بكر أَبو زيد ابنُ القَيِّم الَّثاني !!..

أبو قصي

ضيف شرف
طاقم الإدارة
بكر أَبو زيد ابنُ القَيِّم الثاني !!..

بكر أَبو زيد ابنُ القَيِّم الثاني

" عَيْبَة ُعلمه ، وَبنانُ حُجّتهِ "

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى .... أَما بعد فما كان للتاريخ أَنْ يُغْفل طوائِفَ العلم التي عمرت حِقَبه ، وملأَت أَرجاءَه ، وطوََّفَت بآفاقه .
ومن هذه الطوائف طائِفةٌ اجتباها الإِسلامُ اجتباءً خاصَّاً لنفسه ، وخصَّها بالكثير من فضله ، وأَولاها من فَيْضِ عنايته ، ما لم يأْذن لغير هذه الطائفة أن تناله ، وليس ذلك من ضنٍّ منه أَن يُنيلَ الذي أَناله هذه الطائِفة ، بل لما اختصها الله به من فضائِل نفْسيَّةٍ وصفاتٍ عقليةٍ ، ومواهبَ رقَيِتْ بها سُلَّم الخلود ، وأَخْرجَتْها من ظُلْمةِ التذبذب والتَّحيُّرِ ، إلى نور الاستقرار والثبات ، فَعُرِفَت في دنيا الناس بتلكم المواهب ، وأَجْرَتْ عليها من شَفيفِ بِرِّها وإِحسانها ، ما لم تبصر ولا ترى في غيرها .
وعرفت أُمَّةُ الإسلام في كلِّ قرن من قرونها واحداً وقف قوياً عزيزاً على رأْس هذه الطائِفة ، يمدُّ بصره إِلى آفاق الزَّمن ، يَجِدُّ في البحث عن واحدٍ يكون مثله ، لانت له المعرفة ، وأَلقت إِليه بزمامها ، وأَرادته أن يكون لها وحدها ، لا ينازعها فيه منازع ، ولا تجترح أَصابعه تدوين غيرها ، مما شغل سوادُ أهل العلم أَقلامَهم وقلوبَهم بها مما هو مقدور عليه ، وهو مستطاع للعامة قبل الخاصة منهم .
وقد يجد هذا الواحدُ من يظاهره فيما اختصه الله به من المواهب ، والفضائِل ، والصفات ، عطاءً غير مجذوذٍ ، واحداً أَو أكثر ، ممن أَخذوا العلم عنه ، أَو أَطافوا بِعلْمه من بعد موته ، فيما أَبقى للناس مسطوراً في قرطاس ، أَو مأْخوذاً عن سماع ، أو مُتَلقّىً من طول صحبة .
ولا نرغب في أَن ننحدر مع القرون لنشارِف رأسَ القرون المفضلة ، وإِمامها الأشمَّ ، وسقفها المتين العالي ، فلا علينا ، فذلك قرن مع صنويه بلغ من الرفعة وعلوِّ المنزلة ، وبعدِ الشَّأْوِ والمطَّلب ، ما ليس في وسع القرون العاقبةِ كلِّها مجتمعةً بجهدها وَطَوْلِها أَن تبلغ ـ إِلاَّ ما يكون بالتَّأسِّي والمصابرة ـ من جلال ذلك القرن ، وَروْنق بهائِه ، وعزِيزِ سلطانه ، في كل جانب من جوانب وجوده الحياتي .
لذا فإني واقفٌ بكم على مدرجة القرن السادس ، لنستشرف معاً قطعة من أَرض الشام الطيبة المباركة ، على بعدٍ أَو قربٍ منها ، فالزمن مطويٌّ بكلِّ ما هو في باطنه ، وبكلِّ ما هو من فوق ظاهره ، بِيَدِ سِجِلٍّ حافظٍ بارع ، ليس يغيب منه شيءٌ على الدهر ، لنبصر معاً برجل أَمَّ العالمَ كلَّه بعلمه ، وشَمَخَ على الحياة شموخَ الرَّواسي ، وأَسلمت له العلومُ والمعارف برَغَبِها ورَهَبِها زِمامَها ، يُصَرِّفها بالحقِّ ودقَّةِ النظر، وأَمانةِ القلم والحفظ ، كيف يشاء ، ويجعل الوارثين من بعده يسارعون في الاستباق إِليها ، ليذيعوا فيمن بعدهم من القرون فضلَها ، وبهاءَها ، وجلالَها ، ذلكم : هوالإِمامُ الحجَّة الباقية على الأُمة كلِّها ـ خلا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلَّم والعروةَ المكينةَ التي وثَّقَتْها يدُه الشريفة من أَصحابه رضي الله عنهم ـ إبن تيمية رحمه الله ، وجزاه عن الأمة خيراً .
وذكرُ إبن تيمية رحمه الله تعالى ذكرٌ مستطابٌ ، محفوظٌ بهدي السُّنَّة ، وصريح الكتاب ، عَمَر أَرض المسلمين بهما ، واستاق إِلى القرون الآتية بعضاً من فضلها ، بلغ بها ـ من سَعِد وأَخلد بقلبه وعقله إِليه ـ الفرقدين ، وبوَّأَها معقد الخافقين ، وكان مما استاق من ذلك البعض من الفضل (تلميذُه ، وصاحبه ، وجامع فضله ، الرامي عن قوسه ، الوارثه وحده ، السَّاعي في خدْمته من بين يديه ومن خلفه ، الحامي ضَيْعتَه ، الحافظ سيرته ، القيِّم على قلمه ، الناشر في الناس من بعده عِلْمَه) إبن قيِّم الجوزية ، رحمه الله تعالى .
وابن القيِّم ، ليس بخافٍ على أحدٍ في دنيا البشر ، صاحبُ التصانيف الكثيرة الجليلة ، الباسطُ جناحي الرقائِق فوق الأَرض المباركة ، الآخذ بِعِنَان العربية إِلى رحابها الواسعة ، بأَحسنِ أَساليبها ، وأَجملِ وجوه البلاغة والبيان المودعة في تراكيبها ، وأَعلى مقاصدِ المعاني التي تَهدي إِليها بِشِعْرِها ونَثْرِها ، هذا إِلى غزارة الفقه والإحاطةِ بوجوه التأْويل والتفسير ، وتأْصيلِ قواعدِ الأَصول وإِحصاءِ فروعها ، وتقَصِّي الشوارد الخفيِّة بالقياسات المرضيِّة ، التي يُستَغْنى بها بالجمع والتأليف بينها عن النُّصوصِ الناطقةِ بأَحكامها وشرائِعها ، وتدفُّقِ الإِملاآت العقلية الحسان ، إِلى غيْر ذلك مما تعجز عن الإِنباءِ به ، والنطق به جماعاتُ الأَقلام ، ولعلَّ (إِعلام الموقعين) يهدي لذلك كلِّه وزيادة ، وقد مشت من وراءِ ابن القيم رحمه الله ـ في حياته ومن بعد ثوائِه في رمسه ـ أَفواجٌ من العلماءِ ، والأُدباءِ ، والكتاب ، والشعراء ، والصالحين الزاهدين ، كلما غاب منها فوجٌ ظهرت من بعده أَفواجٌ ، يأْخذ كل فوج منها لنفسه أَوفر ما يريد حظَّاً مما يقدر عليها قلمه ، يحتفظ منه لنفسه الكثير ليثوي معه ، ويدع لمن بعده ما يفضل عن حاجته ، وما يفضل منه أَكثر مما يحتفظ ، والْتقى فضل تلك الأَفواج كلها على صعيد واحد ، فتآلفت كلها ، وتراصَّت في كتبٍ ورسائِل ، حتى غدت ميراثاً آخر لابن القيِّم رحمه الله ، يُباهي بنفسه ما خفي وذهب من علمه معه حيث استقر به الثوَى من بعد شيخه ابن تيمية ، رحمهم الله جميعاً ً، وأَذهب عنهم الحزن يوم الجمع والتلاقي الأكبر .
