الشيخ محمد نبيه
New Member
خطبة عن العمل في الإسلام بعنوان (عليك بالعمل ولا تكن من الهمل) للشيخ محمد نبيه يوضح فيها تعريف العمل لغة واصطلاحا ويبين أهمية العمل في الإسلام وما هي أنواع العمل وأخلاقه والحكمة من مشروعيته.
العمل في الإسلام
ذُكِر العمل في الكثير من النصوص الدينيّة التي وَرَدت في القرآن الكريم والسنّة النبويّة على حدٍّ سواء، حيث قال الله -عزّ وجلّ – في كتابه الكريم: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ). (سورة الملك:15)
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلّم يعمل هو ومن سَبَقه من الرُّسُل كذلك، والدليل ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ). فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: (نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ). (صحيح البخاري:2262)
كما حثَّ الرسول على العمل، روى أبو داود في سننه بسند ضعيف، عن أنس بن مالك، أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله، فقال له النبي: (أَمَا فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ؟). قال: بلى، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه من الماء. فقال: (ائْتِنِي بِهِمَا). قال: فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال: (مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ؟). فقال رجل: أنا آخذهما بدرهم. قال: (مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ؟). مرتين أو ثلاثا، قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين. فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين، وأعطاهما الأنصاري وقال: (اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ، وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ قَدُومًا فَائْتِنِي بِهِ). فأتاه به، فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده، ثم قال له: (اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ، وَلَا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا). فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ: لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ، أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ). (سنن أبي داود:1641)
أهمية العمل في الإسلام
إن العمل في الإسلام ليس مهمته الوحيدة كسب المال وجمعه للإنفاق على العيال، بل إن له من الأهمية ما يزيد حتى على عبادات النوافل، فإن العمل هو كل ما يقوم به الإنسان من جهد بدني كالبناء، أو ذهني كالقضاء، ويعود عليه بالنفع المالي أو المنفعة المعنويّة.
وتظهر أهمية العمل في الإسلام من خلال النقاط الآتية:
تحقيق معاني العمل التعبدية
يُعدُّ العمل في الإسلام عبادة، فمفهوم العبادة في الإسلام واسع يشمل كل من العبادات المفروضة، وأيضاً العمل والسعي في مصالح الأهل والنفس، قال تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ). (سورة يونس:14)
يقول قتادة: ما جَعَلَنا اللهُ خلائفَ إِلا لينظر إِلى أعمالنا، فأرُوا الله من أعمالكم خيراً بالليل والنّهار.
ومن خلال العمل يقوم الإنسان بوظيفة عمارة الأرض، قال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ). (سورة المؤمنون:115)
فلم يخلق الله تعالى الإنسان في هذه الدنيا عبثاً، كما أنّ ترك العمل فيه ضياعٌ للنفس والأهل، وهذا سببٌ لكسب الإثم، فتارك العمل آثمٌ إن ضَيَّع حقّ نفسه، وإثمهُ أكبر إن ضيّع حق أهله الذين يعتمدون عليه في معيشتهم.
كسب الرزق
تظهر أهمية العمل بأنه وسيلة كسبٍ للرزق، ويستدل على ذلك بما يأتي: أمر الله بالسعي لكسب الرزق، فقال تعالى: (إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ ۖ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ). (سورة العنكبوت:17)
يلاحظ في الآية اقتران الرزق بالعبادة، فالذي يَرْزُق هو الذي يُعبد.
وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الطعام الذي يأكله الإنسان من عمل يده بأنه خيرُ طعامٍ في الدّنيا.
عن المقدام رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ). (صحيح البخاري:2072)
إن الأنبياء على علوّ قدرهم عند الله تعالى إلا أنهم كانوا أصحاب صنائع يكسبون بها رزقهم، فسيدنا يوسف عليه السلام مع أنه نبي إلا أنه طلب العمل، قال تعالى عن سيدنا يوسف عليه السلام: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ). (سورة يوسف:55)
وقال تعالى عن سيدنا داود: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ ۖ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ) (سورة الأنبياء:80)
أي: صناعة الدروع وهي صنعة شاقة إلا أنه عمل بها مع أنه نبي.
وأخرج مسلم في صحيحه أن زكريا عليه السلام عمل بالنجارة.
لقد فهم الصحابة رضي الله عنهم أهمية العمل لجلب الرزق، لذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تُمطر ذهباً ولا فضة، وإن الله تعالى إنما يرزق الناس بعضهم من بعض.
