"المسألة اليهودية "، عنوان عرف في الغرب خلال الفترة التي سبقت الحرب العالمية الأولى، ولكي نكون أكثر دقة في تعريف هذه التسمية، فقد كانت تعبر عن كراهية يعيشها المسيحيون في الغرب تجاه اليهود الأ وروبيين، وليس هنا مجال البحث في جذور هذه الكراهية التي أشبعها الكتاب الغربيون (المسيحيون واليهود ) بحثا على مدى قرون، بل ما نريد إيضاحه هنا أن هذه المسألة كانت تُعد. مشكلة بحاجة إلى حل . مشكلة فائض سكاني منبوذ يجب توطينه في أرض استيطانية تُفر غ له، عندما استعصى على اليهود الاندماج في المجتمعات المسيحية، واستعصى على المسيحيين تقبلهم، فكان لا بد من إيجاد حل يكون منسجما مع الوضع الدولي حينئذ.ومن المعروف أن مقولة (شعب بلا أرض ) وما تحويه من مضامين قد تبلورت في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي وعلى يد اللورد المسيحي الصهيوني الإنجليزي "شافتسبيري" في مقال كتبه عام 1839 ، إلا أنه ينبغي الإشارة إلى أن تلك الفترة لم تكن مبدأ هذه الكراهية تجا ه اليهود في الغرب، فالمسألة لها عمقها التاريخي، تداخلت فيه ا المصالح بالعقائد، فالحروب الصليبية التي انطلقت على أساس معاداة شعوب المنطقة لأسباب عديدة قد بدأت بمهاجمة اليهود والسعي للقضاء عليهم في أوروبا لتخليصها من اليهود قتلة المسيح بعد أن كانوا يخيرون بين التنصر والموت، بل واستمرت هذه الكراهية إلى العصرالحديث . وحملات هتلر اللإ نسانية على اليهود لهي خير شاهد على هذه النزعة العنصرية، و تقول كارين أرمسترونغ في هذا الصدد " وعندما نهض هتلر مرة أخرى كان يقتل أيضا حتى الذين اعتنقوا المسيحية من اليهود قبل مئات السنين هرب. ا من المذابح التي ارتكبها قادة الحروب الصليبية. وتضيف ... ولولا اللاسامية الغربية لما قامت دولة يهودية في الشرق الأوسط"
. إذًا فكراهية اليهود في أوروبا كان لها عمقها التاريخي ولم تبدأ قبل قرن، ولكن يمكن القول أن الفرصة للتخلص منهم عبر صفقة تحقق مصالح أخرى للغرب (كالمسألة الشرقية ) قد توفرت في تلك اللحظة التاريخية.
الأ مة في نظر الغرب (المسألة الشرقية)
في الوقت الذي كانت أوروبا تعيش مخاض التغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي بعد بزوغ عصر جديد في القرن التاسع عشر، كانت هناك الدولة العثمانية أو كما أطلق عليها في أواخر عهدها "رجل أوروبا المريض "، ساهم دخولها الحرب العالمية الأولى في التعجيل بنهايتها وبإعادة رسم خارطة المنطقة، وكانت هناك الولايات العربية التابعة لها، وأخذت تبرز مؤشرات تدل على رغبة العرب في التوحد في كيان يرجع هيبة الأ مة، وكان الغرب ينظر إلى هذه المؤشرات بقلق، ع.