( 4 ) موقف الفضيل بن عياض مع هارون الرشيد
---------------------------------------------------
---------------------------------------------------
قال الفضيل بن الربيع : كنت بمنزلي ذات يوم وقد خلعت ثيابي وتهيأت للنوم , فإذا بقرع شديد على بابي , فقلت في قلق : من هذا ؟؟
قال الطارق : أجب أمير المؤمنين , فخرجت مسرعاً أتعثر في خطوي , فإذا بالرشيد قائماً على بابي وفي وجهه تجهّم حزين , فقلت : يا أمير المؤمنين لو أرسلت إليّ لأتيتك 00
فقال : ويحك قد حاك في نفسي شيء أطار النوم من أجفاني وأزعج وجداني شيء لا يذهب به إلا عالم تقي من زهادك , فانظر لي رجلا أسأله 00
ثم يقول إبن الربيع : حتى جئت به إلى الفضيل بن عياض 00
فقال الرشيد : امض بنا إليه , فأتيناه , وإذا هو قائم يصلي في غرفته وهو يقرأ قوله تعالى : { أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ } 00
فقال الرشيد : إن انتفعنا بشيء فبهذا 00
فقرعت الباب 00
فقال الفضيل : من هذا ؟؟
قلت : أجب أمير المؤمنين 00
فقال : ما لي ولأمير المؤمنين 00
فقلت : سبحان الله , أما عليك طاعته ؟؟
فنزل ففتح الباب , ثم ارتقى إلى الغرفة فأطفأ السراج , ثم إلتجأ إلى زاوية من زوايا الغرفة , فجعلنا نجول عليه بأيدينا فسبقت كف الرشيد كفي إليه 00
فقال : يا لها من كف ما ألينها إن نجت من عذاب الله تعالى غداً 00
قال إبن الربيع فقلت في نفسي ليكلمنه الليلة بكلام نقي من قلب تقي 00
فقال الرشيد : خذ فيما جئناك له يرحمك الله 00
فقال الفضيل : وفيما جئت وقد حمّلت نفسك ذنوب الرعيّة التي سمتها هواناً , وجميع من معك من بطانتك وولاتك تضاف ذنوبهم إليك يوم الحساب , فبك بغوا وبك جاروا وهم مع هذا أبغض الناس لك وأسرعهم فراراً منك يوم الحساب , حتى لو سألتهم عند إنكشاف الغطاء عنك وعنهم أن يحملوا عنك سقطاً - جزءاً - من ذنب ما فعلوه , ولكان أشدهم حباً لك أشدهم هرباً منك 00
ثم قال : إنَّ عمر بن عبد العزيز لمَّا وليّ الخلافة دعا سالم بن عبد الله ومحمد بن كعب ورجاء بن حيوة - وهم ثلاثة من العلماء الصالحين - فقال لهم : إني قد ابتليت بهذ البلاء فأشيروا عليّ !! فعدّ الخلافة بلاء وعددتها أنت وأصحابك نعمة 00
فقال سالم بن عبد الله : " إن أردت النجاة غداً من عذاب الله فليكن كبير المسلمين عندك أباً , وأوسطهم عندك أخاً , وأصغرهم عندك إبناً , فوقر أباك وأكرم أخاك وتحنن على ولدك " 00
وقال رجاء بن حيوة : " إن أردت النجاة غداً من عذاب الله فأحبّ للمسلمين ما تحب لنفسك واكره لهم ما تكره لنفسك , ثم مت إن شئت " 00 وإني أقول لك يا هارون : " إني أخاف عليك أشدّ الخوف يوماً تذل فيه الأقدام " 00 فبكى هارون 00
قال إبن الربيع : فقلت أرفق بأمير المؤمنين 00
فقال : تقتله أنت وأصحابك وأرفق به أنا ؟؟
ثم قال : يا حسن الوجه , أنت الذي يسألك الله عز وجل عن هذا الخلق يوم القيامة , فإن استطعت أن تقي هذا الوجه فافعل , وإياك أن تصبح أو تمسي وفي قلبك غش لأحدٍ من رعيّتك , فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أصبح لهم غاشاً لم يرح رائحة الجنة " 00
فبكى الرشيد 00
ثم قال : هل عليك ديْن ؟؟
فقال : نعم ديْن لربي لم يحاسبني عليه , فالويل لي إن سألني ، والويل لي إن ناقشني ، والويل لي إن لم ألهم حجتي 00
قال الرشيد : إنما أعني ديْن العباد 00
فقال : إنَّ ربي لم يأمرني بهذا وقد قال عز وجل : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ 00 مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ 00 إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } 00
فقال الرشيد : هذه ألف دينار خذها وأنفقها على عيالك وتقوّ بها على عبادتك 00
قال : سبحان الله !! أنا أدلك على طريق النجاة وأنت تكافئني بمثل هذا 00
قال إبن الربيع : فخرجنا من عنده 00
فقال هارون الرشيد : إذا دللتني على رجل فدلني على مثل هذا , هذا سيّد المسلمين اليوم 00
=====================================
المصدر : ( سير أعلام النبلاء ) 00
=====================================
المصدر : ( سير أعلام النبلاء ) 00
=====================================