تأملات في الشعر العربي مع الشاعر الكبير ( أحمد محرم ) (1)

محمد راقي

New Member
أحمد محرم.. رسالة شاعر


(في ذكرى مولده في 5 من المحرم 1294 هـ )






في قرية "إبيا الحمراء" التابعة لمحافظة البحيرة بمصر ولد أحمد محرم، لأب حرص على تنشئة ابنه تنشئة إسلامية، فأحضر له من قام بتحفيظه القرآن، وتعليمه النحو واللغة والأدب، كما شغف هو بقراءة السيرة النبوية والتاريخ ومطالعة الحديث الشريف، وحفظ النصوص الأدبية الرفيعة، وقراءة الصحف والمجلات؛ فوقف على حال أمته وألمّ بوطنه وقضاياه
وكان لتلك النشأة أثرها في حياة أحمد محرم، فلما تفجر ينبوع الشعر على لسانه كان الإسلام وما يتصل به من أخلاق كريمة ومثل عليا محور شعره كله، وظل في "دمنهور" عاصمة محافظة البحيرة، لا يغادرها إلى القاهرة، ومصدر رزقه الكتابة والنشر

مع فلسطين.. والجامعة الإسلامية

رأى أحمد محرم في الجامعة الإسلامية رمزًا لجمع شمل المسلمين، وظلاً يستظل به العالم الإسلامي، فوقف إلى جانب الخلافة العثمانية، مهاجمًا أعداءها منددًا بالثائرين عليها، مطالبًا المسلمين بالالتفاف حولها، محذرًا من التشتت والضياع الذي يريده لهم أعداؤهم، فيقول من قصيدة له ,
هبوا بني الشرق لا نوم ولا لعب** حتى تعد القوى أو تؤخذ الأهب
ماذا تظنون إلا أن يحاط بكم** فلا يكون لكم منجى ولا هرب
كونوا بها أمة في الجهر واحدة** لا ينظر الغرب يومًا كيف نحترب
ولما برزت على ساحة العمل الوطني قضية فلسطين ومأساة شعبها بعد وعد بلفور سنة (1336 هـ= 1917م) كان أحمد محرم في طليعة الشعراء العرب الذين أيقظوا الوجدان والشعور، وعلا صوتهم بالجهاد والنضال، وجعل من شعره أداة لبث الحمية في النفوس، يقول من قصيدته "نكبة فلسطين":
في حمى الحق ومن حول الحرم** أمة تُؤذى وشعب يُهتضم
فزع القدس وضجت مكة** وبكت يثرب من فرط الألم
ومضى الظلم خليًا ناعمًا** يسحب البُردين من نار ورم
وكان لأحمد محرم عناية تامة بقضايا وطنه الاجتماعية فدعا إلى علاج مشكلة الفقر، ونادى بضرورة تعليم المرأة، وندد بالدعوة إلى سفورها، وحين ثارت في مصر فتنة طائفية بين المسلمين والنصارى عقب مقتل "بطرس باشا غالي" رئيس وزراء مصر وقتذاك، كان أحمد محرم ممن وقف في وجهها، داعيًا إلى التسامح والمحبة، فيقول من قصيدة بديعة:
كذب الوشاة وأخطأ اللوام** أنتم أولو عهد ونحن كِرام
حبُّ تجد الحادثات عهوده** وتزيد في حرماته الأيام
وصل المقوقس بالنبي حباله** فإذا الحبال كأنها أرحام
وجرى عليه خليفة فخليفة** وإمام عدل بعدهم فإمام
لا ننشد العهد المؤكد بيننا** النيل عهد دائم وذمام

