كل عام أنتم بخير

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ؛ وبعد ؛؛؛

لقد من الله تعالى علينا بنعم عظيمة جليلة ؛ وأجل هذه النعم هي نعمة التوحيد التي لو ظللنا عمرنا كله نعبد الله حق العبادة ونشكره حق الشكر ما وفينا حق هذه النعمة العظيمة.

وان من نعم الله تعالى علينا أيضا أن جعل لنا مواسم للطاعة والعبادة ؛ الأجور فيها مضاعفة؛ والأعمال فيها موقرة ؛ يمن الله تعالى علينا بهذه المواسم حتى نتدارك ما فاتنا في غيرها ؛ وحتى نتزود من الصالحات الباقيات لنا في الآخرة ؛ وحتى نعلم علم اليقين أن الله الرحيم التواب الغفور الكريم لا يريد بنا الا الفوز والنعيم ؛ وهو ما خلقنا أبدا ليعنتنا ولا يشق علينا بتكاليف العبادات ؛ بل ليمن علينا بموفور الأجور والحسنات ؛ وليرفعنا في هذه الحياة الدنيا فوق كل الكائنات ؛ وفي الآخرة بمنه فوق كل الأمم والجماعات.

ومن النعم الجليلة نعمة يوم النحر ونعمة تشريع الذبح لله تعالى الذي يمثل التوحيد تمثيلا عظيما ؛ قال جل وعلا (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) ).
قال ابن كثير رحمه الله تعالى (وقوله: { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } أي: كما أعطيناك الخير الكثير في الدنيا والآخرة، ومن ذلك النهرُ الذي تقدم صفته -فأخلص لربك صلاتك المكتوبة والنافلة ونَحْرَك، فاعبده وحده لا شريك له، وانحر على اسمه وحده لا شريك له. كما قال تعالى: { قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } [الأنعام: 162 ، 163] قال ابن عباس، وعطاء، ومجاهد، وعكرمة، والحسن: يعني بذلك نحر البُدْن ونحوها. وكذا قال قتادة، ومحمد بن كعب القرظي، والضحاك، والربيع، وعطاء الخراساني، والحكم، وإسماعيل بن أبي خالد، وغير واحد من السلف. وهذا بخلاف ما كان المشركون عليه من السجود لغير الله، والذبح على غير اسمه، كما قال تعالى: { وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } الآية [الأنعام:121]. ثم قال رحمه الله (قال أبو جعفر بن جرير: والصواب قول من قال: معنى ذلك: فاجعل صلاتك كلها لربك خالصا دون ما سواه من الأنداد والآلهة (2) وكذلك نحرك اجعله له دون الأوثان؛ شكرًا له على ما أعطاك من الكرامة والخير، الذي لا كِفَاء له، وخصك به. ). (تفسير ابن كثير ) .