وَلكأَنما أَراد الله لعلم ابن القيِّم رحمه الله أَن يظهر من جديد في الأَرض ، لينشِأَ مدرسة جديدة ، يتخرج فيها طلاَّبُ علمٍ على سَنَن السابقين المُجدِّين ، الذين تخرجوا في دمشق في حلقة ابن القيِّم رحمه الله ، وشهرت بهم في كل مكان وُجِدوا فيه ، وارتحلوا إِليه .
وليس غريباً أَن يحظى علم ابن القيِّم بجهابذة من طلاب العلمِ الأَغيار ، وأَن يترسَّمُوا خطاه ، وأَن يكون له في كل قطرٍ محبُّون وأَشياعٌ ، وأَن يُجلِي قَلَمُه حيثما حلَّ سائِر الأَقلام ، فيكون له الغلبةُ والظهور عليها ، من غير منازع .
غير أن قلم (بكر أَبو زيد) من بين هذه الأَقلام ، كان له تفرد في هذا الشأْن ماز به نفسه بنفسه ، أَوردَ به علم ابن القيِّم رحمه مورداً عذباً سائغاً ، لا عيب فيه يزري ، ولا ظلمه من فوقه تُغشِّيه ، ولا اضطراب من تحته يَنْقيه ، في نصاعة العبارة ورسوخها ، وقوة المعنى وجلائِه ، وتماسك الحروف والكلمات وتآلفها ، حتى لكأَنك وأَنت تقرأُ الذي كتب ـ لولا الخط الوهمي الحاجز بين ما كتبه ابن القيِّم وبين ما كتبه بكر ـ تقول في نفسك : لو كان ابن القيِّم حياً ، لكان عليك أَن ترجع إِليه ليهديك إِلى الكلمات والعبارات التي خطَّتها يمينه ، كيلا تقع في لبس ، يختلط به عليك الأَمر ، فيكون به الخلط ، ودليلاً جاهراً بأَن هذا هو ذاك ، وذاك هو هذا ، لكن الخط الوهميَّ الحاجزَ بينهما ، لا يعتسفك وأَنت تقرأُ كلام الرجلين معاً ً، أو وأنت تقرأ ُكلامَ كلٍّ منها منفرداً ، فقد تشابها ، فتشاكلا ، وباتا على تباعد الزمان بينهما على حرفٍ واحدٍ ، يأْخذ معنى كلٍّ منهما لفظه من لفظ الآخر ، ومعناه من معنى الآخر ، وهذه مزيةٌ خاصة لم تكن إِلا لعقل بكر وقلمه ، وهو يرتاد علم ابن القيِّم من أَطرافه ، يوغل فيه برفق ، وينساب في خباياه بَتُؤدة ، وينتاب أَطرافه في هونٍ ، وعلى مهل ، يجمع في إِيغاله كلَّ الشوارد ، ويمسك وثاقَها جميعاً في حذرٍ من أَن تطرف عينه عنها بغفل ، أو أَن يُناشَ سمعه بإغماضة ، أو أَن يُناب فكره بوهلة .
ومن يعرف (بكرأبو زيد) من قلمه ، يعرف العربية في دارها من أهلها ، ومن يعرفه من لسانه لا يأْذن لسمعه أَن تُصيبه معرَّة اللحن الفاحش ، ومن يعرفه من سلوكه في الناس يبصر برجل فيه أناة العزة ، وشموخ النَّقيبة ، ومضاءُ الشكيمة ، يُؤْويها كلَّها رداءٌ من الهيبة ، في تواضع غير متكلَّفٍ ، وترفُّعٍ غيرِ مستثقلٍ ، وإِحسان بمعروفٍ غير مستأْثَرٍ ، ثم لايجد الناظر فيه إِلا مصداق قول الشاعر :
يقولون فيك انقباض وإنما رأَوا رجلاً عن موقف الذُّلِّ أَحجما
عرفت بكراً أّوَّل ما عرفته في قدمَةٍ له إِلى (عمَّان) في حاجةٍ له ، زار فيها الشيخ ناصر رحمه الله تعالى ، وكان يحبُّ الشيخ حبَّاً جمَّاً ، ويعظِّمه لعلمه ، ولا يقدِّم عليه أَحداً من أَضرابه ونظرائِه ، ويثني عليه الثناءَ الجميل ، ويعود إِليه في المسائِل العلمية التي تبهم أَو تشكل عليه في السُّنَّة ، وكان سيفاً يحامي عن الشيخ رحمه الله من ورائِه ، ويحضُّ الناس في المملكة ـ علماءَ ، وطلاَّب علم ـ على توقيره ، والإِفادة من علمه ، ولا يدع مجالاً ًيذكر فيه الشيخ إِلا والثناءُ عليه يكاد يسبق ذكرَه ، لكن الشيخ رحمه الله ، لم يلبث أن أَلمَّ به بقلمه ، واشتدَّ عليه الشدَّة المعهودة منه رحمه الله ، ووطأَه بأُسلوبه المعروف ، وما كان ينبغي أَن يفعل ذلك معه ، إِذ الخلاف العلمي أَمرٌ تعاهدته أقلام أَهل العلم من قديم ، وراحت به وغدت على روَّاده من قديم ، لكن هكذا فعل الشيخ .
وكأَن التلاميذ الأَدعياءِ ، تلاميذ النَّوم والموائَد ، سنحت لهم سانحة بِصَنيع الشيخ رحمه الله ببكر في كتابه النافع : (تمام المِنَّة) ، فحوَّلوا رحالهم ، وفوَّقوا سهامهم إِلى بكر ، ظانِّين أَنهم بذلك يسكتون صوته ، ويكسِرون قلمه ، الذي وشَّح فتوى لجنة الإفتاء الصادرة في حق أربعتهم ، ومن تبعهم بغير إحسان .
وصحبته في زيارته هذه إِلى الشيخ ، فرأَيت منه ـ على علمه ـ ما يُرى من طالب العلم ، الحريص على الإِفادة من شيِخه ، أَن تَندَّ عنه نادَّة ، أَو تشرد منه مسأَلة ، سأل الشِيخَ سُؤالاتٍ عدَّة ، وكان منه إِيراداتٌ على جوابات الشيِخ ، كمَّل بعضها بعضاً ، ظهر فيها الخلق العلمي ، الذي أَطاح به طلابُ العلم في زماننا ، بالإِغلاظ ، وسوءِ الأَدب ، والتعالم ، الذي وضع فيه بكرٌ كتاباً مستقلاً ، أَبان فيه عوارالمتعالمين الساجحين ، وحدَّد معالم الطلب خير تحديد ، ودعا طلاب العلم أَن يتركوا البُنَيَّات للجادَّة ، وأَن يستقيموا على الأَمر كما أمر الله ، وبيَّن رسوله .