رِّفت حينها ب "المسألة ا لشرقية ". أخذت الأطراف المعنية (بريطانيا وفرنسا بالتحديد ) في التداول بمستقبل الولايات العربية التابعة لهذه الامبراطورية الآخذة في التفكك لا قتسام ترِ َ كتِها، وكانت هناك تقارير المستشرقين الذين كانوا يمثلون طلائع التجسس الممهدة للقوات الاستعمارية قد أوضحت لهذه الدول الأهميةالقصوى لتفكيك المنطقة وهدم أركان حضارتها بعد أن طافوا بها وأيقنوا بأن هذه الأ مة التي لها تاريخ عريق ولغة واحدة وتراث واحد إن توحدت ونهضت فستقضي على هذ ه الدول الا ستعمارية مرة واحدة وإ لى الأبد . وكانت تجربة "محمد على باشا " في مصر ماثلةأمام القوى الاستعمارية، هذا الرجل الذي حاول النهوض وتأسيس الدولة العربية الحديثة وتحركت إليه الأ ساطيل وتم القضاء على تجربته، إلا أن هذه المحاولة كانت محفورة في ذاكرة الدوائر الاستعمارية، وكان هناك سجل تاريخي من الصراع باقياً في الذاكرة الغربية يحدثهم عن قرون من الصراع مع المشرق العربي، كانت للمسلمين فيه اليد الطولى، أضف إلى ذلك كونها سوقا ضخمة يمكن أن تساهم بشكل كبير في تدوير آلة الصناعة في الغرب فيما لو تمكنوا من السيطرة عليها، وكذلك المحادثات بين بريطانيا وأمريكا والمنظمة الصهيونية 1915-1917 و التي أفضت إلىوعد بلفور ... في تلك الأ يام بالتحديد تم وضع حجر الأساس لكل المآسي التي حّلت بأمتنا لغاية اليوم. ونحن نكتب هذه الصفحات، يكون قد مر على مؤتمر لندن الاستعماري مائة عام تقريبا . في هذا المؤتمر الذي دعت إليه بريطانيا العظمى (حينئذ)، و انعقد من عام 1905 حتى عام 1907 ، تم. الاتفاق على مجموعة من القرارات، تسببت في ما آل إليه حال الأ مة، و إلى يومنا هذا، ضم. هذا المؤتمر نخبة من أساتذة الجامعات في شتى العلوم والمجالات كالاقتصاد والتجارة والبترول والزراعة والتاريخ والاجتماع، "واشتركت فيه لجنة تمثل كل الإمبراطوريات الاستعمارية القائمة آنذاك . ومن أعضائها : البروفيسور جيمس مؤلف كتاب (زوال الإمبراطورية الرومانية) ولوي مادلين مؤلف كتاب "نشوء وزوال إمبراطورية نابليون والبروفسور ليستر ولسنج، وسميت ودترتنج وزهروف " ورفع المؤتمر في 1907 م توصية عاجلة في ختام أعماله إلى رئيس وزراء بريطانيا في ذلك الوقت "كامبل بنرمان " نصت على "أن إقامة حاجز بشري قوي وغريب على الجسر البر ي الذي يربط أوروبا بالعالم القديم ويربطهما معا بالبحرالمتوسط بحيث يشكل في هذه المنطقة وعلى مقربة من قناة السويس قوة عدوة لشعب المنطقة، وصديقة للدول الأوروبية ومصالحها؛ هوالتنفيذ العملي العاجل للوسائل والسبل المقترحة" يقول التقرير الذي وضعته اللجنة التي شكلها كامبل بنرمان عام 1905-1907 من أجل الحصول على جواب للمسألة التي - تقض مضجع بريطانيا الاستعمارية، وهو كيف يمكن الحؤول دون سقوط الإمبراطوريات الاستعمارية "إن الخطر المهدد يكمن في البحرالمتوسط، صلة الوصل ما بين الشرق والغرب وفي حوضه مهد الديانات والحضار ات، وفي شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه أخص، فعلى طول ساحله الجنوبي من الرباط إلى غزة، وعلى الساحل الشرقي من غزة حتى مرسين وأضنة، وعلى الجسر البحري الضيق الذي يصل آسيا ب أفريقيا، وتمر فيه قناة السويس شريان حياة أوروبا، وعلى جانب البحر الأحمر، وعلى طول