بل ان الذبح لله تعالى هو من أجل الطاعات والقربات لرب الأرض والسماوات ؛ الواحد الأحد الفرد الصمد ؛ الذي لا يستحق العبادة الا هو سبحانه وتعالى ؛ قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (وَقَوْلُهُ : { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْعِبَادَتَيْنِ الْعَظِيمَتَيْنِ وَهُمَا الصَّلَاةُ وَالنُّسُكُ الدَّالَّتَانِ عَلَى الْقُرْبِ وَالتَّوَاضُعِ وَالِافْتِقَارِ وَحُسْنِ الظَّنِّ وَقُوَّةِ الْيَقِينِ وَطُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ إلَى اللَّهِ وَإِلَى عُدَّتِهِ وَأَمْرِهِ وَفَضْلِهِ وَخُلْفِهِ عَكْسُ حَالِ أَهْلِ الْكِبْرِ وَالنُّفْرَةِ وَأَهْلِ الْغِنَى عَنْ اللَّهِ الَّذِينَ لَا حَاجَةَ فِي صَلَاتِهِمْ إلَى رَبِّهِمْ يَسْأَلُونَهُ إيَّاهَا وَاَلَّذِينَ لَا يَنْحَرُونَ لَهُ خَوْفًا مِنْ الْفَقْرِ وَتَرْكًا لِإِعَانَةِ الْفُقَرَاءِ وَإِعْطَائِهِمْ وَسُوءِ الظَّنِّ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ وَلِهَذَا جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا . فِي قَوْله تَعَالَى { قُلْ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } وَالنُّسُكُ هِيَ الذَّبِيحَةُ ابْتِغَاءَ وَجْهِهِ . وَالْمَقْصُودُ : أَنَّ الصَّلَاةَ وَالنُّسُك هُمَا أَجَلُّ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ فَإِنَّهُ أَتَى فِيهِمَا بِالْفَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى السَّبَبِ ؛ لِأَنَّ فِعْلَ ذَلِكَ وَهُوَ الصَّلَاةُ وَالنَّحْرُ سَبَبٌ لِلْقِيَامِ بِشُكْرِ مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ إيَّاهُ مِنْ الْكَوْثَرِ وَالْخَيْرِ الْكَثِيرِ فَشُكْرُ الْمُنْعِمِ عَلَيْهِ وَعِبَادَتُهُ أَعْظَمُهَا هَاتَانِ الْعِبَادَتَانِ بَلْ الصَّلَاةُ نِهَايَةُ الْعِبَادَاتِ وَغَايَةُ الْغَايَاتِ . كَأَنَّهُ يَقُولُ : { إنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } الْخَيْرَ الْكَثِيرَ وَأَنْعَمْنَا عَلَيْك بِذَلِكَ لِأَجْلِ قِيَامِك لَنَا بِهَاتَيْنِ الْعِبَادَتَيْنِ شُكْرًا لِإِنْعَامِنَا عَلَيْك وَهُمَا السَّبَبُ لِإِنْعَامِنَا عَلَيْك بِذَلِكَ فَقُمْ لَنَا بِهِمَا فَإِنَّ الصَّلَاةَ وَالنَّحْرَ مَحْفُوفَانِ بِإِنْعَامِ قَبْلِهِمَا وَإِنْعَامٍ بَعْدِهِمَا وَأَجَلُّ الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ النَّحْرُ وَأَجَلُّ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ الصَّلَاةُ وَمَا يَجْتَمِعُ لِلْعَبْدِ فِي الصَّلَاةِ لَا يَجْتَمِعُ لَهُ فِي غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ كَمَا عَرَفَهُ أَرْبَابُ الْقُلُوبِ الْحَيَّةِ وَأَصْحَابُ الْهِمَمِ الْعَالِيَةِ وَمَا يَجْتَمِعُ لَهُ فِي نَحْرِهِ مِنْ إيثَارِ اللَّهِ وَحُسْنِ الظَّنِّ بِهِ وَقُوَّةِ الْيَقِينِ وَالْوُثُوقِ بِمَا فِي يَدِ اللَّهِ أَمْرٌ عَجِيبٌ إذَا قَارَنَ ذَلِكَ الْإِيمَانَ وَالْإِخْلَاصَ وَقَدْ امْتَثَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَ رَبِّهِ فَكَانَ كَثِيرَ الصَّلَاةِ لِرَبِّهِ كَثِيرَ النَّحْرِ حَتَّى نَحَرَ بِيَدِهِ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً وَكَانَ يَنْحَرُ فِي الْأَعْيَادِ وَغَيْرِهَا . وَفِي قَوْلِهِ : { إنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } إشَارَةٌ إلَى أَنَّك لَا تَتَأَسَّفُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الدُّنْيَا كَمَا ذُكِرَ ذَلِكَ فِي آخِرِ " طَه " " وَالْحِجْرِ " وَغَيْرِهِمَا وَفِيهَا الْإِشَارَةُ إلَى تَرْكِ الِالْتِفَات إلَى النَّاسِ وَمَا يَنَالُك مِنْهُمْ بَلْ صَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ . وَفِيهَا التَّعْرِيضُ بِحَالِ الْأَبْتَرِ الشَّانِئِ الَّذِي صَلَاتُهُ وَنُسُكُهُ لِغَيْرِ اللَّهِ ). ( مجموع الفتاوى ).


