موعظة عن الموت :

الحمد لله رب العالمين والصلاه والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين وبعد؛
الحمد لله الذي قصم بالموت رقاب الجبارة ،وكسر به ظهور الأكاسرة، وقصر به آمال القياصرة الذين لم يزل قلوبهم عن ذكر الموت نافرة حتى جاءهم الوعد بالحق فأرداهم في الحافرة
الحمد لله الذي جعل الموت راحة للأبرار ينقلهم من دار الهموم والأكدار إلى الراحة والاستبشار
الموت يكون راحة لمن نشأ على طاعة الله وشاب عليها، ولمن التزم دين الله تعالى ظاهرا وباطنا وتخلق بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم
الموت يكون راحة للعبد إذا كانت ذمته بريئة من حقوق العباد بريئة من حقوق دمائهم وأموالهم وأعراضهم وسلم الناس من لسانه ويده
وأنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُرَّ عليه بجِنَازَةٍ، فَقالَ: مُسْتَرِيحٌ ومُسْتَرَاحٌ منه. قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، ما المُسْتَرِيحُ والمُسْتَرَاحُ منه؟ قالَ: العَبْدُ المُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِن نَصَبِ الدُّنْيَا وأَذَاهَا إلى رَحْمَةِ اللَّهِ، والعَبْدُ الفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ منه العِبَادُ والبِلَادُ، والشَّجَرُ والدَّوَابُّ (البخاري)
الدنيا مزرعة الآخرة يحصد فيها الناس ثمار أعمالهم إن خيرا فخير ،وإن شرا فشر ،وفي الآخرة يكون الجزاء إما إلى الجنة وفيها الراحة الأبدية أو إلى النار وفيها التعب والشقاء
وإذا كثر الفجار وسكت الناس عنهم ولم يقوموا بواجبهم في محاربتهم عمهم البلاء ويمنع الله عنهم الخير والمطر فيهلك جميعهم بما فيهم الشجر والدواب
الموت حقيقة لا يمكن الإنسان أن يفر منه مؤمنا كان أو كافرا
الموت باب وكل الناس داخله ،قال الله تعالى :
قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(الجمعة:8)
كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ( آل عمران :185)
فهذه الآية ترغيب للمؤمنين في الطاعة وتحذير للعصاة من المعصية وتذكير للجميع بأن مرجعهم إلى الله إن عاجلا أو آجلا وسيجد كل إنسان جزاءه على عمله
في كل يوم يمر علينا نرى فيه جنازة ،ولا يزال كثير من الناس لا هين غافلين عن هذه الحقيقة الكبرى وكأن بينهم وبين الموت أمدا بعيدا
فلنحذر من طول الأمل فهو الذي يجعل الإنسان متعلقا بدنياه منشغلا بها غافلا عن الدار الآخرة
وفي الحديث الصحيح قال عليه الصلاة والسلام :
لا يَزالُ قَلْبُ الكَبِيرِ شابًّا في اثْنَتَيْنِ: في حُبِّ الدُّنْيا وطُولِ الأمَلِ .(البخاري)
فكم من الناس من يتخلى عن دينه ومبادئه وكرامته من أجل المال ويقتتل الناس على هذا
وطول الأمل سبب لقلة الطاعة والتكاسل عن العبادة وتأخير التوبة وتباع الهوى وكثرة المعصية والحرص على الدنيا والغفلة عن الموت
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أيُّ المؤمنينَ أَكْيَسُ ؟ قالَ : أَكْثرُهُم للمَوتِ ذِكْرًا وأحسَنُهم له استعدادا ، أولئِكَ هم الأَكْياسُ(صحيح ابن ماجه)
وقال عليه الصلاة والسلام : الكَيِّسُ مَن دان نفسَه وعمِل لما بعدَ الموتِ والعاجِزُ مَن أتبَع نفسَه هَواها وتمنَّى على اللهِ الأمانِيَّ (أخرجه الترمذي)
فالإكثار من ذكر الموت يحثنا على الطاعة والتوبة والإقلاع عن المعاصي والذنوب
للنعتبر لمن مات قبلنا كم من حبيب دفناه وكم من عزيز فارقناه وكم من قريب ودعناه، فلنقبل على الطاعات ونبتعد عن الشهوات ولنتوب إلى الله توبة نصوحة

تؤمل في الدُنيا طَويلاً وَلا تَدري

إِذا جَنَّ لَيلٌ هَل تَعيشُ إِلى الفَجرِ

فَكَم مِن صَحيحٍ ماتَ مِن غَيرِ عَلَّةٍ

وَكَم مِن عَليلٍ عاشَ دَهراً إِلى دَهرِ

وَكَم مِن فَتىً يُمسي وَيُصبِحُ آمِناً

وَقَد نُسِجَت أَكفانُهُ وَهوَ لا يَدري
هذه هي الدنيا كم من واثق فيها فجعته وكم من مطمئن إليها صرعته
العمر فيها قصير ،والعظيم فيها يسير، وجودها إلى عدم ، وسرورها إلى حزن ، وكثرتها إلى قلة ، وعافيتها إلى سقم ، وغناها إلى فقر
الأحوال فيها إما نعم زائلة وإما بلايا نازلة ، عمارتها خراب ، وإجتماعها فراق وما فوق التراب تراب
ذكر الموت يردع عن المعاصي ويلين القلب القاسي ويمنع الركون إلى الدنيا ويهون المصائب .
اللهم هوّن علينا سكرات الموت، ونسألك يا الله النجاة من النار والعفو عند الحساب، اللهم أحسن خاتمتنا، واجعل قبورنا روضة من رياض الجنة، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 
عودة
أعلى