ساحلي الهندي وبحر العرب وحتى خليج البصرة، حيث الطريق إلى الهند والإمبراطوريات الاستعمارية في الشرق . وفي هذه البقعة الشاسعة الحساسة يعيش شعب واحد، تتوفر له من وحدة تاريخه ودينه ووحدة لسانه وأصالته كل مقومات المجتمع والترابط والاتحاد، وتتوفر في نزعاته التحررية وفي ثرواته الطبيعية، ومن كثرة تناسله، كل أسباب القوة والتحرر والنهوض. ويضيف، كيف يمكن أن يكون وضع هذه المنطقة إذا توحدت فعلاً آمال شعبها وأهدافه، وإذا اتجهت هذه القوة كلها في اتجاه واحد؟ ماذا لو دخلت الوسائل الفنية الحديثة، ومكتسبات الثورة الصناعية الأوروبية إلى هذه المنطقة؟ ماذا يمكن لو انتشر التعليم وعممت الثقافة في أوساط هذا الشعب، وماذا سيكون إذا تحركت هذه المنطقة واستغلت ثرواتها الطبيعية من قبل أهلها ... عند ذلك ستحل الضربة القاضية بالإ مبراطورية الاستعمارية، وعندها ستتبخر أحلام الاستعمار بالخلود، تتقطع أوصاله ثم يضمحل وينهار، كما انهارت إمبراطوريات الرومان والإغريق. إن الخطر على كيان الإمبراطوريات الاستعمارية كامن في الدرجة الأولى في هذه المنطقة في تجمعها واتحادها حول عقيدة واحدة، وهدف واحد، فعلى كل الدول ذات المصلحة المشتركة أن تعمل على استمرار وضع المنطقة المجزأ المتأخر، وعلى إبقاء شعبها على ما هو عليه من تفكك وجهل وتأخر وتناحر، وكوسيلة أساسية مستعجلة لدرء الخطر يجب العمل على فصل الجزء الأفريقي من هذه المنطقة عن جزئها الآ سيوي، وذلك بإقامة حاجز قوي، غريب على الجسر البري الذي يربط آسيا بإفريقيا، ويربطهما معا بالبحر المتوسط، بحيث يشكل في هذه المنطقة، وعلى مقربة من قناة السويس، قوة صديقة للاستعمار، وعدوة لسكان المنطقة" لقد كانت أوروبا بحاجة لحلول تتعامل مع مختلف القضايا التي أثارها التقرير وهي متشعبة، حضارية واقتصادية واستراتيجية:
ففي المنطقة قناة ا السويس وهي شريان حياة أوروبا = فلا بد من اليسطرة على هذا الشريان.
فيها شعب واحد تهاب أوروبا من توحده = فلا بد من تقسيمه وترسيخ التجزأة.
له وحدة تاريخ عريق = فلا بدمن تزويره. لها وحدة لسان = فلا بد من التعامل مع هذا المكون الحضاري.
كان الخوف من دخول ال وسائل الفنية الحديثة = فلا بد من حصارها تقنياُ. وفيها الثروات الطبيعية = فلا بد من السيطرة عليها .
كان الخوف من التعليم والثقافة = فكان لا بدد من التعامل معه.
كان مشروع "الدولة الحاجزة " لخلق حاجز بش ري قوي وغريب شرقي البحر المتوسط ، يكون قوة عدوة لشعب ال منطقة، وصديقة للدول الأوروبية تعتمد عليها في الملمات ، وقد هدف هذا المشروع الغربي من إنشاء فكرة الدولة الحاجزة إلى غرس كيان غريب في قلب العالم العربي الإسلامي، يفصل جناحه الآسيوي عن جناحه الإفريقي، يمنع وحدته ويضمن ضعفه وتفككه ، وسيسعى هذا الكيان بالتالي لضر ب أي نمو حضاري قوي في المنطقة، وس ي شغل العالم الإسلامي بمشكلة طويلة معقدة تستنزف طاقته وجهوده ، وتبقيه إلى أبعد مدى ممكن في فلك التبعية والضعف