محمد راقي
New Member
[والشعراء يتبعهم الغاوون.......الآية...]
أليس القرآن الكريم دمغ الشعراء وأتباعهم بالغواية في قوله تعالى: [ والشعراء يتبعهم الغاوون..الآية.]؟
أليس الشعراء يلجأون عادة إلى المبالغة والكذب أحيانا حتى يقال:[ أعذب الشعر ، أكذبه ] ؟
فما رأي الإسلام في ذلك ؟ وهل ما ورد في سورة الشعراء موقف نهائي للإسلام من الشعراء، أو أن ذلك كان موقفا له ظروفه الخاصة ؟
إنها أسئلة كثيرة تطرح نفسها حتى بتنا نسمع أناسا يقولون إن نظم الشعر حرام ، وكذلك الإستماع إليه، وخاصة من بعض الدعاة والمنتسبين إلى الإسلام ، ونسوا هؤلاء أن الشعر كالنثر كلام مكون من عبارات وألفاظ ، ولا يفترق الشعر والنثر إلا بالوزن والموسيقى ، وهذان لا دخل لهما في مضمون الكلام ، أو الحكم عليه بالجودة أو الرداءة ، ولعل هذا هو الذي جعل حجة الإسلام الغزالي يقول عن الشعرإنه كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح. ولقد قال رسول الله (ص): (( إن من الشعر لحكمة)) وحينما سمع الرسول (ص) قول الشاعر طرفة:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا... ويأتيك بالأخبار من لم تزود
قال : هذا من كلام النبوة. وليس معنى هذا أن الكلام من الوحي، ولكن الرسول يريد أن معنى البيت يتفق مع ما يقوله الأنبياء ، لأنه الحق .
وإذا كان القران الكريم قد نفى عن الرسول صفة الشعر في مواضع منه فالمراد من ذلك (كما جاء في كتاب – سلاح الشعر-) نفي ما افتراه عليه المشركون من أنه ساحر ،لأن القران لو ترك الرد على هذا الإفتراء لمضي المشركون في زعمهم، وقد كان شعراءه يومئذ (إلا من عصم الله، وقليل ما هم) شياطين للإثم والرذيلة والتخيل الكاذب ، ولو كان محمد شاعرا- كما يزعمون- لكان القران المجيد الذي جاء به من عند الله شعرا ، فلا يكون كتابا إلاهيا ، ولا يكون معجزا .
وإذا كان القران يقول ( والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون ، وأنهم يقولون ما لا يفعلون، إلا الذين امنوا وعملوا الصالحات ) فالمراد بالشعراء هنا الذين كانوا يهيمون في أودية الخيال الكاذب ، والغزل المكشوف ، وتمزيق الأعراض، وإثارة الفتن، والطعن في الأنساب، والهجاء الفاحش ، والوعد الباطل ، والإفتخار بالباطل ، ومدح من لا يستحق المدح، تناقض بين القول والعمل.
وأما إذا كان الشعر من اللون المؤمن الصالح الذاكر، فما أجمله وما أحسنه ،فما أطيب الشعر إذا قيل في الإيمان، وفي الصالحات ، وفي الخصال الحميدة ،وفي الذكر ، وفي الإنتصار ودفع الظلم ، ولذلك استثنت الايات فقالت: ( إلا الذين امنوا، وعملوا الصالحات ، وذكروا الله كثيرا، وانتصروا من بعد ما ظلموا، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون )
وبعض الناس يروي حديثا نبويا بالصورة التالية : ( لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلىء شعرا )ويحتج بهذا على ذم الشعر ، ولكن الرواية السابقة للحديث تحتاج إلى تصحيح ، لأن صحتها هي:
( لأن يمتلىء جوف أحدهم قيحا خير له من أن يمتلىء شعرا هجيت به ).
وكلمة (هجيت به) التي اسقطت من رواية الحديث فيها أبلغ الرد على الذين لا يفرقون في الشعر بين الغث والسمين.
والثابت في سيرة الرسول (ص) أنه أنشد الشعر متمثلا به، وسمعه واستجاد الحسن منه ، وأثاب عليه ، ولقد سمع من الشاعرة الخنساء طائفة من قصائدها .
وكان يستزيدها قائلا : هيه يا خناس ، كما سمع شعر كعب بن زهير وأثابه عليه كما حث حسان بن ثابت على قول الشعر في الدفاع عن الإسلام ، وكان يقول له: ( اهج المشركين وروح القدس يؤيدك ) وروح القدس هو جبريل عليه السلام.
ولقد سال كعب بن مالك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : يا رسول الله ، ماذا ترى في الشعر ؟
فأجابه بقوله : ( المؤمن يجاهد بلسانه وسيفه ).
ونخلص من هذا إلى أن نظم الشعر ليس بحرام كما يزعم البعض ، لأنه كالنثر، وإنما يحرم سوء استغلاله فيما لا يجوز من القول ، وكذلك لا يحرم الإستماع إلى الشعر متى كان نظيفا شريفا ، لا يحرض على إثم ، ولا يثيردافعا إلى معصية ، أو إلى فاحشة أو قبح ، والمهاجمة التي وردت في القرآن الكريم للشعر ينبغي أن تكون مقصورة على صنف معين من الشعراء، وهم الذين يتبعهم الآثمون ،والذين يقولون ما لا يفعلون ، وهذا هو رأي الإسلام في كل وقت وفي كل زمان ومكان ....
(كتاب يسألونك في الدين والحياة) لمؤلفه: الدكتور أحمدالشرباصي الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف ( المجلد الأول )