هل أتاكم نبأ طيلسان ابن حرب !! (2)

محمد شتيوى

مستشار سابق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نكمل ما بدأناه في الجزء الأول من هذا الموضوع حول طيلسان ابن حرب وما قيل فيه من الشعر

وقال فيه أيضاً من الخفيف:
يا ابنَ حربٍ إنّي أرى في زوايا ... بيتنا مثل مَن كسوتَ جماعَهْ
طيلسان رفوتُه ورفوتُ الـ ... رفْوَ منه وقد رقعتُ رقاعهْ
فأطاع البلى فصار خليعاً ... ليس يُعطي الرفاء في الرفو طاعهْ
فإذا سائلٌ رآنيَ فيه ... ظنّ أنّي فتىً من أهل الصناعهْ


[ يخاطب الشاعر ابن حرب ويخبره أنه يرى في بيته جماعة من الناس كساهم بمثل ما كساه به , فإن هذا الطيلسان الذي أهديته لي قد رفوته أي أصلحته , ثم تقادم العهد فصرت أرفو الرفو وأصلح ما يصلح به , ولما كثر رفو هذا الطيلسان فإنه صار يعصى الرفاء ولا يطيعه إن هو أراد إصلاحه , فإذا ما أتانا سائل ورأى هذا الطيلسان ظنني أعمل رفاءً .. ]


وقال فيه أيضاً من الخفيف:
يا ابنَ حربٍ كسوتْنَي طيلساناً ... يُزْرَعُ الرفُو فيه وهو سباخُ
مات رفّاؤه ومات بنوه ... وبدا الشيبُ في بنيهم وشاخوا


[ يقول الشاعر أن ابن حرب قد كساه طيلسانا من كثرة رفوه صار كالسباخ وصار الرفو وكأنه يُزرع فيه مما يدل على أنه وصل إلى منتهاه فى القدم والخلق , لدرجة أن الرفاء الذي يرفوه مات , ومات بنوه من بعده , وشاب أحفاده والطيلسان لا يزال معمرا ]

وقال فيه من المتقارب:
أيا طيلسانيَ أعييتَ طبِّي ... أسِلٌّ بجسمك أم داءُ حُبِّ
ويا ريحُ صيّرتِني أتّقيكِ ... وقد كنتُ لا أتّقي أن تَهُبّي
ومُسْتَخبرٍ خَبَر الطيلسان ... فقلتُ له: الروحُ من أمر ربّي


[ يخاطب الشاعر الطيلسان قائلا له : يا أيها الطيلسان العجيب شأنه , لقد أتعبت طبى فلم تنجح أي محاولة لي في علاجك من القدم فيا ترى أأنت مصاب بداء السل أم ذاك هو داء الحب مما أنحلك و أضناك , ويا أيتها الريح لقد صرت أتجنبك خوف أن يتقطع الطيلسان إن أنت لامستيه , ولقد سألني سائل عن خبر الطيلسان وكيف ظلت فيه الروح كل هذه المدة , فقلت له : الروح من أمر ربى
وهو يقتبس في ذلك الآية الكريمة من سورة الإسراء (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً {85} ) مدللا على عجيب أمر الطيلسان !! ]


وقال فيه من الرمل:
طيلسانٌ لابن حربٍ جاءني ... قد قضى التمزيق منه وطرَهْ
أنا من خوفي عليه أبدا ... سامِريٌّ ليس يألو حَذرهْ
يا ابن حربٍ خذُه أو فابعث بما ... نشتري عِجْلاً بصَفْرٍ عشَرهَ
فلعلّ اللهَ يحيْيه لنا ... إن ضربناه ببعض البقرهْ
فهْو قد أدرك نوحاً فعسى ... قد حوى من علم نوحٍ خبرهْ
أبداً يقرأ مَن أبصره ... "أإذ كنّا عِظاماً نَخِرَهْ"


[ يقول شاعرنا خفيف الدم أبو على الحمدونى أنه قد جاءه طيلسان ابن حرب فى حالة مزرية جدا , فقد قضى التمزيق منه حاجته , ونال بغيته منه , وأنه صار من خوفه عليه كمثل السامري صانع عجل بنى إسرائيل الذي ابتلاه الله بمرض فصار يعدو بين الناس وهو يصيح ( لا مساس ) , وكذلك أصبح شاعرنا يقول : لا مساس خوف أن ينقطع الطيلسان , ثم يناشد ( ابن حرب ) أن يأخذ طيلسانه ليستريح منه , أو فليبعث إليه بعشر قطع ذهبية ليشترى بها عجلا كعجل موسى , لعلهم إذا ضربوا الطيلسان ببعض البقرة أن يحيه الله عز وجل كما أحيا قتيل بنى اسرائيل , وذلك قوله تعالى في سورة البقرة (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ {73} ) , فإن هذا الطيلسان قد أدرك نبي الله نوحا , فعنده منه أخبار يرويها لنا لو نطق , فإذا رأى أحدٌ هذا الطيلسان فلا يملك إلا أن يردد قوله تعالى ("أإذ كنّا عِظاماً نَخِرَهْ" ) متذكرا حال الموتى عندما يبعثهم الله بعد أن صاروا عظاما بالية !! ]