الإلياذة الإسلامية

وينفرد أحمد محرم بين شعراء العربية بتصوير البطولة الإسلامية تصويرًا رائعًا، فيعمد إلى سيرة النبي (صلى الله عليه وسلم) فينظمها في نحو ثلاثة آلاف بيت، مصورًا فيها حياة النبي الكريم، منذ ولادته حتى وفاته، ملتزمًا التسلسل الزمني، وأطلق عليها "مجد الإسلام" أو الإلياذة الإسلامية.
أراد أحمد محرم أن يحاكي بذلك شعر الملاحم عند الغرب، وبخاصة إلياذة هوميروس المعروفة وهي ملحمة شعرية، تبلغ آلاف الأبيات، نُظمت من وزن واحد لم تخرج عنه، وتستلهم الأسطورة وصراع الآلهة التي تتدخل في الحرب، والشياطين، والشهب، والزلازل والخوارق، لكن الشاعر الكبير استلهم الوقائع الثابتة، والأحداث الصادقة والمعارك والغزوات فصورها في لغة صافية، وخيال راق، وإيمان قوي، بعيدًا عن الخيال الواهم والأحداث المفتعلة. واستهل محرم عمله بقوله:
املأ الأرض يا محمد نورًا** واغمر الناس حكمة والدهورا
حجبتك الغيوب سرًا تجلى** بكشف الحجب كلها والستورا
أنت معنى الوجود بل أنت سر** جهل الناس قبله الإكسيرا
املأ الأرض يا محمد نورًا** واغمر الناس حكمة والدهورا
حجبتك الغيوب سرًا تجلى** بكشف الحجب كلها والستورا
أنت معنى الوجود بل أنت سر** جهل الناس قبله الإكسيرا
أنت أنشأت للنفوس حياة ** غيّرت كل كائن تغييرا
أنجب الدهر في ظلالك عصرًا** نابِهَ الذكر في العصور شهيرا
وما كاد ينشر بواكير هذا العمل الخالد على صفحات جريدة البلاغ، وجريدة الفتح، ومجلة الأزهر، حتى استقبلته أقلام الكتاب في مصر والشام والعراق بالثناء والتقدير، وعلى الرغم من أن أحمد محرم قد أتم نظم هذا الديوان، فإنه لم يُنشر في حياته، وبقي مخطوطًا حتى طبع في القاهرة سنة (1383هـ= 1963م).
ويعد أحمد محرم من شعراء مدرسة "البعث والإحياء" في الشعر العربي التي حمل لواءها محمود سامي البارودي، ثم تبعه أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وأحمد نسيم، الذين أدوا دورهم القوي في تجديد الديباحة الشعرية، وإعادتها إلى بهائها السالف في عهد الشعراء الكبار كأبي تمام والبحتري والمتنبي.
عاش أحمد محرم حياته في مدينة دمنهور بعيدًا عن أضواء العاصمة، مترفعًا عن السير في ركاب الحاكمين والوزراء، أو التزلف إلى أصحاب الجاه والسلطان، وكانت فيه عفة وإباء، فلم يمدح ملكًا، أو يتملق رئيسًا أو يعرف في الحق لينا.
وكان لفروقه من الشهرة وبعده عن القاهرة، واعتزازه بنفسه وكرامته أثر في ألا يأخذ ما يستحقه من التقدير والتكريم في الوقت الذي تمتع من هو أقل منه موهبة وعلما بالشهرة العريضة وملأ الدنيا ضجيجا.
ويبقى لأحمد محرم أنه يمثل الفريق الجاد من أدباء الأمة وشعرائها الذين يوجهونها ويأخذون بزمامها إلى الخُلق والمثل العليا وكرائم الفعال، فيعلن في صراحة أنه اتخذ من كتاب الله إماما يأتمر بأوامره ويحيد عن نواهيه، فيقول:
أقول لصاحبي ـ وعاهداني** كتاب الله بينكما وبيني
فكونا صادقين ولا تخونا** فإن لنا لإحدى الحسنيين
ولست ببائع نفسي وديني** ولو أوتيت مُلك المشرقين
لهذا سلطة ولتلك أخرى** فما بالي وبال السلطتين
وتوفى أحمد محرم في (02 رجب 1364 هـ= 13 من يونيو 1945م) بعدما ترك ثروة شعرية كبيرة.



وسنتطرق بإذن الله تعالى إلى هذه الثروة الشعرية والى دواوينه الزاخرة بالتفصيل في هذا المنتدى الكريم


عما قريب بإذن الله حتى نفخر بشعرائنا وخاصة من مصر الحبيبة مهد العلم والعلماء على مر العصور


منقول للفائدة
 
مرحبا بك أخى / محمد راقى فى قسم كلية الآداب

الشاعر أحمد محرم وغيره من الشعراء الذين عبروا عن قضايا أمتهم , وافترخروا فى شعرهم بدينهم , لم ينالوا حظهم من الشهرة والتكريم والتقدير بسبب مؤامرات الغرب وأذيالهم التى كانت تدعو إلى العلمانية ونبذ الدين ..
فإن الغرب كان يبذل كل جهده لمحو كل أثر للإسلام , فلا غرو أنهم لم يتحملوا صوتا إسلاميا أدبيا قويا , ييصل إلى القراء الشباب , ويبث فيهم حمية الإسلام , ويرتقى بفكرهم إلى مستوى دينهم العظيم وقضايا أمتهم ..
وهذا هو هدفنا فى هذا القسم , ولنعمل على إحياء تراثنا الأدبى الإسلامى