شرع الله تعالى الكريم العليم الخبير المنان لنا عبادة من أجل العبادات في يوم من أجل واعظم الأيام عند الملك جل وعلا ؛ قال النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم ( أعظم الأيام عند الله يوم النحر ويوم القر ) ( أخرجه أبوداود بسند صحيح ).



فلنا أن نفرح فرحا عظيما بفضل الله عز وجل علينا بهذه العبادة العظيمة وبهذا اليوم الجليل يوم النحر يوم العيد ؛ والفرحة تزيد اذا تدبرنا قوله تعالى (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) ( يونس:58 ) ؛ قال الامام ابن الجوزي رحمه الله تعالى (العيد هو موسم الفرح و السرور و أفراح المؤمنين و سرورهم في الدنيا إنما هو بمولاهم إذا فازوا بإكمال طاعته و حازوا ثواب أعمالهم بوثوقهم بوعده لهم عليها بفضله و مغفرته كما قال تعالى : { قل بفضل الله و برحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون } قال بعض العارفين ( ما فرح أحد بغير الله إلا بغفلته عن الله فالغافل يفرح بلهوه و هواه و العاقل يفرح بمولاه) و أنشد سمنون في هذا المعنى:



( و كان فؤادي خاليا قبل حبكم ... وكان بذكر الخلق يلهو و يمرح )


( فلما دعا قلبي هواك أجابه ... فلست أراه عن فنائك يبرح )


( رميت ببعد منك إن كنت كاذبا ... و إن كنت في الدنيا بغيرك أفراح )


( و إن كان شيء في البلاد بأسرها ... إذا غبت عن عيني لعيني يملح )



(فإن شئت و اصلني و إن شئت لا تصل ... فلست أرى قلبي لغيرك يصلح


( لطائف المعارف ).

وأصدق واحسن الفرح ما كان فرحا بالفوز برضوان ومغفرة من عند الله تبارك وتعالى ؛ وأحسن اعياد النفس ما يكون من فرح لعمل صالح وترك لمعصية ؛ فهذه هي أفضل الأعياد ؛

قال الحسن البصري رحمه الله تعالى ( كل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد ؛ كل يوم يقطعه المؤمن في طاعة مولاه وذكره وشكره فهو له عيد ) .

وقال ابن الجوزي أيضا رحمه الله تعالى (ليس العيد لمن لبس الجديد إنما العيد لمن طاعاته تزيد ليس العيد لمن تجمل باللباس و الركوب إنما العيد لمن غفرت له الذنوب في ليلة العيد تفرق خلق العتق و المغفرة على العبيد فمن ناله فمنها شيء فله عيد و إلا فهو مطرود بعيد ؛ وأنشد الشبلي

( قالوا غدا العيد أنت لابسه ... فقلت خلعة ساق حسنة برعا )


( صبر رهقرقهما ثوبان تحتهما ... قلب يرى ألفه الأعياد و الجمعا )


( أحرى الملابس أن تلقى الحبيب به ... يوم التزوار في الثواب الذي خلعا )


( الدهر لي مأتم إن غبت يا أملي ... و العيد ما كنت لي أمرا و مستمعا )

( لطائف المعارف ).

وأحسن عيد على الاطلاق هو يوم المزيد ؛ قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى :


( و أما أعياد المؤمنين في الجنة فهي أيام زيارتهم لربهم عز و جل فيزورونه و يكرمهم غاية الكرامة و يتجلى لهم و ينظرون إليه فما أعطاهم شيئا هو أحب إليهم من ذلك و هو الزيادة التي قال الله تعالى فيها : { للذين أحسنوا الحسنى و زيادة }؛ ليس للمحب عيد سوى قرب محبوبه :


( إن يوما جامعا شملي بهم ... ذاك عيد ليس لي عيد سواه )

( لطائف المعارف ).

