بسم الله الرحمن الرحيم يقول شيخ الإسلام إبن القيم - رحمه الله تعالى - في كتابه القيم " إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان " مايلي :- (ومن كيده: ما ألقاه إلى جُهال المتصوفة من الشطح والطامات ، وأبرزه لهم فى قالب الكشف من الخيالات ، فأوقعهم فى أنواع الأباطيل والترهات ، وفتح لهم أبواب الدعاوى الهائلات ، وأوحى إليهم : أن وراء العلم طريقاً إن سلكوه أفضى بهم إلى الكشف العيان ، وأغناهم عن التقيد بالسنة والقرآن ، فحسن لهم رياضة النفوس وتهذيبها ، وتصفية الأخلاق والتجافى عما عليه أهل الدنيا ، وأهل الرياسة والفقهاء ، وأرباب العلوم والعمل على تفريغ القلب وخلوه من كل شىء ، حتى ينتقش فيه الحق بلا واسطة تعلم ، فلما خلا من صورة العلم الذى جاء به الرسول نقش فيه الشيطان بحسب ما هو مستعد له من أنواع الباطل ، وخيله للنفس حتى جعله كالمشاهد كشفاً وعياناً ، فإذا أنكره عليهم ورثة الرسل قالوا : لكم العلم الظاهر ، ولنا الكشف الباطن ، ولكم ظاهر الشريعة ، وعندنا باطن الحقيقة ، ولكم القشور ولنا اللباب ، فلما تمكن هذا من قلوبهم سلخها من الكتاب والسنة والآثار كما ينسلخ الليل عن النهار ، ثم أحالهم فى سلوكهم على تلك الخيالات ، وأوهمهم أنها عن الآيات البينات وأنها من قبل الله سبحانه إلهامات وتعريفات فلا تعرض على السنة والقرآن ، ولا تعامل إلا بالقبول والإذعان 00 فلغير الله لا له سبحانه ما يفتحه عليهم الشيطان من الخيالات والشطحات ، وأنواع الهذيان 00 وكلما ازدادوا بعداً وإعراضاً عن القرآن وما جاء به الرسول كان هذا الفتح على قلوبهم أعظم )00
وفي الختام أقول : رحمك الله ياإمام !! ماذا لو رأيت مايحدث في أيامنا هذه أمام الأضرحة والأعتاب 00 ماذا كنت تقول !! يارب سلم !!00
يتطرق شيخ الإسلام إبن القيم - رحمه الله تعالى - في كتابه القيم " إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان " إلى مكيدة أخرى من مكائد الشيطان لابن آدم فيقول :- (ومن كيده: أنه يُحسّن إلى أرباب التخلى والزهد والرياضة العمل بهاجسهم وواقعهم ، دون تحكيم أمر الشارع ، ويقولون: القلب إذا كان محفوظاً مع الله كانت هواجسه وخواطره معصومة من الخطأ ، وهذا من أبلغ كيد العدو فيهم 00 فإن الخواطر والهواجس ثلاثة أنواع : رحمانية ، وشيطانية ، ونفسانية كالرؤيا ، فلو بلغ العبد من الزهد والعبادة ما بلغ فمعه شيطانه ونفسه لا يفارقانه إلى الموت ، والشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم ، والعصمة إنما هى للرسل صلوات الله وسلامه عليهم الذين هم وسائط بين الله عز وجل وبين خلقه ، فى تبليغ أمره ونهيه ووعده ووعيده ، ومن عداهم يصيب ويخطئ ، وليس بحجة على الخلق 00 وقد كان سيد المحدثين الملهمين عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، يقول الشىء فيرده عليه من هو دونه ، فيتبين له الخطأ ،فيرجع إليه وكان يعرض هواجسه وخواطره على الكتاب والسنة ، ولا يلتفت إليها ولا يحكم بها ولا يعمل بها 00 وهؤلاء الجهال يرى أحدهم أدنى شىء فيحكم هواجسه وخواطره على الكتاب والسنة ، ولا يلتفت إليهما ، ويقول : حدثنى قلبى عن ربى ، ونحن أخذنا عن الحى الذى لا يموت ، وأنتم أخذتم عن الوسائط ، ونحن أخذنا بالحقائق ، وأنتم اتبعتم الرسوم ، وأمثال ذلك من الكلام الذى هو كفر وإلحاد ، وغاية صاحبه أن يكون جاهلاً يعذر بجهله ، حتى قيل لبعض هؤلاء : ألا تذهب فتسمع الحديث من عبد الرزاق ؟ فقال : ما يصنع بالسماع من عبد الرزاق من يسمع من الملك الخلاق ؟!! وهذا غاية الجهل ، فإن الذى سمع من الملك الخلاق موسى بن عمران كليم الرحمن 00 وأما هذا وأمثاله فلم يحصل لهم السماع من بعض ورثة الرسول ، وهو يدعى أنه يسمع الخطاب من مرسله ، فيستغنى به عن ظاهر العلم ، ولعل الذى يخاطبهم هو الشيطان ، أو نفسه الجاهلة ، أو هما مجتمعتين ، ومنفردتين 00 ومن ظن أنه يستغنى عما جاء به الرسول بما يلقى فى قلبه من الخواطر والهواجس فهو من أعظم الناس كفرا00 وكذلك إن ظن أنه يكتفى بهذا تارة وبهذا تارة ، فما يلقى فى القلوب لا عبرة به ولا التفات إليه إن لم يعرض على ما جاء به الرسول ويشهد له بالموافقة ، وإلا فهو من إلقاء النفس والشيطان 00 وقد سئل عبد الله بن مسعود عن مسألة المفوضة شهراً ، فقال بعد الشهر : " أقول فيها برأيى فإن يكن صواباً فمن الله ، وإن يكن خطأ فمنى ومن الشيطان ، والله برىء منه ورسوله "وكتب كاتب لعمر رضى الله عنه بين يديه : هذا ما أرى الله عمر فقال : لا 00 امحه واكتب : هذا ما رأى عمر 00 وقال عمر رضى الله عنه أيضاً : "أيها الناس اتهموا الرأى على الدين ، فلقد رأيتنى يوم أبى جندل ولو أستطيع أن أرد أمر رسول الله عليه السلام لرددته "00 واتهام الصحابة لآرائهم كثير مشهور ، وهم أبر الأمة قلوباً ، وأعمقها علماً ، وأبعدها من الشيطان ، فكانوا أتبع الأمة للسنة ، وأشدهم اتهاما لآرائهم ، وهؤلاء ضد ذلك ، وأهل الاستقامة منهم سلكوا على الجادة ، ولم يلتفتوا إلى شىء من الخواطر والهواجس والإلهامات ، حتى يقوم عليها شاهدان 00 قال الجنيد : قال أبو سليمان الدارانى : "ربما يقع فى قلبى النكتة من نكت القوم أياماً فلا أقبلها إلا بشاهدين عدلين من الكتاب والسنة "00 وقال أبو اليزيد : "لو نظرتم إلى رجل أعطى من الكرامات حتى يتربع فى الهواء ، فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهى ، وحفظ الحدود " وقال أيضاً : "من ترك قراءة القرآن ، ولزوم الجماعات ، وحضور الجنائز ، وعيادة المرضى وادعى بهذا الشأن فهو مدع " ، وقال سرىّ السقطى : "من ادعى باطن علم ينقضه ظاهر حكم فهو غالط "00 وقال الجنيد : " مذهبنا هذا مقيد بالأصول بالكتاب والسنة ، فمن لم يحفظ الكتاب ويكتب الحديث ، ويتفقه ، لا يقتدى به "00 وقال أبو بكرالدقاق :" من ضيع حدود الأمر والنهى فى الظاهر حرم مشاهدة القلب فى الباطن " وقال أبو الحسين النورى : " من رأيته يدعى مع الله حالة تخرجه عن حد العلم الشرعى فلا تقربه ، ومن رأيته يدعى حالة لا يشهد لها حفظ ظاهره فاتهمه على دينه "00 وقال أبو سعيد الخراز : " كل باطن يخالفه ظاهر فهو باطل "00 وقال الجريرى : " أمرنا هذا كله مجموع على فصل واحد : أن تلزم قلبك المراقبة ، ويكون العلم على ظاهرك قائماً "00 وقال أبو حفص الكبير الشأن : " من لم يزن أحواله وأفعاله بالكتاب والسنة ولم يتهم خواطره فلا تعدوه فى ديوان الرجال "00 وما أحسن ما قال أبو أحمد الشيرازى : " كان الصوفية يسخرون من الشيطان ، والآن الشيطان يسخر منهم "00 ونظير هذا ما قاله بعض أهل العلم : " كان الشيطان فيما مضى يهب من الناس ، واليوم الرجل الذى يهب من الشيطان "00