تحقيق الأمن الاجتماعي
يُعد العمل سبباً في اكتفاء الأُسَر والعائلات، وبالتالي اختفاء بعض المظاهر السلبية في المجتمع كالسرقة أو التسوّل، ويظهر ذلك من خلال: إن الإسلام حث على العمل مهما كان بسيطاً.
قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَأْتِيَ بحُزْمَةِ الحَطَبِ علَى ظَهْرِهِ، فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ اللَّهُ بهَا وجْهَهُ خَيْرٌ له مِن أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ). (صحيح البخاري:1471)
إن العمل يؤدي إلى إختفاء مظاهر التسول في المجتمع حيث ذمّ النبي صلى الله عليه وسلم طلب المال من الناس.
فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم العمل بجمع الحطب على بساطته أفضل من عطايا الناس وإن كثرت، لأن العمل يؤدي إلى كفاية الأسر، وعدم حاجتها للمعونة والصدقات، ويُحوّل الفرد من مستهلك إلى مُنتج.
معيار التقييم المجتمعي للرزق
المجتمع يُقدّر الرزق مهما كان بسيطاً، ويقدّر المحترف مهما كان عمله متواضعاً.
يُعدُّ العمل من وسائل تقييم الإنسان في المجتمع، وقد مدح الله من جمع بين العمل والعبادة فقال تعالى: (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) (سورة النور:37)
وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم اليد التي تُعطي بأنها يدٌ عُليا، وذمّ اليد التي تعتمد على عطايا الأخرين ووصفها بالسُّفلى، قال صلى الله عليه وسلم: (اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى). (صحيح البخاري:1427)
أقوال عمر بن الخطاب عن العمل
كان عمر بن الخطاب ينظر إلى الرجل نظرة تقديرٍ واحترام حتى يعلم أنه بلا حرفة أو صنعة فيسقط من عينه دلالة على قلّة شأنه عنده.
في كتاب المجالسة وجواهر العلم لأحمد بن مروان الدينوري المتوفى سنة ٣٣٣ من الهجرة يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إِنِّي لأرَى الرجل فَيُعْجِبنِي فَأَقُول هَل لَهُ حِرْفَة فَإِن قَالُوا لَا سقط من عَيْني.
ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﻣﻨﺎﻗﺐ ﻋﻤﺮ ﻻﺑﻦ اﻟﺠﻮﺯﻱ؛ ﻋﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻴﺮﻳﻦ ﻋﻦ أﺑﻴﻪ ﻗﺎﻝ: ﺷﻬﺪﺕ ﻣﻊ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎﺏ اﻟﻤﻐﺮﺏ ﻓﺄﺗﻰ ﻋﻠﻲ ﻭﻣﻌﻪ ﺭﺯﻳﻤﺔ – ﺗﺼﻐﻴﺮ ﺭﺯﻣﺔ ﻭﻫﻲ اﻟﻜﺎﺭﺓ ﻣﻦ اﻟﺜﻴﺎﺏ – ﻓﻘﺎﻝ: ﻣﺎ ﻫﺬا ﻣﻌﻚ؟ ﻓﻘﻠﺖ ﺭﺯﻳﻤﺔ ﺃﻗﻮﻡ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺴﻮﻕ، ﻓﺎﺷﺘﺮﻯ ﻭﺃﺑﻴﻊ، ﻓﻘﺎﻝ: ﻳﺎ ﻣﻌﺸﺮ ﻗﺮﻳﺶ ﻻ ﻳﻐﻠﺒﻨﻜﻢ ﻫﺬا ﻭأﺷﺒﺎﻫﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺠﺎﺭﺓ، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺛﻠﺚ اﻹﻣﺎﺭﺓ.
ﻭﻓﻴﻪ ﺃﻳﻀﺎ ﻋﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﻋﻤﺮ: ﻣﻦ اﺗﺠﺮ ﻓﻲ ﺷﻲء ﺛﻼﺙ ﻣﺮاﺕ ﻓﻠﻢ ﻳﺼﺐ ﻓﻴﻪ ﺷﻴﺌﺎ، ﻓﻠﻴﺘﺤﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺮﻩ.
ﻭﻓﻴﻪ ﻋﻦ اﻻﻛﻴﺪﺭ اﻟﻌﺎﺭﺿﻲ ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﻋﻤﺮ: ﺗﻌﻠﻤﻮا اﻟﻤﻬﻨﺔ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻮﺷﻚ ﺃﻥ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺃﺣﺪﻛﻢ ﺇﻟﻰ ﻣﻬﻨﺔ.
