العربي من محيطه إلى خليجه، وذلك منذ سنوات التسعين.[38] وقد تفطن الشاعر الإسلامي المعاصر إلى هذا الأمر، وأدرك أن هذا النمط من الشعر –الثائر على الوزن العروضي- ما هو إلا تجلٍّ من تجليات التغريب والتأثر بشعراء الغرب الذين تمردوا على القصيدة الكلاسيكية الموزونة لاعتبارات خاصة ببيئتهم الحضارية العامة…وعليه، فقد نُظم شعر إسلامي كثير في تبيان مساوئ قصيدة النثر، وفي مجاهدتها أو الدعوة إلى مجاهدتها.
يحلو للشاعر( جابر قميحة ) أن يسمي قصيدة النثر (بالكلام الخنثى)؛ لأنها ليست بشعر ولا بنثر. ثم إنها تسيء إلى البيان، وتستخف بأوزان الشعر الخليلية، وتفتقد إلى الأصالة والصدق. يقول:[39] (المتقارب التام)
وخنثى الكلام قصيد النثير ... تهين البيان.. وتزري الخليلا
على رِسْلكم يا أفاعي البيان ... فهيهات يعلو الفحيحُ الصهيلا
ولست أرى فيكم من أصيل ... ولكن أرى المستهين الدخيلا
ولأنصار قصيدة النثر قناعاتهم وحججُهم في تسويع مذهبهم الشعري الجديد، وهي حجج أحسبها واهية؛ لذا نجد جابرا يتعجب منها قائلا:[40]
فقالوا أردنا حياة البيان ... نقيا.. صفيا..كريما..ذلولا
فواعجبا كيف يحيا البيان ... وقد ذبحوه فأهوى قتيلا؟!
وينبه الشاعر إلى الحال المزرية التي آل إليها الشعر العربي المعاصر، داعيا في الوقت نفسه الغيورين على هذا الشعر إلى جهاد قصيدة النثر والمروِّجين لها؛ بغية حماية البيان، وحرمة الشعر العربي. يقول:[41]
فيا حرس الأدب اليَعْرُبي ... حماة البيان الثقات العُدولا
لقد بلغ السيل هام الزبى ... وعاث فسادا خطيرا مَهولا
وإن وراءكم ما يهول .... جهادا مريرا وهما ثقيلا
لنبق وإياكم في رباط ... لنحمي البيان الصدوق النبيلا
بل إن الشاعر نفسَه قد جاهد هذه القصيدة بكل الإمكانات المتاحة، مبرزا أنه لا يمكن أن يعلو الفحيحُ/القصيدة النثرية الصهيلَ/القصيدة الموزونة.
وفي المضمار نفسه، كتب الدكتور حسن الأمراني مقالات عدة في إبراز نقائص قصيدة النثر وتناقضاتها، رافضا إدراجها ضمن خانة "الشعر". يقول: "إن قصيدة النثر تفقد شرعيتها انطلاقا من اسمها المركب الذي يكشف عن التناقض، إذ القصيدة تحيل على الشعر، والنثر لا يحيل إلا على النثر، ولذلك يمكن قبول هذا النمط باعتباره جنسا من الأجناس الأدبية النثرية، أما أن يحشر ضمن الشعر فلا".[42]
ويدعو الشاعر علي فريد في قصيدته "الأدعياء والشعر" المتطفلين على الشعر، والمنادين بقصيدة النثر الذين يزعمون أنهم مجددون يحسنون الصنيع، إلى ترك صنعة الشعر والتحول إلى صنعة أخرى يتقنونها. يقول:[43] (الطويل)
دعوا الشعر وابغوا صنعة تحسنوها ... وقولوا لأقلام الغباء: ترفقي
تقولون تجديد ونحن دعاته ... وهل في جديد الشعر غير التحذلق
أقمتم له الدنيا ولم تقعدوا بها ... وجئتم لنا من كل غث بفيلق
وأشبعتمونا بالنشاز حماقة ... وقلتم لأسماع الأنام: تذوقي
