الفرزدق و الدئب ...

muslima

مشرفة الهندسة المدنية والمعمارية والمختارات الأدبي
طاقم الإدارة
الفرزدق والذئب


دكتور عثمان قدري مكانسي

ورد في الأغاني أن ابنة عم الفرزدق ، النوار ، خطبها رجل ، فطلبت من الفرزدق - ابن عمها أن يكون وليّها ، فطلب منها أن تُشهد الناس أنّه وليُّها ، فوافقت وأشهدَتهم أنّه وليّها ، فقال : " اشهدوا أنني زوجت النوار من نفسي ، " فغضبت النوار ، وهربت منه إلى الزبير ، وكان واليا على الحجاز والعراق ، واستجارت به فاحتال الفرزدق حتى أعادها ، وتزوّجها ، ويبدو أنّه لم يسعد معها ، فقد تزوّج عليها امرأتين ، وتزايد نشوزها إلى أن طلقها ، وكانت امرأة ذات دين وخلق ساهما في ابتعادها عنه – فقد عُرف عنه التهاون فيهما - ويظهر أنها كانت تتعالى عليه، وهي عنده ، و عندما هربت منه ، ثم عندما طلّقها وندم ندما شديداً، فأنشد :

ندمت ندامة الكسعيّ لمّـا *** غدَتْ مني مطلقةً نوارُ

لن أتحدث عن نوار فقصتها معروفة لكنني أقف على مقدمة القصيدة الغريبة التي لم يعتد النقاد على مثلها ، هذه المقدمة كانت في تصوير الفرزدق موقفاً لم يكن يريده - ولربما اصطنعه لأمر في نفسه - حينما فرض أحد الذئاب الجائعة نفسه عليه يريد التهامه أو مشاركته في الشواء الذي جذبته رائحته من بعيد ، وساعد على ذلك نار الشواء في هذا البرية الصحراوية المظلمة .

ولعله – إن تقرأِ القصيدة - يريد أن يقول : إن النوار والذئب كانا من أهل الغدر ، فقد فتح قلبه لهما ، فكانا غادرين لم يرعيا عهده .

وسواء كانت قصته مع الذئب حقيقية أم غير ذلك – من بنات خياله – فقد كانت رائعة ذات صور تقليدية ، وذات صور مرسومة ممتدة تعتمد على ( الكلمات واللون والصوت والرائحة )

الأبيات :

وأطلس عسال وما كان صاحبا *** دعـَوت بنـاري مـَوهِـنا فأتـاني
فلما دنـا قلت ادن ،دونـك ، إنّني *** وإيـاك في زادي لـمشـتـركـان
فـَبـِتّ أقـُدّ الـزاد بـيـني وبـيـنــه *** على ضَـوء نـارٍ مـرّة ودخـان
فقـُلـت لـه لـمّـا تكشّـر ضاحكـا *** وقائـم سـيـفي من يدي بمكـان
تعـشّ فإن عاهدتني لا تخـونني *** نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
وأنت امرؤ يا ذئب والغدر كنتما *** أخـَيـّيـْن كـانـا أرضِعـا بـِلـَبـان
ولو غيـْرَنـا نبّهـتَ تلتمس القـِرى *** أتـاك بسـهـم أو شـَبـاة سـِـنـان
وكلّ رفيـقـَي كلّ رحل وإن هما *** تعـاطى القنـا قوماهما أخـَوان
وإنـا لـَتـَرعى الـوحـشُ آمنـةً بنا *** ويرهبنا – إن نغضبِ- الثقلان

فالذئب : أطلس اللون ( فيه غبرة إلى السواد ) أتاه يعسل ( يسرع بمشية مطّربة) وهذه مشية الراغب في الحصول على شيء يريده متلهفاً إليه .
والفرزدق في أخرة من الليل وهدْأة فيه أشعل النار ليأنس في هذا الليل الهادئ البهيم ويرى ما حوله خشية أن ينقض عليه وحش أو هامة ، وشغل نفسه بالشواء ، أو بغيره ، فالزاد يُطلق على ما يتزود به المسافر أيّاً كان .
ولم يكن الفرزدق يرغب في رؤية هذا الذئب الذي دعته النار ورائحة الطعام إليه ، ولكنه بإشعال النار كانت الدعوة ، وما كل من أوقد النار رغب بالضيف . والدليل على أنه لم يرغب فيه قولـُه : دعوتُ . ولم يقل : دعوته .- دون النظر إلى وزن البيت - لكنه فوجئ به يعسل باتجاهه . لقد أجاب الذئب دعوته مسرعاً ، وكان يودّ لو كان المجيب غزالاً أو حيواناً أليفاً يأنس كل منهما للآخر في هذه الفلاة القفر .