رأى أحمد محرم في الجامعة الإسلامية رمزًا لجمع شمل المسلمين، وظلاً يستظل به العالم الإسلامي، فوقف إلى جانب الخلافة العثمانية، مهاجمًا أعداءها منددًا بالثائرين عليها، مطالبًا المسلمين بالالتفاف حولها، محذرًا من التشتت والضياع الذي يريده لهم أعداؤهم، فيقول من قصيدة له ,
هبوا بني الشرق لا نوم ولا لعب** حتى تعد القوى أو تؤخذ الأهب
ماذا تظنون إلا أن يحاط بكم** فلا يكون لكم منجى ولا هرب
كونوا بها أمة في الجهر واحدة** لا ينظر الغرب يومًا كيف نحترب
أما الجامعة الإسلامية فقد كان يدعو إليها السلطان العثمانى / عبد الحميد الثانى , للم فرقة المسلمين بعد الشتات , وكان من شعرائها أيضا أحمد شوقى , فله قصيدة رائعة فى رثاء الدولة العثمانية , منها :
ضَجَّت عَلَيكِ مَآذِنٌ وَمَنابِرٌ ... وَبَكَت عَلَيكَ مَمالِكٌ وَنَواحِ
الهِندُ والِهَةٌ وَمِصرُ حَزينَةٌ ... تَبكي عَلَيكِ بِمَدمَعٍ سَحّاحِ
وَالشامُ تَسأَلُ وَالعِراقُ وَفارِسٌ ... أَمَحا مِنَ الأَرضِ الخِلافَةَ ماحِ ؟!!

الإلياذة الإسلامية

وينفرد أحمد محرم بين شعراء العربية بتصوير البطولة الإسلامية تصويرًا رائعًا، فيعمد إلى سيرة النبي (صلى الله عليه وسلم) فينظمها في نحو ثلاثة آلاف بيت، مصورًا فيها حياة النبي الكريم، منذ ولادته حتى وفاته، ملتزمًا التسلسل الزمني، وأطلق عليها "مجد الإسلام" أو الإلياذة الإسلامية.
أراد أحمد محرم أن يحاكي بذلك شعر الملاحم عند الغرب، وبخاصة إلياذة هوميروس المعروفة وهي ملحمة شعرية، تبلغ آلاف الأبيات، نُظمت من وزن واحد لم تخرج عنه، وتستلهم الأسطورة وصراع الآلهة التي تتدخل في الحرب، والشياطين، والشهب، والزلازل والخوارق، لكن الشاعر الكبير استلهم الوقائع الثابتة، والأحداث الصادقة والمعارك والغزوات فصورها في لغة صافية، وخيال راق، وإيمان قوي، بعيدًا عن الخيال الواهم والأحداث المفتعلة. واستهل محرم عمله بقوله:
املأ الأرض يا محمد نورًا** واغمر الناس حكمة والدهورا
حجبتك الغيوب سرًا تجلى** بكشف الحجب كلها والستورا
أنت معنى الوجود بل أنت سر** جهل الناس قبله الإكسيرا
املأ الأرض يا محمد نورًا** واغمر الناس حكمة والدهورا
حجبتك الغيوب سرًا تجلى** بكشف الحجب كلها والستورا
أنت معنى الوجود بل أنت سر** جهل الناس قبله الإكسيرا
أنت أنشأت للنفوس حياة ** غيّرت كل كائن تغييرا
أنجب الدهر في ظلالك عصرًا** نابِهَ الذكر في العصور شهيرا

أما عن الإلياذة الإسلامية فلى عليها تعليقين :
1- كان الغرب يتهم الشعر العربى بأنه قاصر عن مجاراة الفنون الأدبية الحديثة , وذاك ليحققوا مآرب فى أنفسهم بتحطيم اللغة العربية وأدبها , ولكن تاريخنا الأدبى يلقى بهذا الاتهام فى مزبلة التاريخ , فإن لدينا من علمائنا من نظم حتى العلوم فى الشعر , وانظروا إلى نونية ابن القيم وتنيف على الخمسة آلاف بيت .. وكذا أشعار بن الرومى الشاعر طويل النفس
وبهذا نضحد شبهاتهم , ولكن فى نفس الوقت علينا ألا نقف فى موقف الدفاع , ونضع أنفسنا فى قفص الاتهام , فإننا أصحاب أدب متميز عن جميع آداب الأمم الأخرى , لدينا منه ما نعتز به ونفخر , وليس موجودا عندهم , ولا يعقل أن يتضمن أدبنا كل آداب الأمم الأخرى , هذا من الظلم , ورغم ذلك فقد ستطاعت اللغة العربية استيعاب الكثير من الفنون الأدبية التى لم تكن فيها ..
2- يجب على الشاعر الإسلامى أن يتسلح بالعلم الشرعى , خاصة العقيدة السليمة , وذلك لأنه سيعبر بعد ذلك عنها , وللأسف فنحن نجد فى كثير من المدائح النبوية غلوا كبيرا ( ولى موضوع موسع عن ذلك إن شاء الله )
فيحسن بنا أن ننتقى من الأبيات ما لا يحمل الغلو , ويمدح باتزان ووسطية , فنحن أمة وسط , لا إفراط ولا تفريط , فمن ذلك قوله :
أنت معنى الوجود بل أنت سر** جهل الناس قبله الإكسيرا ؟؟؟
ولعلع بذلك يجارى الصوفية الذين يعتقدون أن الله خل العالم من اجل النبى صلى الله عليه وسلم , مع أن الله يقول ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) - وهذا هو معنى الوجود

