لازم باب مولاك

أبو قصي

ضيف شرف
طاقم الإدارة
بسم الله الرحمن الرحيم

جاء في كتاب بحر الدموع للإمام إبن الجوزي -رحمه الله تعالى- مايلي :
(يا من رواحله في طلب الدنيا لها إسراع .. متى تحل عنها نطاق الأمل فيكون الإنقطاع ؟ إذا طلبت الآخرة تمشي رويداً .. فمتى يكون الإنتفاع ؟ عجباً كيف تشدّ الرحال في طلب الفاني وفي طريقه قطّاع ؟!
العمر أمانة أتلفت شبابه في الخيانة ، وكهولته في البطالة ، وفي الشيخوخة تبكي وتقول : عمري قد ضاع .. متى أفلح الخائن فيما اشترى أو باع ؟.

أنت في طلب الدنيا صحيح الجسم ، وفي طلب الآخرة بك أوجاع ؟ كم تعرج عن سبل التقوى يا أعرج الهمة .. يا من يبقى في القاع ؟ يا من على عمره ليل الغفلة طلع الفجر المشيب بين الأضلاع ؟! رافق رفاق التائبين قبل أن تنقطع مع المنقطعين (وما من غائبة في السماء والأرض الا في كتاب مبين) .

قال ذا النون المصري -رحمه الله- : رأيت امرأة متعبدة ، فلما دنوت منها ودنت مني ، سلمت عليّ فرددت عليها السلام ، فقالت لي : من أين أقبلت ؟ فقلت : من عند حكيم لا يوجد مثله ، فصاحت صيحة شديدة ، ثم قالت : ويحك كيف وجدت معه وحشة الغربة حتى فارقته ، وهو أنيس الغرباء ومعين الضعفاء ومولى الموالي ؟! أم كيف سمحت نفسك بمفارقته ؟!
فأبكاني كلامها .. فقالت لي : مم بكاؤك ؟ فقلت لها : وقع الدواء على الجرح ، فأسرع في نجاحه ، فقالت لو كنت صادقاً فلم بكيت ؟ فقلت لها : فالصادق لا يبكي ؟ قالت: لا.. قلت : ولم ؟ قالت: لأن البكاء راحة للقلب .. وهو نقص عند ذوي العقول.
قلت لها : علميني شيئاً ينفعني الله به .
قالت : اخدم مولاك شوقاً إلى لقائه ، فإن له يوماً يتجلى فيه إلى أوليائه ، لأنه سبحانه سقاهم في الدنيا من محبته كأساً لا يظمؤون بعدها أبداً .
ثم أقبلت تبكي وتقول : إلهي وسيدي .. إلى كم تدعني في دار لا أجد لي فيها أنيساً يساعدني على بلائي ، ثم جعلت تقول :
إذا كان داء العبد حب مليكه *** فمن دونه يرجى طبيباً مداوياً
يا أخي .. إذا طردك مولاك عن بابه فإلى باب من ترجع ؟! وإلى أي طريق تذهب ؟! وإلى أي جهة تقصد ؟! لازم باب مولاك ، فلعل وعسى يثمر عودك !.

ويروى عن أحد العبّاد -رحمه الله- أنه قال : بينما أنا في الطريق أسير وكنت صائماً فرأيت نهراً جارياً فانغمست فيه فإذا أنا بسفرجلة على وجه الماء فأخذتها لأفطر عليها .
قال : فلما أفطرت عليها ندمت وقلت : أفطرت على ما ليس لي ، فلما أصبحت سرت فضربت على باب البستان الذي كان النهر يخرج منه فخرج إليّ شيخ كبير ، فقلت له : يا شيخ إنه خرج من بستانكم هذا بالأمس سفرجلة فأخذتها وأكلتها ، وقد ندمت على ذلك فعسى أن تجعلني في حل .
فقال لي : أمّا أنا في هذا البستان أجير ولي فيه منذ أربعين سنة ما ذقت من فاكهته شيئاً قط وليس لي في البستان شيء .. قلت : لمن هو : قال : لأخوين بالموضع الفلاني .
قال : فأتيت الموضع فوجدت أحدهما ، فقصيت عليه القصة ، فقال : نصف البستان لي ، وأنت حل من نصيبي في تلك السفرجلة .. فقلت له : وأين أجد أخاك ؟ قال : بموضع كذا .
فمضيت اليه وقصيت عليه القصة ، فقال لي : والله لا أجعلك في حل الا بشرط ، فقلت : وما الشرط ؟ قال : أزوّجك ابنتي وأعطيك مائة دينار ، قال له العابد : ويحك أنا في شغل عن هذا ، أما رأيت ما أصابني لأجل سفرجلتك ؟ فاجعلني في حل ، فقال له : والله ما فعلت الا بالشرط المذكور .
فلما رأى العابد منه الجد امتثل وقال أفعل ، فأعطاه مائة دينار ، ثم قال له : أعطني منها ما شئت مهر ابنتي ، فرمى بها كلها اليه ، فقال له : لا .. إلا البعض .
قال : فزوّجه ابنته فلامه الناس على ذلك ، وقالوا له : خطب ابنتك أرباب الدولة وكبراء الناس ولم تعطها لهم ، فكيف أعطيتها لفقير لا مال له ؟ فقال لهم : يا قوم إنما رغبت في الورع والدين ، ولأن هذا الرجل من عباد الله الصالحين .. رضي الله عنهم أجمعين).

وفي الختام أقول : رحم الله الإمام إبن الجوزي رحمة واسعة !.
 
أشكرك على الموضوع الجميل
جزاك الله خيرا
 
الورع والدين ..جميل أخي ..وبارك الله فيك
 
أشكرك على الموضوع الجميل

جزاك الله خيرا
كل الشكر لكِ أختنا الفاضلة على تشريفك الدائم لمعظم مواضيعي
لاتحرمينا من آرائك واقتراحاتك القيمة
دمتِ بألف خير
 
الورع والدين ..جميل أخي ..وبارك الله فيك
بارك الله فيك أخي الحبيب حضرموت
دائماً تستخلص لنا أجمل مافي الموضوع
مما ينم عن حسن اهتمامكم وعظم وكرم شخصكم
دمت أخي بألف خير وجعلك الله خير معين لإخوانك
 
عودة
أعلى