ﻭﻓﻲ ﻛﻨﺰ اﻟﻌﻤّﺎﻝ ﻣﻌﺰﻭا ﺇﻟﻰ ﻋﻤﺮ: ﻟﻮﻻ ﻫﺬﻩ اﻟﺒﻴﻮﻉ ﺻﺮﺗﻢ ﻋﺎﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎﺱ.
ﻭﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﻗﺐ ﻋﻦ ﺑﻜﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﻋﻤﺮ: ﻣﻜﺴﺒﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻌﺾ ﺩﻧﺎءﺓ ﺧﻴﺮ ﻣﻦ ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﻨﺎﺱ.
ﻭﻓﻴﻪ ﻋﻦ ﺫﻛﻮاﻥ ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﻋﻤﺮ: ﺇﺫا اﺷﺘﺮﻯ ﺃﺣﺪﻛﻢ ﺟﻤﻼ ﻓﻠﻴﺸﺘﺮﻩ ﻋﻈﻴﻤﺎ ﺳﻤﻴﻨﺎ، ﻓﺈﻥ ﺃﺧﻄﺄﻩ ﺧﻴﺮﻩ ﻟﻢ ﻳﺨﻄﺌﻪ ﺳﻮﻗﻪ.
ﻭﺧﺮﺝ اﺑﻦ اﻟﺠﻮﺯﻱ ﻓﻲ ﺗﻠﺒﻴﺲ ﺇﺑﻠﻴﺲ، ﻭﻣﻨﺎﻗﺐ ﻋﻤﺮ ﻋﻦ ﺧﻮّاﺕ اﻟﺘﻤﻴﻤﻲ ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﻋﻤﺮ: ﻳﺎ ﻣﻌﺸﺮ اﻟﻔﻘﺮاء ﺇﺭﻓﻌﻮا ﺭﺅﻭﺳﻜﻢ، ﻓﻘﺪ ﻭﺿﺢ اﻟﻄﺮﻳﻖ، ﻓﺎﺳﺘﺒﻘﻮا اﻟﺨﻴﺮاﺕ ﻭﻻ ﺗﻜﻮﻧﻮا ﻋﺎﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ.
ﻭﻓﻲ اﻟﻌﻘﺪ اﻟﻔﺮﻳﺪ ﻗﺎﻝ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎﺏ: ﻻ ﻳﻘﻌﺪﻥ ﺃﺣﺪﻛﻢ ﻋﻦ ﻃﻠﺐ اﻟﺮﺯﻕ، ﻭﻳﻘﻮﻝ: اﻟﻠﻬﻢ اﺭﺯﻗﻨﻲ، ﻭﻗﺪ ﻋﻠﻢ ﺃﻥ اﻟﺴﻤﺎء ﻻ ﺗﻤﻄﺮ ﺫﻫﺒﺎ ﻭﻻ ﻓﻀﺔ، ﻭﺃﻥ اﻟﻠﻪ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﺮﺯﻕ اﻟﻨﺎﺱ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ، ﻭﺗﻼ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). (سورة اﻟﺠﻤﻌﺔ:10)
ﻭﻓﻴﻪ ﻗﺎﻝ ﻋﻤﺮ: ﺣﺴﺐ اﻟﺮﺟﻞ ﻣﺎﻟﻪ، ﻭﻛﺮﻣﻪ ﺩﻳﻨﻪ، ﻭﻣﺮﻭءﺗﻪ ﺧﻠﻘﻪ.
ﻭﺃﺧﺮﺝ اﺑﻦ ﻣﺎﺟﻪ، بإسناد حسن ﻣﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﺑﻦ ﻋﻤﻴﺮ ﻋﻦ ﻋﻤﺮﻭ ﺑﻦ ﺣﺮﻳﺚ، ﻋﻦ ﺃﺧﻴﻪ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ ﺣﺮﻳﺚ ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ: (من باعَ دارًا أو عقارًا فلم يجعَل ثمنَه في مثلِه كانَ قمِنًا أن لاَ يبارَكَ فيه). (صحيح ابن ماجه:2035)
ﺫﻛﺮ اﺑﻦ اﻟﺠﻮﺯﻱ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺗﻠﺒﻴﺲ ﺇﺑﻠﻴﺲ، ﻋﻦ ﻋﻤﺮ ﺃﻧﻪ ﻗﺎﻝ: ﻷﻥ ﺃﻣﻮﺕ ﻣﻦ ﺳﻌﻴﻲ ﻋﻠﻰ ﺭﺟﻠﻲ أﻃﻠﺐ ﻛﻔﺎﻑ ﻭﺟﻬﻲ ﺃﺣﺐّ ﺇﻟﻲ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺃﻣﻮﺕ ﻏﺎﺯﻳﺎ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻠﻪ.