وقال فيه أيضاً من الخفيف:
يا ابن حربٍ أطلت فقريَ بَرفْوي ... طيلساناً قد كنت عنه غنيّا
فهْو في الرفو آلُ فرعون في العَرْ ... ـض على النار غُدوةً وعشيّا
زُرتُ فيه معاشراً فازدروَني ... فتغنيتُ إذ رأَوْني زريّا:
جئت في زيِّ سائلٍ كي أراكم ... وعلى الباب قد وقفت مليا


[ يخاطب الشاعر ابن حرب شاكيا منه بأنه أفقره بكثرة المال الذي أنفقه لإصلاح هذا الطيلسان البالي , وهو إن شابه شيئا فلن يشبه إلا قوم فرعون الذين يعرضون على النار فى قبورهم بكرة وعشيا , وذلك قوله تعالى في سورة غافر (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ {45} النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ {46} ) , ولكم زار الشاعر بهذا الطيلسان أناسا فاحتقروه لسوء هندامه فتثمل الشاعر بهذا البيت لشاعر قبله :
جئت في زيِّ سائلٍ كي أراكم ... وعلى الباب قد وقفت مليا ........ ]


وقال فيه أيضاً من الوافر:
وهبتَ لنا، ابنَ حربٍ، طيلساناً ... يزيد المرءَ ذا الضعَة اتِّضاعا
يسلِّم صاحبي فيفيد شتمْي ... لأنّ الروحَ تُكْسبه انصداعا
أُجيلُ الطَّرفَ في طَرَفَيْه طولاً ... وعرضاً ما أرى إلاّ رقاعا
فلستُ أشكّ أنْ قد كان قِدمْاً ... لنوحٍ في سفينته شراعا
فقد غنّيتُ إذ أبصرتُ منه ... جوانبه على بدني تَداعى
قِفي قبل التفرّق يا ضباعا ... ولا يكُ مَوْقِفٌ منك الوَداعا
( *)

[ يقول الشاعر مخاطبا ابن حرب : إنك يا ابن حرب قد كسوتنى طيلسانا لو لبسه إنسان وضيع لزاده الطيلسان وضاعة , ولو ألقى صاحبى على السلام لتمزق الطيلسان لأن الريح تخرقه , ولربما عنَّ لى أن أتأمله فلا أجد فيه إلا رقاعا ضم بعضها إلى بعض فصارت طيلسانا , وإننى لا أشك أن هذا الطيلسان كان قديما شراعا لسفينة نوح عليه السلام , ولقد تمثلت بقول الشاعر عندما رأيته مخرقا ممزقا :
قِفي قبل التفرّق يا ضباعا ... ولا يكُ مَوْقِفٌ منك الوَداعا ]


***

قال ابن أبي عون: مر الحمدوني بابن حرب وهو جالس على باب داره وعلى كتفه وسادة. قال: لأي شيء هذه يا حمدوني ؟
قال: أرقع بها طيلسانك.
قال: ما تزال تهجونا منثوراً وموزوناً !!.

***
مع أطيب تحياتى :)

_______________________________________________
المصدر :
كتاب الوافى بالوفيات – صلاح الدين الصفدى ( الموسوعة الشعرية )
كتاب جمع الجواهر فى الملح والنوادر- الحصرى القيروانى
( * ) البيت للقطامي عمير بن شييم التغلبي
 


أيا طيلسانيَ أعييتَ طبِّي ... أسِلٌّ بجسمك أم داءُ حُبِّ
ويا ريحُ صيّرتِني أتّقيكِ ... وقد كنتُ لا أتّقي أن تَهُبّي
ومُسْتَخبرٍ خَبَر الطيلسان ... فقلتُ له: الروحُ من أمر ربّي


:D:D:D


قال ابن أبي عون: مر الحمدوني بابن حرب وهو جالس على باب داره وعلى كتفه وسادة. قال: لأي شيء هذه يا حمدوني ؟
قال: أرقع بها طيلسانك.

:D:D:D

جميلة جدا يبدو ان الشاعر كان كثير المزاح أو أنه خفيف الظل أليس كدلك ؟؟!
أشكرك شتيوي جزيلا على هده المشاركات الرائعة :clap::clap::clap:
ننتظر المزيد ...
 
جهد طيب و مشكور ياأخ محمد 00 بارك الله فيك ، ومتعك بالصحة والعافية !!00
 
عودة
أعلى