اللهم إنا نسألك السلامة في الأمور كلها ؛ ونسألك الإخلاص في السر والعلن ؛ ونسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة !!00
يواصل شيخ الإسلام إبن القيم - رحمه الله تعالى - في كتابه القيم " إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان " توضيح بعض المكائد التي كاد بها الشيطان جهال المتصوفة فيقول :- ( ومن كيده: أمرهم بلزوم زى واحد ، ولبسة واحدة ، وهيئة ومشية معينة ، وشيخ معين ، وطريقة مخترعة ، ويفرض عليهم لزوم ذلك بحيث يلزمونه كلزوم الفرائض ، فلا يخرجون عنه ويقدحون فيمن خرج عنه ويذمونه ، وربما يلزم أحدهم موضعاً معيناً للصلاة لا يصلى إلا فيه ، وقد نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : " أَنْ يُوَطِّنَ الرَّجُلُ المَكانَ للصلاة كما يوطن البعير "00
وكذلك ترى أحدهم لا يصلى إلا على سجادة ، ولم يصل رسول الله عليه السلام على سجادة قط ولا كانت السجادة تفرش بين يديه ، بل كان يصلى على الأرض ، وربما سجد فى الطين ، وكان يصلى على الحصير ، فيصلى على ما اتفق بسطه ، فإن لم يكن ثمة شىء صلى على الأرض 0
وهؤلاء اشتغلوا بحفظ الرسوم عن الشريعة والحقيقة ، فصاروا واقفين مع الرسوم المبتدعة ليسوا مع أهل الفقه ، ولا مع أهل الحقائق ، فصاحب الحقيقة أشد شىء عليه التعبد بالرسوم الوضعية ، وهى من أعظم الحجب بين قلبه وبين الله ، فمتى تقيد بها حبس قلبه عن سيره 00 وكان أخس أحواله الوقوف معها ، ولا وقوف فى السير ، بل إما تقدم وإما تأخر، كما قال تعالى : {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أوْ يَتَأَخَّرَ} [المدثر: 37]00
فلا وقوف فى الطريق إنما هو ذهاب وتقدم ، أو رجوع وتأخر 00
ومن تأمل هدى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وسيرته وجده مناقضاً لهدى هؤلاء فإنه كان يلبس القميص تارة ، والقباء تارة ، والجبة تارة ، والإزار والرداء تارة ، ويركب البعير وحده ، ومردفاً لغيره ، ويركب الفرس مسرجاً وعرياناً ، ويركب الحمار ، ويأكل ما حضر ، ويجلس على الأرض تارة ، وعلى الحصير تارة ، وعلى البساط تارة ، ويمشى وحده تارة ، ومع أصحابه تارة ، وهديه عدم التكلف والتقيد بغير ما أمره به ربه ، فبين هديه وهدى هؤلاء بون بعيد ) 00
" فبين هديه وهدى هؤلاء بون بعيد " 00 رحم الله شيخ الإسلام إبن القيم رحمة واسعة !!00
يواصل شيخ الإسلام إبن القيم - رحمه الله تعالى - في كتابه القيم " إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان " توضيح مكيدة أخرى من مكائد الشيطان لابن آدم فيقول :-
( ومن أعظم مكايده التي كاد بها أكثر الناس وما نجا منها إلا من لم يرد الله تعالى فتنته : ما أوحاه قديماً وحديثاً إلى حزبه وأوليائه من الفتنة بالقبور 00 حتى آل الأمر فيها إلىأن عُبد أربابها من دون الله ، وعُبدت قبورهم ، واتخُذت أوثاناً وبنيت عليها الهياكل ، وصُورت صور أربابها فيها ، ثم جُعلت تلك الصور أجساداً لها ظل ، ثم جُعلت أصناماً وعُبدت مع الله تعالى 00 وكان أول هذا الداء العظيم في قوم نوح كما أخبر سبحانه عنهم في كتابه حيث يقول : " قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا ومكروا مكرا كبارا وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا " [ نوح : 21 ] 00 قال ابن جرير : وكان من خبر هؤلاء فيما بلغنا : ما حدثنا به ابن حميد حدثنا مهران عن سفيان عن موسى عن محمد بن قيس : أن يغوث ويعوق ونسرا كانوا قوما صالحين من بني آدم وكان لهم أتباع يقتدون بهم فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم : لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم فصوروهم فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال : إنما كانوا يعبدونهم وبهم يسقون المطر فعبدوهم 00 قال سفيان عن أبيه عن عكرمة قال : كان بين آدم ونوح عليهما السلام عشرة قرون كلهم على الإسلام حدثنا ابن عبد الأعلى حدثنا عبدالرزاق عن معمر عن قتادة في هذه الآية قال : كانت آلهة يعبدها قوم نوح ثم عبدتها العرب بعد ذلك فكان ود لكلب بدومة الجندل وكان سواع لهذيل وكان يغوث لبني غطيف من مراد وكان يعوق لهمدان وكان نسر لذي الكلاع من حمير وقال الوالبي عن ابن عباس : هذه أصنام كانت تعبد في زمان نوح عليه السلام 00 وقال البخاري : حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا هشام عن ابن جريج قال : قال عطاء عن ابن عباس : صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد : أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل ، وأما سواع فكانت لهذيل ، وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ ، وأما يعوق فكانت لهمدان ، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع 00أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم : أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسى العلم عُبدت 00 وقال غير واحد من السلف : كان هؤلاء قوماً صالحين في قوم نوح عليه السلام فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين : فتنة القبور وفتنة التماثيل وهما الفتنتان اللتان أشار إليهما رسول الله في الحديث المتفق على صحته عن عائشة رضي الله عنها : أن أم سلمة رضي الله عنها ذكرت لرسول الله كنيسة رأتها بأرض الحبشة يقال لها : مارية فذكرت له ما رأت فيها من الصور فقال رسول الله : " أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح أو الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله تعالى " 00 وفي لفظ آخر في الصحيحين : أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها 00 فجمع في هذا الحديث بين التماثيل والقبور وهذا كان سبب عبادة اللات 00 فروى ابن جرير بإسناده عن سفيان عن منصور عن مجاهد : " أفرأيتم اللات والعزى " [ النجم : 19 ] قال : كان يلت لهم السويق فمات فعكفوا على قبره ، وكذلك قال أبو الجوزاء عن ابن عباس رضي الله عنهما : كان يلت السويق للحاج 00 فقد رأيت أن سبب عبادة ود ويغوث ويعوق ونسرا واللات إنما كانت من تعظيم قبورهم ثم اتخذوا لها التماثيل وعبدوها كما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم 00 قال شيخنا : وهذه العلة التي لأجلها نهى الشارع عن اتخاذ المساجد على القبور هي التي أوقعت كثيراً من الأمم إما في الشرك الأكبر أو فيما دونه من الشرك فإن النفوس قد أشركت بتماثيل القوم الصالحين وتماثيل يزعمون