الفصاحة

حضرموت

مشرف عام المنتديات العامة
طاقم الإدارة
الفصاحة
قال الإمام فخر الدين الرازي: اعلم أن الفصاحة خلوص الكلام من التعقيد، وأصلها من قولهم أفصح اللبن إذا أخذت عنه الرغوة. وأكثر البلغاء لا يكادون يفرقون بين البلاغة والفصاحة، بل يستعملونها استعمال الشيئين المترادفين على معنى واحدة في تسوية الحكم بينهما. ويزعم بعضهم أن البلاغة في المعاني، والفصاحة في الألفاظ، ويستدل بقولهم معنى بليغ ولفظ فصيح.
وقال يحيى بن خالد: ما رأيت رجلاً قط إلا هبته حتى يتكلم، فإن كان فصيحاً عظم في صدري، وإن قصر سقط من عيني
وقد اختلف الناس في الفصاحة، فمنهم من قال: إنها راجعة إلى الألفاظ دون المعاني، ومنهم من قال: إنها لا تخص الألفاظ وحدها واحتج من خص الفصاحة بالألفاظ قال: نرى الناس يقولون هذا لفظ فصيح، وهذه الألفاظ فصيحة، ولا نرى قائلاً يقول: هذا معنى فصيح، فدل على أن الفصاحة من صفات الألفاظ دون المعاني، وإن قلنا إنها تشمل اللفظ والمعنى لزم من ذلك تسمية المعنى بالفصيح، وذلك غير مألوف في كلام الناس، والذي أراه في ذلك أن الفصيح هو اللفظ الحسن المألوف في الاستعمال بشرط أن يكون معناه المفهوم منه صحيحاً حسناً. ومن المستحسن في الألفاظ تباعد مخارج الحروف، فإذا كانت بعيدة المخارج جاءت الحروف متمكنة في مواضعها غير قلقة ولا مكدودة، والمعيب من ذلك كقول القائل:
لو كنت كنت كتمت الحب كنت كما ... كنا وكنت ولكن ذاك لم يكن
وكقول بعضهم أيضاً:
ولا الضعف حتى يبلغ الضعف ضعفه ... ولا ضعف ضعف الضعف بل مثله ألف
وكقول الآخر:
وقبر حرب بمكان قفر ... وليس قرب قبر حرب قبر
إن هذا البيت لا يمكن إنشاده في الغالب عشر مرات متوالية إلا ويغلط المنشد فيه لأن القرب في المخارج يحدث ثقلاً في النطق به. وقيل: من عرف بفصاحة اللسان لحظته العيون بالوقار. وبالفصاحة والبيان استولى يوسف الصديق عليه الصلاة والسلام على مصر وملك زمام الأمور وأطلعه ملكها على الخفي من أمره والمستور.
قال الشاعر:
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... ولم يبق إلا صورة اللحم والدم
وسمع النبي صلى الله عليه وسلم من عمه العباس كلاماً فصيحاً فقال: بارك الله لك يا عم في جمالك. أي فصاحتك.
وعرضت على المتوكل جارية شاعرة، فقال أبو العيناء يستجيزها أحمد الله كثيراً. فقالت: حيث أنشأك ضريراً.
فقال: يا أمير المؤمنين قد أحسنت في إساءتها فاشترها. وقال فيلسوف: كما أن الآنية تمتحن بأطيانها، فيعرف صحيحها من مكسورها، فكذلك الإنسان يعرف حاله من منطقه.
وقال المبرد قلت للمجنون أجزني هذا البيت:
أرى اليوم يوماً قد تكاثف غيمه ... وإبراقه فاليوم لا شك ماطر
فقالا:
وقد حجبت فيه السحائب شمسه ... كما حجبت ورد الخدود المحاجر
وقال عبد الملك لرجل: حدثني، فقال: يا أمير المؤمنين افتتح، فإن الحديث يفتح بعضه بعضاً. وقال الهيثم بن صالح لابنه: يا بني إذا أقللت من الكلام أكثرت من الصواب، قال يا أبت فإن أنا أكثرت وأكثرت يعني كلاماً وصواباً، قال: با بني، ما رأيت موعوظاً أحق بأن يكون واعظاً منك. وقال الشعبي: كنت أحدث عبد الملك بن مروان وهو يأكل فيحبس اللقمة فأقول: أجزها أصلحك الله، فإن الحديث من وراء ذلك، فيقول: والله لحديثك أحب إلي منها. وقال ابن عيينة: الصمت منام العلم، والنطق يقظته، ولا منام إلا بتيقظ ولا يقظة إلا بمنام. قال ابن المبارك:
وهذا اللسان بريد الفؤاد ... يدل الرجال على عقله
ومر رجل بأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، ومعه ثوب، فقال له أبو بكر رضي الله عنه: أتبيعه؟ فقال: لا، رحمك الله، فقال أبو بكر: لو تستيقمون لقومت ألسنتكم، هلا قلت لا ورحمك الله.
ومنه: ما حكي أن المأمون سأل يحيى بن أكثم عن شيء، فقال: لا، وأيد الله أمير المؤمنين، فقال المأمون: ما أظرف هذه الواو وأحسن موقعها. وكان الصاحب يقول: هذه الواو أحسن من واوات الأصداغ. ويقال: اللسان سبع صغير الجرم عظيم الجرم، وقال بعضهم شعراً:
سحبان يقصر عن بحور بيانه ... عجزاً ويغرق منه تحت عباب
وكذاك قس ناطق بعكاظه ... يعيا لديه بحجة وجواب
وقيل: إنه حج مع ابن المنكدر شابان، فكانا إذا رأيا امرأه جميلة قالا: قذ أبرقنا،. وهما يظنان. أن ابن المنكدر لايفطن فرأيا قبة فيها امرأة، فقالا: بارقة وكانت قبيحة، فقال ابن المنكدر: بل صاعقة. وكان أصحاب أبي علي الثقفي إذا رأوا امرأة جميلة يقولون: حجة، فعرضت لهم قبيحة، فقالوا: داحضة وكتب إبراهيم بن المهدي: إياك والتتبع لو حشي الكلام طمعاً في نيل البلاغة، فإن ذلك العناء الأكبر، وعليك بما سهل مع تجنبك الألفاظ السفل. ويقال: القول على حسب همة القائل يقع والسيف بقدر عضد الضارب يقطع. وقال الأحنف: سمعت كلام أبي بكر حتى مضى، وكلام عمر حتى مضى، وكلام عثمان حتى مضى، وكلام علي حتى مضى رضي الله تعالى عنهم، ولا والله ما رأيت فيهم أبلغ من عائشة. وقال معاوية رضي الله تعالى عنه: ما رأيت أبلغ من عائشة رضي الله تعالى عنها، ما أغلقت باباً فأرادت فتحه إلا فتحته، ولا فتحت باباً فأرادت إغلاقه إلا أغلقته.