فهو يقر بغثاثة شعر هؤلاء ورداءته…ويصرح –جازما- بأن هذا الشعر آيل للهدم والسقوط. يقول في البيت الأخير من قصيدته المذكورة سابقا:[44]
سيهدم ما تبنون معول لاحق ... كما تهدمون الآن صرحا لأسبق
إذاً، فالشعر الإسلامي المعاصر جاهَد قصيدة النثر ووقف في وجه الأبواق التي تروج لها. ويمكن أن نعبر عن ذلك جدوليا كالتالي:
وفي ختام هذا المقال، يتأكد لنا أن الشعراء الإسلاميين المعاصرين –فعلا- قد جاهدوا التغريب على اختلاف أشكاله وصوره، سواء بطريقة مباشرة أم غير مباشرة؛ لأنهم يدركون أن ذلك واجبٌ عليهم…وإذا كان الغرب يتهم جهادهم المقدس بكونه إرهابا وتعصبا، فإنهم يصرون على المضي قدما في هذا المَهْيع اللاّحب. يقول الشاعر الإسلامي الموريتاني الشيخ إبراهيم بن يا مختار:[45] (الطويل)
وإن كان إرهابا جهاد مجاهد ... فإنا على الإرهاب لا نتحول
وإن كان يعزى للتعصب تارة ... فإنا على ذاك التعصب نقتل
ولا أجد أفضل من كلام (لا توش) لختم هذا الموضوع، حيث يقول في مقالٍ له: "إن أشكال الصمود القائم في وجه الغرب يمكن اعتبارها منبع أمل، ولولا ذلك لكان من الممكن أن نتصور أن مصير هؤلاء الذين همَّشتهم الحداثة الغربية يؤول إلى نفس المصير الذي آل إليه هنود أمريكا الشمالية؛ بكلمة: الانمحاء التام".[46]
_________________________________
الهوامش:
[1] - أحمد فؤاد أمين حسن: كيف يواجه الأدب الإسلامي تحديات العصر ومحاولات الغزو الفكري؟، مجلة "الأدب الإسلامي"، مج6، ع23، 1420ه /1999م، ص ص: 32-33.
[2] - عمر الملاحي: تجليات الوعي في القصيدة الإسلامية المعاصرة ، رسالة جامعية لنيل د.د.ع. مرقونة مسجلة بخزانة كلية الآداب والعلوم الإنسانية (وجدة) تحت رقم 50. (نوقشت يوم الأحد: 19/12/1999م، و أشرف عليها الدكتور حسن الأمراني)،ص: 106.
[3] - سورة النحل، من الآية: 125. رواية الإمام ورش.
[4] - أحمد بن عبد الرحمن الصويان: في البناء الدعوي (المجموعة الأولى)، من منشورات المنتدى الإسلامي، ط1 (2002)، ص: 104.
[5] - محمد مصطفى هدارة: التغريب وأثره في الشعر العربي الحديث، مجلة "الأدب الإسلامي"، مج 1، ع 2، 1994،ص 64.
[6] - عبد الله بن أحمد بن حمدي: المضمون الإصلاحي في الشعر الإسلامي الموريتاني- مقاربة أولية، مجلة "الأدب الإسلامي"، مج6،ع 22، 1420ه /1999م، ص64 .
[7] - حسن الأمراني: الزمان الجديد، دار الأمان (الرباط)، ط1 ( 1988 ) ، ص: 166-167.
[8] - محمد بنعمارة: نشيد الغرباء، مطبعة النور (تطوان)، ط1 (1981)، ص 65.
[9] - بنعمارة: نشيد الغرباء، ص ص: 56-57.
[10] - سورة الأنفال، من الآية: 61.
[11] - د. عبد الله بن أحمد بن حمدي: المضمون الإصلاحي في الشعر الإسلامي الموريتاني…، ص: 68.
[12] - مجلة "الأديب الإسلامي"، مج 5، ع19، 1419ه ، ص 94.
[13] - عماد الدين خليل: وظيفة الأدب في المفهوم الإسلامي، مجلة "الأمة" قطر، ع 28، س 3، يناير 1983، ص: 10.