والحاجة للعالم الغربي وقواه الكبرى . في الوقت الذي تستمر أوروبا في بناء قوتها الصناعية والتقنية. وكما أن هذا الكيان سيكون بحاجة إلى دعم الغرب لضمان استمراره، فإن الغرب كذلك سيكون بحاجة إليه لضمان ضعف العالم الإسلامي وتفككه وتبعيته ، فكانت الاستراتيجية الرئيسية للغرب في المنطقة إبقاء الأمة مفككة مشتتة. حل المسألة اليهودية بالمسألة الشرقية لقد كانت هناك حاجة غربية تتمث ل في هدفين، أولهما ال تخلص من الفائض البشري اليهودي غير المرغوب فيه عبر تصديره للخارج كما كان يفعل بالمجرمين والمنبوذين في أوروبا، وثانيهما خلق هذا الكيان (الدولة الحاجزة ) لتحقيق الأهداف الاستعمارية، والكيد للحضارة العربية الإسلامية، وتمزيق وحدة المنطقة، ومنع نهوضها أو تطورها، واستمرار نهبها ، أي حل المسألة اليهودية بالمسألة الشرقية. و بعد تحليل مختلف القضايا ذات العلاقة، توصلت مختلف الأطراف المعنية إلى أن هناك: - رغبة غربية في التخلص من الفائض اليهود ي المنبوذ ، مقابل رغبة غربية في تقسيم العالم العربي ومنع توحده. - رغبة اليهود في التخلص من الاضطهاد الأوروبي، مقابل رغبة اليهود في جني ثمرة ما في أوج التنافس الاستعماري على النفوذ والأرض والثروات وتصاعد المد القومي في أوروبا. - رغبة غربية في زرع جيب استيطاني يخدم مصالحها في المشرق العربي يستنزف طاقات الأمة ويمنع توحدها، مقابل رغبة اليهود في الحصول على وظيفة بعد المتغيرات السياسية والاقتصادية التي شهدتها أوروبا في القرن التاسع عشر والتي سببت لهم ضياع الكثير من الفرص الوظيفية. فالتقت الإ مبريالية الغربية مع اليهود لقاء تاريخيا بعد تبلور معالم صفقة كبرى، تتمثل بغرس د ولة لليهود تكون قاعدة دائمة وحليفاً استرتيجي اُ لخدمة مصالح الغرب، مقابل ضمان هذا الغرب دعم وبقاء هذا الكيان واستمراره، فتم حل المسألة الشرقية بالمسألة اليهودية في صفقة واحدة . تم الإ عداد لهذه الصفقة وترتيبها على يد الحركة الصهيونية، وذلك ما سنناقشه على المقالات القادمة.
ويقول (روجيه جارودي) عن الصهيونية ( إن الأب الروحي للصهيونية ثيودور هرتزل أشعل الرغبة الاستعمارية في خلق (إسرائيل) وقدم لها مسو غات إقامة هذه الدولة على أساس أنه إذا قامت إحدى الدول الاستعمارية بحماية هذه الدولة اليهودية فسوف تتمتع بميزة على خصومها؛ لأن هذه الدولة ستعتبر رأس حربة مزروعة في المنطقة من أجل التغلغل الاستعماري ). وعلى ذلك الأساس فقد كانت الصفقة التي ير وج لها الصهيوني هرتزل تتلخص في إبرام عقد تحالف وشراكة وظيفية مابين اليهود من جهة والاستعمار الغربي من جهة أخرى ضد وحدة العرب والمسلمين ونهضتهم، وإبقاء وطن العروبة مفك كا كشرط من شروط تحقيق مقاصد هذه الشراكة.
. إذًا فكراهية اليهود في أوروبا كان لها عمقها التاريخي ولم تبدأ قبل قرن، ولكن يمكن القول أن الفرصة للتخلص منهم عبر صفقة تحقق مصالح أخرى للغرب (كالمسألة الشرقية ) قد توفرت في تلك اللحظة التاريخية.