لقد كان الفرزدق خائفاً ، ولو ادّعى الشجاعة والبطولة . لقد كشف نفسه من حيث كان يريد أن يمتدحها لعوامل عدة ، منها :

1- أنه قال للذئب (ادنُ )، ولن يحتاج الذئب لسماح الفرزدق له بالدنوّ ، ولكنّه إثبات للذات وسبيل للتحدي .

2- لقد قال له متحفزاً للدفاع عن نفسه بعد أن اقترب أكثر : (دونك ) إياك أن تقترب أكثر من هذا .

3- اضطراره مشاركته في زاده ، فهو ابتداء لم يدْعه ، ولكنْ لا بد مما ليس منه بُدّ ، فالذئب جائع وقد أسرع إليه ودنا منه يريد أن يأكل الشاعر ، فإن لم يستطع فما يقدمه الشاعر له .

4- قال : ( في زادي ) فالزاد للشاعر وهو في الظاهر يكرمه إلا أنه مضطر أن يشاركه فيه ولو كان زاده ، وكان أولى أن يقول ( في الزاد ) بغض الطرف عن وزن البيت ، فنحن نغوص في نفسية الشاعر ونقرأ ما وراء السطور .

5- ثم قوله ( إنني وإياك) وكان المختصر المفيد أن يقول ( إننا )
6- التوكيد المتكرر في قوله (إنّ مع الضمير المتصل ، ثم الضمير المتصل المنصوب : إياك ، ثم اللام المزحلقة في : لمشتركان ) حديث مستفيض يريد أن يملأ الوقت ويسمع الذئب صوته القوي فيبعده .. وكثيراً ما نرى الخائف في الليل أو في مكان موحش يكلم نفسه بصوت عال يواري به خوفه ، ويسرّي عن نفسه .

7- وتصور معي الفرق بين ( أقدّ الزاد ) و( أقطّ الزاد ) فالقدّ بالدال أقوى من القَطّ ويحتاج إلى عزم أشد وتلويح بالقوة أكبر .

8- ويستر خوفه بصوت ( القدّ) يري الذئب – على ضوء النار تارة وضوء الدخان تارة أخرى – عملية ال( القدّ ) هذه ( يعتمد على الصوت واللون ) في إبعاد الذئب عن الوثب نحوه .

9- لا شك أن الحريص على حياته أمام الذئب يظل ممسكاً بقوة بمقبض سيفه ، ولكن حينما تدعو أحدهم إلى طعامك ، ويظل مكشراً يبغي المزيد أو الوثوب عليك تطرده وتمتنع عن الاستمرار بإطعامه ... أما أن تقول له بعد كل ما قدمتَه – غير عابئ بك – يضحك منك مكشراً ( تعشّ) فهذا استجداء للأمان مغلف بالخوف والرغبة بالسلامة في أدنى صورها .

10- وبعد كل هذا يطلب إليه العهد بالأمان وعدم الخيانة ( فإن عاهدتني لا تخونني )

11- كما أن الخوف ظاهر بوضوح في تكرار كلمة ( يا ذئب ) . فكيف يطلب الصحبة والعهد من غدار؟ بل إن الذئب أُشرب الغدر فكان صفة ملازمة فيه ! ومع ذلك فهو يريده أخاً وصفياً فالذئب عند الشاعر ( امرؤ) وإنسان سوي يمكن معاهدته !:

وكلّ رفيـقـَي كلّ رحل وأن هما *** تعـاطى القنـا قوماهما أخـَوان

ونعتقد أن الشاعر تأثر لغدر نوار إياه – كما يرى - فغلف غدرها بقصة الذئب .

