۞ ۞ ۞ سورة ( ق ) جامعة لأصول الإيمان ۞ ۞ ۞
وقد جمعت هذه السورة من أصول الإيمان ما يكفي ويشفي ، ويغني عن كلام أهل الكلام ومعقول أهل المعقول ، فإنها تضمنت تقرير المبدأ والمعاد والتوحيد والنبوة والإيمان بالملائكة ، وانقسام الناس إلى هالك شقي وفائز سعيد ، وأوصاف هؤلاء وهؤلاء .
وتضمنت إثبات صفات الكمال لله وتنزيهه عما يضاد كماله من النقائص والعيوب وذكر فيها القيامتين : الصغرى والكبرى ، والعالمين : الأكبر وهو عالم الآخرة ، والأصغر وهو عالم الدنيا ، وذكر فيها خلق الإنسان ووفاته وإعادته ، وحاله عند وفاته ويوم معاده ، وإحاطته سبحانه به من كل وجه حتى علمه بوساوس نفسه وإقامة الحفظة عليه يحصون عليه كل لفظة يتكلم بها ، وأنه يوافيه يوم القيامة ومعه سائق يسوقه إليه ، وشاهد يشهد عليه ، فإذا أحضره السائق قال : « هذا ما لدي عتيد » .. أي هذا الذي أمرت بإحضاره قد أحضرته ..
فيقال عند إحضاره : « ألقيا في جهنم كل كفار عنيد » .. كما يحضر الجاني إلى حضرة السلطان ، فيقول : هذا فلان قد أحضرته فيقول : اذهبوا به إلى السجن وعاقبوه بما يستحقه ..
وتأمل كيف دلت السورة صريحاً على أن الله سبحانه يعيد هذا الجسد بعينه الذي أطاع وعصى ، فينعمه ويعذبه كما ينعم الروح التي آمنت بعينها ويعذب التي كفرت بعينها ، لا أنه سبحانه يخلق روحاً أخرى غير هذه فينعمها ويعذبها ، كما قاله من لم يعرف المعاد الذي أخبرت به الرسل ، حيث زعم أن الله سبحانه يخلق بدنا غير هذا البدن من كل وجه عليه يقع النعيم والعذاب ، والروح عنده عرض من أعراض البدن فيخلق روحاً غير هذه الروح وبدنا غير هذا البدن ..
وهذا غير ما اتفقت عليه الرسل ، وذلك الذي عليه القرآن والسنة وسائر كتب الله تعالى ، وهذا في الحقيقة إنكار للمعاد ، وموافقة لقول من أنكره من المكذبين ، فإنهم لم ينكروا قدرة الله على خلق أجسام غير هذه الأجسام يعذبها وينعمها ..
كيف وهم يشهدون النوع الإنساني يخلق شيئاً بعد شيء ، فكل وقت يخلق سبحانه أجساماً وأرواحاً غير الأجسام التي فنيت ، فكيف يتعجبون من شيء يشاهدونه عياناً ، وإنما تعجبوا من عودهم بأعيانهم بعد أن مزقهم البلى وصاروا عظاماً و رفاتاً ، فتعجبوا أن يكونوا هم بأعيانهم مبعوثين للجزاء ، ولهذا قالوا : « أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون » .. وقالوا : « ذلك رجع بعيد » ..
ولو كان الجزاء إنما هو لأجسام غير هذه لم يكن ذلك بعثا ولا رجعا بل يكون ابتداء ، ولم يكن لقوله « قد علمنا ما تنقص الأرض منهم » كبير معنى ، فإنه سبحانه جعل هذا جوابا لسؤال مقدر ، وهو أنه يميز تلك الأجزاء التي اختلطت بالأرض واستحالت إلى العناصر بحيث لا تتميز ، فأخبر سبحانه أنه قد علم ما تنقصه الأرض من لحومهم وعظامهم وأشعارهم ، وأنه كما هو عالم بتلك الأجزاء فهو قادر على تحصيلها وجمعها بعد تفرقها ، وتأليفها خلقاً جديداً ..
وهو سبحانه يقرر المعاد بذكر كمال علمه وكمال قدرته وكمال حكمته ، فإن شُبه المنكرين له كلها تعود إلى ثلاثة أنواع :
« أحدها» : اختلاط أجزائهم بأجزاء الأرض على وجه لا يتميز ولا يحصل معها تميز شخص عن شخص ..
«الثاني » : أن القدرة لا تتعلق بذلك ..
«الثالث » : أن ذلك أمر لا فائدة فيه ، وإنما الحكمة اقتضت دوام هذا النوع الإنساني شيئا بعد شيء ، هكذا أبدا كلما مات جيل خلفه جيل آخر ، فأما أن يميت النوع الإنساني كله ثم يحييه بعد ذلك فلا حكمة في ذلك !!..
