أسباب النصر والتمكين في الأرض للمسلمين

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين منزل الكتاب مُجرى السحاب هازم الأحزاب وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه الأخيار وسلَّم تسليماً كثيراً

وبعد : إن التمكين لدين الله في الأرض أمنية لكل مسلم صادق في إيمانه ورجاء لكل عبد من عباد الله أن يرى دستور الله حاكماً ومنهاجه سائداً حتى يعم النور أرجاء المعمورة ويسودها الأمن والأمان والراحة والاطمئنان كما سعدت به البشرية من قبل

لقد منُّ الله تعالى على هذه الأمة فجعلها أمة هداية وقيادة وسيادة أختارها الله عزّ وجل لأعظم رسالاته فبعث فيها أفضل رسله وأنزل عليها أعظم كتبه ووعدها بالنصر والتمكين إن هي نصرت دينه وبالعزة والكرامة إن هي تمسكت وعملت بنهج نبيه صلى الله عليه وسلم

قال ابن تيميه: {... ولهذا لكل من كان متبعاً لرسول الله كان الله معه بحسب هذا الاتباع} , قال الله تعالى { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (64)الأنفال

فالأمة التي تسير على شرع الله يسددها ويرعاها وينصرها وإذا خالفت الأمة أحكام ربها سلك بها طريق الشقاء

قال الله تعالى {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)النور

سمَّيت بسورة النور: لأنها تبين النور الحسي في الكون وتقيس عليه النور المعنوي في القيم

إن حقيقة الإيمان التي يتحقق بها وعد الله حقيقة ضخمة تستغرق النشاط الإنساني كله؛ وتوجه النشاط الإنساني كله . فما تكاد تستقر في القلب حتى تعلن عن نفسها في صورة عمل ونشاط وبناء وإنشاء موجه كله إلى الله؛ لا يبتغي به صاحبه إلا وجه الله؛ وهي طاعة لله واستسلام لأمره في الصغيرة والكبيرة ، لا يبقى معها هوى في النفس ، ولا شهوة في القلب ، ولا ميل في الفطرة إلا وهو تبع لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله .

ذلك الإيمان منهج حياة كامل ، يتضمن كل ما أمر الله به ، ويدخل فيما أمر الله به توفير الأسباب ، وإعداد العدة ، والأخذ بالوسائل ، والتهيؤ لحمل الأمانة الكبرى في الأرض . إن الاستخلاف في الأرض قدرة على العمارة والإصلاح ، لا على الهدم والإفساد . وقدرة على تحقيق العدل والطمأنينة ، لا على الظلم والقهر . وقدرة على الارتفاع بالنفس البشرية والنظام البشري ، لا على الانحدار بالفرد والجماعة إلى مدارج الحيوان!

فإما الذين يملكون فيفسدون في الأرض ، وينشرون فيها البغي والجور والظلم فهؤلاء ليسوا مستخلفين في الأرض . إنما هم مبتلون بما هم فيه ، أو مبتلى بهم غيرهم ، ممن يسلطون عليهم لحكمة يقدرها الله

ما جاء في هذه الآية بأربعة أمور

1_ وجود الجماعة الصادقة في إيمانها , إن الإيمان الصحيح متى استقر في القلب ظهرت آثاره في السلوك , وعمل في الواقع

أما من يدعي الإيمان ، ثم يسلك هذا السلوك الملتوي ، إنما هو نموذج للمنافقين في كل زمان ومكان لم يتأدب بأدب الإسلام ، ولم يشرق قلبه بنور الإيمان .أن التزام منهج الرسل في نصرة الدين هو أعظم عوامل تمكين الجماعة المؤمنة

2_ الإخلاص بعمل الصالحات : من القيام بشرائع الدين وتنفيذ أوامر الله عملاً وليس ادعاءً وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : {أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين} مسلم

3_ التزام بعمل الصحابة رضي الله عنهم أجمعين لقوله {منكم}

4_الأبتعاد عن الشرك في العبادة , بخلو القلب من الشرك في كل صوره وأشكاله , وإن هناك من الشرك الخفي لا يتخلص منه القلب إلا حين يتجه إلى الله وحده ويتوكل عليه وحده { يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}

قال الله تعالى :{ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) الأنبياء

أي تكون الوراثة للعباد الصالحين الذين يجمعون بين الإيمان والعمل الصالح فلا يفترق في كيانهم هذان العنصران ولا في حياتهم وحيثما اجتمع إيمان القلب ونشاط العمل في أمة فهي الوارثة للأرض في أية فترة من فترات التاريخ

ولكن حين يفترق هذان العنصران فالميزان يتأرجح وقد تقع الغلبة للأخذين بالوسائل المادية , وحين تفرغ قلوب المؤمنين من الإيمان الصحيح الدافع إلى العمل الصالح فلن يمكنهم الله تعالى في الأرض

يتحقق النصر والتمكين للأمة الإسلام عند إقامة الدين في نظام الحكم وتطبيق حدوده وأحكامه تطبيقاً تاماً

أما عند ترك إقامة الدين كنظام حكم فإن الله تعالى يعاقب الأمة المسلمة التي تنكرت لدينها مالا ينزله بالدول الكافرة, لأن الأمة المسلمة عرفت ثم أنكرت وأمنت ثم كفرت ووصلت إلى الأمن والعز بدين الله وطاعتها له ثم جحدت بعد ذلك

قال الله تعالى:{ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) النحل

إن سورة العصر: قاعدة محكمة في النصر والتمكين وامتناع الخسران عن أمة الإسلام , اشتملت على عدة خصال لا تجتمع في أمة فتلحقها خسارة أبداً

ومن تلك الخصال

1_ الإيمان الصادق الصحيح

2_ العمل الصالح المخلص في الجوارح من أعمال الخير كلها الظاهرة والباطنة المتعلقة بحق الله وحق عباده

3_ الجماعة المؤمنة بشرع الله تعالى

4_ التواصي بالحق: اعتقاداً وقولاً وعملاً ,وهو أداء الطاعات وترك المحرمات

5_التواصي بالصبر على المشاق والمصائب والأقدار وأذى من يؤذي ممن يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر

هذه السورة تحمل في طياتها قانون النصر والتمكين التي ذهب المسلمون يبحثون عنها في كل مكان وهي في متناول أيديهم منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام

والحمد لله رب العالمين

المراجع :

تفسير الطبري

تفسير ابن كثير

في ظلال القرآن

تفسير الشعراوي



 
  • Like
التفاعلات: mann1
عودة
أعلى