مسلمو كوبا لا بواكي لهم (2)

محمد شتيوى

مستشار سابق
مسلمو كوبا لا بواكي لهم (2)

ها نحن عدنا لنستكمل الحديث الذي بدأناه في الحلقة السابقة عن المسلمين في كوبا حيث توقفنا عند أهم المؤشرات التي تدل على عمق الوجود الإسلامي في كوبا لنؤكد اليوم على أن أهم مرحلة للوجود العربي في الأرض الكوبية أتت مع النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية النصف الأول من القرن العشرين وذلك بوصول هجرات من الدول العربية وخاصة بلاد الشام من اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين, وبدرجة اقل المصريين والليبيين والجزائريين واليمنيين.

وقد قدر عدد من أتى إليها من بلاد الشام سنة 1951م بـ 5000 مسلم، كما وصل 2000 مسلم صيني سنة 1908م، لكن أعدادهم قلت بعد الثورة الشيوعية، فهاجر العديد منهم إلى دول متفرقة من أمريكا اللاتينية وخصوصاً البرازيل.

وتبين إحصائيات الهجرة أن ما بين عامي 1906م ,1913م كان 30 %من العرب الذين وصلوا إلى كوبا ، قد جاءوا مباشرة مما يسمى تركيا الآسيوية ومن بلدان أوروبية وأمريكية أخرى.

إن أكبر نسبة مئوية أتى بها المهاجرون اللبنانيون الذين هاجروا عن أراضيهم بسبب الأزمة الاقتصادية العميقة التي أفلست المنتجين المحليين ، وبسبب التناقضات مع الإمبراطورية العثمانية التي ولدت استياء المجموعات المسيحية ، خاصة المارونية منهم, أما الفلسطينيون فهاجروا في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى بشكل أساسي .

وتشير الإحصائيات إلى أنه ما بعد عامي 1920م و 1931م دخل كوبا قرابة9937 مواطن عربي من شرقي البحر الأبيض المتوسط, ومنذ بداية وصولهم البلد ظهرت مشكلة تسمية المهاجرين العرب العامة الذين سجلوا في البداية كـ " أتراك " بغض النظر عن انتمائهم العرقي الحقيقي, وبعد هزيمة الأتراك أطلق عليهم السوريين.


لقد فضلوا الاستقرار في المناطق الحضرية والتجارية من الجزيرة و في القرى المتطورة في صناعة السكر وتربية المواشي , وكانت المناطق السكنية الأكثر أهمية لهم هي مدينتا هافانا وسنتياغو دي كوبا وهما أهم الموانئ لوصول الناطقين بالعربية إلى الجزيرة ,إضافة إلى المنطقة الوسطية لمدينة هافانا ( ستتو هافانا الحالية ) و الجزء التاريخي لها ،وكانت أهم الأحياء التي أقام فيها العرب" مارياناو ، سنتا أماليا ، حي خوانيلو ، ريغلا وقرى محافظة هافانا الحالية " غوينيس و بيخوكال و كيفيكان و باوتا".

أما في المحافظات الشرقية ، فكانت المناطق المفضلة عندهم ، إضافة إلى مدينة سنتياغو دي كوبا ، مدينة غوانتانامو ، وكويتو ، و منسانيجو ، وأولغين ، ولاس طوناس .

أما في كماغويه ، فقد استقروا في غوايمارو ، وميناس ، ومورون ، لاسولا ، وإسميرالدا ، وسنتا كروز ، وسيغو دي أفيلا . في بقية أجزاء البلد كانت هناك تجمعات في سنتا كلارا ، وكبايغوان ، وساوا لغراندي ، ومتانساس ، وكرديناس ، وبينار ديل ريو .

وكانت التجارة من أهم المهن التي عمل بها العرب الأوائل في كوبا, أما الجيل الأول من المنحدرين من أصل عربي فقد برز ولا يزال يبرز في مجال العلوم الطبية وأوجه مهنية أخرى .