الأ مة في نظر الغرب (المسألة الشرقية)
في الوقت الذي كانت أوروبا تعيش مخاض التغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي بعد بزوغ عصر جديد في القرن التاسع عشر، كانت هناك الدولة العثمانية أو كما أطلق عليها في أواخر عهدها "رجل أوروبا المريض "، ساهم دخولها الحرب العالمية الأولى في التعجيل بنهايتها وبإعادة رسم خارطة المنطقة، وكانت هناك الولايات العربية التابعة لها، وأخذت تبرز مؤشرات تدل على رغبة العرب في التوحد في كيان يرجع هيبة الأ مة، وكان الغرب ينظر إلى هذه المؤشرات بقلق، ع.رِّفت حينها ب "المسألة ا لشرقية ". أخذت الأطراف المعنية (بريطانيا وفرنسا بالتحديد ) في التداول بمستقبل الولايات العربية التابعة لهذه الامبراطورية الآخذة في التفكك لا قتسام ترِ َ كتِها، وكانت هناك تقارير المستشرقين الذين كانوا يمثلون طلائع التجسس الممهدة للقوات الاستعمارية قد أوضحت لهذه الدول الأهميةالقصوى لتفكيك المنطقة وهدم أركان حضارتها بعد أن طافوا بها وأيقنوا بأن هذه الأ مة التي لها تاريخ عريق ولغة واحدة وتراث واحد إن توحدت ونهضت فستقضي على هذ ه الدول الا ستعمارية مرة واحدة وإ لى الأبد . وكانت تجربة "محمد على باشا " في مصر ماثلةأمام القوى الاستعمارية، هذا الرجل الذي حاول النهوض وتأسيس الدولة العربية الحديثة وتحركت إليه الأ ساطيل وتم القضاء على تجربته، إلا أن هذه المحاولة كانت محفورة في ذاكرة الدوائر الاستعمارية، وكان هناك سجل تاريخي من الصراع باقياً في الذاكرة الغربية يحدثهم عن قرون من الصراع مع المشرق العربي، كانت للمسلمين فيه اليد الطولى، أضف إلى ذلك كونها سوقا ضخمة يمكن أن تساهم بشكل كبير في تدوير آلة الصناعة في الغرب فيما لو تمكنوا من السيطرة عليها، وكذلك المحادثات بين بريطانيا وأمريكا والمنظمة الصهيونية 1915-1917 و التي أفضت إلىوعد بلفور ... في تلك الأ يام بالتحديد تم وضع حجر الأساس لكل المآسي التي حّلت بأمتنا لغاية اليوم. ونحن نكتب هذه الصفحات، يكون قد مر على مؤتمر لندن الاستعماري مائة عام تقريبا . في هذا المؤتمر الذي دعت إليه بريطانيا العظمى (حينئذ)، و انعقد من عام 1905 حتى عام 1907 ، تم. الاتفاق على مجموعة من القرارات، تسببت في ما آل إليه حال الأ مة، و إلى يومنا هذا، ضم. هذا المؤتمر نخبة من أساتذة الجامعات في شتى العلوم والمجالات كالاقتصاد والتجارة والبترول والزراعة والتاريخ والاجتماع، "واشتركت فيه لجنة تمثل كل الإمبراطوريات الاستعمارية القائمة آنذاك . ومن أعضائها : البروفيسور جيمس مؤلف كتاب (زوال الإمبراطورية الرومانية) ولوي مادلين مؤلف كتاب "نشوء وزوال إمبراطورية نابليون والبروفسور ليستر ولسنج، وسميت ودترتنج وزهروف " ورفع المؤتمر في 1907 م توصية عاجلة في ختام أعماله إلى رئيس وزراء بريطانيا في ذلك الوقت "كامبل بنرمان " نصت على "أن إقامة حاجز بشري قوي وغريب على الجسر البر ي الذي يربط أوروبا بالعالم القديم ويربطهما معا بالبحرالمتوسط بحيث يشكل في هذه المنطقة وعلى مقربة من قناة السويس قوة عدوة لشعب المنطقة، وصديقة للدول الأوروبية