===================
المستطرف في كل فن مستطرف
===================
 
القول على حسب همة القائل يقع والسيف بقدر عضد الضارب يقطع.

بارك الله فيك اخي الكريم على المقال

نحتاج الكثير ولكثير من هذه المقالات المفيدة

خصوصا في هذا الوقت الذي اختلت مفاهيم اللغة عند العرب لاسباب كثيرة اهمها اختلاطهم بالعجم واهتمامهم بتعلم اللغات الاخرى على حساب العربية ................................
 
الأخ يوسف: بارك الله فيك أخي يوسف على تعليقك....لقد أثلج صدري..

الأخت ماري: شكرا لك على مرورك العطر
 
اعلم أن الفصاحة خلوص الكلام من التعقيد، وأصلها من قولهم أفصح اللبن إذا أخذت عنه الرغوة

نعم با أخي حضر موت إنه الفصاحة بعينها ولبها ، فما أجمل الكلام الغير المبهم والمعبر عن الآراء والمشاعر
في إيجاز وحكمة ورزانة تنبعث من القلب لتصل إلى القلب بدون تكلف ولا تكلفة.
شكرا لك أخي الغالي على الإخلاص النبيل وتسلم يداك على الإختيار الجميل ودمت في رعاية المولى الجليل.
 
ومر رجل بأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، ومعه ثوب، فقال له أبو بكر رضي الله عنه: أتبيعه؟ فقال: لا، رحمك الله، فقال أبو بكر: لو تستيقمون لقومت ألسنتكم، هلا قلت لا ورحمك الله.

هذا خطأ يقع فيه الكثير
فإذا عرض أحدهم على الآخر عرضا , ورفضه قال :
لا جزاك الله خيرا
وهو يقصد : لا أريد ... وجزاك الله خيرا
هكذا كان الصحابة أفصح الناس وأعلمهم , فأولى بنا الاقتداء بهم فإهم لنا أسوة
+2
بارك الله فيك :)
 
جزاك الله خيرا أخي محمد على تعليقك ...
وهذه العبارة
لا جزاك الله خيرا
كأنك تدعو عليه...فانظر أخي إلى دقائق العربية
 
نعم با أخي حضر موت إنه الفصاحة بعينها ولبها ، فما أجمل الكلام الغير المبهم والمعبر عن الآراء والمشاعر
في إيجاز وحكمة ورزانة تنبعث من القلب لتصل إلى القلب بدون تكلف ولا تكلفة.
شكرا لك أخي الغالي على الإخلاص النبيل وتسلم يداك على الإختيار الجميل ودمت في رعاية المولى الجليل.
بارك الله فيك أخي محمد راقي على تعليقك
 
هي ملكة، يقتدر من خلالها على التعبير
لها شروط: الخلو من التعقيد
ان تكون على نفس الاوزان التي وردت في اللغة
أن لا تكون المخارج متقاربة
سلمت يمناك!
 
نعم هي ملكة ...بارك الله فيك..
سعدت كثيرا بتعليقك
 
عودة
أعلى