ولا زالت حروف كتابه (حراسة الفضيلة) تقطع آفاق الدنيا ، تدعو الأُمة إِلى أَن يتواضعوا على قواعد واضحة ثابتة ، تنبو عنها كلُّ رذيلةٍ تسعى في الأمة بسُمِّها ، وتصدُّ بقوة كلَّ دعوىٍ جائِفةٍ زائِفةٍ عن حِماها ، ولكأَنَّما كلُّ جملةٍ فيه جزء أَخلاقيٌّ يُمهِّدُ السبيل أَمام كلِّ محبٍّ الخُلُقَ الطيِّب .
وما من كتاب من كتبه ، ولا رسالة من رسائِله ، إِلا وقد تأَلَّقت بسنا معانيها ، وذاعت بشذا أَلفاظها وأَدرجت كرائِم مقاصدها بين يديها ، تُرى على البُعدِ ذبدباتُ ضوئِها ، وتُسمَعُ على النأْي همسات حسِّها ، وتتلاقى هذه وتلك على صعيد الرجاءِ في ترسُّمِ خطى القرون الأَولى ، التي صدَّقت بكلمات ربِّها ورسله ، فجثت أَمامها القرون الآتية من بعدها في خشوع الرضا ، على يد كاتب مثل بكرٍ ، حتى صار يقال بها وفيها : (يضارع أُسلوب بكر فيتدفق معانيه ، وترابُطِ أَفكاره ، وجزالة أَلفاظه ، وقوة تراكيبه ، ومتانة عبارته ، وفصاحة كلمته ، وسموِّ غايته ، ودقة دَرْكَتِه ، وشمول إِحاطته ، ووضوح معالمه) .
ولسوف تَظل كتُبُه ورسائِله سقفاً علميّاً واسعاً ، قويّاً ، تستظل به عقولُ طلابِ العلم ، وترتاده آناءَ الليل وأَطرف النهار ، في نَهْمَةِ رغَبٍ ، وطُلَعةِ شوقٍ ، وأَتِيَّةِ حرصٍ ، وأَمَنَةِ عطاءٍ وأَخذٍ ، لكأَن الزمان قد انحسر بقرونه ، وذهبت غواشيه المتكاثفة ، وانزاحت أَستاره الصفيقة ، حتى لكأَن بكراً قد أَخذ من بدرة ابن القيِّم ، مكتوب على كل قطعة منها أَخذها ـ وكأَنها وصيَّة ٌ منه رحمه الله ، لبكر شفاه الله وعافاه ـ أَنْفِقْ بكرُ ، ولا تخش إِقلالاً ، فقد آتانيَ الله من خزائن رحمته ، ومن خفايا علمه ـ مما لا يُخْشى به على عقيدة التوحيد أَن تُثْلَمَ ، ولا يخاف منه على جريب أَحكام الشرع الحنيف أَنْ يُنْتَقَصَ ـ بأَعلى إِسنادٍ يُعرفُ في طبقاتِ الرجال ، لم يُعْهد إِلا على سَنَن الصحابة رضوان الله عليهم ، وهم يأْخُذون عن معلِّمهم ، ومُرَبيهم ـ وقائِدهم ، (المصطفى) صلى الله عليه وسلَّم ، مع فارق المنزلة ، بين الصحابة رضي الله عنهم ، وبين القرون كلها التي تتالت على مدرجة الزمن .
ولكن ما ينبغي أَن ننسى كلمة أَثبتها لنا الزمان على جداره العظيم الذي أَحاط بالدنيا ، منذ كانت دنيا ، يقرؤُها الأُمِّيُّ والقارئُ على حدٍّ سواءٍ : (أمتي كالمطر، لا يُدرى خير أَوَّلُه أم آخره) ، فتكون الأمة في الخير ـ علماً وعبْرة ـ وكسبه وبذله على حدّ قوله سبحانه : (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) .
فلا عجبَ إذاً من بعدُ ومن قبل ، أَن يمنَّ الله على الأُمَّة اليوم كما منَّ عليها بالأَمس ، بطائفةٍ ، يَصْطفيها لدين الإِسلام الحق ، فيها ابن القيِّم ، وابن تيمية ، لقبان متكرران متجددان على الزمن ، يمنحهما الله سبحانه من يعلم أَنَّه أَهلٌ ، ليعطي واحداً منهما أَو كليهما معاً .
وإِني لأَرى أَنَّ بكراً لأَهلٌ ـ وقد صار عيبةً حافظةً لعلم ابن القيِّم ـ رحمه الله ـ من بعد قرون خلت ـ أَن يُمْنَحَ أَحد اللقبين ، بإضافة وصفٍ إِليه يميزه من صاحب الاسم السابق ، ابن قيِّم الجوزية الذي تألَّق القرن السابع بسنا ذكره ، فنُسِّمى صاحبنا بكراً بـ : (ابن القيِّم الثاني) ، ضارعين إِلى بارئِ الأَرض ، ورافع سقف السماءِ ، أَن يمنَّ الله عليه بالشفاء ، لعلَّ الله سبحانه ، يحدِث لهذه الأُمة به وبمن هو مثله ما يُراح به إِلى آفاق المعارف الإِسلامية العربية ، ويُغْدىَ به إِلى قيعان الهدى ، وثبج المحيطات ، فيملأَ تلك من هذه ، ويُغْذي هذه من تلك ، وإذا الحياة العلمية تفيض بالخير والبركات ، بما أَلقت إِليها تلك الثروة الجليلة التي خلَّفها للأمة من بعده ، شيخ الإسلام ابن القيِّم رحمه الله ، وإِنِّيِ على يقين من أَن الأُمة كان يكفيها أَن تقف بجهدها العلمي في العقيدة ، والفقه ، وعلم السلوك ، والرقائِق ، والتفسير ، وغيرها ، على عتبة تراث الشيخين الإمامين العظيمين ابن تيمية ، وابن القيِّم ، ليكون ذلك بداية في توحيد الأُمة على مذهبٍ واحد ، تذوب به الخلافات ، وتذهب فيه النزاعات ، وتعود سيرتها الأُولى ، التي نَسَجَها قرن الصحابة ، رضوان الله عليهم ، لكنها تَظلُّ أُمنيَّةً معلَّقةً في سماءِ الأُمة ، لا ندري متى تدنو من حبل الرجاء ، والأُمة تنتهب عقولها الشُّبهاتُ المظلمةُ ، والجهالاتُ السَّافية العافية ، وتؤُودُ الأَخلاقَ فيها كبائِرُ الإِثم ، وأَجلُّها وأَفدحُها : الاستكبارُ والبغضاءُ .
وظلَّ بكر حفظه الله في منأىً عن مداراتِ الفتن ، هو وقلمه ، وكم من فتنةٍ استطارت برهَجها بين ظهراني الأُمة ، أَتت على كثير من قيمها ـ من غير إبادة لآثارها وأَسبابها ـ كأَن بينها وبين بكرٍ عهداً أَن لا تُرِيهَ نفسها إن هي حطت في أَرض الأُمة ، حتى لا يجري منها حرف أَو كلمة على لسانه ، أَو يصيب منها قلمه ، وكأَنها تعلم منه أَنها لا تفيد منه شيئاً ، فآثرت أَن يكون منها عهد له في ذلك.