ومصالحها؛ هوالتنفيذ العملي العاجل للوسائل والسبل المقترحة" يقول التقرير الذي وضعته اللجنة التي شكلها كامبل بنرمان عام 1905-1907 من أجل الحصول على جواب للمسألة التي - تقض مضجع بريطانيا الاستعمارية، وهو كيف يمكن الحؤول دون سقوط الإمبراطوريات الاستعمارية "إن الخطر المهدد يكمن في البحرالمتوسط، صلة الوصل ما بين الشرق والغرب وفي حوضه مهد الديانات والحضار ات، وفي شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه أخص، فعلى طول ساحله الجنوبي من الرباط إلى غزة، وعلى الساحل الشرقي من غزة حتى مرسين وأضنة، وعلى الجسر البحري الضيق الذي يصل آسيا ب أفريقيا، وتمر فيه قناة السويس شريان حياة أوروبا، وعلى جانب البحر الأحمر، وعلى طول ساحلي الهندي وبحر العرب وحتى خليج البصرة، حيث الطريق إلى الهند والإمبراطوريات الاستعمارية في الشرق . وفي هذه البقعة الشاسعة الحساسة يعيش شعب واحد، تتوفر له من وحدة تاريخه ودينه ووحدة لسانه وأصالته كل مقومات المجتمع والترابط والاتحاد، وتتوفر في نزعاته التحررية وفي ثرواته الطبيعية، ومن كثرة تناسله، كل أسباب القوة والتحرر والنهوض. ويضيف، كيف يمكن أن يكون وضع هذه المنطقة إذا توحدت فعلاً آمال شعبها وأهدافه، وإذا اتجهت هذه القوة كلها في اتجاه واحد؟ ماذا لو دخلت الوسائل الفنية الحديثة، ومكتسبات الثورة الصناعية الأوروبية إلى هذه المنطقة؟ ماذا يمكن لو انتشر التعليم وعممت الثقافة في أوساط هذا الشعب، وماذا سيكون إذا تحركت هذه المنطقة واستغلت ثرواتها الطبيعية من قبل أهلها ... عند ذلك ستحل الضربة القاضية بالإ مبراطورية الاستعمارية، وعندها ستتبخر أحلام الاستعمار بالخلود، تتقطع أوصاله ثم يضمحل وينهار، كما انهارت إمبراطوريات الرومان والإغريق. إن الخطر على كيان الإمبراطوريات الاستعمارية كامن في الدرجة الأولى في هذه المنطقة في تجمعها واتحادها حول عقيدة واحدة، وهدف واحد، فعلى كل الدول ذات المصلحة المشتركة أن تعمل على استمرار وضع المنطقة المجزأ المتأخر، وعلى إبقاء شعبها على ما هو عليه من تفكك وجهل وتأخر وتناحر، وكوسيلة أساسية مستعجلة لدرء الخطر يجب العمل على فصل الجزء الأفريقي من هذه المنطقة عن جزئها الآ سيوي، وذلك بإقامة حاجز قوي، غريب على الجسر البري الذي يربط آسيا بإفريقيا، ويربطهما معا بالبحر المتوسط، بحيث يشكل في هذه المنطقة، وعلى مقربة من قناة السويس، قوة صديقة للاستعمار، وعدوة لسكان المنطقة" لقد كانت أوروبا بحاجة لحلول تتعامل مع مختلف القضايا التي أثارها التقرير وهي متشعبة، حضارية واقتصادية واستراتيجية:
ففي المنطقة قناة ا السويس وهي شريان حياة أوروبا = فلا بد من اليسطرة على هذا الشريان.
فيها شعب واحد تهاب أوروبا من توحده = فلا بد من تقسيمه وترسيخ التجزأة.
له وحدة تاريخ عريق = فلا بدمن تزويره. لها وحدة لسان = فلا بد من التعامل مع هذا المكون الحضاري.
كان الخوف من دخول ال وسائل الفنية الحديثة = فلا بد من حصارها تقنياُ. وفيها الثروات الطبيعية = فلا بد من السيطرة عليها .
كان الخوف من التعليم والثقافة = فكان لا بدد من التعامل معه.