لقد تميزت كتلة المهاجرين العرب بالتنوع الطائفي الخاص بالمنطقة : مسيحيون موارنة ، وأرثوذكس ، ومالكيون ، وآشوريون كالديون ، وآشوريون نصتوريانيون ، ولاتينيون ، ومسلمون سنة وشيعة ودروز . وأكثرهم نشاطا دينيا كانوا الموارنة الذين كان لهم أربعة خوريون موارنة في مدينة هافانا يقيمون القداس باللغة العربية في الخوريات الموجودة في العاصمة : مار يهوذا ، ومار نقولاس ، وخورية يسوع ومريم ويوسف ، وخورية المسيح الحامي للمسافرين . أيضا أقام الخوريون الموارنة طقوس الزواج والتعميد والطقوس الخاصة بموتى الجالية المسيحية العربية في كوبا .

التجمع الاجتماعي للمهاجرين كان في بعض الحالات على مستوى الجنسيات ، ومالوا تاريخيا إلى توحيد الجنسيات الثلاثة الأكثر عدداً .

أن معظم الجمعيات العرقية العربية - التي يبلغ عددها على مر الزمان أكثر من 30 - كانت خيرية أو ترفيهية ، وفي حالات استثنائية فقط كان لها مرامي سياسية ,و لقد تركز الجزء الأكبر منها فيما سمي بـ "حارة العرب في هافانا و كذلك في حارة "تيفولي" في مدينة سنتياغو دي كوبا .

خلال العقود غير القليلة لاستقرارهم في كوبا ، ترك العرب آثارهم في مختلف مجالات الحياة السياسية والثقافية للجزيرة ، أكثر من اثني عشر منهم انضموا بنشاط إلى الحروب الاستقلالية وترفعوا إلى رتب عسكرية مختلفة ؛ كما انه خلال النضالات الثورية في المدن ضد الاستعمار الجديد، سجلت أسماء الكثير من المنحدرين منهم في قائمة شهداء الوطن . أما العلماء الناطقون باللغة العربية فقد قاموا بإنجازات لن تمحى من تاريخ الطب وفروعه ؛ والأمر كذلك في مجال الثقافة حيث اكتسبوا شهرة على المستوى العالمي .

إن الكوبي المنحدر من أصل عربي ، لهو نتيجة عرقية وراثية لشكلين من الوحدة : الوحدة الداخلية ، أي ما بين أم وأب عربيين ، والوحدة ما بين عرقيات مختلفة ، أي من أب أو أم عربية فقط ، حيث كان للطرف الكوبي وزن هام . إن ارض مسقط رأسه وتربيته ووعيه الذاتي وهويته وتطوره النفسي الاجتماعي يجعله يتصرف ككوبي ، لكن العديد من العادات والتقاليد من وطن أجداده والتي انتقلت من جيل إلى جيل ، قد تبقى عندهم كممارسات دائمة . هكذا احتفظوا في بيوتهم بأكلات شرقية تقليدية ويحملون في أعماقهم اثرين لا يمحيان من عرقيتهم الماضية : الملامح الجسمانية والألقاب التي ترمز إلى أسماء مجموعات عائلات في تلك المجتمعات الأبوية.

في الوقت الراهن يتجمع الوافدون الشرقيون والمنحدرون منهم في الجزيرة في الاتحاد العربي في كوبا الذي يحاول المحافظة على الروابط العائلية والتاريخية مع الوطن الأصلي لأجدادهم عبر علاقاته الثنائية.



وبعد أن تحدثنا عن الجالية العربية بصفة عامة نعود لنخص بالذكر الجالية المسلمة, فالمطلع على أحوال تلك الأقلية يرى أن المسلمون الجدد الذين اعتنقوا الإسلام تأثروا بالصحوة الإسلامية في بعض الدول الإسلامية إلى حد كبير، وخاصة المسيرة التي قادها لويس فراقان رئيس جماعة "أمة الإسلام" في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1995م ,كما تأثر العديد من المسلمين العرب في كوبا بهذه الصيحات، وتزامنت هذه الصحوة مع بداية الانفتاح في كوبا على العالم في مؤتمر عقد سنة 1994م افتتحه الرئيس كاسترو، وشارك فيه ما يزيد على 1100 ممثل عن الأحزاب السياسية والمنظمات الدينية، واعتبر هذا المؤتمر نقطة تحول مهم في صالح الأقليات الدينية في كوبا.