بيد أَن خطأً ـ عَدَّ العقلاءُ الأَنقياء منه خطيئَة ـ واقعه ، اندفع إليه بحماسة الحبِّ ، وشيءٍ من حُسْن الظنِّ ، حين ذكرَ واحداً ممن أَوقدوا نار الفتنة في (عمَّان) ، وأَثنى عليه ثناءً ـ ندم عليه فيما بعد ولابدَّ ، إِذ تبيَّن له أَنه ليس أَهلاً لمثل هذا الثناء ـ فوصفه في مقدمته لواحد من كتبه (بالعلاَّمة) ، ونحمد الله على أَن هذا الثناءَ لم يتعدَّ هذا الواحد ، ليأْتي على الأربعة أَو الخمسة الآخرين ، غفر الله لك يا شيخ بكر صنيعك الذي كان ، ولعلك ـ ولابدَّ ـ قد علمت أَنها شهادة من مثلك ترفع بها خسيسة المغموز في دينه وأَمانته العلمية ، لكن ذاك أَبى إِلاَّ أَن يُنيل نفسه فتنةً صنعها هو وأَربعةٌ معه ، ليرتدَّ إِليهم قلمك جملةً واحدةً بالفتيا ، التي أَصدرتها لجنتكم الموقَّرة ، لجنة الإِفتاءِ الدائمةِ في حق الأربعة (صُنَّاع الفتنة) محرري مَجَلَّة الأَصالة ، المجذوذة الأَصل ، حين أَظهرت للأُمة ضلالتهم الإِرجائِيَّة التي أَبوا بكبْرِ جهلهم إِلا أَن يلصقوها بالشيخ ناصر رحمه الله ، إِذ زعموا أَنَّه شيخهم ، وأَنهم أَخذوا هذه العقيدة الباطلة الخبيثة عنه ، فانظر إِلى آثار سوءِ الفتنة التي صنعوها ، وأَذاعوها في الناس عن الأَحياءِ والأَموات ، وأَصروا عليها واستكبروا استكباراً ، ومشوا قائِلين في علانية وقحةٍ جائِرة هاجرة : اصبروا على ضلالتكم إنَّ هذا الشيءُ يُراد منكم ، ولعلكم بعد يومكم هذا لا تستطيعون أَن تنكصوا أَو تؤُوبوا عن شيءٍ أُريدَ بكم ومنكم ، بغُلْمَةِ الحرام ، وكسْب الإثم ، وأَزيز الطمع .
ومثلكم في ذلك صاحبكم (أَبو ذُنيبٍ المتسوِّل) ، الذي أَذاع في الناس بنفسه خبره المشين ، إِذ أَراد أَن يتبرَّأَ من صنيعه ، فسقط إِما على أُمِّ رأْسه ، وإِمَّا على عَجْبِ ذَنَبه ، فلم يعد من شدة الأَلم يدرى ما يقول ، وفَّاه الله سوءَ حسابه ، وأَعجل له في الدنيا من عقابه .
ولكأَنما جعل الله للبلاءِ حقاً أَن يتخيَّر لنفسه ما يريد ومن يريد فيهبَ من يتخيَّر شيئاً مما يتخير من صنوف الشدة ، وأنواع المرض بحسب ما يعلم من قوة تحمُّل من يتخيَّر لنفسه ، في نيله من شدته ، ويوقع فيه من مرضه ، وكلُّ ما يكون بأَمرٍ من الله ، ولا رادَّ له ، حتى يغسل من ذنبه .
وكان لبكر حظٌّ جمٌّ في جعبة البلاء ، أَوفره له فيه ربُّه سبحانه منذ كان صورةً في تقدير الله وعلمه ، حتى إِذا حان وقت ظهوره فيه أَظهره عليه ، وأَسبغه نعمةً على رأسه العظيمة ، التي وعت القرآن والحكمة ، وجمعت علم الشيخ ابن القيِّم إِمام الأُمة ، وأَدنت مسائِله من العلماء ، وقربت شوارده ، وألَّفَت بين متفرِّقاته ، وحَّلت معضلاته ومشكلاته ، وأَصارته إِلى أَيدي طلاب العلم في سهولةٍ ويسر ، حتى غدا ليس من علم عالمٍ أَحبَّ إليهم منه ، إِلا أَن يكون عِلْمَ شيخه ابن تيمية رحمهما الله ، وأَسبغ عليهما وأَفاض عليهما من نعمائه ، وبَّوأَهما منازلَ الصدِّيقين والشهداءِ والصالحين والنَّبيين ، وآواهما إِلى ربوة في الفردوس الأَعلى ذات قرارٍ ومعين ، وأَلحقنا بهما على خير ، ورزقنا نحن وبكرٌ ومن نحب من علمهما ، ما يكون لنا به شرف المنازل العالية في الدنيا وفي الآخرة .
ولستُ يا شيخُ بكر بالمواسيك ـ وأَنت من كنتَ تواسيني حين كنت تعودني ، في مرضي في (الرياض) فتدعو لي بِقَولك : (جمع الله لك بين الأجر والعافية) ـ بأَجملَ ولا أَلطف منها ، وإن كان الأحْسنَ والأَطيبَ ـ بِل هو كذلك ـ تلك الدعوة التي كان يدعو بها المصطفى عليه الصلاة والسلام ، حين كان يعودُ مريضاً من أَصحابه : (أَسأل الله العظيم رب العرش العظيم أَن يشفيك) سبع مرات .
ولستُ بالمصبِّرك بأَحسنَ ولا بأَطيبَ من تذكيرك بشيءٍ مما تحفظ عن نَبيِّنا عليه الصلاة والسلام من مثل قوله : (من يرد الله به خيراً يُصِبْ منه) وقوله : (ما يزال البلاءُ بالمؤْمنِ في نفسه وولده حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئَة) وقوله : (إِذا أَراد الله بعبده الخيرعجَّل له العقوبة في الدنيا) ، فأَيُّ نعمةٍ يا حبيبنا بكرُ قد أَنعم الله بها عليك ، وأَيَُ فضلٍ أنالكه ، وأَنت ترتدي ثوب البلاءِ ، الذي مَنَّ الله به على الصالحين من عباده ، فَتَصبرَ وتُصابرَ ، وتُعِلِّم الناس الصَّبرَ .
والسلام عليك في الأَخيارالطيِّبين ، وعجَّل لك الشفاءَ وجمع شملك بقلمك ، وأَنعم عليك بالرضا ، ولقَّانا وإِياك في الفردوس الأَعلى من حبِّه ما يُكافئُ رجاءَنا فيه بالحسنى وزيادة ، وأَقامنا على الحقِّ الذي أَقام عليه نبيَّه ، وباعَدَ بيننا وبين الباطل الذي أَزاغ الله إِليه قلوب أَهل الإرجاءِ بزيغهم ، وعلَّمنا وإِياك ما لم نكن نعلم ، إِنه سميعٌ مجيب .
واسلم رعاك الله لمحبيك وإخوانك الذين هم على خير ما أنت عليه واذكرني بدعوةٍ صالحة في بلائك .