تعريف العمل
تعريف العمل لغة: هو المِهنة، أو الوظيفة، وتُجمَع على أعمال، وهو الفعل الذي ينجزه الإنسان؛ بهدف الحصول على النَّفع.
أما تعريف العمل اصطلاحا: العمل هو كل جهد لا يتنافى مع الشارع الحكيم، ويكون بغاية الحصول على منفعة مادية أو معنوية مشروعة، ويقسم هذا الجهد إلى جسمي مثل العمل بالزراعة والصناعة، وفكري ومعنوي كالقضاء والتعليم.
ويعرف كذلك بأنّه عدد من المُهمَّات الوظيفيّة المُتناغِمة، حيث يتألَّفُ العمل من عدّة مهمَّات ومسؤوليّات مُحدَّدة يجب إنجازها على أكمل وجه، من خلال: الكمّ، والقياس، والتقييم، مقابل حصول العامل على أجره المادِّي.
أنواع العمل
ينقسم العمل إلى أربعة أنواع أساسيّة، تتمثّل في ما يأتي:
شُرِع العمل في الإسلام لعِدَّة أمور منها:
الإسلام لم يحرم عمل المرأة، ما دام العمل ضمن المشرع، وقد جعل للمرأة العاملة عدة ضوابط والتزامات يجب الأخذ بها منها:
العمل في الإسلام
ذُكِر العمل في الكثير من النصوص الدينيّة التي وَرَدت في القرآن الكريم والسنّة النبويّة على حدٍّ سواء، حيث قال الله -عزّ وجلّ – في كتابه الكريم: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ). (سورة الملك:15)
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلّم يعمل هو ومن سَبَقه من الرُّسُل كذلك، والدليل ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ). فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: (نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ). (صحيح البخاري:2262)
كما حثَّ الرسول على العمل، روى أبو داود في سننه بسند ضعيف، عن أنس بن مالك، أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله، فقال له النبي: (أَمَا فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ؟). قال: بلى، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه من الماء. فقال: (ائْتِنِي بِهِمَا). قال: فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال: (مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ؟). فقال رجل: أنا آخذهما بدرهم. قال: (مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ؟). مرتين أو ثلاثا، قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين. فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين، وأعطاهما الأنصاري وقال: (اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ، وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ قَدُومًا فَائْتِنِي بِهِ). فأتاه به، فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده، ثم قال له: (اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ، وَلَا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا). فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ: لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ، أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ). (سنن أبي داود:1641)
أهمية العمل في الإسلام
إن العمل في الإسلام ليس مهمته الوحيدة كسب المال وجمعه للإنفاق على العيال، بل إن له من الأهمية ما يزيد حتى على عبادات النوافل، فإن العمل هو كل ما يقوم به الإنسان من جهد بدني كالبناء، أو ذهني كالقضاء، ويعود عليه بالنفع المالي أو المنفعة المعنويّة.
وتظهر أهمية العمل في الإسلام من خلال النقاط الآتية:
تحقيق معاني العمل التعبدية
يُعدُّ العمل في الإسلام عبادة، فمفهوم العبادة في الإسلام واسع يشمل كل من العبادات المفروضة، وأيضاً العمل والسعي في مصالح الأهل والنفس، قال تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ). (سورة يونس:14)
يقول قتادة: ما جَعَلَنا اللهُ خلائفَ إِلا لينظر إِلى أعمالنا، فأرُوا الله من أعمالكم خيراً بالليل والنّهار.
ومن خلال العمل يقوم الإنسان بوظيفة عمارة الأرض، قال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ). (سورة المؤمنون:115)
فلم يخلق الله تعالى الإنسان في هذه الدنيا عبثاً، كما أنّ ترك العمل فيه ضياعٌ للنفس والأهل، وهذا سببٌ لكسب الإثم، فتارك العمل آثمٌ إن ضَيَّع حقّ نفسه، وإثمهُ أكبر إن ضيّع حق أهله الذين يعتمدون عليه في معيشتهم.