أرغب إلى الدارسين –إن أحبوا أن يقارنوا بين الغدرين أن يعودوا إلى قصيدة الشاعر فهي معاناة إنسانية تستحق الوقوف عنها على الرغم مما استنبطته من موقفه والذئب ، فمهمتنا – معشر النقاد – أن نجلو المواقف ونترك للآخرين أن يحكموا دون أن نفرض عليهم ما نريد .


منقول من موقع : صيد الفوائد
 
ورد في الأغاني أن ابنة عم الفرزدق ، النوار ، خطبها رجل ، فطلبت من الفرزدق - ابن عمها أن يكون وليّها ، فطلب منها أن تُشهد الناس أنّه وليُّها ، فوافقت وأشهدَتهم أنّه وليّها ، فقال : " اشهدوا أنني زوجت النوار من نفسي ، " فغضبت النوار ، وهربت منه 0000000000000000000
ونعم الشعراء حقاً !!!! والسؤال من هو الذئب ومن تكون الضحية ؟؟!!
وهل تجنى الإمام الجليل إبن الجوزي ـ رحمه الله تعالى ـ عندما عقد فصلاً لأمثال هذا الشاعر الذئب في كتابه العظيم " تلبيس إبليس " قال فيه ـ رحمه الله ـ :-

ذكر تلبيس إبليس على الشعراء

" وقد لبس عليهم فأراهم أنهم من أهل الأدب وأنهم قد خصوا بفطنة تميزوا بها عن غيرهم 00 ومن خصكم بهذه الفطنة ربما عفا عن زللكم 00 فتراهم يهيمون في كل واد من الكذب والقذف والهجاء وهتك الأعراض والإقرار بالفواحش 00 وأقل أحوالهم أن الشاعر يمدح الإنسان فيخاف أن يهجوه فيعطيه اتقاء شره 00 أو يمدحه بين جماعة فيعطيه حياء من الحاضرين وجميع ذلك من جنس المصادرة 00
وترى خلقاً من الشعراء وأهل الأدب لا يتحاشون من لبس الحرير والكذب في المدح خارجاً عن الحد ، ويحكون إجتماعهم على الفسق وشرب الخمر وغير ذلك 00 ويقول أحدهم : اجتمعت أنا وجماعة من الأدباء ففعلنا كذا وكذا 00 وجمهور الأدباء والشعراء إذا ضاق بهم رزق تسخطوا فكفروا وأخذوا في لوم الأقدار كقول بعضهم : لئن سمت همتي في الفضل عالية فإن حظي ببطن الأرض ملتصق 00 كم يفعل الدهر بي ما لا أسر به وكم يسيء زمان جائر حنق !!00
وقد نسي هؤلاء أن معاصيهم تضيق أرزاقهم 00 فقد رأوا أنفسهم مستحقين للنعم مستوجبين للسلامة من البلاء ولم يتلمحوا ما يجب عليهم من امتثال أوامر الشرع فقد ضلت فطنتهم في هذه الغفلة " 00

على كل حال جزاك الله خيراً كثيراًأختي الكريمة الفاضلة مسلمة 00 وسلمك الله من كل سوء !!00
 
ونعتقد أن الشاعر تأثر لغدر نوار إياه – كما يرى - فغلف غدرها بقصة الذئب .
هي كذا المسالة :D
شكرا لك اختي على المشاركة الادبية الرائعة...
 
ونعم الشعراء حقاً !!!! والسؤال من هو الذئب ومن تكون الضحية ؟؟!!

وهل تجنى الإمام الجليل إبن الجوزي ـ رحمه الله تعالى ـ عندما عقد فصلاً لأمثال هذا الشاعر الذئب في كتابه العظيم " تلبيس إبليس " قال فيه ـ رحمه الله ـ :-

