شاعر في مهب الريح
أبو بكر عثمان 22/10/1428
03/11/2007
أبو بكر عثمان 22/10/1428
03/11/2007
أحاط به التعب لما بلغ به الجهد مبلغًا، كأن خناجر مُحْمَاة تطعن في ظهره، لم يبق إلاّ أن يغسل مدخل المطعم ثم ينصرف. أزاح المياه بالماسحة، فتناثر الماء على أحد الداخلين إلى المطعم. صاح بغضب:
- هل أنت أعمى؟!
وجاء صاحب المطعم مهرولاً، وبَّخ العامل بشدة وهدَّد وتوعَّد، واعتذر للرجل، رفع العامل رأسه والتفت نحو الرجل:
- آسف يا سعادة الباشا.
عندما رآه الرجل غمرته الدهشة
- الأستاذ صابر شوقي؟!
- نعم، أنا هو.
- لماذا أنت هنا يا أستاذ؟
- هنا لأكسب رزقي، كما تقولون لآكل عيشًا.
- الشاعر صابر شوقي عامل نظافة في مطعم!!
ضحك الأستاذ صابر في مرارة.
- الشاعر عندكم وفي زمنكم عامل نظافة، ومن يدري ربما غدًا ماسح أحذية.
دعا الرجل الأستاذ صابر إلى العشاء بالمطعم، وبعد إلحاح وافق الأستاذ صابر، وأضمر أن يدفع الحساب، أما صاحب المطعم فقد غمرته الريبة والشك؛ أيعقل هذا الصعلوك عامل النظافة يعرف هذا الباشا، ويدعوه للعشاء معه أيضًا؟!
أصر الأستاذ صابر على دفع الحساب الذي ابتلع راتبه الشهري تقريبًا، ولما هم بالانصراف رجاه صاحب العمل ألاّ يعود للعمل ثانية.
- يا باشا لا شأن لمطعمي بالسياسة، وروَّاد المطعم كلهم أناس طيبون، أرجوك لا تخرب بيتي.
حاول أن يثني صاحب المطعم عن قراره دون جدوى، أضحى يقينًا في عقله أن الأستاذ صابر من رجال الأمن السريين يعمل تحت ستار عامل نظافة. يئس الأستاذ صابر من إقناعه بالحقيقة، فمضى إلى سبيله، وقد أمسى اليوم عاطلاً، وهو عائد في طريقه جعل يجترُّ همومه وذكرياته، أحبَّ القرآن واللغة العربية منذ نعومة أظفاره، ونظم الشعر الجيد في سن مبكرة، وعقب تخرُّجه عمل بإحدى المجلات الأدبية، جرَّد قلمه وشعره لينافح عن أرْبُع الإسلام والأمة والوطن والمظلومين، ومضت السنوات وجرت في النهر مياه كثيرة فقد كسد سوق الأدب الرفيع، ولم يعد أكثر الناس- وخاصة الشباب- يقرؤون سوى المجلات الكروية والمجلات والصحف الصفراء والحمراء، وصار حوار مع لاعب كرة يدفع بتوزيع المجلة إلى أرقام قياسية، وأجدى للمجلات والصحف من ألف قصيدة شعر تفنِّد مشكلات الوطن وهمومه وأحلامه، نجح جهابذة الإعلام- فُضَّ فُوهم- أن يصنعوا أجيالاً غُثائية تافهة، لا لون لها، ولا طعم، ولا هدف، ولا غاية تسير مع القطيع حيث سار، باتت أمة القرآن في جُلِّها تقرأ التفاهات أو لا تقرأ.
أُغلقت مجلته الأدبية، ولم تحظ بأدنى دعم أو مساندة لتبقى على قيد الحياة؛ ذلك أنها تخالف خط الحكومة، ولو كانت مجلته ماجنة عابثة أو ملحدة لغمروها بالذهب والفضة، لكنها مؤمنة وفِيَّة للوطن، عرفوا أنه موهبة فذَّة، فأرسلوا إليه يُساومونه... أبى أن يعمل قلمه خادمًا ذليلاً عندهم. أرادوا إسقاطه وإغواءه... يريدون قلمه عاريًا ماجنًا أو منافقًا يمجِّد نزواتهم... يثني على مظالمهم... يهتف لطغيانهم إذا رفعوه عاليًّا، وكانوا سيرفعونه عندهم فوق فوق، لو طعن في الإسلام أو لمَز القرآن لفُتحت له كل الأبواب المغلقة، وتُرجمت قصائده إلى كل اللغات الحية والميتة، وأمسى ضيفًا عزيزًا على كل القنوات الفضائية، ومن يدري ربما حصل على نوبل بوصفه شاعرًا ومفكرًا حرًّا شجاعًا مبدعًا، لكن هيهات هيهات أن يخون دينه وبني وطنه، «تجوع الحرة ولا تأكل بثديها»، ويموت الحرُّ جوعًا ولا يأكل بدينه ووطنه.
رأى ماسح أحذية على الجانب الآخر من الطريق، فكّر وفكّر، لماذا حقًّا لا يعمل ماسح أحذية؟ وماذا يضير في ذلك؟ لأَنْ ينظف أحذية بني وطنه أعزُّ له وأكرم ألف مرة من أن يَلْعَق بقلمه حذاء الطغيان.