ومما زاد في الانفتاح أكثر، انهيار الشيوعية على المستوى العالمي وخاصة في (الاتحاد السوفييتي)، لذلك أصبح كل الناس في كوبا يتطلعون إلى جذورهم وأصولهم وعقيدتهم، خاصة بعد أن أصبحت الحرية الدينية متاحة في كوبا للجميع، فعادت كافة الملل بقوة إلى كوبا وفتحت الكنائس والمعابد.
ويوجد الآن في كوبا "البيت العربي" وهو عبارة عن متحف فيه تحف عربية قديمة، وهو تابع للحكومة، و"النادي الكوبي العربي" وهو تابع للبيت العربي حيث يجتمع فيه بعض المغتربين العرب في كوبا، وجعل جزء منه مصليً تقام فيه صلاة الجمعة وصلاة العيدين، ويتناوب على خطبة الجمعة بعض الإخوة المسلمين من بعض السفارات العربية والإسلامية هناك، وكان لسفير نيجيريا الفضل بعد الله في وجود هذا المصلى.
وهناك جهود دعوية بسيطة يقوم بها بعض المسلمين مثل "محمد اليحيا"، وهو رئيس المسلمين الكوبيين الذي أسلم حين وجد نسخة من القرآن الكريم مترجمة إلى الفرنسية، وله نشاط ملحوظ وسط المسلمين الكوبيين .

وفي كوبا مجموعة من الطلبة العرب يزيد عددهم على 3000 طالب وطالبة من مختلف دول العالم العربي والإسلامي أكثرهم من الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو، ويليهم طلبة من فلسطين وسوريا ولبنان، ويسكن في العاصمة (هافانا) حوالي 500 طالب من مختلف الدول، وأكثر من 1200 طالب يسكنون في جزيرة الشباب، أما باقي الطلبة فموزعون على مدن متفرقة، وأكثرهم يعانون من مأساة المعيشة والظروف القاسية، حيث يفتقرون إلى اللباس والمواد الغذائية والأدوات المدرسية، بعضهم يتناول وجبة واحدة وخفيفة في اليوم وذلك منذ تفكك الاتحاد السوفييتي وسقوط النظام الشيوعي، حيث أثر ذلك مباشرة على كوبا واقتصادها، بالإضافة إلى الحصار المضروب عليها منذ الثورة إلى اليوم.

وبدأ الانفتاح شيئا ما على كوبا سنة 1991م، وفي سنة 1994م تحديداً بسطت جميع الديانات نفوذها على هذا البلد، وذلك بحكم علاقتها وصلتها بالسلطات المحلية والدينية القديمة ولما لها من قوة اقتصادية وإعلامية تحرك للأسف من خلالها بعضهم للحد من النشاط الإسلامي، لهذا رفضت السلطات الكوبية إقامة مسجد ومركز إسلامي مبررة ذلك بأنه لم يكن هناك مركز إسلامي في كوبا قبل ثورة كاسترو عام 1959م.

ومن الملاحظ وجود نشاط لأصحاب الديانات الأخرى وخصوصا اليهودية والنصرانية إلا المسلمين، والكثير من الأسر العربية، المسلمة يتحدث آباءهم العربية أما الجيل الثاني والثالث فلا يعرفون حرفاً واحداً من العربية ولا عن الإسلام بل ما يدعو للحسرة أنه يستوي عندهم الإسلام وغيره من الديانات على حد قولهم,ومن المفارقات المحزنة عن إحدى السيدات التي تتكلم العربية بطلاقة وتملك ثقافة عن الصلاة والصيام إنها الوحيدة المتدينة بين أفراد أسرتها الكبيرة "لأنها الوحيدة بينهم التي تقرأ الفاتحة في بعض المناسبات مثل الأعياد والوفيات والزواج".