يبقى لأحمد محرم أنه يمثل الفريق الجاد من أدباء الأمة وشعرائها الذين يوجهونها ويأخذون بزمامها إلى الخُلق والمثل العليا وكرائم الفعال، فيعلن في صراحة أنه اتخذ من كتاب الله إماما يأتمر بأوامره ويحيد عن نواهيه، فيقول:
أقول لصاحبي ـ وعاهداني** كتاب الله بينكما وبيني
فكونا صادقين ولا تخونا** فإن لنا لإحدى الحسنيين
ولست ببائع نفسي وديني** ولو أوتيت مُلك المشرقين
لهذا سلطة ولتلك أخرى** فما بالي وبال السلطتين
وتوفى أحمد محرم في (02 رجب 1364 هـ= 13 من يونيو 1945م) بعدما ترك ثروة شعرية كبيرة.
رحمه الله , وأجزل له المثوبة , فإنه حتى ولو لم يظفر بالشهرة فى حياته , فإن أجيالا من الشباب المسلم سينتفعون بما تركه من ثروة شعرية هادفة , ويذكرونه بالخير , وكما قال الشاعر :
فَاِرفَع لِنَفسِكَ بَعدَ مَوتِكَ ذِكرَها ... فَالذِكرُ لِلإِنسانِ عُمرٌ ثاني

بارك الله فيك على الموضوع الرائع , وسنتابع معك هذه السلسلة الشيقة إلى نهايتها
وأحب أن أنبهك إلى أنه غذا كان الموضوع منقولا من موقع أدبى , فلا باس أن تذكره , وإن كان منقولا من كتاب فالأفضل أن تذكره , وإن كان منقولا من أحد المنتديات فالأفضل أن تكتب ( منقول )

وجزاك الله خيرا




 
شكرا لك أخي محمد اشتيوي على مرورك الطيب وعلى إضافاتك القيمة


أما بخصوص المراجع التي أعتمد عليها للتعريف بشاعرنا الكبير والذي


كما قلت نسيه التاريخ ولم يعطه أحد حقه الذي يستحقه وهو الشاعر المجاهد


المسلم الكبير الذي ترك وراءه إرثا ضخما مليئا بكل غال ونفيس – كان أولى


أن نعيره اهتمامنا – وأن نخطو خطوه ونحدو حدوه- إن نحن أردنا أن نكرم


شاعرنا وننصفه ولو( بعض حقه ) حتى يتعرف عليه من لايعرفه ويغترف


من فيض روائعه القصي والداني. . ونفخر نحن أنه منا ونحن منه ............


أما بخصوص المرجع الذي أعتمد عليه فهو كتاب .( يسألونك في الدين والحياة )


لكاتبه.. أبو حازم أحمد الشرباصي – الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف


المجلد رقم 6 ( الجزء السادس) الصفحة 499 إلى 520 ..........................


وشكرا مرة أخرى وجزاك الله كل خير
 
شكرا لك أخي محمد ركيمو على هذا الموضوع الممتاز وجزاك الله كل خير
وكما تبينت من هذا الموضوع فالشاعر يجب أن يعرف كثيرا من أمور الدين والدنيا إن لم أقل كلها
حتى يستطيع الدفاع عن قضيته و ليتمكن من تعليم الأجيال الذين سيقرأون كتاباته دون أن يميد بهم
أو يميد بكتاباته عن طريق الحق
جزا الله عنا السابقين الذين فهموا الرسالة وحملوها وأدوا أماناتهم بكل صدق
وشكرا للأخ شتيوي لأضافاته التي أثرت الموضوع
:)
:) شكرا شبكة كتاب العرب :)
 
عودة
أعلى