أنها طلاسم للكواكب ونحو ذلك فإن الشرك بقبر الرجل الذي يعتقد صلاحه أقرب إلى النفوس من الشرك بخشبة أو حجر ولهذا نجد أهل الشرك كثيرا يتضرعون عندها ويخشعون ويخضعون ويعبدونهم بقلوبهم عبادة لا يفعلونها في بيوت الله ولا وقت السحر ، ومنهم من يسجد لها ، وأكثرهم يرجون من بركة الصلاة عندها والدعاء ما لا يرجونه في المساجد ، فلأجل هذه المفسدة حسم النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم مادتها حتى نهى عن الصلاة في المقبرة مطلقاً وإن لم يقصد المصلي بركة البقعة بصلاته كما يقصد بصلاته بركة المساجد ، كما نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس وغروبها لأنها أوقات يقصد المشركون الصلاة فيها للشمس فنهى أمته عن الصلاة حينئذ وإن لم يقصد المصلي ما قصده المشركون سداً للذريعة 00 قال : وأما إذا قصد الرجل الصلاة عند القبور متبركاً بالصلاة في تلك البقعة فهذا عين المحادة لله ولرسوله والمخالفة لدينه وابتداع دين لم يأذن به الله تعالى فإن المسلمين قد أجمعوا على ما علموه بالاضطرار من دين رسول الله أن الصلاة عند القبور منهي عنها وأنه لعن من اتخذها مساجد فمن أعظم المحدثات وأسباب الشرك : الصلاة عندها واتخاذها مساجد وبناء المساجد عليها وقد تواترت النصوص عن النبي عليه الصلاة والسلام بالنهي عن ذلك والتغليظ فيه فقد صرح عامة الطوائف بالنهي عن بناء المساجد عليها متابعة منهم للسنة الصحيحة الصريحة ، وصرح أصحاب أحمد وغيرهم من أصحاب مالك والشافعي بتحريم ذلك وطائفة أطلقت الكراهة والذي ينبغي أن تحمل على كراهة التحريم إحسانا للظن بالعلماء ، وأن لا يظن بهم أن يجوزوا فعل ما تواتر عن رسول الله لعن فاعله والنهي عنه ، ففي صحيح مسلم عن جندب بن عبدالله البجلي قال : سمعت رسول الله قبل أن يموت بخمس وهو يقول : " إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل فإن الله تعالى قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك " 00 وعن عائشة وعبدالله بن عباس قالا : لما نزل برسول الله طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم كشفها فقال وهو كذلك :" لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا " متفق عليه 00 وفي الصحيحين أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله قال : " قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " 00 وفي رواية مسلم : " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد "00 فقد نهى عن اتخاذ القبور مساجد في آخر حياته ، ثم إنه لعن وهو في السياق من فعل ذلك من أهل الكتاب ليحذر أمته أن يفعلوا ذلك 00 قالت عائشة رضي الله عنها : قال رسول الله في مرضه الذي لم يقم منه : " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشى أن يتخذ مسجداً " متفق عليه 00 وقولها : خشى هو بضم الخاء تعليلاً لمنع إبراز قبره 00 وروى الإمام أحمد في مسنده بإسناد جيد عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد " 00 وعن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " رواه الإمام أحمد 00 وعن ابن عباس قال : " لعن رسول الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج " رواه الإمام أحمد وأهل السنن 00 وفي صحيح