( 8 ) مواقف رائعة لشريح القاضي
-----------------------------------
تعريف وتقدمة :------------------------------------
هو شريح بن الحارث الكندي اليمني ، ولاه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ القضاء ولم يكن يومذاك رجلاً مجهول المقام في المجتمع المدني ، أو امرءًا مغمور المنزلة بين أهل العلم وأصحاب الرأي من سادة الصحابة وكبار التابعين 00
فقد كان أصحاب الفضل وأهل السابقة يقدرون لشريح فطنته الحادة ، وذكاءه الفذ ، وخلقه الرفيع ، وطول تجربته في الحياة وعمقها 00
فهو رجل "يمني" الموطن ، " كندي " العشيرة ، قضى شطراً غير يسير من حياته في الجاهلية 00
فلما أشرقت الجزيرة العربية بنور الهداية ، ونفذت أشعة الإسلام إلى أرض " اليمن " ، كان شريح من أوائل المؤمنين بالله ورسوله ، المستجيبين لدعوة الهدى والحق 00
وكان عارفوا فضله ومقدروا شمائله ومزاياه ، يأسون عليه أشد الأسى ، ويتمنون أن لو أتيح له أن يفد على المدينة مبكراً ليلقى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل أن يلحق بالرفيق الأعلى ليحظى بشرف الصحبة بعد أن حظي بنعمة الإيمان ، وبذلك يجمع الخير من أطرافه ، ولكن قدرالله وما شاء فعل !!
ولم يكن الفاروق ـ رضي الله عنه ـ متعجلاً حين عهد بمنصب من مناصب القضاء الكبرى لرجل من التابعين ، على الرغم من أنَّ سماء الإسلام كانت يومئذٍ ما تزال تتألق بالنجوم الزُهر من صحابة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقد أثبتت الأيام صدق فراسة عمر ـ رضي الله عنه ـ وصواب تدبيره 00
إذ ظل شريح يقضي بين المسلمين نحواً من ستين عاماً متتابعة من غير انقطاع !!
وقد تتابع على إقراره في منصبه كل من : عمر ، وعثمان ، وعليّ ، ومعاوية رضوان الله عليهم أجمعين 000
كما أقره على ذلك من جاء بعد معاوية ـ رضي الله عنه ـ من خلفاء بني أمية ، حتى طلب الرجل إعفاءه من منصبه إبان ولاية الحجاج بن يوسف الثقفي !!
وكان قد بلغ السابعة بعد المائة من حياته المديدة الرشيدة الحافلة بالمفاخر والمآثر 000
ولقد ازدان تاريخ القضاء في الإسلام ببدائع من مواقف شريح ـ رحمه الله ـ ، وزها بروائع من انصياع خاصة المسلمين وعامتهم لشرع الله الذي يمثله القاضي شريح ، ونزولهم عند أحكامه 00
كان ـ رحمه الله ـ يقول للشاهدين في مجلس الحكم : إنما يقضي على هذا الرجل أنتما ، وإني لمتق ٍ بكما ، فاتقيا !!
وكان يقول للذي يقضي له : أما والله إني لأقضي لك وإني لأرى أنك لظالم ، ولكن لست أقضي بالظن ، إنما أقضي بما يحضرني من البينة ، وما يحل لك قضائي شيئاً حرمه الله عليك ، انطلق !!
وسنستعرض في السطور القليلة القادمة بإذن الله جزءًا يسيراً من مواقفه وروائعه !!00
( أ ) موقفه مع أمير المؤمنين علىّ بن أبي طالب
--------------------------------------------------
افتقد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب – رضي الله عنه - درعاً له كانت أثيرة عنده غالية عليه 00 ثم ما لبث أن وجدها في يد رجل من أهل الذمة يبيعها في سوق " الكوفة " !!--------------------------------------------------
فلما رآها عرفها وقال :
هذه درعي سقطت عن جملٍ لي في ليلة كذا 000 وفي مكان كذا 000
فقال الذمي : بل هي درعي وفي يدي يا أمير المؤمنين 000
فقال عليّ : إنما هي درعي لم أبعها من أحد ، ولم أهبها لأحد حتى تصير إليك 000
فقال الذميّ : بيني وبينك قاضي المسلمين !!
فقال عليّ : أنصفت 00 فهلم إليه 000
ثم إنهما ذهبا إلى شريح القاضي ، فلما صار عنده في مجلس القضاء ، قال شريح لعليّ ـ رضي الله عنه - :
ما تقول يا أمير المؤمنين ؟؟
فقال : لقد وجدت درعي هذه مع هذا الرجل ، وقد سقطت مني في ليلة كذا وفي مكان كذا ، وهي لم تصل إليه لا ببيع ولا هبة !!
فقال شريحٌ للذميِّ : وما تقول أنت أيها الرجل ؟؟
فقال : الدرع درعي وهي في يدي 000
ولاأتهم أمير المؤمنين بالكذب 000
فالتفت شريحٌ إلى عليٍّ وقال :
لا ريب عندي في أنك صادق فيما ما تقوله يا أمير المؤمنين ، وأنَّ الدرع درعك ، ولكن لا بد لك من شاهديْن يشهدان على صحة ما ادعيت !!
فقال عليّ : نعم 000
مولاي " قنبر " وولدي " الحسن " يشهدان لي 000
فقال شريح : ولكن شهادة الإبن لأبيه لا تجوز يا أمير المؤمنين !!
فقال عليّ : سبحان الله !!
رجل من أهل الجنة لا تجوز شهادته !!
أما سمعت أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ) !!00
فقال شريحٌ : بلى يا أمير المؤمنين 000
غير أني لا أجيز شهادة الولد لوالده !!
عند ذلك التفت عليّ إلى الذميّ وقال :
خذها فليس عندي شاهدٌ غيرهما 000
فقال الذميُّ :
ولكني أشهد بأن الدرع لك يا أمير المؤمنين 000
ثم أردف قائلاً : يالله !!000
أمير المؤمنين يقاضيني أمام قاضيه !!000
وقاضيه يقضي لي عليه !!000
أشهد أن الدين الذي يأمر بهذا لَحَقٌ 00
وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وأنَّ محمداً عبده ورسوله 00
إعلم أيها القاضي أنَّ الدرع درع أمير المؤمنين ، وأنني اتبعتُ الجيش وهو منطلق إلى
" صفين " ، فسقطت الدرع عن جمله الأورق فأخذتها 00
فقال له عليّ – رضي الله عنه - :
أما وإنك قد أسلمت فإني وهبتُها لك 000
ووهبت لك معها هذا الفرس أيضاً 000
ولم يمض على هذا الحدث زمن طويل ، حتى شوهد الرجل يقاتل الخوارج تحت راية عليّ ـ رضي الله عنه ـ في يوم " النهروان " ، ويمعن في القتال حتى كتبت له الشهادة !!00
=====================================
المصدر ( صور من حياة التابعين / عبد الرحمن رأفت الباشا )
=====================================
وسنستكمل بعضاً من مواقف وروائع شريح القاضي ـ رحمه الله تعالى ـ بعد رؤية مداخلاتكم وتعليقاتكم بإذن الله 00 فانتظرونا !!!!!المصدر ( صور من حياة التابعين / عبد الرحمن رأفت الباشا )
=====================================