ذكر تلبيس إبليس على الشعراء

" وقد لبس عليهم فأراهم أنهم من أهل الأدب وأنهم قد خصوا بفطنة تميزوا بها عن غيرهم 00 ومن خصكم بهذه الفطنة ربما عفا عن زللكم 00 فتراهم يهيمون في كل واد من الكذب والقذف والهجاء وهتك الأعراض والإقرار بالفواحش 00 وأقل أحوالهم أن الشاعر يمدح الإنسان فيخاف أن يهجوه فيعطيه اتقاء شره 00 أو يمدحه بين جماعة فيعطيه حياء من الحاضرين وجميع ذلك من جنس المصادرة 00
وترى خلقاً من الشعراء وأهل الأدب لا يتحاشون من لبس الحرير والكذب في المدح خارجاً عن الحد ، ويحكون إجتماعهم على الفسق وشرب الخمر وغير ذلك 00 ويقول أحدهم : اجتمعت أنا وجماعة من الأدباء ففعلنا كذا وكذا 00 وجمهور الأدباء والشعراء إذا ضاق بهم رزق تسخطوا فكفروا وأخذوا في لوم الأقدار كقول بعضهم : لئن سمت همتي في الفضل عالية فإن حظي ببطن الأرض ملتصق 00 كم يفعل الدهر بي ما لا أسر به وكم يسيء زمان جائر حنق !!00
وقد نسي هؤلاء أن معاصيهم تضيق أرزاقهم 00 فقد رأوا أنفسهم مستحقين للنعم مستوجبين للسلامة من البلاء ولم يتلمحوا ما يجب عليهم من امتثال أوامر الشرع فقد ضلت فطنتهم في هذه الغفلة " 00


على كل حال جزاك الله خيراً كثيراًأختي الكريمة الفاضلة مسلمة 00 وسلمك الله من كل سوء !!00

سلمت أخي أبو قصي على الاضافات المثرية للموضوع
جزاك الله خير

 
ونعتقد أن الشاعر تأثر لغدر نوار إياه – كما يرى - فغلف غدرها بقصة الذئب .

هي كذا المسالة :D

شكرا لك اختي على المشاركة الادبية الرائعة...



جزاك الله خير أختي الكريمة ماري على المرور و التعليق الدي دائما يسعدني
دمت بخير
 
أهلا و سهلا حضرموت على المرور​
 
السلام عليكم
شكرا لك أختي الفاضلة على هذه المتعة الأدبية و القصة المعبّرة.
 
السلام عليكم
شكرا لك أختي الفاضلة على هذه المتعة الأدبية و القصة المعبّرة.

جزاك الله خير أخي لطفي على مرورك و التعليق
دمت بخير​
 
أشكرك غانو على مرورك و دعمك لموضوعي​
 
لااا ..
الموضوع يحتاج إلى قعدة
لى عودة إن شاء الله

الموضوع رائع جدا ...
فلن تشعر بالملل أثناء القراءة فأنك تحب دلك النوع من المواضيع و خصوصا التحليل الأدبي للشعرأليس كدلك ؟ :)
 
أما الفرزدق فهو شاعر من الشعراء الفحول ولا شك !
ولكننى لا حظت مع وعورة شعره أن الشعر وكأنه صعب عليه ولهذا فإنه قد يأتي بإضافات في داخل شعره من باب فضول القول ولا يرتبط مع المعنى برباط وثيق يضيف شيئا جديدا للمعنى , كالمثال الذى ضربه هذا الناقد عندما قال :
6- التوكيد المتكرر في قوله (إنّ مع الضمير المتصل ، ثم الضمير المتصل المنصوب : إياك ، ثم اللام المزحلقة في : لمشتركان ) حديث مستفيض يريد أن يملأ الوقت ويسمع الذئب صوته القوي فيبعده .. وكثيراً ما نرى الخائف في الليل أو في مكان موحش يكلم نفسه بصوت عال يواري به خوفه ، ويسرّي عن نفسه .

فلو أردنا اختصار المعنى لقلنا :
فلما دنـا قلت ادن ،دونـك ، إنّني *** وإيـاك في زادي لـمشـتـركـان
فلما دنا قلت دونك إننا مشتركان في الزاد
فانظر إلى كم الإضافات !