البخاري : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى أنس بن مالك يصلي عند قبر فقال : " القبر القبر " 00 وهذا يدل على أنه كان من المستقر عند الصحابة رضي الله عنهم ما نهاهم عنه نبيهم من الصلاة عند القبور وفعل أنس رضي الله عنه لا يدل على اعتقاده جوازه فإنه لعله لم يره أو لم يعلم أنه قبر أو ذُهل عنه فلما نبهه عمر رضي الله تعالى عنه تنبه ، وقال أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام " رواه الإمام أحمد وأهل السنن الأربعة وصححه أبو حاتم بن حبان 00 وأبلغ من هذا : أنه نهى عن الصلاة إلى القبر فلا يكون القبر بين المصلي وبين القبلة 00 فروى مسلم في صحيحه عن أبي مرثد الغنوي رحمه الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها " 00 وفي هذا إبطال قول من زعم أن النهي عن الصلاة فيها لأجل النجاسة ، فهذا أبعد شيء عن مقاصد الرسول صلى الله عليه وسلم وهو باطل من عدة أوجه : منها : أن الأحاديث كلها ليس فيها فرق بين المقبرة الحديثة والمنبوشة كما يقوله المعللون بالنجاسة 00 ومنها : أنه لعن اليهود والنصارى على اتخاذ قبور أنبيائهم مساجد ، ومعلوم قطعاً أن هذا ليس لأجل النجاسة فإن ذلك لا يختص بقبور الأنبياء ، ولأن قبور الأنبياء من أطهر البقاع وليس للنجاسة عليها طريق ألبتة 00 فإن الله حرم على الأرض أن تأكل أجسادهم فهم في قبورهم طريون 00 ومنها : أنه نهى عن الصلاة إليها 00 ومنها : أنه أخبر أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام ، ولو كان ذلك لأجل النجاسة لكان ذكر الحشوش والمجازر ونحوها أولى من ذكر القبور 00 ومنها : أن موضع مسجده كان مقبرة للمشركين فنبش قبورهم وسواها واتخذه مسجداً ، ولم ينقل ذلك التراب بل سوى الأرض ومهدها وصلى فيه كما ثبت في الصحيحين عن أنس بن مالك قال : لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فنزل بأعلى المدينة في حي يقال لهم : بنو عمرو بن عوف فأقام النبي فيهم أربع عشرة ليلة ثم أرسل إلى ملأ بني النجار فجاءوا متقلدي السيوف وكأني أنظر إلى النبي على راحلته وأبو بكر ردفه وملأ بني النجار حوله حتى ألقى بفناء أبي أيوب وكان يحب أن يصلي حيث أدركته الصلاة ويصلي في مرابض الغنم وأنه أمر ببناء المسجد فأرسل إلى ملأ بني النجار فقال : يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا قالوا : لا والله ما نطلب ثمنه إلا إلى الله ، فكان فيه ما أقول لكم : قبور المشركين وفيه خرب وفيه نخل فأمر النبي بقبور المشركين فنبشت ، ثم بالخرب فسويت ، وبالنخل فقطع ، فصفوا النخل قبلة المسجد وجعلوا عضادتيه الحجارة وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون وذكر الحديث 00 ومنها : أن فتنة الشرك بالصلاة في القبور ومشابهة عباد الأوثان أعظم بكثير من مفسدة الصلاة بعد العصر والفجر فإذا نهى عن ذلك سداً لذريعة التشبه التي لا تكاد تخطر ببال المصلي فكيف بهذه الذريعة القريبة التي كثيراً ما تدعو صاحبها إلى الشرك ودعاء الموتى واستغاثتهم وطلب الحوائج منهم واعتقاد أن الصلاة عند قبورهم أفضل منها في المساجد وغير ذلك مما هو محادّة ظاهرة لله ورسوله ، فأين التعليل بنجاسة البقعة من هذه المفسدة ؟؟ ومما يدل على أن النبي قصد منع هذه الأمة من الفتنة بالقبور كما افتتن بها قوم نوح ومن بعدهم 00 ومنها : أنه لعن المتخذين عليها المساجد ولو كان ذلك لأجل النجاسة لأمكن أن يتخذ عليها المسجد مع تطيينها بطين طاهر فتزول اللعنة وهو باطل قطعاً 00 ومنها : أنه قرن في اللعن بين متخذي المساجد عليها وموقدي السرج عليها 00 فهما في اللعنة قرينان وفي ارتكاب الكبيرة صنوان 00 فإن كل ما لعن رسول الله فهو من الكبائر ومعلوم أن إيقاد السرج عليها إنما لعن فاعله لكونه وسيلة إلى تعظيمها وجعلها نصباً يوفض إليه المشركون كما هو الواقع فهكذا اتخاذ المساجد عليها ولهذا قرن بينهما 00 فإن اتخاذ المساجد عليها تعظيم لها ، وتعريض للفتنة بها ، ولهذا حكى الله سبحانه وتعالى عن المتغلبين على أمر أصحاب الكهف أنهم قالوا : " لنتخذن عليهم مسجداً " [ الكهف : 21 ] 00 ومنها : أنه صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " ، فذكره ذلك عقيب قوله :" اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد " تنبيه منه على سبب لحوق اللعن لهم وهو توصلهم بذلك إلى أن تصير أوثاناً تعبد 00 00وبالجملة فمن له معرفة بالشرك وأسبابه وذرائعه ، وفهم عن الرسول مقاصده جزم جزماً لا يحتمل النقيض أن هذه المبالغة منه باللعن والنهي بصيغتيه : صيغة لا تفعلوا وصيغة إني أنهاكم ليس لأجل النجاسة بل هو لأجل نجاسة الشرك اللاحقة بمن عصاه ، وارتكب ما عنه نهاه ، واتبع هواه ، ولم يخش ربه ومولاه ، وقل نصيبه أو عدم في تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله 00 فإن هذا وأمثاله من النبي صيانة لحمى التوحيد أن يلحقه الشرك ويغشاه ، وتجريد له وغضب لربه أن يعدل به سواه ، فأبى المشركون إلا معصية لأمره ، وارتكاباً لنهيه ، وغرهم الشيطان فقال : بل هذا تعظيم لقبور المشايخ والصالحين وكلما كنتم أشد لها تعظيماً وأشد فيهم غلواً كنتم بقربهم أسعد ومن أعدائهم أبعد 00 ولعمر الله من هذا الباب بعينه دخل على عباد يغوث ويعوق ونسر ، ومنه دخل على عباد الأصنام منذ كانوا إلى يوم القيامة فجمع المشركون بين الغلو فيهم والطعن في طريقتهم ، وهدى الله أهل التوحيد لسلوك طريقتهم وإنزالهم منازلهم التي أنزلهم الله إياها : من العبودية وسلب خصائص الإلهية عنهم وهذا غاية تعظيمهم وطاعتهم 00 فأما المشركون فعصوا أمرهم وتنقصوهم في صورة التعظيم لهم قال الشافعي : أكره أن يعظم مخلوق حتى يجعل قبره مسجداً مخافة الفتنة عليه وعلى من بعده من الناس 00 وممن علل بالشرك ومشابهة اليهود والنصارى : الأثرم في كتاب ناسخ الحديث ومنسوخه فقال بعد أن ذكر حديث أبي سعيد : أن النبي قال : " جعلت لي الأرض مسجداً إلا المقبرة والحمام " 00 وحديث زيد بن جبير عن داود بن الحصين عن نافع عن ابن عمر : أن النبي نهى عن الصلاة في سبع مواطن وذكر منها المقبرة قال الأثرم : إنما كرهت الصلاة في المقبرة للتشبه بأهل الكتاب لأنهم يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ) !!00
وبإذن المولَى الكريم سبحانه نستكمل معاً هذا الموضوع إن كان في العمر بقية 00 وآسف جداً على الإطالة !!00
يواصل شيخ الإسلام إبن القيم - رحمه الله تعالى - في كتابه القيم " إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان " توضيح مكيدة أخرى من مكائد الشيطان لابن آدم فيقول :-
