( 14 ) من روائع عطاء بن أبي رباح
-----------------------------------
( ما رأيت أحداً يريد بالعلم وجه الله عز وجل
غير هؤلاء الثلاثة : عطاء .. وطاووس .. ومجاهد )
" سلمة بن كهيل "
------------------------------------------
-----------------------------------
( ما رأيت أحداً يريد بالعلم وجه الله عز وجل
غير هؤلاء الثلاثة : عطاء .. وطاووس .. ومجاهد )
" سلمة بن كهيل "
------------------------------------------
ها نحن أولاء في العشر الأخير من شهر ذي الحجة سنة سبع وتسعين للهجرة وهذا البيت العتيق يموج بالوافدين على الله من كل فج عميق ، مشاة وركباناً ، وشيوخاً وشباناً ، ورجالاً ونساءً ، فيهم الأسود والأبيض ، والعربي والعجمي ، والسيد والمسود ...
لقد قدموا جميعاً على ملك الناس .. محبين ملبيين ، راجين مؤملين ...
وهذا سليمان بن عبد الملك خليفة المسلمين ، وأعظم ملوك الأرض يطوف بالبيت العتيق ، حاسر الرأس حافي القدمين ليس عليه إلا إزار ورداء ...
شأنه في ذلك كشأن بقية رعاياه من إخوته في الله ...
وكان من خلفه ولداه ، وهما غلامان كطلعة البدر بهاءً ورواءً ، وكأكمام الورد نضارة وطيباً ...
وما إن انتهى من طوافه حتى مال على رجل من خاصته وقال : أين صاحبكم ؟؟
فقال : إنه هناك قائم يصلي , وأشار بيده إلى الناحية الغربية من المسجد الحرام فاتجه الخليفة ومن وراءه ولداه إلى حيث أشير إليه ...
وهمّ رجال الحاشية بأن يتبعوا الخليفة ليفسحوا له الطريق ، ويدفعوا عنه أذى الزحام فثناهم عن ذلك وقال : هذا مقام يستوي فيه الملوك والسوقة ...
ولا يفضل منه أحدُُ أحداً إلا بالقبول والتقوى ...
ورُبَّ أشعث أغبر قدم على الله ، فتقبله بما لم يتقبل به الملوك ...
ثم مضى نحو الرجل ، فوجده ما يزال داخلاً في صلاته ، غارقاً في ركوعه وسجوده والناس جلوسُُ وراءه ، وعن يمينه وعن شماله ...
فجلس حيث انتهى به المجلس وأجلس معه ولديه ...
وطفق الفتيان القرشيان يتأملان ذلك الرجل الذي قصده أمير المؤمنين ، وجلس مع عامَّة الناس ينتظر فراغه من صلاته ...
فإذا هو شيخ حبشي ، أسود البشرة ، مفلفل الشعر ، أفطس الأنف ...
ولما انتهى الرجل من صلاته ، مال بشقه على الجبهة التي فيها الخليفة ، فحياه سليمان بن عبد الملك فرد التحية بمثلها ...
وهنا أقبل عليه الخليفة ، وجعل يسأله عن مناسك الحج منسكاً منسكاً ؟؟
وهو يفيض بالإجابة عن كل مسألة ويفصل القول فيها تفصيلا لا يدع سبيلا لمستزيد ، ويسند كل قولٍ يقوله إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم ...
ولما انتهى الخليفة من مساءلته جزاه خيرا ً، وقال لولديه : قوما ...
فقاما ... ومضى الثلاثة نحو المسعى ...
وفيما هم في طريقهم إلى السعي بين الصفا والمروة ، سمع الفتيان المنادين ينادون : يا معشر المسلمين ، لا يفتي الناس في هذا المقام إلا عطاء بن أبي رباح فإن لم يوجد فعبد الله بن أبى نجيح ...
فالتفت أحد الغلامين إلى أبيه وقال :
كيف يأمر عامل أمير المؤمنين الناس بألا يستفتوا أحداً غير عطاء بن أبى رباح وصاحبه ...
ثم جئنا نحن نستفتي هذا الرجل الذي لم يأبه للخليفة ، ولم يوفه حقه من التعظيم ؟؟
فقال سليمان لولده : هذا الذي رأيت يا بنى ورأيت ذلنا بين يديه هو عطاء بن أبي رباح ...
صاحب الفتيا في المسجد الحرام ...
ووارث عبد الله بن عباس في هذا المنصب الكبير ...
ثم أردف يقول : يا بني ، تعلموا العلم ، فبالعلم يشرف الوضيع ، وينبه الخامل ويعلو الأرقاء على مراتب الملوك ...
لم يكن سليمان بن عبد الملك مبالغاً فيما قاله لابنه في شأن العلم ، فقد كان عطاء في صغره عبداً مملوكاً لامرأة من أهل مكة ....... ( ** )
----------------------------------------------------------
المصدر ( صور من حياة التابعين / عبد الرحمن رأفت الباشا )
المصدر ( صور من حياة التابعين / عبد الرحمن رأفت الباشا )
( ** ) إن كان في العمر بقية نستكمل معاً هذه الصور والمواقف الرائعة من حياة التابعين بإذن الله بعد رؤية بعض مداخلاتكم ومشاركاتكم ...