عبر الطريق ووقف أمام ماسح الأحذية العجوز:
- يا عم، أريد أن أعمل عندك ماسح أحذية!!
المصدر : الاسلام اليوم
- هل أنت أعمى؟!
وجاء صاحب المطعم مهرولاً، وبَّخ العامل بشدة وهدَّد وتوعَّد، واعتذر للرجل، رفع العامل رأسه والتفت نحو الرجل:
- آسف يا سعادة الباشا.
عندما رآه الرجل غمرته الدهشة
- الأستاذ صابر شوقي؟!
- نعم، أنا هو.
- لماذا أنت هنا يا أستاذ؟
- هنا لأكسب رزقي، كما تقولون لآكل عيشًا.
- الشاعر صابر شوقي عامل نظافة في مطعم!!
ضحك الأستاذ صابر في مرارة.
- الشاعر عندكم وفي زمنكم عامل نظافة، ومن يدري ربما غدًا ماسح أحذية.
دعا الرجل الأستاذ صابر إلى العشاء بالمطعم، وبعد إلحاح وافق الأستاذ صابر، وأضمر أن يدفع الحساب، أما صاحب المطعم فقد غمرته الريبة والشك؛ أيعقل هذا الصعلوك عامل النظافة يعرف هذا الباشا، ويدعوه للعشاء معه أيضًا؟!
أصر الأستاذ صابر على دفع الحساب الذي ابتلع راتبه الشهري تقريبًا، ولما هم بالانصراف رجاه صاحب العمل ألاّ يعود للعمل ثانية.
- يا باشا لا شأن لمطعمي بالسياسة، وروَّاد المطعم كلهم أناس طيبون، أرجوك لا تخرب بيتي.
حاول أن يثني صاحب المطعم عن قراره دون جدوى، أضحى يقينًا في عقله أن الأستاذ صابر من رجال الأمن السريين يعمل تحت ستار عامل نظافة. يئس الأستاذ صابر من إقناعه بالحقيقة، فمضى إلى سبيله، وقد أمسى اليوم عاطلاً، وهو عائد في طريقه جعل يجترُّ همومه وذكرياته، أحبَّ القرآن واللغة العربية منذ نعومة أظفاره، ونظم الشعر الجيد في سن مبكرة، وعقب تخرُّجه عمل بإحدى المجلات الأدبية، جرَّد قلمه وشعره لينافح عن أرْبُع الإسلام والأمة والوطن والمظلومين، ومضت السنوات وجرت في النهر مياه كثيرة فقد كسد سوق الأدب الرفيع، ولم يعد أكثر الناس- وخاصة الشباب- يقرؤون سوى المجلات الكروية والمجلات والصحف الصفراء والحمراء، وصار حوار مع لاعب كرة يدفع بتوزيع المجلة إلى أرقام قياسية، وأجدى للمجلات والصحف من ألف قصيدة شعر تفنِّد مشكلات الوطن وهمومه وأحلامه، نجح جهابذة الإعلام- فُضَّ فُوهم- أن يصنعوا أجيالاً غُثائية تافهة، لا لون لها، ولا طعم، ولا هدف، ولا غاية تسير مع القطيع حيث سار، باتت أمة القرآن في جُلِّها تقرأ التفاهات أو لا تقرأ.
أُغلقت مجلته الأدبية، ولم تحظ بأدنى دعم أو مساندة لتبقى على قيد الحياة؛ ذلك أنها تخالف خط الحكومة، ولو كانت مجلته ماجنة عابثة أو ملحدة لغمروها بالذهب والفضة، لكنها مؤمنة وفِيَّة للوطن، عرفوا أنه موهبة فذَّة، فأرسلوا إليه يُساومونه... أبى أن يعمل قلمه خادمًا ذليلاً عندهم. أرادوا إسقاطه وإغواءه... يريدون قلمه عاريًا ماجنًا أو منافقًا يمجِّد نزواتهم... يثني على مظالمهم... يهتف لطغيانهم إذا رفعوه عاليًّا، وكانوا سيرفعونه عندهم فوق فوق، لو طعن في الإسلام أو لمَز القرآن لفُتحت له كل الأبواب المغلقة، وتُرجمت قصائده إلى كل اللغات الحية والميتة، وأمسى ضيفًا عزيزًا على كل القنوات الفضائية، ومن يدري ربما حصل على نوبل بوصفه شاعرًا ومفكرًا حرًّا شجاعًا مبدعًا، لكن هيهات هيهات أن يخون دينه وبني وطنه، «تجوع الحرة ولا تأكل بثديها»، ويموت الحرُّ جوعًا ولا يأكل بدينه ووطنه.
رأى ماسح أحذية على الجانب الآخر من الطريق، فكّر وفكّر، لماذا حقًّا لا يعمل ماسح أحذية؟ وماذا يضير في ذلك؟ لأَنْ ينظف أحذية بني وطنه أعزُّ له وأكرم ألف مرة من أن يَلْعَق بقلمه حذاء الطغيان.
عبر الطريق ووقف أمام ماسح الأحذية العجوز:
- يا عم، أريد أن أعمل عندك ماسح أحذية!!
المصدر : الاسلام اليوم