( 12) موقف إبن تيمية مع غازان التتري
----------------------------------------
وردت الأنباء في أواخر سنة 698هـ , بزحف غازان التتري وجيشه من إيران نحو حلب ...----------------------------------------
وفي وادي سليمة يوم 27 ربيع الأول سنة 699هـ إلتقى جمع غازان بجمع الناصر بن قلاوون ...
وبعد معركة حامية الوطيس هزم جمع الناصر وولى الجند والأمراء الأدبار , ونزح أعيان دمشق إلى مصر يتبعون سير الناصر , حتى خلت دمشق من حاكم أو أمير أو أعيان البلاد ...
لكن شيخ الاسلام إبن تيمية بقي صامداً مع عامة الناس فاجتمع شيخ الإسلام مع من بقي من أعيان البلاد ...
واتفق معهم على تولي الأمور , وأن يذهب هو على رأس وفد من الشام لمقابلة غازان .. فقابله في بلدة البنك , وقد دارت بينهما مناقشة عنيفة ...
قال البالسي :
قال الشيخ إبن تيمية لغازان وترجمانه يترجم كلام الشيخ :
أنت تزعم أنك مسلم ومعك قاض وإمام وشيخ ومؤذنون على ما بلغنا ...
فغزوتنا وبلغت بلادنا على ماذا ؟؟
وأبوك وجدك كانا كافرين وما غزوا بلاد الإسلام بعد أن عاهدونا ...
وأنت عاهدت فغدرت , وقلت فما وفيّت !!
وجرى مع إبن تيمية وغازان أمور قام بها إبن تيمية كلها لله ...
ثم قرب غازان إلى الوفد طعاماً فأكلوا إلا إبن تيمية ...
فقيل له : ألا تأكل ؟؟
فقال : كيف آكل من طعامكم وكله مما نهبتموه من أغنام الناس وطبختموه بما قطعتم من أشجار الناس ؟؟
وغازان مصغ ٍلما يقول شاخص إليه لا يعرض عنه ...
وإنَّ غازان من شدة ما أوقع في قلبه من الهيبة والمحبة سأل :
من هذا الشيخ ؟؟
إني لم أر مثله , ولا أثبت قلباً منه , ولا أوقع من حديثه في قلبي ...
ولا رأيتني أعظم انقياداً لأحد منه ...
فأخبر بحاله , وما هو عليه من العلم والعمل ...
ثم طلب منه غازان الدعاء ...
فقام الشيخ يدعو فقال :
اللهم إنْ كان عبدك هذا إنما يقاتل لتكون كلمتك العليا وليكون الدين كله لك , فانصره وأيّده , وملّكه البلاد والعباد ...
وإن كان قد قام رياءً وسمعة ًوطلباً للدنيا ، ولتكون كلمته هي العليا ليذل الإسلام وأهله فاخذله وزلزله ودمّره واقطع دابره ...
وغازان يؤمّن على دعائه ويرفع يديه !!
قال البالسي :
فجعلنا نجمع ثيابنا خوفاً من أن نتلوّث بدم إبن تيمية إذا أمر بقتله ...
فلما خرجنا من عنده قال قاضي القضاة نجم الدين وغيره :
كدت تهلكنا وتهلك نفسك , والله لا نصحبك من هنا ...
فقال : وإني والله لا أصحبكم ...
قال البالسي : فانطلقوا عصبة وتأخر هو في خاصة نفسه ومعه جماعة من أصحابه ...
فتسامعت به الخواتين والأمراء وأصحاب غازان فأتوه يتبرّكون بدعائه وهو سائر إلى دمشق ...
ووالله ما وصل الى دمشق إلا في نحو ثلاثمائة فارس في ركابه !!
وكنت أنا من جملة من كان معه , وأما أولئك الذين أبوا أن يصحبوه , فخرج عليهم جماعة من التتار فشلحوهم أي سلبوهم ثيابهم وما معهم !!...
---------------------------------------------------------
المصدر كتاب ( صور من إبتلاء العلماء للشيخ وحيد بالي )
المصدر كتاب ( صور من إبتلاء العلماء للشيخ وحيد بالي )