التحليل النقدي هنا جيد ولا أرى أن الكاتب قد تعدى الصواب عندما بيَّن أن الفرزدق كان خائفا .. فهذا واضح
ولكن نفس الفرزدق تحول بين استسلامه ولو ظاهريا لهذا الخوف فهو لا يلبث أن يعرج على الفخر في نهاية الأبيات فيقول :
وَإِنّا لَتَرعى الوَحشُ آمِنَةً بِنا ... وَيَرهَبُنا إِن نَغضَبَ الثَقَلانِ

فهو على كل ما قاله استغل الموقف ليبين أن من مظاهر فخره أن الوحوش – التى يرهبها الناس – لا تعدو أن تكون أضيافا لهم تأكل من خيرهم , وتقتات من برهم , بينما يخشاهم الثقلان إن هم غضبوا
والفرزدق عاش حياته مفتخرا بعنجهية الجاهلية , أليس هو القائل :
أولَئِكَ آبائي فَجِئني بِمِثلِهِم ... إِذا جَمَعَتنا يا جَريرُ المَجامِعُ

أما الربط بين موقفه مع النوار وموقفه مع الذئب فأنا أرى أن الفرزدق كان هو المخطئ في البداية مع زوجته , لأنه غدر بها منذ البداية , عندما اشهد الناس أنه وليها ثم زوجها نفسه دون رغبة منه , فهذا غدر !
وأدى غدره إلى عدم استقرار حياته الزوجية بعد ذلك , فطلقها ..
إذن فالغدر غدره ولا أجد ثمة رابط يربط بين النوار وبين الذئب ..
إلا إذا كان الفرزدق يرى في موقفها هذا غدرا , فتكون نظرة خاطئة ترتب عليها وجهة نظر خاطئة أيضا
هذا مجرد رأى خاص

أما أنا فلا أخفى أن هذا البيت قد رسم على شفتى ابتسامة :
ولو غيـْرَنـا نبّهـتَ تلتمس القـِرى *** أتـاك بسـهـم أو شـَبـاة سـِـنـان
يقول الفرزدق مخاطبا الذئب : أيها الذئب اعلم أننى رجل كريم قل مثلى فى الدنيا , فإنك لو طلبت من أحد فى مثل حالتى تلك أن يقريك ويطعمك , لما زاد على أن يأتيك بسهم يخرق أحشائك , أو بحد سيف يمزق جسدك !!!

وباقي أبياته في نوار التي أتت بعد هذا البيت :
ندمت ندامة الكسعيّ لمّـا *** غدَتْ مني مطلقةً نوارُ

جميلة , وفيها يقول :
نَدِمتُ نَدامَةَ الكُسَعِيِّ لَمّا ... غَدَت مِنّي مُطَلَّقَةٌ نَوارُ
وَكانَت جَنَّتي فَخَرَجتُ مِنها ... كَآدَمَ حينَ لَجَّ بِها الضِرارُ
وَكُنتُ كَفاقِئٍ عَينَيهِ عَمداً ... فَأَصبَحَ ما يُضيءُ لَهُ النَهارُ
وَلا يوفي بِحُبِّ نَوارَ عِندي ... وَلا كَلَفي بِها إِلّا اِنتِحارُ
وَلَو رَضِيَت يَدايَ بِها وَقَرَّت ... لَكانَ لَها عَلى القَدَرِ الخِيارُ
وَما فارَقتُها شِبَعاً وَلَكِن ... رَأَيتُ الدَهرَ يَأخُذُ ما يُعارُ


وما كنت أظن الفرزدق على غلظة طبعه أن يتعلق بنوار إلى هذا الحد , وهو الذي قال عندما رثى جرير زوجته معترضا على أن يرثى المرء زوجه :
وَأَهوَنُ مَفقودٍ إِذا المَوتُ نالَهُ ... عَلى المَرءِ مِن أَصحابِهِ مَن تَقَنَّعا

بينما فاز جرير برقة الطبع وسلاسة الشعر فكان قوله في رثاء زوجته أم حرزة :
لَولا الحَياءُ لَعادَني اِستِعبارُ ... وَلَزُرتُ قَبرَكِ وَالحَبيبُ يُزارُ

معذرة على الإطالة فللنقد متعة

كل التحية على الاختيار الرائع

والسلام :)

 
أما الفرزدق فهو شاعر من الشعراء الفحول ولا شك !







