بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الإمام أبو الفرج بن الجوزي في كتابه القيم "المواعظ" تحت عنوان .."روض نفسك" :
(يَا هَذا : طهِّرْ قلبكَ مِنَ الشوَائبِ .. فالمحبة ُلا تُلقىَ إلا فِي قلبٍ طاهر . أمَا رأيتَ الزارعُ يتخيرُ الأرضَ الطيبة َويَسقيهَا ويَرويهَا ، ثمَّ يُثُيرُهَا ويُقلِّبُهَا ، وكُلَّمَا رَأى حَجراً ألقاهُ ، وكُلَّمَا شَاهدَ مَا يُؤْذِى نحََّاهُ ، ثمَّ يُلقِى فيهَا البذرَ ، وَيتعَاهَدُهَا مِنْ طوارق ِالأذى .. وَكذلكَ الحقُّ عزَّ وجلَّ إذا أرَادَ عبداً لودادِهِ .. حَصَدَ مِنْ قلْبهِ شَوْكَ الشِرْكِ ، وَطهَّرَهُ مِنْ أوسَاخ ِالريَاءِ والشَّكِّ ، ثمَّ يَسقيهِ مَاءَ التوْبةِ والإنَابَةِ ، وَيُثِيرُهُ بمِسْحَاةِ الخَوْفِ والإخْلاص ِ، فيَستوي ظاهِرَهُ وَبَاطِنَهُ فِي التُقى ، ثمَّ يُلْقِى فِيهِ بذرَ الهُدَى ، فيُثمِرُ حَبُّ المحبَّةِ .. فحينئذٍ تجِدُ المعرفة وطناً ظاهراً ، وقوتاً طاهِراً ، فيَسْكُنُ لُبَّ القلْبِ وَيَثبُتُ بهِ سُلطانهَا ، فِي رستاق ِالبذر ِفيَسري مِنْ بركَاتِهَا : إلَى العَيْن ِمَا يَفُضهَا عَنْ سوَى المَحبُوبِ ، وإلَى الكَفِّ مَا يَكُفهَا عَن ِالمَطلُوبِ ، وإلَى اللِّسَان ِمَا يَحْبسُهُ عَنْ فضُول ِالكَلام ِ، وإلَى القدَم ِمَا يَمْنَعُهُ مِنْ سُرعَةِ الإقدَام .. فمَا زَالت تلكَ النَفسُ الطاهرةُ : رائضُهَا العِلْمُ ، وَندِيمُهَا الحِلْمُ ِ، وَسِجْنُهَا الخَوْفُ ، وَمَيْدَانُهَا الرَجَاءُ ، وَبُسْتانُهَا الخُلوَةُ ، وَكَنْزُهَا القنَاعَة ُ، وَبضَاعَتُهَا اليَقِينُ ، وَمَرْكِبُهَا الزُهْدُ ، وَطعَامُهَا الفِكْرُ وَحَلْوَاهَا الأنْسُ .. وَهِيَ مشغولَة ٌبتوطِئَةِ رَحْلِهَا لِرَحِيلِهَا ، وَعَيْنُ أمَلِهَا نَاظِرَةٌ إلَى سَبيلِهَا .. فإنْ صَعدَ حَافِظاهَا فالصَحِيفَة ُنَقيَّة ٌ، وَإنْ جَاءَ البَلاءُ فالنفسُ صَابرة ٌتقيَّة ٌ، وَإنْ أقبلَ الموتُ وَجدَهَا مِنَ الغِشِّ خَالية ٌ.. فيَا طُوبَى لهَا إذا نُودِيَت يومَ القيامةِ : "ياأَيَّتُهَا النَّفسُ المُطمَئِنَّةُ ارجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرضِيَّة").
وفي الختام أقول : رحم الله الإمام إبن الجوزي رحمة واسعة وتقبله في الصالحين