كسب الرزق
تظهر أهمية العمل بأنه وسيلة كسبٍ للرزق، ويستدل على ذلك بما يأتي: أمر الله بالسعي لكسب الرزق، فقال تعالى: (إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ ۖ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ). (سورة العنكبوت:17)
يلاحظ في الآية اقتران الرزق بالعبادة، فالذي يَرْزُق هو الذي يُعبد.
وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الطعام الذي يأكله الإنسان من عمل يده بأنه خيرُ طعامٍ في الدّنيا.
عن المقدام رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ). (صحيح البخاري:2072)
إن الأنبياء على علوّ قدرهم عند الله تعالى إلا أنهم كانوا أصحاب صنائع يكسبون بها رزقهم، فسيدنا يوسف عليه السلام مع أنه نبي إلا أنه طلب العمل، قال تعالى عن سيدنا يوسف عليه السلام: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ). (سورة يوسف:55)
وقال تعالى عن سيدنا داود: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ ۖ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ) (سورة الأنبياء:80)
أي: صناعة الدروع وهي صنعة شاقة إلا أنه عمل بها مع أنه نبي.
وأخرج مسلم في صحيحه أن زكريا عليه السلام عمل بالنجارة.
لقد فهم الصحابة رضي الله عنهم أهمية العمل لجلب الرزق، لذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تُمطر ذهباً ولا فضة، وإن الله تعالى إنما يرزق الناس بعضهم من بعض.
تحقيق الأمن الاجتماعي
يُعد العمل سبباً في اكتفاء الأُسَر والعائلات، وبالتالي اختفاء بعض المظاهر السلبية في المجتمع كالسرقة أو التسوّل، ويظهر ذلك من خلال: إن الإسلام حث على العمل مهما كان بسيطاً.
قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَأْتِيَ بحُزْمَةِ الحَطَبِ علَى ظَهْرِهِ، فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ اللَّهُ بهَا وجْهَهُ خَيْرٌ له مِن أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ). (صحيح البخاري:1471)
إن العمل يؤدي إلى إختفاء مظاهر التسول في المجتمع حيث ذمّ النبي صلى الله عليه وسلم طلب المال من الناس.
فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم العمل بجمع الحطب على بساطته أفضل من عطايا الناس وإن كثرت، لأن العمل يؤدي إلى كفاية الأسر، وعدم حاجتها للمعونة والصدقات، ويُحوّل الفرد من مستهلك إلى مُنتج.
معيار التقييم المجتمعي للرزق
المجتمع يُقدّر الرزق مهما كان بسيطاً، ويقدّر المحترف مهما كان عمله متواضعاً.
يُعدُّ العمل من وسائل تقييم الإنسان في المجتمع، وقد مدح الله من جمع بين العمل والعبادة فقال تعالى: (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) (سورة النور:37)
وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم اليد التي تُعطي بأنها يدٌ عُليا، وذمّ اليد التي تعتمد على عطايا الأخرين ووصفها بالسُّفلى، قال صلى الله عليه وسلم: (اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى). (صحيح البخاري:1427)
أقوال عمر بن الخطاب عن العمل
كان عمر بن الخطاب ينظر إلى الرجل نظرة تقديرٍ واحترام حتى يعلم أنه بلا حرفة أو صنعة فيسقط من عينه دلالة على قلّة شأنه عنده.
في كتاب المجالسة وجواهر العلم لأحمد بن مروان الدينوري المتوفى سنة ٣٣٣ من الهجرة يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إِنِّي لأرَى الرجل فَيُعْجِبنِي فَأَقُول هَل لَهُ حِرْفَة فَإِن قَالُوا لَا سقط من عَيْني.
ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﻣﻨﺎﻗﺐ ﻋﻤﺮ ﻻﺑﻦ اﻟﺠﻮﺯﻱ؛ ﻋﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻴﺮﻳﻦ ﻋﻦ أﺑﻴﻪ ﻗﺎﻝ: ﺷﻬﺪﺕ ﻣﻊ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎﺏ اﻟﻤﻐﺮﺏ ﻓﺄﺗﻰ ﻋﻠﻲ ﻭﻣﻌﻪ ﺭﺯﻳﻤﺔ – ﺗﺼﻐﻴﺮ ﺭﺯﻣﺔ ﻭﻫﻲ اﻟﻜﺎﺭﺓ ﻣﻦ اﻟﺜﻴﺎﺏ – ﻓﻘﺎﻝ: ﻣﺎ ﻫﺬا ﻣﻌﻚ؟ ﻓﻘﻠﺖ ﺭﺯﻳﻤﺔ ﺃﻗﻮﻡ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺴﻮﻕ، ﻓﺎﺷﺘﺮﻯ ﻭﺃﺑﻴﻊ، ﻓﻘﺎﻝ: ﻳﺎ ﻣﻌﺸﺮ ﻗﺮﻳﺶ ﻻ ﻳﻐﻠﺒﻨﻜﻢ ﻫﺬا ﻭأﺷﺒﺎﻫﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺠﺎﺭﺓ، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺛﻠﺚ اﻹﻣﺎﺭﺓ.
ﻭﻓﻴﻪ ﺃﻳﻀﺎ ﻋﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﻋﻤﺮ: ﻣﻦ اﺗﺠﺮ ﻓﻲ ﺷﻲء ﺛﻼﺙ ﻣﺮاﺕ ﻓﻠﻢ ﻳﺼﺐ ﻓﻴﻪ ﺷﻴﺌﺎ، ﻓﻠﻴﺘﺤﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺮﻩ.
ﻭﻓﻴﻪ ﻋﻦ اﻻﻛﻴﺪﺭ اﻟﻌﺎﺭﺿﻲ ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﻋﻤﺮ: ﺗﻌﻠﻤﻮا اﻟﻤﻬﻨﺔ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻮﺷﻚ ﺃﻥ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺃﺣﺪﻛﻢ ﺇﻟﻰ ﻣﻬﻨﺔ.
ﻭﻓﻲ ﻛﻨﺰ اﻟﻌﻤّﺎﻝ ﻣﻌﺰﻭا ﺇﻟﻰ ﻋﻤﺮ: ﻟﻮﻻ ﻫﺬﻩ اﻟﺒﻴﻮﻉ ﺻﺮﺗﻢ ﻋﺎﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎﺱ.
ﻭﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﻗﺐ ﻋﻦ ﺑﻜﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﻋﻤﺮ: ﻣﻜﺴﺒﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻌﺾ ﺩﻧﺎءﺓ ﺧﻴﺮ ﻣﻦ ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﻨﺎﺱ.
ﻭﻓﻴﻪ ﻋﻦ ﺫﻛﻮاﻥ ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﻋﻤﺮ: ﺇﺫا اﺷﺘﺮﻯ ﺃﺣﺪﻛﻢ ﺟﻤﻼ ﻓﻠﻴﺸﺘﺮﻩ ﻋﻈﻴﻤﺎ ﺳﻤﻴﻨﺎ، ﻓﺈﻥ ﺃﺧﻄﺄﻩ ﺧﻴﺮﻩ ﻟﻢ ﻳﺨﻄﺌﻪ ﺳﻮﻗﻪ.
ﻭﺧﺮﺝ اﺑﻦ اﻟﺠﻮﺯﻱ ﻓﻲ ﺗﻠﺒﻴﺲ ﺇﺑﻠﻴﺲ، ﻭﻣﻨﺎﻗﺐ ﻋﻤﺮ ﻋﻦ ﺧﻮّاﺕ اﻟﺘﻤﻴﻤﻲ ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﻋﻤﺮ: ﻳﺎ ﻣﻌﺸﺮ اﻟﻔﻘﺮاء ﺇﺭﻓﻌﻮا ﺭﺅﻭﺳﻜﻢ، ﻓﻘﺪ ﻭﺿﺢ اﻟﻄﺮﻳﻖ، ﻓﺎﺳﺘﺒﻘﻮا اﻟﺨﻴﺮاﺕ ﻭﻻ ﺗﻜﻮﻧﻮا ﻋﺎﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ.