أخوكم المحب أَبو مالك محمد إبراهيم شقرة
---------------------------------------------------------
المصدر : رسالة من الشيخ محمد شقرة إلى أخيه الشيخ بكر أبو زيد أثناء مرضه
 
نعم اخي هناك شخصيات شهد لهم العلم والتاريخ
سيرة حياتهم المشرفة
وهذا شيخنا واحد منهم .. رحمه الله رحمه واسعة
بارك الله فيك اخي على هذه اللفتة الطيبة
وجزاك الله خيرا​
 
ربى زدنى علما ومعرفة
جزاك الله كل الخير على الموضوع القيم والمفيد
 
نعم اخي هناك شخصيات شهد لهم العلم والتاريخ
سيرة حياتهم المشرفة
وهذا شيخنا واحد منهم .. رحمه الله رحمه واسعة
بارك الله فيك اخي على هذه اللفتة الطيبة
وجزاك الله خيرا
جزاك الله خيراً أختي الفاضلة مريم على هذا الإثراء الطيب ...
بالفعل تميز الشيخ بكر ـ رحمه الله ـ بعفة اللسان فلم ينزلق إلى ماانزلق إليه غيره من السب والتجريح بمناسبة وبغير مناسبة ...
كما أنه تميز بدفاعه المستميت عن علماء الأمة فلم يسمح ـ رحمه الله ـ لكائن ٍمن كان أن يقدح عنده ـ فضلاً عن أن يسب ـ عالماً من العلماء ، وكانت ردوده المفحمة على كل من تطاول على لحوم وأعراض علمائنا الأجلاء تمثل وبحق حصن الدفاع القوي والملاذ الأخير وسط هجمة شرسة أرادت أن تنال من الجميع !!!
لهذه الأخلاق العالية وغيرها من المزايا الكثير حاز الشيخ حب الجميع ...
ووالله ... لقد أحببناك ياشيخنا الجليل دون أن تكتحل عيوننا برؤيتك ودون أن نتشرف بلقياك !!!
ووالله ... إنَّ القلب ليحزن ، وإنَّ العين لتدمع ، وإنا لفراقك لمحزونون يا والدنا الكريم !!!
ورغم عظيم حزننا بمصابنا الجلل فلا نقول إلا ما يرضي ربنا :
رحمك الله رحمة واسعة يا شيخنا الجليل !!..
 
ربى زدنى علما ومعرفة
جزاك الله كل الخير على الموضوع القيم والمفيد

آمين يارب العالمين ...
جزاك الله خيراً أختي الفاضلة تونا ...
أشكرك جزيلاً على مرورك العطر وتشريفك الندي ...
ورحمة الله الواسعة على شيخنا الجليل !!..
 