( وَمِنْ مكايد عدو الله ومصايده ، التى كاد بها من قل نصيبه من العلم والعقل والدين 00 وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين 00 سماع المكاء ، والتصدية ، والغناء بالآلات المحرمة 00 الذى يصد القلوب عن القرآن ، ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان 00 فهو قرآن الشيطان 00 والحجاب الكثيف عن الرحمن 00 وهو رُقية اللواط والزنا 00 وبه ينال العاشق الفاسق من معشوقة غاية المنى 00 كاد به الشيطان النفوس المبطلة ، وحسنه لها مكراً منه وغروراً 00 وأوحى إليها الشبه الباطلة على حسنه ، فقبلت وحيه واتخذت لأجله القرآن مهجوراً 00 فلو رأيتهم عند ذياك السماع وقد خشعت منهم الأصوات ، وهدأت منهم الحركات ، وعكفت قلوبهم بكليتها عليه ، وانصبت انصبابة واحدة إليه ، فتمايلوا له ولا كتمايل النشوان،وتكسروا فى حركاتهم ورقصهم - أرأيت تكسر المخانيث والنسوان - ؟؟ ويحق لهم ذلك 00 وقد خالط خمارة النفوس ، ففعل فيها أعظم ما تفعله حُمَّيه الكؤوس 00 فلغير الله ، بل الشيطان ، قلوب هناك تمزق 00 وأثواب تشقق 00 وأموال فى غير طاعة الله تنفق 00 حتى إذا عمل السكر فيهم عمله ، وبلغ الشيطان منهم أمنيته وأمله ، واستفزهم بصوته وحيله ، وأجلب عليهم برجله وخيله ، وخَزَ فى صدورهم وخزاً 00 وأزَّهم إلى ضرب الأرض بالأقدام أزاً 00 فطوراً يجعلهم كالحمير حول المدار ، وتارة كالذباب ترقص وسُيَطْ الديار 00 فيا رحمتا للسقوف والأرض من دك تلك الأقدام ، ويا سوأتا من أشباه الحمير والأنعام ، وياشماتة أعداء الإسلام ، بالذين يزعمون أنهم خواص الإسلام 00 قضوا حياتهم لذة وطرباً ، واتخذوا دينهم لهواً ولعباً 00 مزامير الشيطان أحب إليهم من استماع سور القرآن 00 لو سمع أحدهم القرآن من أوله إلى آخره لما حرك له ساكناً ، ولا أزعج له قاطناً ، ولا أثار فيه وجداً ، ولا قدح فيهمن لواعج الشوق إلى الله زنداً 00 حتى إذا تُلى عليه قرآن الشيطان ، وولج مزمور سمعه ، تفجرت ينابيع الوجد من قلبه على عينه فجرت 00 وعلى أقدامه فرقصت 00 وعلى يديه فصفقت 00 وعلى سائر أعضائه فاهتزت وطربت 00 وعلى أنفاسه فتصاعدت 00 وعلى زفراته فتزايدت 00 وعلى نيران أشواقه فاشتعلت 00 فياأيها الفاتن المفتون 00 والبائع حظه من الله بنصيبه من الشيطان صفقة خاسر مغبون 00 هلا كانت هذه الأشجان ، عند سماع القرآن ؟؟ وهذه الأذواق والمواجيد ، عند قراءة القرآن المجيد ؟؟ وهذه الأحوال السنيات ، عند تلاوة السور والآيات ؟؟ ولكن كل امرئ يصبو إلى ما يناسبه ، ويميل إلى ما يشاكله ، والجنسية علة الضم قدراً وشرعا ً، والمشاكلة سبب الميل عقلاً وطبعاً ، فمن أين هذا الإخاء والنسب ، لولا التعلق من الشيطان بأقوى سبب ؟؟ ومن أين هذه المصالحة التى أوقعت فى عقد الإيمان وعهد الرحمن خللاً ؟؟{أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُريتَهُ أَوْلِياَءَ مِنْ دُونِى وَهُمْ لكُمْ عَدُو بِئْسَ لِلظّالمِينَ بَدَلا}) 00 والله الموفق !!00
ملحوظة : يمكنك أخى الحبيب قصى أن تقوم بتنسيق الموضوع بشكل أفضل , وذلك بأن تقسم الموضوع إلى فقرات وأن تلون الآيات , وتهتم بأدوات الترقيم والضرورى من التشكيل وذلك طلبا لراحة عين القارئ .. عذرا على التطفل !