ﻭﻓﻲ اﻟﻌﻘﺪ اﻟﻔﺮﻳﺪ ﻗﺎﻝ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎﺏ: ﻻ ﻳﻘﻌﺪﻥ ﺃﺣﺪﻛﻢ ﻋﻦ ﻃﻠﺐ اﻟﺮﺯﻕ، ﻭﻳﻘﻮﻝ: اﻟﻠﻬﻢ اﺭﺯﻗﻨﻲ، ﻭﻗﺪ ﻋﻠﻢ ﺃﻥ اﻟﺴﻤﺎء ﻻ ﺗﻤﻄﺮ ﺫﻫﺒﺎ ﻭﻻ ﻓﻀﺔ، ﻭﺃﻥ اﻟﻠﻪ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﺮﺯﻕ اﻟﻨﺎﺱ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ، ﻭﺗﻼ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). (سورة اﻟﺠﻤﻌﺔ:10)
ﻭﻓﻴﻪ ﻗﺎﻝ ﻋﻤﺮ: ﺣﺴﺐ اﻟﺮﺟﻞ ﻣﺎﻟﻪ، ﻭﻛﺮﻣﻪ ﺩﻳﻨﻪ، ﻭﻣﺮﻭءﺗﻪ ﺧﻠﻘﻪ.
ﻭﺃﺧﺮﺝ اﺑﻦ ﻣﺎﺟﻪ، بإسناد حسن ﻣﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﺑﻦ ﻋﻤﻴﺮ ﻋﻦ ﻋﻤﺮﻭ ﺑﻦ ﺣﺮﻳﺚ، ﻋﻦ ﺃﺧﻴﻪ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ ﺣﺮﻳﺚ ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ: (من باعَ دارًا أو عقارًا فلم يجعَل ثمنَه في مثلِه كانَ قمِنًا أن لاَ يبارَكَ فيه). (صحيح ابن ماجه:2035)
ﺫﻛﺮ اﺑﻦ اﻟﺠﻮﺯﻱ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺗﻠﺒﻴﺲ ﺇﺑﻠﻴﺲ، ﻋﻦ ﻋﻤﺮ ﺃﻧﻪ ﻗﺎﻝ: ﻷﻥ ﺃﻣﻮﺕ ﻣﻦ ﺳﻌﻴﻲ ﻋﻠﻰ ﺭﺟﻠﻲ أﻃﻠﺐ ﻛﻔﺎﻑ ﻭﺟﻬﻲ ﺃﺣﺐّ ﺇﻟﻲ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺃﻣﻮﺕ ﻏﺎﺯﻳﺎ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻠﻪ.
تعريف العمل
تعريف العمل لغة: هو المِهنة، أو الوظيفة، وتُجمَع على أعمال، وهو الفعل الذي ينجزه الإنسان؛ بهدف الحصول على النَّفع.
أما تعريف العمل اصطلاحا: العمل هو كل جهد لا يتنافى مع الشارع الحكيم، ويكون بغاية الحصول على منفعة مادية أو معنوية مشروعة، ويقسم هذا الجهد إلى جسمي مثل العمل بالزراعة والصناعة، وفكري ومعنوي كالقضاء والتعليم.
ويعرف كذلك بأنّه عدد من المُهمَّات الوظيفيّة المُتناغِمة، حيث يتألَّفُ العمل من عدّة مهمَّات ومسؤوليّات مُحدَّدة يجب إنجازها على أكمل وجه، من خلال: الكمّ، والقياس، والتقييم، مقابل حصول العامل على أجره المادِّي.
أنواع العمل
ينقسم العمل إلى أربعة أنواع أساسيّة، تتمثّل في ما يأتي:
- العمل التِّقَنيّ: يناسبُ هذا النوع الأشخاص الذين يمتلكون مقدرة على التحليل، ومشاركة التفاصيل الخاصّة بالعمل مع زملائهم، والمقدرة الكبيرة على التحدِّي، وتحديد أسباب وتفاصيل المشاكل التي تظهر في العمل.
- العمل الإداريّ: يُناسب هذا النوع الأشخاص الذين يَتمتّعون بالمقدرة على إدارة الأعمال، وبناء فِرَق العمل ذات الأساس القويّ، وتنظيمها؛ بهدف تنفيذ الأعمال، ويكون هدفهم تحسين الأعمال، وجعلها تَصِل إلى أعلى المراتب.
- العمل في نطاق الأعمال الحُرَّة: يتَّصف الأشخاص في هذا المجال بحُبِّهم للبيئة، ووجود روح التحدِّي لديهم، حيث يتَّخذون القرارات بشكل سريع دون الاعتماد على الحقائق، كما أنّهم يُنجِزون المهمّات مهما كان ضَغْط العمل، وبشكل سريع، ومن المُمكِن أن يندرجَ العاملون في المبيعات تحت هذه الفئة.