سورة ( ق ) جامعة لأصول الإيمان
وقد جمعت هذه السورة من أصول الإيمان ما يكفي ويشفي ، ويغني عن كلام أهل الكلام ومعقول أهل المعقول ، فإنها تضمنت تقرير المبدأ والمعاد والتوحيد والنبوة والإيمان بالملائكة ، وانقسام الناس إلى هالك شقي وفائز سعيد ، وأوصاف هؤلاء وهؤلاء .
وتضمنت إثبات صفات الكمال لله وتنزيهه عما يضاد كماله من النقائص والعيوب وذكر فيها القيامتين : الصغرى والكبرى ، والعالمين : الأكبر وهو عالم الآخرة ، والأصغر وهو عالم الدنيا ، وذكر فيها خلق الإنسان ووفاته وإعادته ، وحاله عند وفاته ويوم معاده ، وإحاطته سبحانه به من كل وجه حتى علمه بوساوس نفسه وإقامة الحفظة عليه يحصون عليه كل لفظة يتكلم بها ، وأنه يوافيه يوم القيامة ومعه سائق يسوقه إليه ، وشاهد يشهد عليه ، فإذا أحضره السائق قال : « هذا ما لدي عتيد » .. أي هذا الذي أمرت بإحضاره قد أحضرته ..
فيقال عند إحضاره : « ألقيا في جهنم كل كفار عنيد » .. كما يحضر الجاني إلى حضرة السلطان ، فيقول : هذا فلان قد أحضرته فيقول : اذهبوا به إلى السجن وعاقبوه بما يستحقه ..
وتأمل كيف دلت السورة صريحاً على أن الله سبحانه يعيد هذا الجسد بعينه الذي أطاع وعصى ، فينعمه ويعذبه كما ينعم الروح التي آمنت بعينها ويعذب التي كفرت بعينها ، لا أنه سبحانه يخلق روحاً أخرى غير هذه فينعمها ويعذبها ، كما قاله من لم يعرف المعاد الذي أخبرت به الرسل ، حيث زعم أن الله سبحانه يخلق بدنا غير هذا البدن من كل وجه عليه يقع النعيم والعذاب ، والروح عنده عرض من أعراض البدن فيخلق روحاً غير هذه الروح وبدنا غير هذا البدن ..
وهذا غير ما اتفقت عليه الرسل ، وذلك الذي عليه القرآن والسنة وسائر كتب الله تعالى ، وهذا في الحقيقة إنكار للمعاد ، وموافقة لقول من أنكره من المكذبين ، فإنهم لم ينكروا قدرة الله على خلق أجسام غير هذه الأجسام يعذبها وينعمها ..
كيف وهم يشهدون النوع الإنساني يخلق شيئاً بعد شيء ، فكل وقت يخلق سبحانه أجساماً وأرواحاً غير الأجسام التي فنيت ، فكيف يتعجبون من شيء يشاهدونه عياناً ، وإنما تعجبوا من عودهم بأعيانهم بعد أن مزقهم البلى وصاروا عظاماً و رفاتاً ، فتعجبوا أن يكونوا هم بأعيانهم مبعوثين للجزاء ، ولهذا قالوا : « أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون » .. وقالوا : « ذلك رجع بعيد » ..
ولو كان الجزاء إنما هو لأجسام غير هذه لم يكن ذلك بعثا ولا رجعا بل يكون ابتداء ، ولم يكن لقوله « قد علمنا ما تنقص الأرض منهم » كبير معنى ، فإنه سبحانه جعل هذا جوابا لسؤال مقدر ، وهو أنه يميز تلك الأجزاء التي اختلطت بالأرض واستحالت إلى العناصر بحيث لا تتميز ، فأخبر سبحانه أنه قد علم ما تنقصه الأرض من لحومهم وعظامهم وأشعارهم ، وأنه كما هو عالم بتلك الأجزاء فهو قادر على تحصيلها وجمعها بعد تفرقها ، وتأليفها خلقاً جديداً ..
وهو سبحانه يقرر المعاد بذكر كمال علمه وكمال قدرته وكمال حكمته ، فإن شُبه المنكرين له كلها تعود إلى ثلاثة أنواع :
« أحدها» : اختلاط أجزائهم بأجزاء الأرض على وجه لا يتميز ولا يحصل معها تميز شخص عن شخص ..
«الثاني » : أن القدرة لا تتعلق بذلك ..
«الثالث » : أن ذلك أمر لا فائدة فيه ، وإنما الحكمة اقتضت دوام هذا النوع الإنساني شيئا بعد شيء ، هكذا أبدا كلما مات جيل خلفه جيل آخر ، فأما أن يميت النوع الإنساني كله ثم يحييه بعد ذلك فلا حكمة في ذلك !!..
----------------------------------------------
المصدر ( كتاب الفوائد لشيخ الإسلام إبن القيم رحمه الله تعالى )
المصدر ( كتاب الفوائد لشيخ الإسلام إبن القيم رحمه الله تعالى )