وفي ظل الظروف الاقتصادية التي تعيشها كوبا جراء الحصار المفروض عليها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية منذ عدة سنوات، وفي ظل الغياب المطلق للتنظيمات الأهلية والمراكز الإسلامية وقلة المساجد والمدارس والدعاة، يطالب الدعاة الإسلاميون بتطبيق خطة محكمة من أجل إنقاذ أبناء الأقلية المسلمة عموما من الضياع والذوبان وذلك بالعمل الجاد لتحقيق عدة مطالب أهمها:
- إنشاء مركز إسلامي ضخم بالعاصمة (هافانا) يكون عبارة عن مضخة ونقطة إشعاع وتنوير لباقي المدن الكوبية، ويحوي جميع المرافق من مسجد ومكتبة ومدرسة وقاعة للمحاضرات والدروس ومأوى لعابري سبيل، وأن تساهم في بناء هذا المركز جميع السفارات العربية والإسلامية الممثلة هناك بغية الضغط على السلطات المحلية الكوبية للسماح بإنشائه، وبالتالي الاعتراف بالدين الإسلامي.
- إرسال الدعاة المسلحين بعلوم العصر، وممن يلمون بالأفكار الماركسية وباللغة الأسبانية حتى يتمكنوا من التعامل مع البيئة الكوبية التي يطغى عليها الفكر الجدلي المادي.
- تنظيم لقاءات ومؤتمرات إسلامية ومخيمات شبابية يتم من خلالها تعارف المسلمين على بعضهم البعض.
- تنظيم معارض للكتاب الإسلامي المترجم إلى الإسبانية تتوافر فيه الكتب والنشرات والمطويات الهادفة والتي تراعي عقلية الإنسان الكوبي وتفكيره.
- إرسال بعثات طلابية من المسلمين الجدد لمتابعة دراستهم في الجامعات الإسلامية.
- استضافة مسلمين كوبيين لأداء فريضة الحج.
- دعم المشروعات الاقتصادية في جزيرة كوبا ودعوة رجال الأعمال المسلمين لإقامة المشروعات المشتركة، سواء في المجالات الزراعية أو الصناعية أو السياحية.
- فتح بعض القنصليات الإسلامية في المدن الكوبية المهمة خدمة للمسلمين هناك.
- تشجيع الراغبين في السياحة من المسلمين للتوجه إلى المدن الكوبية.
- إنشاء مؤسسات وقفية اقتصادية مربحة توفر العمل للمسلمين الكوبيين، مع تخصيص نسبة من الربح للدعوة الإسلامية.

ختاماًُ هلم معي نرفع يد الضراعة إلى الله عز وجل لنصرة المستضعفين من إخواننا المسلمين في كوبا خاصة وفي سائر المعمورة

___________________________
المصدر : موقع مفكرة الإسلام - الأربعاء 29 من محرم1429هـ 6-2-2008م
 
شكرا لك أخي الغالي على الموضوع المهم الذي يعالج أزمة اخوة لنا في الملة والدين ، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما معناه أنه من لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم ..
 
كان الله في عون المسلمين فما يعانونه في بلد الغربة كبير...وربما اضطهدوا وقتلوا...ولكن على المسلمين واجب الدعاء لهم ..وإنشاء المراكز التثقيفية التي تبين الإسلام ...وهذا جهد دولة ..ألا ترى أخي محمد أن المنصرين في افريقيا تبذل لهم الدول الوروبية الكثير من المال لأجل ادخال أكبر عدد منهم في النصرانية...
 
بارك الله فيكم أجمعين

شكرا لك أخي الغالي على الموضوع المهم الذي يعالج أزمة اخوة لنا في الملة والدين ، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما معناه أنه من لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم ..

أحب دائما أن أتتبع أخبار المسلمين فى كل مكان , وأحب من يفعل ذلك
وكما قلت , الحديث ( من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم

كان الله في عون المسلمين فما يعانونه في بلد الغربة كبير...وربما اضطهدوا وقتلوا...ولكن على المسلمين واجب الدعاء لهم ..وإنشاء المراكز التثقيفية التي تبين الإسلام ...وهذا جهد دولة ..ألا ترى أخي محمد أن المنصرين في افريقيا تبذل لهم الدول الوروبية الكثير من المال لأجل ادخال أكبر عدد منهم في النصرانية...

والدعاء أيضا وهى نقطة مهمة ..
كما يستحضر المرء فى ذلك قول النبى صلى الله عليه وسلم ( مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى )
وإذا كانت الدول الغربية الملحدة تهتم بأخبار أقليتها , فنحن أولى بذلك وأحرى .. عسى أن يعود زمن المعتصم .. وا إسلاماه
جزاك الله خيرا
 
عودة
أعلى