كان مشروع "الدولة الحاجزة " لخلق حاجز بش ري قوي وغريب شرقي البحر المتوسط ، يكون قوة عدوة لشعب ال منطقة، وصديقة للدول الأوروبية تعتمد عليها في الملمات ، وقد هدف هذا المشروع الغربي من إنشاء فكرة الدولة الحاجزة إلى غرس كيان غريب في قلب العالم العربي الإسلامي، يفصل جناحه الآسيوي عن جناحه الإفريقي، يمنع وحدته ويضمن ضعفه وتفككه ، وسيسعى هذا الكيان بالتالي لضر ب أي نمو حضاري قوي في المنطقة، وس ي شغل العالم الإسلامي بمشكلة طويلة معقدة تستنزف طاقته وجهوده ، وتبقيه إلى أبعد مدى ممكن في فلك التبعية والضعف والحاجة للعالم الغربي وقواه الكبرى . في الوقت الذي تستمر أوروبا في بناء قوتها الصناعية والتقنية. وكما أن هذا الكيان سيكون بحاجة إلى دعم الغرب لضمان استمراره، فإن الغرب كذلك سيكون بحاجة إليه لضمان ضعف العالم الإسلامي وتفككه وتبعيته ، فكانت الاستراتيجية الرئيسية للغرب في المنطقة إبقاء الأمة مفككة مشتتة. حل المسألة اليهودية بالمسألة الشرقية لقد كانت هناك حاجة غربية تتمث ل في هدفين، أولهما ال تخلص من الفائض البشري اليهودي غير المرغوب فيه عبر تصديره للخارج كما كان يفعل بالمجرمين والمنبوذين في أوروبا، وثانيهما خلق هذا الكيان (الدولة الحاجزة ) لتحقيق الأهداف الاستعمارية، والكيد للحضارة العربية الإسلامية، وتمزيق وحدة المنطقة، ومنع نهوضها أو تطورها، واستمرار نهبها ، أي حل المسألة اليهودية بالمسألة الشرقية. و بعد تحليل مختلف القضايا ذات العلاقة، توصلت مختلف الأطراف المعنية إلى أن هناك: - رغبة غربية في التخلص من الفائض اليهود ي المنبوذ ، مقابل رغبة غربية في تقسيم العالم العربي ومنع توحده. - رغبة اليهود في التخلص من الاضطهاد الأوروبي، مقابل رغبة اليهود في جني ثمرة ما في أوج التنافس الاستعماري على النفوذ والأرض والثروات وتصاعد المد القومي في أوروبا. - رغبة غربية في زرع جيب استيطاني يخدم مصالحها في المشرق العربي يستنزف طاقات الأمة ويمنع توحدها، مقابل رغبة اليهود في الحصول على وظيفة بعد المتغيرات السياسية والاقتصادية التي شهدتها أوروبا في القرن التاسع عشر والتي سببت لهم ضياع الكثير من الفرص الوظيفية. فالتقت الإ مبريالية الغربية مع اليهود لقاء تاريخيا بعد تبلور معالم صفقة كبرى، تتمثل بغرس د ولة لليهود تكون قاعدة دائمة وحليفاً استرتيجي اُ لخدمة مصالح الغرب، مقابل ضمان هذا الغرب دعم وبقاء هذا الكيان واستمراره، فتم حل المسألة الشرقية بالمسألة اليهودية في صفقة واحدة . تم الإ عداد لهذه الصفقة وترتيبها على يد الحركة الصهيونية، وذلك ما سنناقشه على المقالات القادمة.
ويقول (روجيه جارودي) عن الصهيونية ( إن الأب الروحي للصهيونية ثيودور هرتزل أشعل الرغبة الاستعمارية في خلق (إسرائيل) وقدم لها مسو غات إقامة هذه الدولة على أساس أنه إذا قامت إحدى الدول الاستعمارية بحماية هذه الدولة اليهودية فسوف تتمتع بميزة على خصومها؛ لأن هذه الدولة ستعتبر رأس حربة مزروعة في المنطقة من أجل التغلغل الاستعماري ). وعلى ذلك الأساس فقد كانت الصفقة التي ير وج لها الصهيوني هرتزل تتلخص في إبرام عقد تحالف وشراكة وظيفية مابين اليهود من جهة والاستعمار الغربي من جهة أخرى ضد وحدة العرب والمسلمين ونهضتهم، وإبقاء وطن العروبة مفك كا كشرط من شروط تحقيق مقاصد هذه الشراكة.