- العمل الذي يحتاج إلى رُؤية: يُناسب هذا النوع الأشخاص الذين يمتلكون الاستراتيجيّات، وروح الإبداع، مع وجود المقدرة على صُنْع أفكار جديدة، إلّا أنّه من المُمكِن أن تكون بعض الأفكار الناتجة عن أولئك الأشخاص قليلة الخبرة من الناحية الإداريّة، وفي أحيان أخرى قد تكون الأفكار فعّالة في صناعة مُؤسَّسات عظيمة.
شُرِع العمل في الإسلام لعِدَّة أمور منها:
- إقامة دين الله – عزَّ وجلّ -: ويحتاج هذا الأمر إلى القوّة التي تظهر من خلال العمل في أيِّ ميدان من ميادين الحياة.
- تحقيق قوّة المسلمين وعِزّتهم: حيث يُساعِد العمل في الصناعة، والحِرف اليدويّة، على كفاية حاجة المسلمين من الصناعات، كما أنّ العمل في الزراعة يُساعِد على سَدِّ حاجات المسلمين من الطعام، ممّا يُؤدِّي إلى قُوّة الأُمّة الإسلاميّة، وعدم هوانها.
- زيادة الأرباح: حيث يُعتبَر الهدف الرئيسيّ من العمل، هو الحصول على الرِّبح المادِّي، على اختلاف نوع العمل، سواء كان تجاريّاً، أو صناعيّاً، أو مُتعلِّقاً بنظام الخدمات، إذ تُساعِد زيادة أرباح العمل على استمراريّة وُجودِه؛ وذلك لأنّ زيادة نسبة الأرباح تُساهم بشكلٍ كبيرٍ في زيادة كفاءة العمل.
- رَفْع مستوى الكفاءة الإنتاجيّة: برَفْع مستوى أداء العاملين وتعزيزه بتحفيزهم، وإثارة الدافعيّة فيهم ممّا يُؤدِّي إلى زيادة الأرباح، ويُساهم في دَعْم العمل وتنميته.
- النموّ والتوسُّع: حيث إنّ زيادة أرباح العمل تُؤدِّي إلى الانتقال بالتفكير إلى توسعة العمل، وتنميته، وتطويره، الأمر الذي من شأنه أن يساهم في نُموّ العمل وتوسُّعِه من ناحية العدد، والكَمّ.
- دَعْم التقنية والتطوير: إذ تُعتبَر إضافة التقنية إلى العمل وتطويره من العمليّات المُهمّة جدّاً للعمل، حيث تُساعِد على توفير الوقت، والجهد.
- القضاء على الفراغ لدى الإنسان: لأنّ الفراغ يكون سببا في انصراف الإنسان نحو المفاسد، أو المَلذّات والمُلهِيات؛ وهذا يحقق له الأمن، ولهذا لا بُدَّ من أن يستفيد الإنسان المسلم من وقت فراغه في إنجاز الأمور النافعة، قال الله – عزّ وجلّ-: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَبْ (٨)). (سورة الشرح)
- مُساعَدة الإنسان على عِمارة الأرض: قال الله تعالى: (وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ). (سورة هود:61)
- أن يكون العمل مشروعا وليس محرما.
- إجراء عقد العمل بين العامل ورب العمل.
- أن يكون العمل ضمن مستطاع وقدرات العامل ولا يشق عليه.
- أداء الواجب المطلوب قبل المطالبة بالحقوق المترتبة عليه.
- أن يتصف العامل بالقوة الحسية والمعنوية وأن يكون أمينا.
- إتقان العمل وزيادة الإنتاج.
- الإخلاص بالعمل.
- التزام العامل بلوائح وقوانين العمل المحددة.
- أداء العبادات والواجبات الشرعية من قبل العامل وعدم الانشغال عنها بالعمل.
- الرفق بالمراجعين من قبل العامل والتعامل معهم باحترام.
- عدم تأخير دفع الأجر للعامل من قبل رب العمل.
- العدل والإحسان بين العاملين.
- تواضع رب العمل مع العمال.
- المحافظة على كرامة العامل.
- الحفاظ على صحة العامل وحمايته من أخطار العمل.
الإسلام لم يحرم عمل المرأة، ما دام العمل ضمن المشرع، وقد جعل للمرأة العاملة عدة ضوابط والتزامات يجب الأخذ بها منها:
- أن يأذن لها وليّها بالعمل.
- وأن لا يحملها على التقصير في واجباتها تجاه زوجها وأولادها.
- وأن يتفق مع أنوثتها وأن تلتزم بلباسها الشرعي.
- ألا تخالط الرجال الأجانب إلا بالحشمة وغض البصر.