ولكننى لا حظت مع وعورة شعره أن الشعر وكأنه صعب عليه ولهذا فإنه قد يأتي بإضافات في داخل شعره من باب فضول القول ولا يرتبط مع المعنى برباط وثيق يضيف شيئا جديدا للمعنى , كالمثال الذى ضربه هذا الناقد عندما قال :


فلو أردنا اختصار المعنى لقلنا :
فلما دنـا قلت ادن ،دونـك ، إنّني *** وإيـاك في زادي لـمشـتـركـان
فلما دنا قلت دونك إننا مشتركان في الزاد
فانظر إلى كم الإضافات !

التحليل النقدي هنا جيد ولا أرى أن الكاتب قد تعدى الصواب عندما بيَّن أن الفرزدق كان خائفا .. فهذا واضح
ولكن نفس الفرزدق تحول بين استسلامه ولو ظاهريا لهذا الخوف فهو لا يلبث أن يعرج على الفخر في نهاية الأبيات فيقول :
وَإِنّا لَتَرعى الوَحشُ آمِنَةً بِنا ... وَيَرهَبُنا إِن نَغضَبَ الثَقَلانِ

فهو على كل ما قاله استغل الموقف ليبين أن من مظاهر فخره أن الوحوش – التى يرهبها الناس – لا تعدو أن تكون أضيافا لهم تأكل من خيرهم , وتقتات من برهم , بينما يخشاهم الثقلان إن هم غضبوا
والفرزدق عاش حياته مفتخرا بعنجهية الجاهلية , أليس هو القائل :
أولَئِكَ آبائي فَجِئني بِمِثلِهِم ... إِذا جَمَعَتنا يا جَريرُ المَجامِعُ

أما الربط بين موقفه مع النوار وموقفه مع الذئب فأنا أرى أن الفرزدق كان هو المخطئ في البداية مع زوجته , لأنه غدر بها منذ البداية , عندما اشهد الناس أنه وليها ثم زوجها نفسه دون رغبة منه , فهذا غدر !
وأدى غدره إلى عدم استقرار حياته الزوجية بعد ذلك , فطلقها ..
إذن فالغدر غدره ولا أجد ثمة رابط يربط بين النوار وبين الذئب ..
إلا إذا كان الفرزدق يرى في موقفها هذا غدرا , فتكون نظرة خاطئة ترتب عليها وجهة نظر خاطئة أيضا
هذا مجرد رأى خاص

و أنا أشاطرك الرأي هنا فهو الدي غدر لا هي كما أسلفت و أنا لم انتبه لهدا الأمر رغم قراءتي للموضوع أكثر من مرة .. فعلا للناقد نظرة :)
فالأبيات التي أضفتها للفرزدق رائعة جدا :

وَكُنتُ كَفاقِئٍ عَينَيهِ عَمداً ... فَأَصبَحَ ما يُضيءُ لَهُ النَهارُ
وَلا يوفي بِحُبِّ نَوارَ عِندي ... وَلا كَلَفي بِها إِلّا اِنتِحارُ

و نقدك هنا أضاف الكثير للموضوع أشكرك أخي محمد جزيلا فقد استفدت كثيرا .

فلم أعرف من قبل أن الفرزدق كان غليظ الطبع لهدا الحد ... أن يزجر جرير حينما رثى زوجته !!!
فصدقت في نقدك اخي محمد .
و بالنسبة لي اعد شعر الفرزدق من الشعر الصعب فعندما أقرؤه أحتاج الى قاموس و لكن عربي - عربي كي أستطيع أن أفك الرموز المبهمة للمعني :D
ربما تعجب ادا قلت أنني عندما أقرأ شعر عنترة العبسي لا أجد صعوبة قط رغم أنه جاهليا و يغلب على شعراء هدا العصر القسوة و الغلظة و الألفاظ الصعبة و لكن عندما أقرأ شعر عنترة أستمتع كثيرا في القراءة بل و أحس بما يحس فعلا ربما لانه كان شاعرا حساسا صادقا في مشاعره و ترجمها في شعره فبدت كل كلمة و كأنها تفجر ما يحس به الشاعر من لوعة و ألم فكان شعره وجدانيا مؤثرا ينبع منه الصدق .
كل التحية​
 
عودة
أعلى