أورد الإمام ابن كثير في تفسيره هذه الأبيات لأحمد بن نمزال يقول فيها:
الأرض تحيا إذا ما عاش عالمها * متى يمت عالم منها يمت طرف
كالأرض تحيا إذا ما الغيث حلَّ بها * وإن أبى عاد في أكنافها التلف

ويقول ابن عثيمين عليه رحمة الله تعالى: سبب فقد العلم موت العلماء فهذا من أكبر الأسباب لفقد العلم، فإذا مات العلماء؛ لم يبق إلا جهال الخلق يفتون بغير علم‏.
كما أنه تميز بدفاعه المستميت عن علماء الأمة فلم يسمح ـ رحمه الله ـ لكائن ٍمن كان أن يقدح عنده ـ فضلاً عن أن يسب ـ عالماً من العلماء ، وكانت ردوده المفحمة على كل من تطاول على لحوم وأعراض علمائنا الأجلاء تمثل وبحق حصن الدفاع القوي والملاذ الأخير وسط هجمة شرسة أرادت أن تنال من الجميع !!!
أخي الحبيب أبو قصي ذكرتني بكلام جميل للحافظ ابن عساكر وها هو ذا نصه
وقال الحافظ ابن عساكر ‏:‏ ‏(‏ واعلم يا أخي - وفقنا الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته - أن لحوم العلماء - رحمة الله عليهم- مسمومة ، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة ؛ لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براء أمره عظيم ، والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم ، والاختلاق على من اختاره الله منهم لنعش العلم خلق ذميم ‏)‏ [ ‏تبيين كذب المفتري ]


 
أورد الإمام ابن كثير في تفسيره هذه الأبيات لأحمد بن نمزال يقول فيها:
الأرض تحيا إذا ما عاش عالمها * متى يمت عالم منها يمت طرف كالأرض تحيا إذا ما الغيث حلَّ بها * وإن أبى عاد في أكنافها التلف
ويقول ابن عثيمين عليه رحمة الله تعالى: سبب فقد العلم موت العلماء فهذا من أكبر الأسباب لفقد العلم، فإذا مات العلماء؛ لم يبق إلا جهال الخلق يفتون بغير علم‏.أخي الحبيب أبو قصي ذكرتني بكلام جميل للحافظ ابن عساكر وها هو ذا نصهوقال الحافظ ابن عساكر ‏:‏ ‏(‏ واعلم يا أخي - وفقنا الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته - أن لحوم العلماء - رحمة الله عليهم- مسمومة ، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة ؛ لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براء أمره عظيم ، والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم ، والاختلاق على من اختاره الله منهم لنعش العلم خلق ذميم ‏)‏ [ ‏تبيين كذب المفتري ]
جزاك الله خيراً أخي الحبيب حضرموت على هذه المداخلة
الكريمة وعلى هذا الإثراء الطيب ...

ذكرني كلامك أخي الغالي بالحديث الصحيح الذي يقول فيه
المعصوم صلى الله عليه وسلم :
( إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد و لكن يقبض
العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبقى عالماً اتخذ الناس رؤساً
جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ) رواه البخاري ..
فمنذ أيام قليلة ترجل فارس آخر من أئمة الدعوة السلفية وهو
الشيخ الجليل محمد عمرو عبد اللطيف ـ
أنزل المولى الكريم عليه
سحائب رحمته وشآبيب مغفرته وبرد رضوانه
ـ وها هو شيخنا
الجليل بكر عبد الله أبو زيد ـ إبن القيم الثاني ـ يترجل ويرحل هو
الآخر ، وبالفعل بموت العلماء الصالحين واحداً بعد الآخر لا يتبقى
إلا رؤساً جهالاً كما وصفهم الحديث الصحيح فيفتون الناس بغير
علمٍ فيَضلوا ويُضلوا ولا حول ولا قوة إلا بالله !!..

 
الشيخ بكر أبو زيد
د. محمد القويز
من أين أبدأ ?؟
فقد كان رحمه الله كالبحر الواسع .
يحير من يقف على شواطئه غير ملم بما في جوفه من كنوز .
ولا شك أن مؤلفاته رغم كثرتها ( فاقت ثلاثين مؤلفاً ) لم تدون كل مالديه ، ويبقى دور طلبته فيما نقلوا عنه وتعلموا منه ليخرجوا لنا المزيد .
من هنا تأتي حيرة البداية !!
هل أبدأ من بداياته المجهولة لكثير من الناس أم من نهاياته المعلومة للعامة والخاصة ?؟
أم أبدأ بما عُرِف عنه من كريم الخصال ?؟
أم أبدأ بما قاله عنه الشيخ ابن عثيمين عليهما رحمة الله ?؟
فقد قال : بأن الشيخ بكر تسلم المناصب وكان فيها وبعدها مثل ما كان قبلها لايغيره المنصب .
كان منكباً على العلم بكل حواسه ، إذ لم يكتف بما تلقنه من أول شيوخه الشيخ عبدالله الصقيران فأكمل ذلك بما لدى الشيخ عبد العزيز بن باز وتمم بما لدى شيخه محمد الأمين الشنقيطي رحمهم الله جميعا .
فأصبح علماً بين الأعلام .
نافح عن السنة وعن منهج أهل السنة والجماعة .
وكتب رسائل لطلبة العلم ليس لطالب علم - شرعي أو دنيوي - غنى عنها .
وأقتبس من حلية طالب العلم هذه الفقرة وإن كانت لاتغني عن قراءتها .
يقول رحمه الله :
" فأمامك أمور لابد من مراعاتها في كل فن تطلبه :
1- حفظ مختصر فيه .
2- ضبطه على شيخ متقن .
3- عدم الاشتغال بالمطولات وتفاريق المصنفات قبل الضبط والإتقان لأصله .
4- لا تنتقل من مختصر إلى آخر بلا موجب، فهذا من باب الضجر .
5- اقتناص الفوائد والضوابط العلمية .
6- جمع النفس للطلب والترقي فيه، والاهتمام والتحرق للتحصيل والبلوغ إلى ما فوقه حتى تفيض إلى المطولات بسابلة موثقة . " ..
أسأل الله أن يرحم الشيخ بكر وأن يسكنه فسيح جناته وأن ينزل السكينة على أهله وأن يعوض المسلمين مافقدوه بوفاة شيخهم .
---------------------------------------------
المصدر : جريدة الرياض السعودية اليومية
 
جزاك الله خيرا أخي الحبيب أبو قصي على متابعتك ...
وكتب لك الأجر الجزيل ..لتعريفنا بهذا العلم ...
وهو وإن لم نشاهده فكتبه تتحدث عنه وإن لم نره بأعيننا فنسأل الله أن يجمعنا في الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا..
 
بارك الله فيك اخي الاكبر
دمت بخير ..
 
جزاك الله خيرا
وأنت جزاك الله خيراً أخي الحبيب د. سامي ...
سعدت جداً بعودتك الميمونة بعد قليل غياب ...
وسعدت أكثر بمرورك العطر وتشريفك الندي ...
أتمنى لك كل توفيق ونجاح ...
دمت بكل خير !!..
 