[14] - مجلة "الأدب الإسلامي"، مج6، ع 23، 1420ه /1999م، ص: 14.
[15] - إدريس الكنبوري: الصراع بين الإسلام والتغريب في قضية المرأة، مجلة "الوعي الإسلامي"، الكويت،ع.413، س37.، أبريل + مايو2000، ص:71.
[16] - مجلة "الأدب الإسلامي"، مج6، ع 23، 1420ه ، ص: 14.
[17] - مجلة "الأدب الإسلامي"، مج6، ع 23، 1420ه ، ص: 15.
[18] - المجلة نفسها، الصفحة نفسها.
[19] - عبد القادر عبار: الوعي والمعاناة في شعر محمود مفلح،مجلة "المشكاة"،وجدة،ع. 13، س.4، 1990،ص: 93.
[20] - عبد القادر عبار: الوعي والمعاناة في شعر محمود مفلح، ص: 82.
[21] - مجلة "الأدب الإسلامي"، مج 5، ع19، 1419ه ، ص:55.
[22] - مجلة "المشكاة"،ع8، س2، 1988م، ص: 60.
[23] - مجلة "الأدب الإسلامي"،مج5، ع19، ص: 69.
[24] - مجلة "الأدب الإسلامي"، مج6، ع 23، 1420ه ، ص: 70.
[25] - مجلة "المشكاة"،ع14، س 4، ص: 44.
[26] - الأمراني: سآتيك بالسيف والأقحوان، مؤسسة الرسالة (بيروت)، ط1 (1996)، ص ص: 36-37.
[27] - فريد الأنصاري: ديوان القصائد، مطبوعات الأفق (البيضاء)، ط1 (1992)، 1/42.
[28] - فريد الأنصاري: ديوان القصائد، 1/43.
[29] - مجلة "الأدب الإسلامي" مج5، ع 19، 1419ه ، ص: 73.
[30] - المجلة نفسها، ص 77.
[31] - المرحوم محمد محمود الزبيري: ديوانه، دار العودة (بيروت)، ط1 (1978)، ص: 358.
[32] - بلقاسم الجطاري: قبس(نصوص شعرية)، دار النشر الجسور (وجدة)، ط1 (1999)،ص ص: 11-12.
[33] - الخطاب موجَّه إلى الوطن/المغرب.
[34] - السبر: الهيئة. يقال: فلان حسن الحبر والسبر إذا كان جميلا حسن الهيئة.
[35] - الجطاري: قبس، ص 11.
[36] - الأمراني: ثلاثية الغيب والشهادة، المطبعة المركزية (وجدة)، ط1 (1989)، ص ص:61-62.
[37] - الأمراني: القصائد السبع، المطبعة المركزية (وجدة)، ط1 (1984)، ص: 18.
[38] - أقصد "بسنوات التسعين" سنوات82،81…90.
[39] - مجلة "الأدب الإسلامي"، مج 5، ع 19، 1419ه ، ص 85.
[40] - مجلة "الأدب الإسلامي"، مج 5، ع 19، 1419ه ، ص 85.
[41] - المجلة نفسها، الصفحة نفسها.
[42] - الأمراني: الشكل في القصيدة..وتحديات الشعراء الإسلاميين، مجلة "الأدب الإسلامي"مج5، ع 19، ص: 12.
[43] - مجلة "الأدب الإسلامي" مج6، ع 23، 1420ه ، ص: 35.
[44] - مجلة "الأدب الإسلامي" مج6، ع 23، 1420ه ، ص: 35.
[45] - د. عبد الله بن أحمد بن حمدي: المضمون الإصلاحي في الشعر الإسلامي الموريتاني…(م.س)، ص: 69.
[46] - سيرج لاتوش: "تنميط العالم: محاولة في فهم آليات التغريب ومحدودياته"، تر: ذ. مصطفى المرابط+ ذ. محمد أمزيان، مجلة "المنعطف"، وجدة، ع.11، 1995، ص: 49.
المصدر : موقع رابطة ادباء الشام - بتصرف واختصار