والعيد الأكبر يوم المزيد ؛ يوم الرضا ؛ يوم رؤية الله تبارك وتعالى في الجنة .

نسأله جل وعلا التوفيق في الدنيا لطاعته ؛ وفي الآخرة بمصاحبة سيد الأنبياء والمرسلين في جنته ودار مقامته ؛ ونسأله لذة النظر الى وجهه الكريم .

تقبل الله منا ومنكم ؛ وكل عام أنتم بخير.
 
وأصدق واحسن الفرح
ما كان فرحا بالفوز برضوان ومغفرة من عند الله تبارك وتعالى ؛ وأحسن اعياد النفس ما يكون من فرح لعمل صالح وترك لمعصية ؛ فهذه هي أفضل الأعياد ؛ قال الحسن البصري رحمه الله تعالى ( كل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد ؛ كل يوم يقطعه المؤمن في طاعة مولاه وذكره وشكره فهو له عيد ) . وقال ابن الجوزي أيضا رحمه الله تعالى (ليس العيد لمن لبس الجديد إنما العيد لمن طاعاته تزيد ليس العيد لمن تجمل باللباس و الركوب إنما العيد لمن غفرت له الذنوب في ليلة العيد تفرق خلق العتق و المغفرة على العبيد فمن ناله فمنها شيء فله عيد و إلا فهو مطرود بعيد )
جزاك الله خيرا اخي د/ جعفر
70769_1197979935.gif
 
** لقد من الله تعالى علينا بنعم عظيمة جليلة ؛ وأجل هذه النعم هي نعمة التوحيد التي لو ظللنا عمرنا كله نعبد الله حق العبادة ونشكره حق الشكر ما وفينا حق هذه النعمة العظيمة.

** وإن من نعم الله تعالى علينا أيضا أن جعل لنا مواسم للطاعة والعبادة ؛ الأجور فيها مضاعفة؛ والأعمال فيها موقرة ..

** ومن النعم الجليلة نعمة يوم النحر ونعمة تشريع الذبح لله تعالى .. بل ان الذبح لله تعالى هو من أجل الطاعات والقربات لرب الأرض والسماوات ..

** فلنا أن نفرح فرحا عظيما بفضل الله عز وجل علينا بهذه العبادة العظيمة وبهذا اليوم الجليل يوم النحر يوم العيد ..

** وأصدق واحسن الفرح ما كان فرحا بالفوز برضوان ومغفرة من عند الله تبارك وتعالى ؛ وأحسن اعياد النفس ما يكون من فرح لعمل صالح وترك لمعصية ..

** وأحسن عيد على الاطلاق هو يوم المزيد ..

** والعيد الأكبر يوم المزيد ؛ يوم الرضا ؛ يوم رؤية الله تبارك وتعالى في الجنة .

** نسأله جل وعلا التوفيق في الدنيا لطاعته ؛ وفي الآخرة بمصاحبة سيد الأنبياء والمرسلين في جنته ودار مقامته ؛ ونسأله لذة النظر الى وجهه الكريم .

** تقبل الله منا ومنكم ؛ وكل عام أنتم بخير.

70834_1197982773.gif
 
قال الحسن البصري رحمه الله تعالى ( كل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد ؛ كل يوم يقطعه المؤمن في طاعة مولاه وذكره وشكره فهو له عيد ) .

جزاك الله خيرا
وكل عام و أنتم بخير و عيد سعيد
 
والعيد الأكبر يوم المزيد ؛ يوم الرضا ؛ يوم رؤية الله تبارك وتعالى في الجنة .
جزيت خيرا على مجهودك
 
عودة
أعلى