جزاك الله خيرا أخي الحبيب أبو قصي على متابعتك ...
وكتب لك الأجر الجزيل ..لتعريفنا بهذا العلم ...
وهو وإن لم نشاهده فكتبه تتحدث عنه وإن لم نره بأعيننا فنسأل الله أن يجمعنا في الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا..
وأنت جزاك الله خيراً أخي الحبيب الغالي حضرموت ...
أشكرك جزيلاً على اهتمامك الكبير وتشريفك الدائم والمتتابع ...
من يعرف قيمة شيخنا الجليل وعفة لسانه وقلمه ( في وسط ركام غابر من السب والتجريح ) فسيحزن أكثر وأكثر !!
فلقد ابتلينا في زماننا هذا بكم غير مسبوق من السب والتجريح والتبديع والتفسيق والتكفير حتى بين المنتسبين للدعوة السلفية المباركة وللأسف الشديد !!
ووقف هذا الشيخ الجليل ( بكر أبو زيد )
كالأسد الأشم ...
ينافح ويذب عن لحوم وأعراض علمائنا ومشايخنا الأجلاء ...
رحمك الله رحمة واسعة أيها الشيخ الجليل ...
وذب النار عن وجهك جزاء ما قدمت وأسلفت وأحسنت !!..
 
بارك الله فيك اخي الاكبر دمت بخير ..
وأنت بارك الله فيكِ أختي الغالية الكريمة مريم ...
أشكرك جزيلاً على كرم مرورك وجميل تشريفك واهتمامك الدائم والمستمر ...
تقبلي أرق تحياتي !!..

70834_1202742537.gif

 


اليوم كنت أتصفح مجلة البيان ( العدد 247 ) فوجدت بها هذه المقالة القيمة عن شيخنا الجليل بكر أبو زيد ( رحمه الله تعالى ) ، وكما تعلمنا من شيخنا الجليل ( عليه سحائب الرحمة ) ومن باب جمع المثيل لمثيله فها أنا أضع هذه المقالة النافعة هنا .. في ( موضوعنا عن شيخنا الجليل ) علنا ننتفع بها :
----------------------------------------------


اللهم اغفر لبكر وارفع درجته في المهديين !!..
د.عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف

----------------------------------------------

فـارق الـشيـخ العـلَّامة بكر بن عبد الله أبو زيد - رحمه الله - هذه الدنيا نهار يوم الثلاثاء الموافق 27/1/1429هـ، فصُلِّي عليه ودُفن بعد العشاء في مقبرة الدرعية في الرياض، وقد كانت وفاته إثر مرض لازمه بضع سنين، وقد شهد الصلاة عليه ودفنه فئام من أهل العلم والفضل والصلاح.
- عاش العلّامة بكر سنيَّ حياته مجانباً الشهرة، مُؤْثِراً الخمول، ولسان حاله يقول: الشهرة آفة وكلٌّ يتحرّاها، والخمول راحة وكلٌّ يتوقّاها[1]، مع أن الشيخ العلامة بكراً قد ولي القضاء في المدينة النبوية (1388- 1400هـ)، وأمَّ حيناً من الدهر في المسجد النبوي، ثم صار وكيلاً لوزارة العدل، ثم رئيساً للمجمع الفقهي.
كان من أعضاء اللجنة الدائمة للإفتاء، وهيئة كبار العلماء، وكان متعففاً شجاعاً، أبيَّ النفس، كريم الخصال، زاهداً في المناصب والأعطيات، وما أجمل ما سطّره - قدّس الله روحه - قائلاً: «من أعظم أسباب الفوز والنصر: الزهد في المناصب والولايات، والكف عن زخرفها؛ فمسكين من يتطلع إليها». ويقول: «أنا لها، ومغبون - والله - من دفع ثمنها، مُقدّماً بالتنازل عن شيء من دينه، والملاينة على حساب علمه ويقينه، وكل امرئ حسيب نفسه»[2].
وقال أيضاً: «فهل يعتبر من ابتُلوا بالتسول على مستوى رفيع، ويتنمّر على معارفه وإخوانه، والرفعاء منهم يعلمون أنه في الظاهر مطاع متبوع، وهو في الباطن عبدٌ تابع ذليل مطيع. على أن الأرض لا تخلو من المتأسِّين بالصالحين، الذين تجردوا من هذه الحظوظ»[3]، ونحسب أن أبا عبد الله من تلك الصفوة الباقية.
وقال العلامة بكر: «وقد كان شيخنا محمد الأمين الشنقيطي المتوفَّى في 17/12/1393هـ - رحمه الله - متقللاً من الدنيا، وقد شاهدته لا يعرف فئات العملة الورقية، وقد شافهني بقوله: لقد جئت من (شنقيط) ومعي كنز، قلَّ أن يوجد عند أحد، وهو (القناعة) ولو أردت المناصب لعرفت الطريق إليها..»[4].
- فتح الله - تعالى - على شيخنا بكر في باب التصنيف والتأليف، فعكف على تحرير الرسائل، وتحقيق القضايا، ودوَّن المؤلفات النفيسة في الفقه، والاعتقاد، ومصطلح الحديث، وسائر الفنون، ولقد أضحى تأليفه - طيّب الله ثراه - أنموذجاً يُحتذى ومناراً يُقتدى، فلقد تميّزت مصنفاته بحسن اختيار المسائل، وعمق البحث، وبلاغة الأسلوب، وفصاحة العبارة، وسعة الاطِّلاع، وقوة البحث والمطالعة.
فإن الناظر - مثلاً - في كتابه (معجم المناهي اللفظية) لينبهر من سعة اطِّلاعه، وظهور جَلَده وعمق تحقيقه، وجمال أسلوبه؛ فقد حوى هذا المعجم الفريد خمسمائة وألفاً من الألفاظ والمصطلحات، وقد استخرجها العلامة بكر من المطولات في التفسير والحديث والفقه والتاريخ وسائر الفنون، وطالع كمّاً هائلاً من كتب هذا العصر وأنواع الدوريات وغيرها، ثم أوْلى هذه الألفاظ حقها من الدراسة والتحقيق والتوثيق. ومع هذه الجهود التي ينوء بها أولو القوة من الباحثين والمحققين، إلا أنك لا ترى في هذا المعجم، ولا في سائر مؤلفاته لغة الأَثَرة، أو حديث الذات، مثل: أنا، ولي، وقلت.. ونحوها، بل التواضع وهضم النفس هو السائد على تلك المصنفات.
كما يلحظ في مؤلفاته حرصه التام على إظهار السنَّة، وعنايته الفائقة بالألفاظ الشرعية، واحتفائه بلسان العرب، وحزمه تجاه الألفاظ المحدَثة والمولَّدة.
- لقد غلب على كثير من علماء قلب الجزيرة العربية قلة التأليف، وندرة التصنيف؛ تواضعاً، واشتغالاً بالتدريس في حِلَق الجوامع، ونحو ذلك، لكنّ بكراً - مع إخباته وتواضعه - قد أدرك أهمية التصنيف، وعظيم أثره، فحرَّر وعلَّق، وكتب وحقَّق، وها هي مؤلفاته البديعة ملء السمع والبصر، ورحم الله ابن الجوزي إذ يقول: «رأيتُ من الرأي القويم أنَّ نفْع التصنيف أكثر من نفْع التعليم بالمشافهة؛ لأني أشافه في عمري عدداً من المتعلمين، وأشافه بتصنيفي خلقاً لا يُحْصَوْن ما خُلقوا بعدُ، فينبغي للعالم أن يتوفر على التصانيف إن وُفِّق للتصنيف المفيد؛ فإنه ليس كل من صنَّف صنّف، وليس المقصود جمع شيء كيف كان، وإنما هي أسرار يُطْلِع الله - عز وجل - عليها من شاء من عباده، ويوفقه لكشفها، فيجمع ما فُرِّق، أو يرتِّب ما شُتِّت، أو يشرح ما أُهْمِل، هذا هو التصنيف المفيد»[5].
- جاهد العلامة بكر أبو زيد بقلمه ولسانه، وسخَّر قلمه في الذبِّ عن حرمات الإسلام، كما عالج نوازل عصره ومستجدات أهل زمانه كما هو بيِّن في كتابه (فقه النوازل).
يقول ابن تيمية في شأن هذا الجهاد: «مجاهدة الكفار باللسان مشروعة من أول الأمر إلى آخره؛ فإنه إذا شُرِع جهادهم باليد فباللسان أَوْلى»[6].
وقال أيضاً: «وجوب بيان الإسلام وإعلامه ابتداءً ودفعاً لمن يطعن فيه أَوْلى من جهاد الكفار بالسيف ابتداءً ودفعاً»[7].
فسطَّر العلامة بكر (الإبطال) في نقض مقالة دعاة وحدة الأديان، وصنَّف (حراسة الفضيلة) في هتك دعاة الرذيلة، كما ألَّف في التحذير من المدارس الأجنبية، وكشف كيدها وإفسادها، ودوَّن رسالة في التحذير من أعياد الكافرين ونحوها من الأعياد المبتدعة، وسمَّاها (عيد اليوبيل بدعة في الإسلام)، وتصدَّى لأهل الأهواء والبدع كما في كتبه (تحريف النصوص من مآخذ أهل الأهواء في الاستدلال) و (براءة أهل السنة) وغيرها.
- لم يكن العلامة بكر مجاملاً ولا غافلاً عمّا وقع من متسنِّنة هذا العصر من تجاوزات ومآخذ، فإنه لما رأى تحزباً للجماعات والحركات، ألّف رسالته (حكم الانتماء)، ولما استحوذ وباء التصنيف، والولوغ في أعراض العلماء والدعاة، حرر رسالته (التصنيف بين الظن واليقين)، ولما أصابت لوثة الإرجاء بعض المنتسبين لأهل السنة، وظهر من خلال كتب ورسائل؛ تصدّى لهم - مع بقية أعضاء اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية - عبر فتاوى محرَّرة في نقد هذه المؤلفات والتحذير منها، ولما رأى إغراقاً في مسألة دعاء ختم القرآن ألَّف رسالة صغيرة في مرويات ختم القرآن، وبيَّن عدم مشروعية ذلك.
بل إنّه - رحمه الله - تعقَّب هذا الوصف «اللجنة الدائمة» مع أنه من أعضائها[8].
- ومن جوانب خصاله المغمورة في ثنايا كتبه ما كان عليه من قوة الحجة وسرعة البديهة، كما في هذه الواقعة التي دوَّنها - بشأن الرفض والانقباض من الجديد - حيث قال: «ولما دخلت (عمّان البلقاء) عام 1407هـ، أراد بعض الحضور التنكيت على النجديين بأنهم حرّموا (الهاتف) لأنه سحر، فقلتُ: على رِسْلِكم؛ فإن من أوابد الشاميين تحريم المطابع لشيء فيه آية من القرآن العظيم؛ لأن الحروف كانت بواسطة الرصاص المذاب، ولا يجوز تعريض القرآن للنار، بل صدرت بالتحريم فتوى من (المشيخة التركية) كما في «تاريخ مطبعة بولاق». ومن أوابدهم: تحريم القهوة والشاي، وإباحة الدخان، كما ذكر الرحيباني الحنبلي رسالة لبعض الشاميين في ذلك في كتابه «مطالب أولي النهى بشرح غاية المنتهى». وفي مصر هُجِرت السيارة، وكان لا يركبها إلا السَّوَقة، وهكذا»[9].
والعلامة بكر - فيما نحسبه - إمام سنَّة وعالم رباني، فلم تعصف به المتغيرات، أو تجرفه التحولات، كما كان صاحب دعوات ومناجاة لله رب العالمين، كما يُلْمَح في مؤلفاته الكثيرة، ومن ذلك: ما في مقدمة كتابه (التأصيل): «اللهم امْنُنْ - وأنت المانُّ وحدك - على امرئ متذلِّل بين يديك، بصالح النية في العلم والعمل، والثبات على الإسلام والسنة إلى بلوغ الأجل»[10].
فاللهم ارحم أبا عبد الله، وأكرم نُزُلَه، واجعله فوق كثير من خلقك.
----------------------------------------------
(*) أستاذ مشارك في قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض.
[1] قالها الروياني كما في طبقات الشافعية، للسبكي، 7/326.
[2] الجامع لسيرة ابن تيمية، ص: ق، ل. وانظر: حلية طالب العلم، ص 52 - 53.
[3] المرجع السابق.
[4] حلية طالب العلم، ص 12.
[5] صيد الخاطر، ص 207.
[6] الجواب الصحيح: 1/74.
[7] المصدر السابق: 1/75.
[8] انظر: معجم المناهي اللفظية، ص 641.
[9] تصحيح الدعاء، ص 424 - 425.
[10] التأصيل، ص 10.
----------------------------------
المصدر ( مجلة البيان ـ العدد 247 )
 


جزاك الله خيرا اخي ابوقصي ....:)
 


جزاك الله خيرا اخي ابوقصي ....:)
وأنت جزاك الله خيراً أختي الكريمة مريم ...
بارك الله فيكِ وعليكِ ...
مرحباً بك مجدداً ...
والشكر موصول لكِ على تشجيعكِ الدائم ...
دمتِ في حفظ الرحمن وأمنه !!..
 
عودة
أعلى